بازگشت

موقف جعفر بن علي من ابن اخيه المهدي


لم يکن الامام علي الهادي منشرحا لولادة ولده جعفر و لا متفائلا بحسن مصيره، و لما سئل عن اسباب ذلک قال لامراة کانت تراقب نظراته و حرکاته، کما جاء في رواية کشف الغمة للاربلي: هوني عليک و سيضل به خلق کثير.

و توکد الروايات الکثيرة انه لما شب و ترعوع انحرف عن اخلاق الاسلام و تعاليمه و عن الخط الرسالي الذي کان آباؤه (ع) قد وضعوه بين ايدي المسلمين لا تمام الحجة عليهم و انقاذهم مما کانوا يعانون من شدة و بلاء، و اختار لنفسه منادمة الحکام و اجهزتهم و التلهي بالخمور و المنکرات حتي اضطر والده (ع) ان يقول لبعض اصحابه: تجبنبوا ولدي جعفر فانه مني بمنزلة ابن نوح الذي قال الله فيه:(يا نوح انه ليس من اهلک انه عمل غير صالح) کما جاء في المجلد الثاني من تاريخ سامراء.

و لما سئل عنه احمد بن عبيد الله بن خاقان وزير المعتمد العباسي و کان يتحدث عن اخيه ابي محمد الحسن العسکري، قال: و من هو جعفر فيسال عن خبره او يقرن به، و مضي يقول احمد ابن الوزير:‌و لما دفن اخوه الحسن العسکري جاء‌الي ابي و قال له: اجعل لي مرتبة ابي و اخي و اوصل لک في کل سنة عشرين الف دينار فزبره ابي و اسمعه ما کره، و قال له: يا احمق ان السلطان اعزه الله جرد سيفه و سوطه في الذين زعموا ان اباک و اخاک ائمة‌



[ صفحه 535]



ليردهم عن ذلک فلم يقدر عليه وجهد ان يزيل اباک و اخاک عن تلک المرتبة فلم يتهيا له ذلک، فان کنت عند شيعة ابيک و اخيک اماما فلا حاجة بک الي سلطان يرتبک مراتبهما و لا غير سلطان و ان لم تکن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها.

و قال ابو الاديان خادم الامام الحسن العسکري الذي کان يتولي نقل کتبه و رسائله الي الشيعة في مختلف المناطق، و کان قد ارسله الي المدائن و حمله رسائل الي وجوه شيعته فيها، و لما رجع وجد الامام قد توفي و اخاه جعفر واقفا بباب الدار يستقبل المعزين و المهنئين له بالامامة بعد اخيه، فقال کما جاء في الرواية عنه: ان يکن هذا هو الامام بعد الحسن بن علي فقد بطلت الامامة و کان يعرفه بتعاطي المنکرات و الاستهتار باحکام الله.

و قد ذکرنا ان السلطة کانت جادة في مسانديه و احلاله محل اخيه و قد قدمته للصلاة عليه لهذه الغاية و لما وقف علي الجنازة فوجي ء الناس بصبي لم يتجاوز السادسة من عمره يخرج من الدار و ياخذ برداء عمه الي الوراء و هو يقول: تاخر فانا احق منک بالصلاة علي ابي فيتاخر جعفر بدون ان تبدر منه اية معارضة و يربد وجهه و تعلوه صفرة تنم عن الخيبة و الفشل، و مع تلک الصدمة العنيفة التي اصيب بها بظهور الوريث الشرعي لاخيه الذي کان يجهله عامة الناس و تنحيته عن الصلاة عليه بحضور تلک الحشود المجتمعة لتشييع الجثمان الطاهر الي مقره الاخير، فقد بقي في نفسه شي ء من الامل ان يتم له الاستيلاء علي مرکز اخيه و لو بواسطة السلطة الحاکمة و اجهزتها التي کانت تعمل لصالحه و توجه الوافدين و جباة الاخماس اليه،‌و لکن جهوده و جهود الحاکمين و اجهزتهم تعثرت و باءت بالفشل ذلک لان وکلاء الائمة و خاصتهم و حتي عامة الشيعة يعرفون ان الذين اختارهم الله للامامة و قيادة الامة قد حباهم الله بما يتعسر علي غيرهم من الناس، و قد ادعاها قبله اناس بدافع الانانية و حب الشهرة و بتحريض الحاکمين و مساندتهم و لکنهم سرعان ما انکشفوا علي واقعهم وارتدوا علي اعقابهم خاسرين، ولم يکن جعفر بن علي



[ صفحه 536]



باوفر حظا من اولئک الادعياء لا سيما و هو بالاضافة الي جهله معروف بالاستهتار بالدين و ممارسه المنکرات، و رجع شيعة آبائه الي الامام الشرعي بعد ان اظهر لهم من دلائل الامامة ما کان يظهره ابوه و اجداده من قبله.

و جاء في روايه ابي الاديان الذي کان يحمل کتبه و رسائله الي الشيعه في الامصار و يرجع باجوبتها الي الامام ابي محمد العسکري،‌انه لما دفن الامام قال لي ولده القائم: يا بصري هات اجوبه الکتب التي معک فرفعتها اليه و قلت في نفسي هذه بينتان الصلاه علي ابيه و علمه بما احمله من اجوبه الکتب و لم يکن قد علم بذلک احد من الناس، ثم خرجت الي جعفر بن علي و جلست عنده و بينما نحن جلوس و اذا بنفر من قم يقصدون الامام ابا محمد و لم يکونوا قد عرفوا بوفاته الا بعد دخولهم سامراء، فقالوا: فمن نعزي؟

فاشار الناس الي اخيه جعفر، فدخلوا عليه و عزوه باخيه و هنوه بالامامه، ثم قالوا له: ان معنا کتبا و اموالا فاذا اخبرتنا ممن الکتب و عن مبلغ المال دفعناها اليک، فقام ينفض ثيابه و هو يقول: تريدون منا ان نعلم الغيب، فلم يدفعوا اليه شيئا.

و فيما هم في حيره من امرهم و اذا بالخادم يخرج من دار الامام فقال لهم: معکم کتب فلان و فلان و هميان فيه الف دينار عشره دنانير منها مطليه فدعفوا اليه الکتب و الاموال و قالوا ان الذي اخبرک بذلک هو الامام بعد ابي محمد، فاغتاظ جعفر بن علي من ذلک و دخل علي المعتمد العباسي وقص عليه ما جري للقميين، فوجه معه المعتمد اجهزته فقبضوا علي صيقل ام المهدي و طالبوها به فانکرته فسلموها الي ابن ابي الشوارب القاضي، ثم تشاغلوا عنها کما يدعي الراوي بموت عبيدالله بن خاقان فجاه و خروج صاحب الزنج في البصره و خرجت من بين ايديهم.

و جاء في روايه ثانيه رواها الصدوق في الاکمال بسنده الي ابي الحسن ابن علي بن سنان عن ابيه انه قال: لما قبض ابو محمد الحسن العسکري و قدم بالاموال وفود من قم و الجبال، و لم يکن عندهم علم بوفاه الحسن (ع) فلما



[ صفحه 537]



قدموا سامراء و علموا بوفاته سالوا عن وارثه قيل لهم اخوه جعفر بن علي و کان قد خرج متنزها في دجله مع المغنين والغلمان فلما رجع دخلوا عليه و قالوا: يا سيدنا نجن من قم وجهاتها و کنا نحمل الي سيدنا ابي محمد الاموال فخبرنا عن مقدارها و من اين جمعت، فقال لهم جعفر:‌کذبتم تقولون علي اخي مالا يفعله و هذا من علم الغيب الذي لا يعلمه غير الله، فلما سمع القوم کلامه جعل بعضهم ينظر الي بعض، ثم قال لهم: ادفعوا المال، فقالوا:‌انا قوم مستاجرون و انا لا نسلم المال الا بالعلامات التي کنا نعرفها من اخيک، فان کنت اماما فبرهن لنا و الا رددنا الاموال لا صحابها، فقام جعفر و دخل علي الخليفه و استعداده عليهم فامرهم بدفع الاموال الي جعفر، فقالوا: انا قوم مستاجرون و قد امرنا ان لا ندفع المال الا بعلامه و دلاله کما جرت العاده مع اخيه و کان يصف لنا الدنانير و اصحابها و مقدارها، فان يکن هذا صاحب الامر من بعده فليقم لنا ما کان يقيمه اخوه و الا رددنا المال لا صحابه.

ثم انهم خرجوا من سامراء و فيما هم خارج البلده و اذا بشاب قد لحق بهم و قال: يا فلان و يا فلان اجيبوا مولاکم، فرجعوا و دخلوا علي الامام (ع) فاخبرهم بالمال و مقداره و من ارسله فدفعوا اليه المال، ثم اوصاهم بان لا يحملوا الي سامراء بعد ذلک شيئا و ان يرسلوا الاموال و الکتب الي نوابه في بغداد، واضاف الراوي الي ذلک ان جعفر بن علي حمل الي الخليفه مبلغا کبيرا من المال و طلب منه ان يجعل له منزله اخيه، فقال له: ان منزله اخيک لم تکن بنا و کنا نجهد في حط منزلته و يابي الله الا ان يزيده رفعه لما کان فيه من حسن السمت و العلم و العباده فان کنت عند شيعته بمنزلته فلا حاجه بک الينا و ان لم تکن کذلک فلا نغني عنک شيئا.

و سواء صحت هذه المرويات ام لم تصح فمما لا شک فيه ان الحاکمين و اجهزتهم قد بذلوا اقصي ما لديهم من جهد لارجاع الشيعه الي جعفر بن علي لانه کان من اعوانهم و يجلس علي موائدهم مع المغنين و المغنيات، و ساعدتهم الظروف الغامضه التي کانت تحيط بالامام المهدي (ع) و اختفائه عن الناس



[ صفحه 538]



علي الدعوه لعمه جعفر بحجه انه الوريث الوحيد لابيه و اخيه، في حين ان جعفر بن علي لم يکن يجهل وجود الامام و حتي ان الحاکمين کانوا يعرفون ذلک، و لکن الله سبحانه کان لهم بالمرصاد فاحبط جميع مخططاتهم ورد الذين کفروا بغيظهم لم ينالوا شيئا، و رجع اليه شيعه آبائه و ظلوا علي اتصال به خلال الغيبه الصغري بواسطه سفرائه و وکلائه کما توکد ذلک عشرات المرويات.

و لجعفر بن علي الهادي ولدان احدهما يدعي محسن بن جعفر، قتله جماعه من الاعراب في بعض المقاطعات التابعه لدمشق، وادعي قاتله بانه خرج علي السلطان، فحمل راسه الي بغداد وصلب علي الجسر فيها کما جاء في الکني والالقاب للقمي.

و الثاني يدعي عيسي و کان عالما فاضلا کما يصفه القمي و قد سمع الحديث منه هارون من موسي التلعکبري و استجازه فاجازه و له الابيات التاليه:



يا بني احمد اناديکم اليوم

و انتم غدا لرد جوابي



الف باب اعطيتم ثم افضي

کل باب منها الي الف باب



لکم الامر کله و اليکم

ولديکم يوول فصل الخطاب





[ صفحه 539]