بازگشت

کيف الاستفادة من الاِمام الغائب؟


وأخيراً هناک سؤال ربما يدور في الاَذهان، وهو: إذا کان الاِمام المهدي کذلک، فما هي الفائدة بالنسبة للاُمة، وهو غائبٌ مستور، متوارٍ عن الاَنظار؟!

والجواب:

إنَّ الذي يحقق ويدقق في هذه المسألة، يجب أن يضع في حسابه أولاً الروايات والاَخبار الصحيحة التي تتحدث عن ظهوره الذي سيکون بصورةٍ مفاجئة وسريعة، أو علي حدِّ لسان بعض الروايات «بغتة». أي دون تحديد زمن مخصوص أو وقتٍ معيّن، وهذا يترتّب عليه ترقب کل جيلٍ من أجيال المسلمين لظهوره المبارک. إنَّ المتأمل لهذه المسألة سوف لايصعب عليه أن يکتشف فوائد ومزايا جمةً تتعلق بالاُمّة المرحومة، منها:

1 ـ إنَّ ذلک يدعو کلّ مؤمن إلي أن يکون علي حالةٍ من الاستقامة علي الشريعة، والتقيّد بأوامرها ونواهيها، والابتعاد عن ظلم الآخرين، أو غصب حقوقهم، وذلک لاَنَّ ظهور الاِمام المهدي ـ الذي سيکون مفاجئاً ـ



[ صفحه 177]



يعني قيام دولته وهي التي يُنتصف فيها للمظلوم من الظالم، ويُبسَط فيها العدل ويُمحي الظلم من صفحة الوجود. ولايقولنَّ أحدٌ إنَّ الشريعة ودستورها القرآن منعت الظلم والتظالم وهذا يکفي.

فإنَّ جوابه: إنَّ الشعور والاعتقاد بوجود السلطة وبتمکنها وسلطنتها يعدُّ رادعاً قوياً، وقد جاء في الاَثر الصحيح «إنَّ اللهَ ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن..».

2 ـ إنَّ ذلک يدعو کلّ مؤمن إلي أن يکون في حالةِ طوارئ مستمرة من حيث التهيؤ للانضمام إلي جيش الاِمام المهدي والاستعداد العالي للتضحية في سبيل فرض هيمنة الاِمام الکاملة وبسط سلطته علي الارض لاِقامة شرع الله تعالي. وهذا الشعور يخلق عند المؤمنين حالةً من التآزر والتعاون ورصّ الصفوف والانسجام لاَنهم سيکونون جُنداً للاِمام عليه السلام.

3 ـ إنَّ هذه الغيبة تحفّز المؤمن بها للنهوض بمسؤوليته، وخاصة في مجال الاَمر بالمعروف والنهي عن المنکر، فتکون الاَُمّة بذلک متحصّنة متحفّزة. إذ لايمکن تقيّد أنصار الاِمام المهدي عليه السلام بالانتظار فحسب، دون الاَمر بالمعروف والنهي عن المنکر استعداداً لبناء دولة الاِسلام الکبري وتهيئة قواعدها حتي ظهور الاِمام المهدي عليه السلام.

4 ـ إنَّ الاُمّة التي تعيش الاعتقاد بالمهدي الحي الموجود تبقي تعيش حالة الشعور بالعزة والکرامة، فلا تطأطئ رأسها لاَعداء الله تعالي، ولاتذلُّ لجبروتهم وطغيانهم، إذ هي تترقب وتتطلع لظهوره المظفّر في کلِّ ساعة، ولذلک فهي تأنف من الذلِّ والهوان، وتستصغر قوي الاستکبار، وتستحقر کلّ مايملکون من عدةٍ وعدد.

إنَّ مثل هذا الشعور سيخلق دافعاً قويّاً للمقاومة والصمود والتضحية، وهذا هو الذي يخوّف أعداء الله وأعداء الاِسلام، بل هذا هو سرّ خوفهم ورعبهم الدائم، ولذلک حاولوا علي مرّ التاريخ أن يُضعفوا العقيدة



[ صفحه 178]



بالمهدي، وأن يُسخّروا الاَقلام المأجورة للتشکيک بها، کما کان الشأن دائماً في خلق وإيجاد الفرق والتيارات الضالّة والهدّامة لاحتواء المسلمين، وصرفهم عن التمسّک بعقائدهم الصحيحة، والترويج للاعتقادات الفاسدة مثلما حصل في نحلة البابية والبهائية والقاديانية والوهابية.

هذا، ويمکن أن نضيف إلي هذه الثمرات والفوائد المهمة فوائد اُخري يکتسبها المُعتقِد بظهور المهدي عليه السلام في آخرته، ويأتي في مقدمتها تصحيح اعتقاده بعدل الله تعالي ورأفته بهذه الاُمّة التي لم يترکها الله سديً ينتهبها اليأس ويفتک بها القنوط لما تشاهده من انحراف عن الدين، دون أن يمدّ لها حبل الرجاء بظهور الدين علي کلِّ الاَرض بقيادة المهدي عليه السلام.

ومنها: تحصيل الثواب والاَجر علي الانتظار، فقد ورد في الاَثر الصحيح عن الصادق عليه السلام: «المنتظر لاَمرنا کالمتشحط بدمه في سبيل الله».

ومنها: الالتزام بقوله تعالي حکايةً عن وصية إبراهيم عليه السلام لبنيه: (يابَنِيَّ إنَّ الله اصْطَفي لَکُم الدّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلاّ وأنتُم مُسْلِمُون) [1] ، وقد مرّ بأن من مات ولم يعرف إمام زمانه ـ وفي عصرنا هو المهدي عليه السلام ـ مات ميتةً جاهلية. واستناداً إلي کلِّ ماذکرناه يظهر معني: إنَّ الاَرض لاتخلو من حجةٍ لله تعالي.

واخيراً، فإنّ مما تسعي إليه بُؤَر النفاق وبشکل دؤوب هو بحثها الحثيث بين صفوف المسلمين، لعلها تجد فيهم من تتلقفه وتحوطه برعايتها، وتمنحه الالقاب العلمية الکاذبة التي يَشْرَه إليها؛ لکي تتخذه مطيّة لاغراضها وبوقاً لدعاياتها عبر المجلات والمؤتمرات التي تندد



[ صفحه 179]



بالاِسلام وأُصوله الشامخة، ولن تجد بغيتها إلاّ فيمن انحرف عن المحجة البيضاء، ورمي بنفسه کالطفل في احضان مربية حمقاء تسخّره لکل لعبة قذرة، کما نلحظه اليوم في تقريب سلمان رشدي ومن علي شاکلته، علي أمل أن تجد سمومهم طريقها إلي کل جسد مسلم ضعيف.

ولهذا کان من الواجب الاِسلامي التنبيه علي هذه الوسيلة الدنيئة، وتوعية المسلمين بأهدافها وغاياتها واخطارها، وتحصينهم بالاِيمان الصحيح الذي أمر به هرم الاِسلام المقدس: (القرآن الکريم، والسنّة المطهرة، ومدرسة أهل البيت عليهم السلام).

وتلبية لنداء الواجب الاِسلامي، کان الحديث ـ في هذا الکتاب ـ عن الاِمام المهدي الذي هو حديث الاِسلام بنقائه وصفائه، وقد تبين بالتفصيل أنّ الاعتقاد بظهور الاِمام المهدي في آخر الزمان إنّما هو من مستلزمات الوثوق بصدق رسالة الاِسلام الخالدة، وأنّ التکذيب به هو تکذيب برسالة الاِسلام التي أخبرت عن ظهوره!

ونحسب ان في فصول هذا الکتاب ـ الذي اعتني بسلاسة الاسلوب وقوة الدليل ـ ما يميزه عن غيره لما فيه من تلبية وافية لحاجة المثقف الاِسلامي بأي درجة کان لمعرفة حقيقة المهدي المنتظر في الفکر الاسلامي.

والحمد لله علي هدايته، والصلاة والسلام علي أفضل أنبيائه ورسله محمد، وعلي آله الطاهرين، وصحبه المخلصين ومن سار علي نهجهم إلي يوم الدين.

المحرم الحرام

1417 هـ


پاورقي

[1] البقرة: 2 / 132.