بازگشت

حول طول العمر


إن أهم مايثيرونه في هذا المجال، ويروّجون له باستمرار قديماً وحديثاً، هو قولهم: إذا کان المهدي يُعبّرُ عن إنسان حيّ عاصرَ الاَجيال المتعاقبة منذ أکثر من أحدَ عشرَ قرناً فکيف تأتّي له هذا العمر الطويل؟ وکيف نجا من القوانين الطبيعية التي تحتمّ مروره بمرحلة الشيخوخة [1] !!

ومن الجائز أن نطرح الشبهة بصورة سؤالٍ کأن يقال: هل بالاِمکان أن يعيش الانسانُ قروناً طويلة؟!

وللاِجابة عن هذا السؤال لابدَّ من التمهيد ببحث مسألة الاِمکان هنا. فهناک ثلاثة أنواع متصورة للاِمکان:

الاَول: ما يصطلح عليه بالاِمکان العملي، ويُراد به ما هو ممکن



[ صفحه 168]



فعلاً وواقعاً. أي له تحقق ووجود ظاهر ومتعين.

والثاني: مايصطلح عليه بالامکان العلمي، ويُراد به ما هو غير ممتنعٍ من الناحية العلمية الصِرفة، أي أنَّ العلم لايمنع وقوعه وتحققه ووجوده فعلاً.

والثالث: مايصطلح عليه بالامکان المنطقي، ويُراد به ما ليس مستحيلاً عقلاً، أي أنَّ العقل لايمنع وقوعه وتحققه.

واستناداً الي هذا نعرض المسألة کالآتي مبتدئين بالاِمکان المنطقي فنقول:

هل إنَّ امتداد عمر الانسان مئات السنين ممکن منطقياً، أي ليس مستحيلاً من وجهة نظر عقلية؟

والجواب: نعم بکل تأکيد، فقضية امتداد العمر فوق الحدّ الطبيعي أضعافاً مضاعفةً ليست في دائرة المستحيل، کما هو واضح بأدني تأمل. نعم هو ليس مألوفاً ومشاهداً، ولکن هناک حالات، نقلها أهل التواريخ، وتناقلتها بعض النشرات العلمية، تجعل الانسان لايستغرب ولايُنکر، علي أنَّ الغرابة ترتفع تماماً عندما يقرع سمعَ المسلم صوتُ الوحي ومنطوق القرآن في النبي نوح عليه السلام: (وَلَقَدْ أرْسَلْنَا نوُحاً إلي قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلاَّ خَمْسِينَ عَاماً) [2] ولتقريب مسألة الامکان بهذا المعني نضربُ مثالاً کالآتي: لو أنَّ أحداً قال لجماعةٍ إني أستطيع أن أعبرَ النهر ماشياً، أو أجتاز النارَ دون أن أُصابَ بسوء، فلا بدَّ أن يستغربوا وينکروا، لکنه لو حقّق ما قاله بالفعل فعبر النهر ماشياً أو اجتاز النار بسلام؛ فإنَّ انکارهم واستغرابهم سيزول عند ذلک. فلو جاء آخر وقال مثلَ مقالة الاَول، فإنَّ درجة الاستغراب ستقلُّ، وهکذا لو جاء ثالث ورابع وخامس، فإنَّ ما وقع



[ صفحه 169]



منهم من الاستغراب أوّل مرّة سوف لايبقي علي حالته وقوّته في المرة الخامسة، بل يضعف جداً الي أنْ يزول.

وهکذا نقول في مسألتنا، فإنَّ القرآن قد أخبر: أن نوحاً عليه السلام لبثَ في قومه ألف سنةٍ إلاّ خمسين عاماً، وهذا غير عمره قبل النبوّة! وأن عيسي عليه السلام لم يمت وإنما رفعه الله إليه کما في قوله تعالي: (وَقَوْلِهِمْ إنّا قَتَلْنَا المسيحَ عيسي ابنَ مريمَ رسولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وما صَلَبُوه وَلَکِنْ شُبِّه لَهُمْ وإِنّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فيهِ لَفي شَکٍّ مِنْهُ مَالَهُم بِهِ من عِلْمٍ إلاّ اتباع الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً، بَل رَفَعَهُ اللهُ إليهِ وَکانَ اللهُ عَزِيزاً حَکيماً) [3] .

وأيضاً فقد جاء في روايات الصحيحين (البخاري ومسلم) أنّه سينزل إلي الاَرض، وکذلک جاء فيهما أن الدجال موجود حي [4] .

وعليه فعندما تتحدث الروايات الصحيحة ويشهد الشهود، وتتوالي الاعترافات بوجود (المهدي) من عترة الرسول الاَکرم، من ولد فاطمة، نجل الحسن العسکري الذي ولد سنة (255 هـ)، فسوف لايبقي عند ذلک وجه للاستغراب والانکار إلا عناداً واستکباراً.

وقد جاء في تفسير الرازي: «قال بعض الاَطباء: العمر الاِنساني لايزيد علي مائة وعشرين سنة، والآية تدلّ علي خلاف قولهم، والعقل يوافقها، فإنَّ البقاء علي الترکيب الذي في الاِنسان ممکن لذاته وإلاّ لما بقي، ودوام تأثير المؤثر فيه ممکن؛ لاَنَّ المؤثر فيه إنْ کان واجب الوجود فظاهر الدوام، وإن کان غيره فله مؤثر، وينتهي الي الواجب وهو دائم، فتأثيره



[ صفحه 170]



يجوز أن يکون دائماً. فإذن البقاء ممکن في ذاته، فإن لم يکن فلعارض، لکن العارض ممکن العدم، وإلاّ لما بقي هذا المقدار لوجوب وجود العارض المانع. فظهر أنَّ کلامهم علي خلاف العقل والنقل» [5] .

هکذا برهن الرازي علي جواز طول عمر الانسان بخلاف المعتاد کما هو الثابت في طول عمر عيسي عليه السلام، والبرهان نفسه يصح الاستدلال به علي طول عمر المهدي عليه السلام، ويقرّب هذا الاستدلال اتفاق الصحاح وغيرها علي نزول عيسي في آخر الزمان لمساعدة المهدي علي قتل الدجال وقد عرفت الجواب عن سؤال: من هو الاِمام المهدي؟ مفصلاً.

وننقل الکلام الي الامکان العملي:

ونتساءل:

هل إنَّ الامکان العملي بالنسبة الي نوع الانسان متاحٌ الآن، وتساعد عليه التجربة أم لا؟

والجواب:

إنَّ التجارب المعاصرة في ضوء الامکانات المتاحة والظروف الموجودة لم تنجح لحد الآن في تحقيق مثل هذه الحالة، أي اطالة عمر الانسان إلي حدٍّ أکثر من ضعفٍ أو ضعفي العمر الطبيعي، وهذا أمرٌ مشهود لايحتاج إلي برهان.

وهذا لايدل علي عدم طول عمر الانسان، لان الامکان العملي ينحصر بمحاولات اطالة العمر الطبيعي للانسان بيد الانسان نفسه، إلاّ أن الاعمار بيد الله عزّ وجل، اذن تدخل الانسان في إطالة العمر علي خلاف التقدير غير ممکن.

نعم انه سبحانه يوفر الاَسباب الکفيلة بادامة حياة المعمرين إلي حين



[ صفحه 171]



أجلهم، ودور العلم هنا اکتشاف تلک الاَسباب لا أکثر إذ ليس بمقدوره إبداع الاَسباب لا نحصارها بيده عزوجل بلا خلاف، وعلي هذا يُفسر الامکان العلمي الآتي الذي ننقل الکلام اليه، فنتساءَل:

هل إنَّ زيادة عمر إنسان أکثر من الحدّ الطبيعي المعتاد ممکن علمياً أم لا؟!

والجواب:

أولاً: نعم هي في دائرة الامکان العلمي، ولدينا شواهد وأرقام کثيرة تؤکد إمکانها علمياً، منها:

1 ـ إنَّ التجارب العلمية آخذةٌ بالازدياد لاِطالة عمر الانسان أکثر من المعتاد، وهذه التجارب حثيثة وجادة لتعطيل قانون الشيخوخة، فقد جاء في مجلة المقتطف المصرية، الجزء الثاني من المجلد 59، الصادرة في آب (اغسطس) 1921 م، الموافق 26 ذي القعدة سنة 1339 هـ ص206 تحت عنوان (خلود الانسان علي الارض) ما هذا لفظه:

قال الاستاذ (ريمند بول) أحد أساتذة جامعة جونس هبکنس بأمريکا: «إنه يظهر من بعض التجارب العلمية أنَّ أجزاء جسم الانسان يمکن أن تحيا الي أيّ وقتٍ أُريد، وعليه فمن المحتمل أن تطول حياة الانسان الي مائة سنة، وقد لايوجد مانع يمنع من إطالتها الي ألف سنة».

وذکرت هذه المجلة في العدد الثالث من المجلد 59 الصادر في أيلول من نفس العام ص 239، «إنه في الاِمکان أن يبقي الانسان حيّاً أُلوفاً من السنين إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبلَ حياته، وقولهم هذا ليس مجرد ظن، بل نتيجة عملية مؤيدة بالامتحان».

ونکتفي بهذا القدر في تأييد ماذکرناه من الامکان العلمي، الذي يسعي العلماء جاهدين لتحويله الي إمکان عملي واقعي فعلي.



[ صفحه 172]



2 ـ وفي کتاب صدر حديثاً بعنوان حقائق أغرب من الخيال الجزء الاَوّل ص: 24 نشر مؤسسة الايمان ـ بيروت، ودار الرشيد / دمشق.

جاء فيه: توفي (بيريرا) في عام 1955 م في وطنه الاَُم مونتريا في سن 166 عاماً، وقد شهد علي عمره أصدقاؤه، وسجلاّت مجلس البلدية، وبيريرا نفسه الذي استطاع أن يتذکر بوضوح کبير معرکة کاراجينا (حدثت في عام 1815 م)! وفي نهاية حياته أُحضر الي نيويورک حيث فحصه جمع من الاَطباء المختصين، ومع أنهم وجدوه محتفظاً بضغط دم رجل شاب، ونبض شرياني صحيح وقلب جيد، وعقل شاب، فقد قرروا أنه رجل عجوز جداً أکثر من 150 عاماً.

وجاء في ص 23، أن توماس بار عاش 162 عاماً.

علي أنّ السجستاني صاحب السنن قد ألّف کتاباً باسم (المعمّرون) ذکر فيه الکثير من المعمرين، وفيهم من تجاوزت أعمارهم خمسمائة سنة.

3 ـ إنَّ مجرد إجراء التجارب من قبل الاَطباء للتعرف علي مرض الشيخوخة، وأسباب الموت، والمحاولات الدائبة من قِبَلهم ونجاحها ولو بقدر محدود لاِطالة عمر الانسان، لهو دليل علي الاِمکان، وإلاّ لکان تصرفهم عبثاً، خلاف العقل.

«وفي ضوء ذلک کله لايبقي مبرر منطقي للاستغراب والانکار بخصوص (قضية المهدي) اللهمّ إلا أن يسبق (المهدي) العلمَ نفسه، فيتحول الامکان النظري (العلمي) الي امکان عملي في شخصه، قبل أن يصلَ العلمُ في تطوره الي مستوي القدرة الفعلية. وهذا أيضاً لايوجد مبررٌ عقليٌّ لاستبعاده وإنکاره؛ إذ هو نظير من يسبق العلمَ في اکتشاف دواءٍ للسرطان مثلاً. ومثل هذا السِبق في الفکر الاسلامي قد حصل في أکثر من



[ صفحه 173]



مفردةٍ وعنوانٍ، فقد سجّلَ القرآن الکريم نظائر ذلک حين أوردَ وأشارَ الي حقائق علمية تتعلق بالکونِ وبالطبيعةِ وبالانسانِ، ثم جاءت التجارب العلمية الحديثة لتزيحَ عنها الستار أخيراً. ثم لماذا نذهب بعيداً وأمامنا القرآن الکريم يصرّح (بالامکان العملي) فيما يتعلق بعمر نوحٍ عليه السلام» [6] ؟

وکذلک صرّحت الآثار النبوية بوجود أشخاص أحياء منذ قرون متطاولةٍ؛ کالخضرِ، والنبي عيسي عليه السلام، والدجّال علي ما نقله مسلمٌ في صحيحه من حديث الجساسة. فلماذا نؤمن بمثل هذه الوجودات المشخصة، مع انّهم ليس لهم من دورٍ أو أهميةٍ فيما يتعلق بمستقبل الاِسلام إلاّ المسيح الذي سيکون وزيراً ومساعداً للمهدي وقائداً لجيوشه کما في الکثير من روايات الظهور.

ولماذا ينکر البعض حياة المهدي الذي سيکون له ذلک الدور الاَعظم، «يمللأ الاَرضَ قسطاً وعدلاً..» وينزل عيسي ليصلي خلفه [7] ؟!!

ثانياً: لو افترضنا قانون الشيخوخة قانوناً صارماً، وإطالة عمر الانسان أکثر من الحد الطبيعي والمعتاد هو خلاف القوانين الطبيعية التي دلّنا عليها الاستقراء؛ فالاَمرُ بالنسبةِ للمهدي عليه السلام يکون حينئذٍ من قبيل المعجزة، وهي ليست حالة فريدة في التاريخ.

ثم إنَّ الاَمرَ بالنسبة للمسلم الذي يستمد عقيدتَه من القرآن الکريم والسُّنة المشرفة ليس منکراً أو مستغرباً، إذ هو يجدُ أن القانون الطبيعي الذي هو أکثر صرامةً قد عُطّلَ، کالذي حَدَثَ بالنسبةِ للنبي إبراهيم عليه السلام عندما أُلقي في النار العظيمة فأنجاه الله تعالي بالمعجزة، کما صرَّح القرآن



[ صفحه 174]



قائلاً: (قلنا يا نارُ کوني بَرْدَاً وسلاماً علي إبراهيم) [8] .

وهذه المعجزة وأمثالها من معاجز الانبياء، والکرامات التي أختصَّ الله بها أولياءه، قد أصبحت بمفهومها الديني أقرب إلي الفهم بدرجةٍ أکبر بکثير في ضوء المعطيات العلمية الحديثة والانجازات الکبيرة التي حققها العلماء بوسائلهم المادية. فلقد بدأنا نشهدُ من الاختراعات والاکتشافات التي لو حُدّثنا عنها سابقاً لاَنکرناها غايةَ الاِنکار ثم ها هي بأيدينا الآن نستخدمها ونلهو بها أحياناً، فمثلاً (التلفزيون)، فلقد کنّا نقرأ في الروايات في أبواب الملاحم (أنه سيکون في آخر الزمان يَري ويسمع من في المشرق من هو في المغْرِب..). وربما عَدَّ بعضُهم ذلک ضرباً من اللامعقول، ثم ها نحن نشهده ونشاهده. واستناداً إلي ذلک نقول: إنَّ استبعاد أمرٍ وإنکاره لمجرد عدم وجودِ حالةٍ مماثلة أو مقاربة نشاهدها، ليس مقبولاً منطقياً وليس مبرِّراً علمياً، إذا کان الاَمرُ يقع في دائرة الامکان العلمي والمنطقي، وقامت عليه الشواهد والاَدلة.

ونظير تلک الاخبار المنبئة في تراثنا عن بعض الاکتشافات العلمية الباهرة، الاخبار الاَُخري المُنبئة باعجاز عن ظهور الاِمام المهدي بما ينطبق تمام الانطباق مع معطيات الحضارة المعاصرة.

فقد ورد عن الاِمام الصادق عليه السلام انه قال: «إنَّ قائمنا اذا قام مدَّ الله عزوجل لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتي لايکون بينهم وبين القائم بريد، يکلمهم فيسمعون وينظرون إليه في مکانه» [9] .



[ صفحه 175]




پاورقي

[1] هذه الشبهة مطروحة في کتب العقائد منذ القرون البعيدة، وقد ذکرها وتصدي للاجابة عنها کبار علماء الاِماميّة، بوجوهٍ جديدة ومن أبعاد مختلفة، ونحن نتعرّض لبعضها فقط.

[2] العنکبوت: 29 / 14.

[3] النساء: 4 / 157 ـ 158.

[4] فصلنا الحديث عن أحاديث نزول عيسي وأحاديث خروج الدجال في الصحيحين (البخاري ومسلم) وذکرنا من اعتبرها عقيدة ثابتة لاَهل السنة مع تصريحهم ببقاء الدجال حياً إلي آخر الزمان وان عيسي عليه السلام سينزل في آخر الزمان ليساعد الاِمام المهدي عليه السلام علي قتله، راجع الفصل الثالث (التذرع بخلو الصحيحين من أحاديث المهدي).

[5] التفسير الکبير / الرازي 25: 42.

[6] راجع بحث حول المهدي/ الشهيد محمدباقر الصدر.

[7] اعترف بهذا خمسة من شارحي صحيح البخاري کما مرّ مفصلاً في أول الفصل الثالث، فراجع.

[8] سورة الانبياء: 21 / 69.

[9] روضة الکافي 8: 201 / 329.