بازگشت

التذرع بدعاوي المهدوية السابقة


احتج اللامهدويون بدعاوي المهدوية السابقة في إنکار عقيدة ظهور الاِمام المهدي عليه السلام في آخر الزمان، کادعاء الحسنيين مهدوية محمد بن عبدالله بن الحسن، والعباسيين مهدوية المهدي العباسي، ونحو ذلک من الادعاءات الاَُخري کادعاء مهدوية ابن تومرت، أو المهدي السوداني، أو محمد بن الحنفية رضي الله عنه.

وهذا الاحتجاج يبتني بالدرجة الاساس علي قياس فکرة ظهور المهدي بتلک الدعاوي المهدوية الباطلة، وليس هناک من ريب في ان هذا الادعاء هو مجرد اصطناع موازنة خادعة بين الباطل من جهة والحق من جهة أُخري، ثم الخلط بين هذا وذاک.

أما أولاً: فانه لم تحصل أية علامة من علامات ظهور المهدي في حياة فرد واحد من أولئک الذين ادُّعِيَ لهم المهدوية، وقد مر بعض هذه العلامات بروايات الصحيحين.

وأما ثانياً: فلثبوت وفاة هؤلاء جميعاً، ولايوجد أحد من المسلمين يعتقد بحياتهم.

وأما ثالثاً: فانهم لم يکونوا في آخر الزمان، وهو شرط ظهور الاِمام المهدي عليه السلام، ولايعرف أحد منهم قد ملاَالدنيا قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً.

وأما رابعاً: وهو الاَهم، فانه لو صح هذا الاحتجاج لبطلت العدالة، اذ ادعاها طواغيت الارض کلهم من فرعون مصر إلي فراعين عصرنا، ولحکمنا علي العلماء بالجهل بدعوي أدعياء العلم من الجهلاء علي طول



[ صفحه 157]



التاريخ، ولصار الشجاع في نظرنا جباناً والکريم بخيلاً، والحليم سفيهاً، اذ ما من صفة کريمة إلاّ وقد ادّعاها البعض فيه زوراً.

وإذا ما عدنا إلي قضية (المهدي) نجدها واحدة من أهم القضايا التي دوّخت بصداها ذوي الاَطماع السياسية، فلا جرم أن يدّعيها البعض لاَنفسهم أو يروّجها لهم أتباعهم لتحقيق مآربهم.

وکما ان العاقل لاينکر وجود الحق بمجرد ادّعاء من لايستحقه، فکذلک ينبغي عليه أن لاينکر ظهور المهدي المبشّر به في آخر الزمان علي لسان أکرم ما خلق الله عزّ وجل، نبينا الاعظم صلي الله عليه وآله وسلم، بمجرد دعاوي المهدوية الباطلة، هذا مع تصريح علماء الاِسلام بصحة الکثير من أحاديث المهدي المروية بطرق شتي بما يفيد مجموعها التواتر، کما ارسل بعضهم تواترها ارسال المسلّمات کما تقدم في هذا البحث.

وبعد أن انکشف واقع هذه الشبهات، وأصبح ساقها هشيماً، وعودها حطاماً، وبناؤها رکاماً، بقيت شبهة أُخري، خلاصتها معارضة طول عمر الاِمام المهدي للعقل والعلم.

وهذه الشبهة هي من أهم ما تمسکوا به في المقام، وسوف نقف عندها بالمقدار الذي يسمح به البحث في فصله الاَخير، لکي يتضح بجلاء أن تلک الشبهة مخالفة لمنطق العقل والعلم، مؤکدين علي ان للعقل حدوداً تستقل عن رغبات الفرد وأهوائه الشخصية وميوله واتجاهاته، واحکاماً يستسيغها جميع العقلاء ولايقتصر قبولها علي عقل زيد أو عمرو.

فهناک فارق کبير جداً بين ما هو ممتنع الوقوع في نفسه بحيث لايمکن ان يقع في أي حال من الاحوال حتي علي أيدي الانبياء والاوصياء عليهم السلام، کاجتماع النقيضين، وبين ما هو ممکن الوقوع في نفسه



[ صفحه 158]



وان لم تجرِ العادة بوقوعه، مع التأکيد أيضاً علي أنَّ المحال العقلي ليس کالمحال العادي من حيث الوقوع وعدمه، ولکن خلط هؤلاء بين المحالين أدي إلي الزعم بأنّ کل ما لم يجرِ في العادة انما هو من المحال العقلي لعدم قدرتهم علي التمييز بينهما.

وسوف نبرهن في الفصل الآتي علي ان ما تمسکوا به لايصح حجة لا في منطق العقل ولا في منطق العلم علي حدٍ سواء.



[ صفحه 161]