بازگشت

حصر المهدي بعيسي بن مريم


ربما قد تذرع المنکرون من المستشرقين وغيرهم لظهور الاِمام المهدي عليه السلام في آخر الزمان بحديث محمد بن خالد الجندي الذي حصر المهدي بنبي الله عيسي عليه السلام، ولم أجد أحداً تعرض لهذا الحديث من علماء الاِسلام إلاّ وقد سخر منه وانتقده، فهو مردود بالاتفاق، ولکي لاينطلي زيفه علي أحد لابدّ من بيان حقيقته، فنقول:

الحديث أخرجه ابن ماجة عن يونس بن عبد الاَعلي، عن الشافعي، عن محمد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح، عن الحسن البصري، عن أنس بن مالک، عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لايزداد الاَمر إلاّ شدّة، ولا الدنيا إلاّ إدباراً، ولا الناس إلاّ شُحّاً، ولا تقوم الساعة إلاّ علي شرار الناس، ولا مهدي إلاّ عيسي بن مريم» [1] .

وهذا الحديث لايحتاج في رده وإبطاله إلي عناء، اذ تکفي مخالفته لجميع ما تقدّم من الاَحاديث المصرّح بصحّتها وتواترها، ولو صحّ الاستدلال بکل مايروي علي علاّته، لکان علم الرجال وفن دراية الحديث لغواً يجلّ عنه علماء الاسلام، وکيف لايکون کذلک ومعناه تصحيح الموضوعات، والحکم علي الکذابين بأنّهم من أعاظم الثقات،



[ صفحه 153]



وعلي المجاهيل بأنّهم من مشهوري الرواة، وعلي النواصب بأنّهم من السادات؟! ولما کان في الاِسلام حديث متواتر قط بعد خلط الثقة المأمون بالمجروح والمطعون، ومزج الحابل بالنابل، والسليم بالسقيم.

وهل لعاقل مسلم ان يصدق بدجّال من دجاجلة الرواة اسمه محمد بن خالد الجندي؟ وهو الذي وضع إلي الجند ـ مسيرة يومين من صنعاء ـحديث الجند المشهور وضعه، وهو: «تعمل الرحال إلي أربعة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد الاَقصي، ومسجد الجند» [2] فانظر کيف حاول استمالة قلوب الناس إلي زيارة معسکر الجند بعد أن مهّد له بشدّ الرحال إلي المساجد الثلاثة المقدسة عند جميع المسلمين؟!

والعجب من الحافظ ابن ماجة کيف انطلت عليه زيادة محمد بن خالد الجندي عبارة: (ولامهدي إلاّ عيسي بن مريم) في هذا الحديث، مع أن نفس هذا الحديث له طرق صحيحة اُخري لاتوجد فيها تلک الزيادة، منها ما أخرجه الطبراني والحاکم بسندهما عن أبي اُمامة وبنفس ألفاظ حديث ابن ماجة لکن من غير عبارة «ولامهدي إلاّ عيسي بن مريم» وقد صححه الحاکم فقال: «هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه» [3] .

نعم أورد الحاکم حديث ابن ماجة مع زيادته أيضاً لکنه صرّح بأنّه إنما أورده في مستدرکه تعجّباً لامحتجّاً به علي الشيخين: البخاري ومسلم [4] .

وقد تناول ابن القيم في (المنار المنيف) حديث: «ولامهدي إلاّ عيسي بن مريم» ونقل کلمات علماء أهل السنة بشأنه، وأنه مما تفرد به محمد بن خالد الجندي، ونقل عن الآبري (ت/363 هـ) قوله: «محمد بن خالد ـ هذا



[ صفحه 154]



ـ غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل» وعن البيهقي: «تفرد به محمد بن خالد هذا، وقد قال الحاکم أبو عبدالله: مجهول، وقد اختلف عليه في إسناده، فروي عنه، عن أبان بن أبي عياش، عن الحسن ـ مرسلاً ـ عن النبي صلي الله عليه وسلم. قال: فرجع الحديث إلي رواية محمد بن خالد وهو مجهول، عن أبان بن أبي عياش وهو متروک، عن الحسن، عن النبي صلي الله عليه وسلم وهو منقطع. والاَحاديث علي خروج المهدي أصح إسناداً» [5] .

ونقل ابن حجر قدح أبي عمرو، وأبي الفتح الاَزدي بمحمد بن خالد [6] .

وقال الذهبي: «قال الاَزدي: منکر الحديث، وقال أبو عبدالله الحاکم: مجهول، قلت: حديث (لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم)، وهو خبر منکر أخرجه ابن ماجة» [7] .

وقال القرطبي: «فقوله: ولا مهدي إلاّ عيسي، يعارض أحاديث هذا الباب ـ ثم نقل کلمات من طعن بمحمد بن خالد وأنکر عليه حديثه إلي أن قال ـ: «والاَحاديث عن النبي صلي الله عليه وسلم في التنصيص علي خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث، فالحکم لها دونه» [8] .

وقال ابن حجر: «وصرح النسائي بأنّه منکر، وجزم غيره من الحفاظ بأنّ الاَحاديث التي قبله ـ أي الناصّة علي أنّ المهدي من ولد فاطمة ـ أصح



[ صفحه 155]



إسناداً» [9] .

کما وصف أبو نعيم في الحلية هذا الحديث بالغرابة، وقال: «لم نکتبه إلاّ من حديث الشافعي» [10] .

وقال ابن تيمية: «والحديث الذي فيه: (لامهدي إلاّ عيسي بن مريم) رواه ابن ماجة، وهو حديث ضعيف رواه عن يونس، عن الشافعي، عن شيخ مجهول من أهل اليمن، لا تقوم باسناده حجّة، وليس هو في مسنده بل مداره علي يونس بن عبد الاَعلي، وروي عنه أنّه قال: حُدّثت عن الشافعي، وفي الخَلَعِيّات وغيرها: حدثنا يونس، عن الشافعي. لم يقل: حدثنا الشافعي، ثم قال عن حديث محمد بن خالد الجندي: وهذا تدليس يدل علي توهينه، ومن الناس من يقول: ان الشافعي لم يروه» [11] .

ولکثرة ما طُعن به محمد بن خالد الجندي حاول بعض أنصار الاِمام الشافعي أن يدرأ عن الشافعي رواية هذا الحديث متهماً تلميذ الشافعي بالکذب في رواية هذا الخبر عنه، عن محمد بن خالد الجندي، مدّعيا أنّه رأي الشافعي في المنام وهو يقول: «کذب عليَّ يونس بن عبد الاَعلي، ليس هذا من حديثي» [12] .

وقد فنّد أبو الفيض الغماري حديث: (ولامهدي إلاّ عيسي بن مريم) بثمانية وجوه هي في غاية الجودة والمتانة [13] .



[ صفحه 156]




پاورقي

[1] سنن ابن ماجة 2: 1340 / 4039، وقد أخرج ابن ماجة نفسه حديث: «المهدي حق وهو من ولد فاطمة» 2: 1368 / 4086، وقد سبق وان ذکرنا من صححه أو من صرح بتواتره من أهل السنة.

[2] تهذيب التهذيب 9: 125 / 202.

[3] مستدرک الحاکم 4: 440 کتاب الفتن والملاحم، وانظر المعجم الکبير للطبراني 8: 214 / 7757.

[4] مستدرک الحاکم 4: 441 ـ 442، کتاب الفتن والملاحم.

[5] المنار المنيف: 129/324 و: 130 / 325.

[6] تهذيب التهذيب 9: 125 / 202.

[7] ميزان الاعتدال 3: 535 / 7479.

[8] التذکرة 2: 701.

[9] الصواعق المحرقة: 164.

[10] حلية الاولياء 9: 61.

[11] منهاج السنّة / ابن تيمية 4: 101 ـ 102.

[12] الفتن والملاحم / ابن کثير: 32.

[13] إبراز الوهم المکنون: 538.