بازگشت

حقيقة تضعيفات ابن خلدون


مما لاشکَّ فيه، أنَّ ابن خلدون نفسه من القائلين بصحة بعض أحاديث المهدي وضعف بعضها الآخر، وهذا لم يکن اجتهاداً منا في تفسير کلام ابن خلدون بل الرجل صرّح بهذا في تاريخه کما سنوافيک بنقل نص کلامه. ويبدو لنا أن الاُستاذ أحمد أمين لم يرَ تصريح ابن خلدون بصحة بعض الاَحاديث، فأشار إلي تضعيفاته فقط، ثم نقل هؤلاء عنه ذلک مع صياغة جديدة في التعبير من دون مراجعة تاريخ ابن خلدون!

ثم لو فرضنا أن ابن خلدون لم يصرّح بصحة شيء من أحاديث المهدي، أفلا يکفي تصريح غيره من علماء الحديث والدراية بصحة أحاديث المهدي وتواترها؟ مع أن اختصاص ابن خلدون هو التاريخ والاجتماع!! ثم ما هو المقدار الذي ضعّفه ابن خلدون حتي يُضخّم عمله بهذه الصورة؟

إنه لم يضعّف سوي تسعة عشر حديثاً فقط من مجموع ثلاثة وعشرين حديثاً فقط، وهو المجموع الکلّي الذي تناوله ابن خلدون بالدراسة والنقد، لا أکثر، وهو لم يذکر من الذين أخرجوا أحاديث المهدي غير



[ صفحه 147]



سبعة فقط وهم:

«الترمذي، وأبو داود، والبزّار، وابن ماجة، والحاکم، والطبراني، وأبو يعلي الموصلي» [1] ، تارکاً بذلک ثمانية وأربعين عالماً ممن أخرج أحاديث المهدي أولهم ابن سعد صاحب الطبقات (ت/230 هـ) وآخرهم نور الدين الهيثمي (ت/ 807 هـ).

کما لم يذکر من الصحابة الذين اُسندت إليهم أحاديث المهدي إلاّ أربعة عشر صحابياً [2] ، تارکاً بذلک تسعة وثلاثين صحابياً آخر کما فصّلنا ذلک في الفصل الاَول.

علماً بأنه لم يذکر من أحاديث الصحابة الاَربعة عشر إلاّ اليسير جداً، في حين تتبعنا مرويات أبي سعيد الخدري وحده ـ وهو من جملة الاربعة عشر ـ فوجدناها أکثر من العدد الکلي الذي تناوله ابن خلدون. بل وحتي الذي اختاره من أحاديث أبي سعيد الخدري لم يذکر سائر طرقه بل اکتفي باليسير منها لعدم علمه ببقية طرق الحديث الاَُخري، ومن راجع ما ذکرناه من طرق أحاديث المهدي وقارنه بما في تاريخ ابن خلدون ـ الفصل 52 من المجلد الاَول ـ عَلِمَ علم اليقين بصحة ما نقول.

ومن هنا تعرض ابن خلدون إلي مؤاخذات عنيفة، وردود مطوّلة ومختصره، وفي هذا الصدد يقول أبو الفيض الشافعي في (ابراز الوهم) في الرد علي من تذرع بتضعيفات ابن خلدون: «في الناس اليوم ممن يخفي عليه هذا التواتر ويجهله ويبعده عن صراط العلم جهله، ويصدّه من ينکر ظهور المهدي وينفيه، ويقطع بضعف الاَحاديث الواردة فيه، مع جهله بأسباب التضعيف، وعدم إدراکه معني الحديث الضعيف، وتصوره



[ صفحه 148]



مبادئ هذا العلم الشريف، وفراغ جرابه من أحاديث المهدي الغنية ـ بتواترها ـ عن البيان لحالها والتعريف، وإنما استناده في إنکاره مجرد ما ذکره ابن خلدون في بعض أحاديثه من العلل المزوّرة المکذوبة، ولَمَزَ به ثقات رواتها من التجريحات الملفقة المقلوبة، مع أنّ ابن خلدون ليس له في هذه الرحاب الواسعة مکان، ولا ضرب له بنصيب ولاسهم في هذا الشأن، ولا استوفي منه بمکيال ولاميزان. فکيف يعتمد فيه عليه، ويرجع في تحقيق مسائله اليه؟! فالواجب: دخول البيت من بابه، والحق: الرجوع في کل فن إلي أربابه، فلا يقبل تصحيح أو تضعيف إلاّ من حفّاظ الحديث ونقّاده» [3] .

ثم نقل بعد ذلک عن جملة من حفّاظ الحديث ونقّاده قولهم بصحة أحاديث المهدي وتواترها.

وقال الشيخ أحمد شاکر: «ابن خلدون قد قفا ما ليس له به علم، واقتحم قحماً لم يکن من رجالها، انه تهافت في الفصل الذي عقده في مقدمته تهافتاً عجيباً، وغلط أغلاطاً واضحة. إنّ ابن خلدون لم يحسن فهم قول المحدّثين، ولو اطّلع علي أقوالهم وفقهها ما قال شيئاً مما قال» [4] .

وقال الشيخ العباد: «ابن خلدون مؤرخ وليس من رجال الحديث فلا يعتد به في التصحيح والتضعيف، وإنما الاعتماد بذلک بمثل البيهقي، والعقيلي، والخطابي، والذهبي، وابن تيمية، وابن القيّم، وغيرهم من



[ صفحه 149]



أهل الرواية والدراية الذين قالوا بصحة الکثير من أحاديث المهدي» [5] .

وعلي أية حال فإنّ حجة المتمسکين بتضعيفات ابن خلدون حجة داحضة لاعتراف ابن خلدون نفسه بصحة أربعة أحاديث من مجموع ما ذکره وهي:

1 ـ ما رواه الحاکم من طريق عون الاعرابي عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري. فقد سکت عنه ابن خلدون ولم ينقده بحرف واحد لوثاقة جميع رجاله عند أهل السنة قاطبة. وهو وإن لم يصرح بصحته إلاّ ان سکوته دليل علي اعترافه بصحة الحديث [6] .

2 ـ ما رواه الحاکم أيضاً من طريق سليمان بن عبيد، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري. قال عنه ابن خلدون: «صحيح الاسناد» [7] .

3 ـ ما رواه الحاکم عن علي عليه السلام حول ظهور المهدي وصححه الحاکم علي شرط الشيخين. قال ابن خلدون: «وهو إسناد صحيح کما ذکر» [8] .

4 ـ ما رواه أبو داود السجستاني في سننه من رواية صالح بن الخليل، عن أُم سلمة. قال ابن خلدون عن سنده: «ورجاله رجال الصحيح لامطعن فيهم ولا مغمز» [9] .


پاورقي

[1] تاريخ ابن خلدون 1: 555 الفصل ـ 52.

[2] تاريخ ابن خلدون: 556.

[3] إبراز الوهم المکنون: 443.

[4] الرد علي من کذب بالاحاديث الصحيحة الواردة في المهدي: مقال للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد، منشور في مجلة الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة العدد / 1 السنة / 12 برقم (46) سنة 1400 هـ.

[5] مقال الشيخ عبد المحسن العباد الآنف الذکر.

[6] تاريخ ابن خلدون 1: 564 من الفصل ـ 52.

[7] تاريخ ابن خلدون 1: 564.

[8] تاريخ ابن خلدون 1: 565.

[9] تاريخ ابن خلدون 1: 568.