احاديث نزول عيسي في الصحيحين
أخرج البخاري ومسلم کلٌ بسنده عن أبي هريرة انه قال: «قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: کيف انتم إذا نزل ابن مريم فيکم وإمامکم
[ صفحه 141]
منکم؟» [1] .
وفي صحيح مسلم بسنده عن جابر بن عبدالله قال: «سمعت النبي صلي الله عليه وسلم [يقول]: لا تزال طائفة من أُمتي يقاتلون علي الحق ظاهرين إلي يوم القيامة، قال: فينزل عيسي بن مريم عليه السلام، فيقول أميرهم تعال صلِّ لنا فيقول: لا، إنّ بعضکم علي بعض أمراء تکرمة لهذه الاَُمّة» [2] .
وإلي هنا يتضح ان امام المسلمين الذي سيکون موجوداً عند نزول عيسي بن مريم عليه السلام کما في الصحيحين انما هو أمير الطائفة التي لا تزال تقاتل علي الحق إلي يوم القيامة کما في صحيح مسلم، بحيث يأبي عيسي من إمامة تلک الطائفة وأميرها في الصلاة تعظيماً واجلالاً وتکرمة لهم وهذا هو صريح حديث مسلم من غير تأويل.
واذا ما عدنا إلي کتب الصحاح الاَُخري والمسانيد وغيرها نجد الروايات الکثيرة جداً التي تصرح بأنّ هذا الاِمام ـ أمير الطائفة التي تقاتل علي الحق إلي يوم القيامة ـ هو الاِمام المهدي عليه السلام لاسواه.
منها: ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن سيرين: «المهدي من هذه الأُمة وهو الذي يؤم عيسي بن مريم» [3] .
ومنها: ما أخرجه أبو نعيم عن أبي عمرو الداني في سننه بسنده عن حذيفة انه قال: «قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «... يلتفت المهدي وقد نزل عيسي ابن مريم کأنما يقطر من شعره الماء، فيقول المهدي: تقدم صلِّ بالناس، فيقول عيسي: انما اقيمت الصلاة لک، فيصلي خلف رجل من
[ صفحه 142]
ولدي» [4] .
وبعد فلا حاجة للاطالة في ايراد الاحاديث الاَُخري الکثيرة المبينة بأنّ المراد بالامام في حديث الصحيحين هو الاِمام المهدي عليه السلام [5] .
وقد جمع معظم هذه الاحاديث السيوطي في رسالته (العرف الوردي في اخبار المهدي) المطبوعة في کتابه الحاوي للفتاوي، أخرجها من کتاب الاربعين للحافظ أبي نعيم وزاد عليها ما فات منها علي أبي نعيم کالاحاديث التي ذکرها نعيم بن حماد الذي قال عنه السيوطي: «وهو أحد الاَئمة الحفاظ، وأحد شيوخ البخاري» [6] .
أقول: ومن راجع شروح صحيح البخاري يعلم بأنهم متفقون علي تفسير لفظة (الامام) الواردة في حديث البخاري بالاِمام المهدي.
فقد جاء في فتح الباري بشرح صحيح البخاري التصريح بتواتر أحاديث المهدي اثناء شرحه لحديث البخاري المتقدم حتي قال: «وفي صلاة عيسي عليه السلام خلف رجل من هذه الاَُمّة، مع کونه في آخر الزمان، وقرب قيام الساعة، دلالة للصحيح من الاقوال: إن الارض لاتخلو من قائم لله بحجة» [7] .
کما فسره في ارشاد الساري بشرح صحيح البخاري بالمهدي، مصرحاً باقتداء عيسي بالامام المهدي عليهما السلام في الصلاة [8] .
کما نجد هذا في عمدة القاري بشرح صحيح البخاري [9] ، وأما في
[ صفحه 143]
فيض الباري فقد أورد عن ابن ماجة القزويني حديثاً مفسراً لحديث البخاري ثم قال:
«فهذا صريح في أن مصداق الاِمام في الاحاديث، هو الاِمام المهدي ـ إلي أن قال: ـ وبأيّ حديث بعده يؤمنون؟» [10] .
وأما في حاشية البدر الساري إلي فيض الباري فقد اطال في شرح الحديث المذکور مبيناً ضرورة رجوع شارح الأحاديث إلي أحاديث الصحابة الآخرين في کتب الحديث ذات الصلة بالحديث الذي يراد شرحه، وقد جمع من تلک الاحاديث المبينة لحديث البخاري ما حمله علي التصريح بأن المراد بالامام هو الاِمام المهدي عليه السلام قال: «وقد بين هذا المعني حديث ابن ماجة مفصلاً، واسناده قوي» [11] .
پاورقي
[1] صحيح البخاري 4: 205 باب ماذکر عن بني اسرائيل، وصحيح مسلم 1: 136 / 244 باب نزول عيسي بن مريم عليه السلام، وقد وردت أحاديث اخري بهذا المعني في کل من البابين المذکورين.
[2] صحيح مسلم 1: 137 / 247 باب نزول عيسي عليه السلام.
[3] المصنَّف / ابن أبي شيبة 15: 198 / 19495.
[4] الحاوي للفتاوي / السيوطي 2: 81.
[5] راجع سنن الترمذي 5: 152 / 2869، مسند أحمد 3: 130، الحاوي للفتاوي 2: 78، فيض القدير للمناوي 6: 17.
[6] الحاوي للفتاوي 2: 80.
[7] فتح الباري شرح صحيح البخاري 6: 383 ـ 385.
[8] ارشاد الساري 5: 419.
[9] عمدة القاري بشرح صحيح البخاري 16: 39 ـ 40 من المجلد الثامن.
[10] فيض الباري علي صحيح البخاري 4: 44 ـ 47.
[11] حاشية البدر الساري إلي فيض الباري 4: 44 ـ 47.