تصرف السلطة دليل علي ولادة الاِمام المهدي
ولد الاِمام الحسن العسکري عليه السلام في شهر ربيع الآخر سنة 232 هـ، وقد عاصر ثلاثة من سلاطين بني العباس وهم: المعتز (ت/255 هـ)، والمهتدي (ت/256 هـ)، والمعتمد (ت/279 هـ).
وقد کان المعتمد شديد التعصب والحقد علي آل البيت عليهم السلام ومن تصفح کتب التاريخ المشهورة کالطبري وغيره، واستقرأ ما في حوادث سنة (257 هـ) و (258 هـ) و (259 هـ) و (260 هـ)، وهي السنوات الاَُولي من حکمه، عَلِم مدي حقده علي أئمة أهل البيت عليهم السلام.
ولقد عاقبه الله في حياته، إذ لم يکن في يده شيءٌ من مُلْکِهِ حتي إنّه احتاج إلي ثلاثمائة دينار فلم ينلها، ومات ميتة سوءٍ إذ ضجر منه الاتراک فرموه في رصاص مذاب باتفاق المؤرخين.
ومن مواقفه الخسيسة أَمْرُهُ شَرَطَته بعد وفاة الاِمام الحسن العسکري عليه السلام مباشرة بتفتيش داره تفتيشاً دقيقاً والبحث عن الاِمام المهدي عليه السلام والامر بحبس جواري أبي محمد عليه السلام واعتقال حلائله يساعدهم بذلک جعفر الکذاب طمعاً في أن ينال منزلة أخيه العسکري عليه السلام في نفوس شيعته، حتي جري بسبب ذلک ـ کما يقول الشيخ المفيد ـ علي مُخَلَّفي أبي محمد عليه السلام کل عظيمة من اعتقال، وحبس، وتهديد، وتصغير، واستخفاف، وذِل [1] .
[ صفحه 118]
کل هذا والاِمام المهدي في الخامسة من عمره الشريف، ولايهم المعتمد العباسي العمر بعد أنْ عرف أن هذا الصبي هو الاِمام الذي سيهدّ عرش الطاغوت نظراً لما تواتر من الخبر بأن الثاني عشر من أهل البيت عليهم السلام سيملاَ الدنيا قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
فکان موقفه من مهدي الاَُمّة کموقف فرعون من نبي الله موسي عليه السلام الذي ألقته أُمّهُ ـ خوفاً عليه ـ في اليمِّ صبياً، وبعض الشرّ أهون من بعض.
ولم يکن المعتمد العباسي قد عرف هذه الحقيقة وحده وإنّما عرفها من کان قبله کالمعتز والمهدي؛ ولهذا کان الاِمام الحسن العسکري عليه السلام حريصاً علي أن لاينتشر خبر ولادة المهدي إلاّ بين الخلّص من شيعته ومواليه عليه السلام، مع أخذ التدابير اللازمة والاحتياطات الکافية لصيانة قادة التشيع من الاختلاف بعد وفاته عليه السلام، إذ أوقفهم بنفسه علي المهدي الموعود مرات عديدة وأمرهم بکتمان أمره لمعرفة الطواغيت بأنّه (الثاني عشر) الذي ينطبق عليه حديث جابر بن سمرة الذي رواه القوم وأدرکوا تواتره، وإلاّ فأي خطر يهدد کيان المعتمد في مولود يافع لم يتجاوز من العمر خمس سنين؟! لو لم يدرک أنّه هو المهدي المنتظر التي رسمت الاَحاديث المتواترة دوره العظيم بکل وضوح، وبينت موقفه من الجبابرة عند ظهوره.
ولو لم يکن الامر علي ما وصفناه فلماذا لم تقتنع السلطة بشهادة جعفر الکذاب وزعمه بأن أخاه العسکري عليه السلام مات ولم يخلف ولداً؟
أَمَا کان بوسع السلطة أنْ تعطي جعفراً الکذاب ميراث أخيه عليه السلام من غير ذلک التصرف الاَحمق الذي يدل علي ذعرها وخوفها من ابن الحسن عجل الله تعالي فرجه الشريف؟!
قد يقال: بأنّ حرص السلطة علي إعطاء کل ذي حق حقه هو الذي
[ صفحه 119]
دفعها إلي التحري عن وجود الخلف لکي لايستقل جعفر الکذاب بالميراث وحده بمجرد شهادته!
فنقول: ومع هذا، فانه ليس من شأن السلطة الحاکمة آنذاک أنْ تتحري عن هذا الاَمر بمثل هذا التصرف المريب، بل کان علي السلطة ان تحيل دعوي جعفر الکذاب إلي أحد القضاة؛ لاسيما وان القضية من قضايا الميراث التي يحصل مثلها کل يوم مرات، وعندها سيکون بوسع القاضي التحقيق واستدعاء الشهود کأُمّ الاِمام العسکري عليه السلام، ونسائه وجواريه والمقربين اليه من بني هاشم، ثم يستمع إلي اقوالهم ويثبت شهاداتهم، ثم يصدر الحکم علي ضوء ما بيديه من شهادات، أمّا أنّ تنفرد السلطة بنفسها ويصل الاَمر إلي أعلي رجل فيها، وبهذه السرعة، ولمّا يدفن الاِمام الحسن عليه السلام، وخروج القضية عن دائرة القضاء مع أنّها من اختصاصاته، ومن ثم مداهمة الشَرَطة لمن في بيت الاِمام العسکري عليه السلام بعد وفاته مباشرة، کل ذلک يدل علي تيقن السلطة من ولادة الاِمام المهدي وإنْ لم تره، لما سبق من علمهم بثاني عشر أهل البيت کما أشرنا إليه؛ ولهذا جاءت للبحث عنه لابعنوان إعطاء ميراث العسکري عليه السلام لمن يستحقه من بعده، وإنّما للقبض عليه والفتک به بعد أن لم يجدوا لذلک سبيلاً في حياة أبيه العسکري عليه السلام.
ولهذا کان الخوف علي حياته الشريفة من اسرار غيبته عليه السلام کما مر عليک في إخبار آبائه الکرام عليهم السلام عنها قبل وقوعها بعشرات السنين.
پاورقي
[1] الارشاد 2: 336.