حقيقة هذا التعارض وبيان قيمته العلمية
هذه هي الاَحاديث التي جعلت مبرراً لاختيار (محمد بن عبدالله) کمهديٍّ في آخر الزمان، وکلها لاتصحّ حجة ومبرراً لهذا الاختيار. وقد علمت أن الثلاثة الاُولي منها کلّها تنتهي إلي ابن مسعود من طريق واحد وهو طريق عاصم بن أبي النجود. وسوف يأتي ما في هذا الطريق مفصّلاً.
وأما الحديث الرابع، فسنده ضعيف بالاتفاق اذ وقع فيه رِشْدِينُ بن سعد المهري وهو: رِشْدِينُ بن أبي رِشْدِين المتّفق علي ضعفه بين أرباب علم الرجال من أهل السُنّة.
فعن أحمد بن حنبل: أنه ليس يبالي عمّن روي، وقال حرب بن إسماعيل: «سألت أحمد بن حنبل عنه، فضعّفه»، وعن يحيي بن معين: لا يکتب حديثه. وعن أبي زرعة: ضعيف الحديث، وقال أبو حاتم: منکر الحديث، وقال الجوزجاني: عنده معاضيل، ومناکير کثيرة، وقال النسائي: متروک الحديث لا يُکتَب حديثه.
وبالجملة فإنّي لم أجد أحداً وثّقه قطّ إلاّ هيثم بن ناجة فقد وثّقه وکان أحمد بن حنبل حاضراً في المجلس، فتبسّم ضاحکاً، وهذا يدلّک علي تسالمهم علي ضعفه [1] .
[ صفحه 70]
ولا شک، أنَّ من کان حاله کلما عرفت فلا يؤخذ عنه مثل هذا الامر الخطير.
وأما الاَحاديث الثلاثة الاُولي، فهي ليست بحجة من کل وجه، ومما يوجب وهنها وردها هو ان عبارة: (واسم أبيه اسم أبي) لم يروها کبار الحفّاظ والمحدّثين، بل الثابت عنهم رواية: (واسمه اسمي) فقط من دون هذه العبارة کما سنبرهن عليه، هذا مع تصريح بعض العلماء من أهل السنة الذين تتبعوا طرق عاصم بن أبي النجود بأن هذه الزيادة ليست فيها، کما سيأتي مفصلاً.
ومن ثم، فإن إسناد هذه الاَحاديث الثلاثة ينتهي إلي ابن مسعود فقط، بينما المروي عن ابن مسعود نفسه کما في مسند أحمد ـ وفي عدة مواضع ـ (واسمه اسمي) فقط [2] ، وکذلک الحال عند الترمذي فقد روي هذا الحديث من دون هذه العبارة، مشيراً إلي أنّ المروي عن علي عليه السلام، وأبي سعيد الخدري، وأُم سلمة، وأبي هريرة هو بهذا اللفظ (واسمه اسمي) ثم قال ـ بعد رواية الحديث عن أبن مسعود بهذا اللفظ ـ: (وفي الباب: عن علي، وأبي سعيد، وأُم سلمة، وأبي هريرة. وهذا حديث حسن صحيح» [3]
وهکذا عند أکثر الحفاظ، فالطبراني مثلاًأخرج الحديث عن ابن مسعود نفسه من طرق أُخري کثيرة، وبلفظ: (اسمه اسمي)، کما في أحاديث معجمه الکبير المرقمة: 10214 و10215 و10217 و10218 و10219 و10220 و10221 و10223 و10225 و10226 و10227 و10229 و10230.
[ صفحه 71]
وکذلک الحاکم في مستدرکه أخرج الحديث عن ابن مسعود بلفظ: (يواطئ اسمه اسمي) فقط، ثم قال: «هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه» [4] وتابعه علي ذلک الذهبي، وکذلک نجد البغوي في مصابيح السنّة يروي الحديث عن ابن مسعود من دون هذه الزيادة مع التصريح بحسن الحديث [5] .
وقد صرح المقدسي الشافعي بأن تلک الزيادة لم يروها أئمة الحديث، فقال ـ بعد أن أورد الحديث عن ابن مسعود بدون هذه الزيادة ـ: «أخرجه جماعة من أئمة الحديث في کتبهم، منهم الاِمام أبو عيسي الترمذي في جامعه، والاِمام أبو داود في سننه، والحافظ أبو بکر البيهقي، والشيخ أبو عمرو الداني، کلهم هکذا» [6] أي: ليس فيه: (واسم أبيه اسم أبي) ثم أخرج جملة من الاَحاديث المؤيدة لذلک مشيراً إلي من أخرجها من الاَئمة الحفاظ کالطبراني، وأحمد بن حنبل، والترمذي، وأبي داود، والحافظ أبي داود، والبيهقي، عن عبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عمر، وحذيفة. [7]
هذا زيادة علي ما مرّ من اشارة الترمذي إلي تخريجها عن علي عليه السلام، وأبي سعيد الخدري، وأُم سلمة، وأبي هريرة؛ کلهم بلفظ: (واسمه اسمي) فقط.
ولا يمکن تعقّل اتفاق هؤلاء الاَئمة الحفاظ بإسقاط هذه الزيادة (واسم أبيه اسم أبي) لو کانت مروية حقاً عن ابن مسعود مع أنّهم رووها من طريق عاصم بن أبي النجود، بل ويستحيل تصور إسقاطهم لها لما فيها من أهمية
[ صفحه 72]
بالغة في النقض علي مايدعيه الطرف الآخر.
ومن هنا يتضح أنّ تلک الزيادة قد زيدت علي حديث ابن مسعود من طريق عاصم إما من قِبَل أتباع الحسنيين وأنصارهم ترويجاً لمهدوية محمد بن عبدالله بن الحسن المثني، أو من قبل أتباع العباسيين ومؤيديهم في ما زعموا بمهدوية محمد بن عبدالله ـ أبي جعفر ـ المنصور العباسي.
وقد يتأکد هذا الوضع فيما لو علمنا بأنّ الاَول منهما کانت رتّة في لسانه، مما اضطر أنصاره علي الکذب علي أبي هريرة، فحدّثوا عنه أنه قال: «إن المهدي اسمه محمد بن عبدالله في لسانه رتّة» [8] .
ولما کانت الاَحاديث الثلاثة الاَُولي من رواية عاصم بن أبي النجود، عن زرّ بن حبيش عن عبدالله بن مسعود، مخالفة لما أخرجه الحفاظ عن عاصم من أحاديث في المهدي ـ کما مر ـ، فقد تابع الحافظ أبو نعيم الاَصبهاني (ت/430هـ) في کتابه (مناقب المهدي) طرق هذا الحديث عن عاصم حتي أوصلها إلي واحد وثلاثين طريقاً، ولم يُرْوَ في واحد منها عبارة (واسم ابيه اسم أبي) بل اتفقت کلها علي رواية (واسمه اسمي) فقط. وقد نقل نص کلامه الکنجي الشافعي (ت/638 هـ) ثم عقّب عليه بقوله: «ورواه غير عاصم، عن زر، وهو عمرو بن حرة، عن زر کل هؤلاء رووا (اسمه اسمي) إلاّ ما کان من عبيد الله بن موسي، عن زائدة، عن عاصم، فإنّه قال فيه: (واسم أبيه اسم أبي). ولايرتاب اللبيب أن هذه الزيادة لا اعتبار بها مع اجتماع هؤلاء الاَئمة علي خلافها ـ إلي أن قال ـ والقول الفصل في ذلک: إن الاِمام أحمد ـ مع ضبطه وإتقانه ـ روي هذا
[ صفحه 73]
الحديث في مسنده [في] عدة مواضع: واسمه اسمي» [9] .
ومن هنا يُعلم أنّ حديث: (.. واسم أبيه اسم أبي) فيه من الوهن ما لايمکن الاعتماد عليه في تشخيص اسم والد المهدي المباشر.
وعليه، فان من ينتظر مهديّاً باسم (محمد بن عبدالله) إنما هو في الواقع ـ وعلي طبق ما في التراث الاسلامي من أخبار ـ ينتظر سراباً يحسبه الضمآن ماء.
ولهذا نجد الاستاذ الاَزهري سعد محمد حسن يصرّح بأن أحاديث (اسم أبيه اسم أبي) أحاديث موضوعة، ولکن الطريف في تصريحه أنّه نسب الوضع إلي الشيعة الامامية لتؤيد بها وجهة نظرها علي حد تعبيره [10] !!
ويتضح مما تقدم أنَّ نتيجة البحث في طوائف أحاديث نسب الاِمام المهدي، قد انتهت إلي کونه من ولد الاِمام الحسين عليه السلام؛ لضعف سائر الاَحاديث التي وردت مخالفة لتلک النتيجة، مع عدم وجود أية قرينة تشهد بصحة تلک الاَحاديث، بل توفرت القرائن الدالة علي اختلاقها.
واذا عدنا الي نتيجة البحث في الطوائف المتقدمة نجدها مؤيدة بما تواتر نقله عند المسلمين.
پاورقي
[1] راجع: تهذيب الکمال 9: 191 / 1911، وتهذيب التهذيب 3: 240 ففيهما جميع ماذکر بحق رِشْدِين بن أبي رِشْدِين.
[2] مسند أحمد 1: 376 و 377 و 430 و 448.
[3] سنن الترمذي 4: 505 / 2230.
[4] مستدرک الحاکم 4: 442.
[5] مصابيح السنة 492/4210.
[6] عقد الدرر: 51 / باب 2.
[7] عقد الدرر: 51 ـ 56 / باب 2.
[8] هذا الحديث الموضوع منقول في معجم أحاديث الاِمام المهدي عن مقاتل الطالبيين: 163 ـ 164.
[9] البيان في أخبار صاحب الزمان / الکنجي الشافعي: 482.
[10] المهدية في الاِسلام / الاستاذ الازهري سعد محمد حسن: 69.