بازگشت

عالمية الاعتقاد بالمهدي


إنّ فکرة ظهور المنقذ العظيم الذي سينشر العدل والرخاء بظهوره في آخر الزمان، ويقضي علي الظلم والاضطهاد في أرجاء العالم، ويحقق العدل والمساواة في دولته الکريمة، فکرة آمن بها أهل الاَديان الثلاثة، واعتنقتها معظم الشعوب.

فقد آمن اليهود بها، کما آمن النصاري بعودة عيسي عليه السلام، وصدّق بها الزرادشتيون بانتظارهم عودة بهرام شاه، واعتنقها مسيحيو الاَحباش بترقّبهم عودة ملکهم تيودور کمهديٍّ في آخر الزمان، وکذلک الهنود



[ صفحه 9]



اعتقدوا بعودة فيشنو، ومثلهم المجوس إزاء مايعتقدونه من حياة أُوشيدر.

وهکذا نجد البوذيين ينتظرون ظهور بوذا، کما ينتظر الأسبان ملکهم روذريق، والمغول قائدهم جنگيزخان.

وقد وجد هذا المعتقد عند قدامي المصريين، کما وجد في القديم من کتب الصينيين [1] .

وإلي جانب هذا نجد التصريح من عباقرة الغرب وفلاسفته بأنَّ العالم في انتظار المصلح العظيم الذي سيأخذ بزمام الاُمور ويوحّد الجميع تحت راية واحدة وشعار واحد:

منهم: الفيلسوف الانجليزي الشهير برتراند راسل، قال: (إنّ العالم في انتظار مصلح يوحّد العالم تحت عَلَمٍ واحد وشعار واحد) [2] .

ومنهم: العلاّمة آينشتاين صاحب (النظرية النسبية)، قال: (إنّ اليوم الذي يسود العالم کلّه الصلح والصفاء، ويکون الناس متحابِّين متآخين ليس ببعيد) [3] .

والاَکثر من هذا کلّه هو ماجاء به الفيلسوف الانکليزي الشهير برناردشو حيث بشّر بمجيء المصلح في کتابه (الاِنسان والسوبرمان).

وفي ذلک يقول الاستاذ الکبير عباس محمود العقاد في کتابه (برناردشو) معلّقاً: «يلوح لنا أنّ سوبرمان شو ليس بالمستحيل، وأنّ دعوته إليه لاتخلو من حقيقة ثابتة» [4] .



[ صفحه 10]



أما عن المسلمين فهم علي اختلاف مذاهبهم وفرقهم يعتقدون بظهور الإمام المهدي في آخر الزمان وعلي طبق مابشّر به النبي صلي الله عليه وآله وسلم، ولايختص هذا الاعتقاد بمذهب دون آخر، ولا فرقة دون أُخري. وما أکثر المصرّحين من علماء أهل السنة ابتداءً من القرن الثالث الهجري وإلي اليوم بأنّ فکرة الظهور محلّ اتّفاقهم، بل ومن عقيدتهم أجمع، الأکثر من هذا إفتاء الفقهاء منهم: بوجوب قتل من أنکر ظهور المهدي، وبعضهم قال: بوجوب تأديبه بالضرب الموجع والاِهانة حتي يعود إلي الحقّ والصواب علي رغم أنفه ـعلي حدّ تعبيرهم ـ کما سنشير إليه في الفتوي الصادرة علي طبق معتقد المذاهب الاَربعة.

ولهذا قال ابن خلدون معبّراً عن عقيدة المسلمين بظهور المهدي: «اعلم أنّ المشهور بين الکافة من أهل الإسلام علي ممرّ الاَعصار: أنّه لابدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت، يؤيد الدين، ويُظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي علي الممالک الاِسلامية، ويسمي المهدي». [5] .

وقد وافقه علي ذلک الاُستاذ أحمد أمين الاَزهري المصري ـ علي الرغم مما عرف عنهما من تطرّف إزاء هذه العقيدة ـ فقال معبّراً عن رأي أهل السُنّة بها: «فأما أهل السُنّة فقد آمنوا بها أيضاً» [6] ، ثم ذکر نصّ ماذکره ابن خلدون [7] .

ثم قال: «وقد أحصي ابن حجر الاَحاديث المروية في المهدي فوجدها نحو الخمسين» [8] .

ثم ذکر ماقرأه من کتب أهل السنة حول المهدي فقال: «قرأت رسالة



[ صفحه 11]



للاُستاذ أحمد بن محمد بن الصديق في الردّ علي ابن خلدون سماها: (إبراز الوهم المکنون من کلام ابن خلدون)، وقد فنّد کلام ابن خلدون في طعنه علي الاَحاديث الواردة في المهدي وأثبت صحّة الاَحاديث، وقال: إنّها بلغت التواتر» [9] .

وقال في موضع آخر: «قرأتُ رسالة أُخري في هذا الموضوع عنوانها: «الاِذاعة لما کان ومايکون بين يدي الساعة» لاَبي الطيب بن أبي أحمد بن أبي الحسن الحسني» [10] .

وقال أيضاً: «قد کتب الاِمام الشوکاني کتاباً في صحة ذلک سماه: التوضيح في تواتر ماجاء في المنتظر والدجال والمسيح» [11] .

إذن لافرق بين الشيعة وأهل السنّة من حيث الاِيمان بظهور المنقذ مادام أهل السنّة قد وجدوا في ذلک خمسين حديثاً من طرقهم، وعدّوا ظهور المهدي من أشراط الساعة، وأثبتوا بطلان کلام ابن خلدون في تضعيفه لبعض الاَحاديث الواردة في ذلک، وأنّهم ألَّفوا في الرد أو القول بالتواتر کتباً ورسائل، بل لافرق بين جميع المسلمين وبين غيرهم من أهل الاَديان والشعوب الاُخري من حيث الاِيمان بأصل الفکرة وإن اختلفوا في مصداقها، مع اتّفاق المسلمين علي أنّ اسمه (محمد) کإسم النبي صلي الله عليه وآله وسلم، ولقبه عندهم هو (المهدي).

ومن هنا يعلم أنّ اتّفاق أهل الاَديان السابقة ومعظم الشعوب والقوميات وعباقرة الغرب وفلاسفته ـ مع تعدد الاَديان، وتباين المعتقدات، واختلاف الاَفکار والآراء والعادات ـ علي أصل الفکرة،



[ صفحه 12]



لايمکن أبداً أن يکون بلا مستند لاستحالة تحقّق مثل هذا الاتّفاق جزافاً. فإذا أضفنا إلي ذلک اتّفاق المذاهب الاِسلامية جميعاً علي صحة الاعتقاد بظهور الاِمام المهدي في آخر الزمان وأنّه من أهل البيت عليهم السلام ـ کما سيأتي مفصلاً ـ علم أنّ اتّفاقهم هذا لابد وأن يکون معبّراً عن إجماع هذه الاُمة التي لاتجتمع علي ضلالة علي ماهو مقرر في محلّه، وحينئذٍ فلا يضرّ اعتقادهم بظهور مهدي أهل البيت عليهم السلام اختلاف تشخيصه عند من سبقهم من أهل الاَديان والشعوب، إذ بالاِمکان معرفته حق معرفته من خلال مصادر المسلمين المعتمدة لما عُرِف عنهم من اتّباع منهج النقل عن طريق السماع والتحديث شفةً عن شفة وصولاً إلي مصدر التشريع، وبما لانظير له في حضارات العالم أجمع.

ومع هذا نقول:

إنّ اعتقاد أهل الکتاب بظهور المنقذ في آخر الزمان لايبعد أن يکون من تبشير أديانهم بمهدي أهل البيت عليهم السلام کتبشيرها بنبوّة نبينا صلي الله عليه وآله وسلم إلاّ أنّهم أخفوا ذلک عناداً وتکبّراً إلاّ من آمن منهم بالله واتّقي.

ويدلّ علي ذلک وجود مايشير في أسفار التوراة إلي ظهور المهدي في آخر الزمان، کما في النصّ الذي نقله الکاتب أبو محمد الاُردني من (سفر أرميا) وإليک نصه: (اصعدي أيّتها الخيل وهيّجي المرکبات، ولتخرج الاَبطال: کوش وقوط القابضان المجنّ، واللوديُّون القابضون القوس، فهذا اليوم للسيد ربِّ الجنود، يوم نقمة للانتقام من مبغضيه، فيأکل السيف ويشبع... لاَن للسيد ربِّ الجنود ذبيحة في أرض الشمال عند نهر الفرات) [12] .



[ صفحه 13]



وهناک ماهو أوضح من هذا بکثير جداً، فقد قال الباحث السني سعيد أيوب في کتابه (المسيح الدجال): «ويقول کعب: مکتوب في أسفار الاَنبياء: المهدي مافي عمله عيب» ثمّ علّق علي هذا النصّ بقوله: «وأشهد أنني وجدته کذلک في کتب أهل الکتاب، لقد تتبع أهل الکتاب أخبار المهدي کما تتبعوا أخبار جده صلي الله عليه وآله وسلم، فدلت أخبار سفر الرؤيا إلي امرأة يخرج من صلبها اثنا عشر رجلاً، ثمّ أشار إلي امرأة أُخري، أي: التي تلد الرجل الاَخير الذي هو من صُلب جدته، وقال السفر: إنَّ هذه المرأة الاَخيرة ستحيط بها المخاطر، ورمز للمخاطر باسم «التنّين» وقال: (والتنّين وقفَ أمام المرأة العتيدة حتي تلد ليبتلع ولدها متي ولدت) سفر الرؤيا 12: 3، أي: أنَّ السلطة کانت تريد قتل هذا الغلام، ولکن بعد ولادة الطفل. يقول بارکلي في تفسيره: «عندما هجمت عليها المخاطر اختطف الله ولدها وحفظه.

والنص: (واختطف الله ولدها) سفر الرؤيا 12: 5، أي: أنَّ الله غيّب هذا الطفل کما يقول بارکلي.

وذکر السفر أنّ غيبة الغلام ستکون ألفاً ومئتين وستين يوماً، وهي مدة لها رموزها عند أهل الکتاب، ثم قال بارکلي عن نسل المرأة عموماً: إنّ التنّين سيعمل حرباً شرسة مع نسل المرأة کما قال السفر: (فغضب التنّين علي المرأة، وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله) سفر الرؤيا /1312 [13] .



[ صفحه 14]



وهذا وإن لم يصحّ لمسلم الاحتجاج به لما مُنيت به کتب العهدين من تحريف وتبديل، إلاّ أنّه يدلّ وبوضوح علي معرفة أهل الکتاب بالمهدي، ثم اختلافهم فيما بعد في تشخيصه، إذ ليس کلّ ماجاء به الاِسلام قد تفرّد به عن الاَديان السابقة، فکثير من الاُمور الکلِّية التي جاء بها الاِسلام کانت في الشرائع السابقة قبله.

قال الشاطبي: (وکثير من الآيات أُخبر فيها بأحکام کلّية کانت في الشرائع المتقدمة وهي في شريعتنا، ولافرق بينهما) [14] .

وإذا تقرر هذا فلايضرُّ اعتقاد المسلم بصحة مابشّر به النبي صلي الله عليه وآله وسلم من ظهور رجل من أهل بيته في آخر الزمان، أن يکون هذا المعتقد موجوداً عند أهل الکتاب (اليهود والنصاري) أو عند غيرهم ممن سبق الاِسلام، ولايخرج هذا المعتقد عن إطاره الاِسلامي بعد أن بشّر به النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وبعد الاِيمان بأنه صلي الله عليه وآله وسلم (ما يَنطِقُ عَنِ الهَوَي ، إن هوَ إلاّ وحيٌ يُوحي) [15] .

وأما عن اعتقادات الشعوب المختلفة بأصل هذه الفکرة کما مرّ فيمکن تفسيرها علي أساس أنّ فکرة ظهور المنقذ لاتتعارض مع فطرة الاِنسان وطموحاته وتطلّعاته، ولو فکّر الاِنسان قليلاً في اشتراک معظم الشعوب بأصل الفکرة لاَدرک أنّ وراء هذا الکون حکمة بالغة في التدبير، يستمد



[ صفحه 15]



الاِنسان من خلالها قوّته في الصمود إزاء مايري من انحراف وظلم وطغيان، ولا يُترک فريسة يأسه دون أن يزوّد بخيوط الاَمل والرجاء بأنّ العدل لابدّ له أن يسود.

وأما عن اختلاف أهل الاَديان السابقة والشعوب في تشخيص اسم المنقذ المنتظر، فلا علاقة له في إنکار مابشّر به النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وليس هناک مايدعو إلي بيان فساد تشخيصهم لاسم المنقذ، مادام الاِسلام قد تصدي بنفسه لهذه المهمة فبيّن اسمه، وحسبه، ونسبه، وأوصافه، وسيرته، وعلامات ظهوره، وطريقة حکمه، حتي تواترت بذلک الاَخبار واستفاضت بکثرة رواتها من طرق أهل السنّة، کما صرّح بذلک أعلامهم وحفّاظهم وفقهاؤهم ومحدثوهم، وقد روي تلک الاَخبار عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم مايزيد علي خمسين صحابياً کما سنبرهن عليه في هذا البحث.

وأما عن اختلاف المسلمين فيما بينهم من حيث تشخيص اسم المهدي کما هو معلوم بين أهل السنة والشيعة، فليس فيه أدني حجة للمستشرقين وأذنابهم، بل هو ـ علي العکس ـ من الاَدلّة القاطعة عليه؛ لاَنّه من قبيل الاختلاف في تفاصيل شيء متحقق الوجود، کاختلافهم في القرآن الکريم بين القول بقِدَمِه وحدوثه من الله تعالي، مع اتّفاقهم علي تکفير منکره، وقس عليه سائر اختلافاتهم الاُخري في تفاصيل بعض العقائد دون اُصولها.


پاورقي

[1] المهدية في الاِسلام / سعد محمد حسن: 43 ـ 44، والإمامة وقائم القيامة / الدکتور مصطفي غالب: 270.

[2] المهدي الموعود ودفع الشبهات عنه / السيد عبد الرضا الشهرستاني: 6.

[3] المهدي الموعود ودفع الشبهات عنه: 7.

[4] برناردشو / عباس محمود العقاد: 124 ـ 125.

[5] تاريخ ابن خلدون 1: 555 / الفصل 52.

[6] المهدي والمهدوية / أحمد أمين: 41.

[7] المهدي والمهدوية: 110.

[8] المهدي والمهدوية: 48.

[9] المهدي والمهدوية: 106.

[10] المهدي والمهدوية: 109.

[11] المهدي والمهدوية: 110.

[12] الکتاب المقدس تحت المجهر / عودة مهاوش أبو محمد الاردني: 155، والنص نقله من سفر إرميا: 46 / 2 ـ 11.

[13] المسيح الدجال / سعيد أيوب: 379 ـ 380، الطبعة الثالثة.

أقول: المهدي عند الشيعة هو الاِمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت وأولهم علي بن أبي طالب عليه السلام، وحديث «المهدي حق وهو من ولد فاطمة» مقطوع بصحته ومصرح بتواتره عند أهل السنة کما سيوافيک، وهو عند الشيعة المولود الثاني عشر لفاطمة عليها السلام: ثلاثة بالمباشرة، وهم: الحسنان ومحسن، وتسعة بدونها وهم الاَئمة من ولد الحسين عليه السلام، واما عن أولاد الحسن عليهم السلام فهم کذلک من بني فاطمة عليها السلام إلاّ أنهم اُخرجوا من مجموع الاثني عشر لکونهم ليسوا بأئمة، ولايرد مثل هذا علي مالم يکن إماماً وهو محسن، لاَنّ ولادته من فاطمةعليها السلام بالمباشرة، ولهذا قال الاستاذ سعيد أيوب: (هذه هي أوصاف المهدي، وهي نفس أوصافه عند الشيعة الاِمامية الاثني عشرية) ثم علق عليه في هامش ص 379 بما يدلّ علي تقارب الاَوصاف. وهذا وإن کان ممکناً إلاّ أنّ اعتقاد الشيعة وغيرهم بظهور المهدي في آخر الزمان لم يکن علي أساس الاستدلال بما في کتب العهدين کما سنبينه مفصّلاً في هذا الکتاب.

[14] الموافقات / الشاطبي المالکي 3: 117، المسألة الرابعة.

[15] سورة النجم: 53: 3 ـ 4.