بازگشت

الامامة الاثني عشرية جوهر مفهوم المهدوية


إن أصل الاعتقاد بفکرة ظهور المنقذ الذي يمثل جوهر الفکرة المهدوية في الإسلام يعتبر ظاهرة إنسانية عامة و ليس خاصاً بدين معين أو مذهب معين، و هذه الحقيقة من شأنها أن تساعد علي اسقاط أربع شبهات في المسألة المهدوية في آن واحد.

فهي توضح أولاً: بطلان الشبهة القائلة باختصاص الشيعة بالقول بالمهدوية، خاصة مع ثبوت اجماع المسلمين عليه.

و توضح ثانياً: بطلان شبهة الاُسطورة القائلة بأن المهدوية فکرة اُسطورية منتزعة من الخيال، فإن الاُسطورة خيال ساذج منتزع من واقع قبلي أو قومي أو فئوي محدود، و ليست هناک اُسطورة تحضي بإجماع الأديان السماوية و غير السماوية و تُعبّر عن ضمير إنساني عام، و يتبناها العلماء و المفکرون و الفلاسفة.

و توضح ثالثاً: بطلان الشبهة القائلة بدور اليهود في إيجاد الفکرة المهدوية، فإذا کان مضمون الفکرة المهدوية موجوداً في کل دين حتي الأديان غير السماوية فلماذا نستکثر علي الإسلام وجوده فيه؟ فإن مقتضي العقل والمنطق أن يکون الإسلام مشتملاً علي هذه الفکرة بمفهوم أوضح و أکمل، کما هو المتجسد في مدرسة أهل البيت (ع)، و حينئذ فمن مؤشرات الکمال في هذا الدين، و هذه المدرسة بالذات منه، احتواءهما علي الفکرة المهدوية، أليست الأديان تشترک في محاور عقائدية و تشريعية کثيرة کالحج، و الصوم، و الصلاة... إلخ، فهل أن تصريح اليهودية ـ و غيرها ـ بمثل هذه المحاور يقتضي ابتعاد الإسلام عنها؟ أم يقتضي تأکيد الإسلام عليها، و طرحها بمفهوم أکمل و أرقي؟ فهذه الشبهة تعود علي أصحابها بالنقص و علي الإسلام و التشيع بالکمال.

کما توضح رابعاً: بطلان الشبهة القائلة بأن الفکرة المهدوية و ليدة ظروف الضغط السياسي التي عاشها أتباع الائمة (ع)، فإن الخوارج و اجهوا ضغطاً لا يقل عما و اجهه أتباع الأئمة (ع) منه، و لو کانت هناک قاعدة مطردة فما أکثر المظلومين و المضطهدين الذين لم يُعرف عنهم اعتقاد بمضمون الفکرة المهدوية، و ما اکثر الافراد و الجماعات التي آمنت بهذا المضمون بدون معاناة لظلم و اضطهاد، و لو کان هذا الاعتقاد ناشئاً من الظلم و الاضطهاد فما باله يظهر في الأجيال التالية غير المضطهدة؟

نعم، الشيء الذي يمکن الاعتقاد به هو أن عوامل الضغط و الاضطهاد من شأنها أن تدفع باتجاه التمسک بالفکرة المهدوية أکثر، لا أنها تنشئ هذه الفکرة و توجدها من حيث الأساس.

إن الدين هو التعبير الأکمل عن الحقائق الإنسانية، و الإسلام هو التعبير الأکمل عن الحقائق الدينية، و مدرسة أهل البيت (ع) هي التعبير الأکمل عن الحقائق الإسلامية.

و حينما تصرح الأديان بفکرة المنقذ العالمي فإنما تکشف ـ فضلاً عن الحقيقة الغيبية ـ عن ضمير إنساني أکيد و بنحو أکمل و حينما يصرح الإسلام بهذه الفکرة، انما يصرح بحقيقة دينية أکيدة و بنحو أکمل مما طرحته الأديان السابقة، و حينما يصرح أهل البيت (ع) بهذه الفکرة فإنما يقدمون البيان الأکمل عن الحقيقة الإسلامية في هذا المضمار.

وحينئذ فالفرق بين المسألة المهدوية في مفهوم مدرسة الخلفاء و مدرسة أهل البيت (ع) هو الفرق بين مدرسة تبيّن الحد الأدني من الحقيقة و مدرسة تتصدي لبيان الحقيقة الإسلامية بحدها الأعلي، فتتصور الاُولي أن الثانية قد سلکت سبيل الغلو والتطرف، و لعل السرّ في اشتهار التشيع بالمهدوية حتي کأنها من

خصائصه و ليست من العقائد المجمع عليها بين المسلمين يعود الي اختصاصه بحد الکمال، و تمتع المفهوم المهدوي لديه بخصائص فريدة بها يتحقق المعني المطلوب من المهدوية.

وهذه الخصائص تتشعب من محور واحد هو أن المهدوية في مفهوم أهل البيت (ع) ليست نظرة مستقبلية صرفة، و ليست مجرد إخبار عن مستقبل سعيد للبشرية سيکون في نهاية المطاف، کماتري ذلک مدرسة الخلفاء، و إنما هي قبل ذلک جزء لا يتجزء من عقيدة الإمامة الاثني عشرية التي قدّر لها سماوياً أن تستوعب التاريخ من لحظة وفاة الرسول (ص) الي اللحظة الأخيرة من حياة البشرية، أو بتعبير آخر، هي مسألة الإمام الثاني عشر الذي بدأت إمامته منذ عام (260 هـ) و تواصلت حتي الآن، وستتواصل حتي ظهوره في خاتمة التاريخ.

ونحن حينما نبحث في المسألة المهدوية في مفهوم أهل البيت (ع) لابد و أن نرکّز علي هذا المحور العقائدي و ننظر إليه تارة من زاوية الدليل و البرهان بقصد الاثبات، و اُخري من زاوية الخصائص المترتبة عليه، و ثالثة من زاوية القيمة العقائدية التي ينطوي عليها، فهنا ثلاث مراحل من البحث نجعل کل مرحلة في فصل.