کتاب و جواب
کتب الي عراقي يقول: انک تهدف مما تکتب الي
[ صفحه 17]
هداية الشباب الي الدين، وانا بحمدالله مؤمن متدين، و لست بحاجة الي من يحببني بالدين، و لکني لا اري أي شي ء من صميم الدين الا اذا اعترف به عقلي، و رآه حسنا، اما ما ينکره فأعتقد انه ليس من الدين في شي ء، وانما هو من وضع رجال الدين الذين انحرفوا به عن اهدافه السامية، اما جهلا بحقيقته و جوهره، و اما عن قصد، ليعيشوا عن طريق الخرافات و الاساطير التي يستسيغها البسطاء وارباب الجهالة.
وهذا القول يردده کثيرون من شباب اليوم خوفا من وصمة الالحاد و ما دروا انه اعتراف صريح علي انفسهم بالالحاد و الکفر، و اقرار عليها بالجهل و الحماقة من حيث لا يريدون... و مهما يکن، فقد اجبت هذا الشباب بما يلي:
اولا: اجل، لا شي ء من الدين يتنافي مع العقل، ولکن العقل الذي يناصر الدين شي ء، و الذي تراه انت انه من العقل شي ء آخر... ان للعقل حدودا تستقل عن رغبات الفرد، و اهوائه الشخصية، واحکاما يستسيغها جميع العقلاء، ولا يقتصر قبولها علي فرد دون فرد، او فئة دون فئة
[ صفحه 18]
ثانيا: ان حکمک بأن هذا صواب، أو خطأ لا يدل علي انه کذلک في واقعه، وانمايدل علي احساسک و شعورک بأنه صواب او خطأ، وان ابيت الا انه صواب موضوعي، او خطأ موضوعي فمعناه انک قد اتخذت من نفسک مقياسا للعقل، و خولتها الحکم علي الاشياء باسمه، وهذا ادعاء مبالغ فيه.
ثالثا: ان قولک: «لا أؤمن الا بما يراه عقلي» معناه انک لا تؤمن بدين، و لا بشريعة، ولا بأخلاق، و لا تلتزم بشي ء الا بما تستوحيه من نفسک لنفسک، وهذا يناقض قولک: «انا مؤمن متدين». و أي انسان تتناقض اقواله و آراؤه و لا ينسجم بعضها معب بعض لا يکون في واقعه من ارباب العقائد في شي ء، دينية کانت او زمنية، اما ظنه و شعوره هو بأنه من ذوي العقائد الراسخة، والمبادي ء الثابتة فانه نتيجة طبيعية لتناقضه في آرائه، و انقسامه علي نفسه.
رابعا: لو اخذنا بنظريتک هذه لوجب ان يختلف الدين باختلاف الآراء والأشخاص.. ان المؤمن المتدين هو الذي يأخذ الدين من اهل المعرفة و الاختصاص الذين قضوا السنوات الطوال في البحث عن احکامه،
[ صفحه 19]
والتنقيب في مصادره، تماما کما يأخذ المريض العلاج من الاطباء العارفين، و لا يثق بحدسه و خياله.
و بالتالي، فان اتهام المرء لآرائه التي لم يأخذها من معينها ومصدرها يقربه من الواقع، اما الذي يثق بها کل الثقة فانه يعيش في دنيا لا واقع لها، وفي عالم لا وجود له الا في مخيلته و أوهامه.
[ صفحه 20]