بازگشت

الجواب


اولا: ان عدم انفصال امرء عن رغباته لا يعني انه بعيد عن الحق و الواقع في کل ما يقول و يفعل، فان بعض الرغبات تأتي انعکاسا عن الواقع و تعبيرا عن الخير، ولو صح القول بأن الرغبات والتعصبات بکاملها لاتمت الي الواقع بصلة لما وجد في الانسانية مصلح، ولا مفکر، و لا داع الي الحق و الخير... ولوجب ان يسد باب القضاء و الترافع، لأن کل من يدعي شيئا يرغب فيه، و يتعصب له فکما ان القاضي العادل العارف لا يرفض الدعوي اعتباطا، و لا يحکم بها تشهيا، وانما يستمع للمدعي، ويطلب منه البينة و الدليل، ويحکم بما تستدعيه الأصول المقررة...کذلک علينا نحن ان لا نصدق، او نکذب ما نسمع ونقرأ الا بعد النظر و البحث. و هذا هو النقد بمعناه الصحيح.

ثانيا: ليس العبرة في صحة النقد ان يکون عقل الناقد صحيفة بيضاء، لم يخط فيها حرف واحد، وانما العبرة ان يعتمد في نقده علي ما هو مقبول في



[ صفحه 16]



نظر العقل، او مسلم به عند الخصم، فلک ان تنتقد من يقول بأن الأرض مسطحة، وانت مؤمن بکرويتها، علي شريطة ان تأتي بالدليل المقنع علي بطلان التسطيح وان تقول للمسيحي: انک تخالف کتابک المقدس لانک لا تمد خدک الايمن لمن ضربک علي خدک الايسر، تقول له هذا، وان لم تکن مسيحيا.. وان تقول للمسلمين: انکم تخالفون القرآن الکريم القائل: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وان لم تکن مسلما، ويکون قولک هذا حجة دامغة... وبکلمة ليس من شرط الناقد ان لا يؤمن ولا يعتقد بشي ء، وانما الشرط ان لا يتخذ من ايمانه و اعتقاده معيارا لبطلان العقائد الاخري، و ان لا تحول عقيدته علي الدليل الذي تسالم عليه العقلاء، أو آمن به الخصم علي الاقل، و بهذا المنطق يقف الناقد موقف المحايد، و بدونه يعجز عن القيام بهمة النقد الصحيح، و ان بلغ من العلم ما بلغ.