الجواب
ان ما من باحث في الاهيات قديما و حديثا الا واستعرض اقوال الملحدين و أدلتهم، و تناولها بالنقد و التحليل في ضوء العقل، و اهتم بها کل الاهتمام، اما الملحدون فترجع جميع اقوالهم و أدلتهم الي شي ء
[ صفحه 14]
و احد، و هو ان الايمان بالله ايمان بالغيب، و انهم لايؤمنون الا بالحس.
وأجابتهم من آمن بالحق و العدل: ان الايمان بالحس هو في الوقت نفسه ايمان بالعقل، لان شهادة الحس ليست بشي ء لولا العقل، واذا جاز الاعتماد علي العقل في الحس المباشر جاز الاعتماد عليه في الحس غير المباشر، و التفکيک تحکم، و ترجيح بلا مرجح.
ومهما يکن، فان الغرض من هذا الفصل ان نبين و نؤکد ان الانسان لا يسوغ له ان ينتقد اذا کان اسيرا لمذهب، او نظرية، او تربية، او أي شي ء.. و من هنا حين اراد ديکارت ان يرکز معلوماته علي المنطق السليم شک بادي ء ذي بدء في کل شي ء الا في الشک، ثم اخذ بالنظر و الاستدلال.
و تقول ايضا: ان معني هذا ان نسد باب النقد من الاساس، اذ ما من عالم، او فيلسوف الا و له نظريه خاصة، لا ينفصل عنها، و ينظر الي الشي ء من خلالها، و يحکم عليه بوحي منها، وعلي هذا فمن يلتزم دينا معينا، او مذهبا خاصا لا يسوغ له ان ينتقد من لايدين بدينه، و يتمذهب بمذهبه.
[ صفحه 15]