بازگشت

الدين و العقل


اشاد الاسلام بالعقل واحکامه، و دعا الي تحرره



[ صفحه 87]



من التقاليد والاوهام، ونعي علي العرب وغير العرب الذين لا يفقهون ولا يعقلون، و يؤمنون بالسخافات والخرافات، وقد انزل الله في ذلک عشرات الآيات، وتواترات به عن الرسول الاعظم الأحاديث والروايات، وافرد له علماء المسلمين ابوابا خاصة في کتب الحديث.والکلام والاصول.

سؤال

و تسأل-أيها القاري ء- هل معني اشادة الاسلام بالعقل انه يدرک صحة کل اصل من اصول الاسلام، وکل حکم من احکام الشريعة، بحيث اذا حققنا ومحصنا أية قضية دينية في ضوء العقل لصدقها وآمن بها ايمانه بان الاثنين اکثر من الواحد؟.

الجواب

کلا. ولو أراد الاسلام هذا من تأييده للعقل لقضي علي نفسه بنفسه، ولکان وجوده کعدمه. ولوجب ان يؤخذ الدين من العلماء والفلاسفة لا من الانبياء وکتب الوحي. ان للعقل دائرة، وللدين اخري، و کل منهما



[ صفحه 88]



يترک للآخر الحکم في دائرة واختصاصه، علي ان يقر کل منهما حکم الآخر، ولا يعارضه في شي ء، والانسان بحاجة الي الاثنين، حيث لاتتم له السعادة والنجاح الا بهما معا.

ان الغرض الاول الذي يهدف اليه الاسلام من الاشادة بالعقل هو ان يؤمن الانسان بما يستقل به من احکام، ولا يصدق شيئا يکذبه العقل ويأباه. ان العقل لا يدرک کل شي ء وانما يدرک شيئا ولايدرک شيئا، والذي يعلم کل شي ء هو الله وحده. فوجود الله وعلمه وحکمته، واعجاز القرآن الدال علي صدق محمد في دعوته وما الي ذاک يدرکه العقل مستقلا، ويقدم عليه البرهان القاطع. اما وجود الملائکة والجن، والسير غدا علي صراط ادق من الشعرة، وأحد من السيف، و شهادة الايدي والارجل علي اصحابها، وتطاير الکتب، وسؤال منکر ونکير، ونحو ذلک مما لايبلغه الاحصاء، وثبت بضرورة الدين، اما هذه فلا تفسر بالعلم، وليس فيه للعقل حکم بالنفي او الاثبات. ان الدين غير محصور ولا مقصور فيما يدرکه العقل، بل يتعداه الي امور غيبية يؤمن بوجودها کل من آمن بالله والرسول واليوم الآخر. ولکن الدين



[ صفحه 89]



في جميع احکامه وتعاليمه لا يعلم الناس ما يراه العقل محالا، او مضرا. کيف؟ ولولا العقل لاستحال الايمان بشي ء من الاشياء.

وبالتالي فليس کل ما هو حق يجب ان يثبت بطريق العقل، و لا کل ما لم يثبت بالعقل يکون باطلا -مثلا- ان مسألة المهدي المنتظر لا يمکن اثباتها بالادلة العقلية، مباشرة وبلاواسطة، لا لأنها غير صحيحة، وباطلة من الأساس، بل لأنها ليست من شئون العقل واختصاصه، ان عجز العقل عن ادراک قضية من القضايا مباشرة شي ء، و کونها حقا او باطلا شي ء آخر، اجل، ان مسألة المهدي يدرکها العقل بالواسطة، يبحث تنتهي السلسلة الي حکمه، ذلک ان العقل يحکم بوجود الله، و يتفرعن وجوده وجود النبوة، وعن وجود النبوة تتفرع الامامة والمهدي المنتظر الذي اخبر منه الصادق الأمين بحکم العقل.