بازگشت

الجواب


ان الامام الذي اوجب الشيعة له العصمة هو غير الامام الذي تخليه وتصوره السنة فان مجرد العلم والايمان، والکرامة والشجاعة، والصبر والزهد والنزاهة کل هذه الصفات بمجردها لا تؤهل الانسان لمقام الامامة، کما لاتؤهله لمقام النبوة، بل ان لذات الامام الذي هو خليفة الرسول حقا خصائص و مميزات، لايعلمها الا الله، تماما کما ان لذات النبوة خصائص و مميزات لايعلمها الا هو جل و علي، و کما ان اختيار النبوة بيدالله سبحانه، لانه اعلم، حيث يجعل رسالته کذلک اختيار الامام لخلافة الرسول بيده الله، لا



[ صفحه 72]



بالتصويب والانتخاب.

فالامام، اذن، عند الشيعة فيه جميع ما في النبي من صفات و مؤهلات، وله ما للنبي علي الناس من ولاية وسلطان، ولا يفترق عنه في شي ء الا في نزول الوحي، علي ان الامام قد اخذ عن الرسول ما نزل عليه من ربه، والنتيجة الحتمية لذلک ان الامام بهذا المعني معصوم لا محالة، تماما کالنبي، وان من نفي عنه العصمة فقد نفي عنه الامامة، کما هي الحال بالقياس الي النبوة، وبکلمة ان من نفي العصمة عن الامام فقد نفي عنه خلافة الرسول بمعناها الکامل الشامل، من حيث يريد، او لا يريد.

وتقول: أجل، ان العصمة تجب لهذا الامام، وان امر اختياره بيد الله جل و عز بحکم الطبيعة مادام علي الوصف الذي ذکرت، ولکن ما الدليل علي ان الامام الذي هو خليفة الرسول حقا يجب ان يکون کذلک؟

وحيث تحتاج الاجابة عن هذا السؤال الي التفصيل والتطويل الذي لا تتسع له هذه الصفحات فاني احيلک علي کتاب الشافي للشريف المرتضي وتلخيصه للشيخ



[ صفحه 73]



الطوسي [1] ودلائل الصدق للشيخ المظفر، واذا وفق الله الي کتاب «الامامة والعقل» اخذ بک في اوضح الماسلک الي الجواب.. وارجو أن يوفق الله فالي اللقاء.

وتقول ايضا: اذا وجبت العصمة لخليفة الرسول، کما وجبت للرسول نفسه، فينبغي ايضا ان تجب للمجتهد الذي هو نائب عن الامام، مع ان الشيعة لا يلتزمون بذلک.

وجوابي عن هذا ان الفرق کبير جدا بين نيابة الامام عن النبي، و بين نيابتة المجتهد عن الامام، فان الاولي تشمل کل ما للنبي من سلطان، حتي الاولية بالناس من انفسهم، و ليس للمجتهدة هذه الولاية ولا ما يقرب منها عند الشيعة وانما تنحصر وظيفته بالقضاء والافتاء ورعاية من لاولي له،



[ صفحه 74]



و من هنا کانت نيابته بالوکالة اشبه، ومع ذلک فقد تشدد الامامية في شروط المجتهد، ورووا عن الامام انه قال فيما قال: «اما من کان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه، مخالفا لهواه، مطيعا لامر مولاه فللعوام ان يقلدوه».

فصيانة النفس، والمحافظة علي الدين، ومخالفة الهوي شرط اساسي لتنفيذ الحکم و العمل بالفتوي.. ولو ان رجلا بلغ من العلم ما بلغ ولم يکن علي هذا الوصف لاينفذ له قضاء، ولا تسمع له فتوي، و لا يؤتمن علي فتيل لقاصر، او غائب.

وقد وجد في الشيعة، ولله الحمد في کل عصر رجال يتمتعون بالخلال التي ذکرها الامام، ولکن -من سخرية الاقدار، او سخطها-ان يتفشي في هذا العصر وباء لا ادري: متي نققضي عليه او يقضي علينا؟.. وهو تطفل اغيلمة بنزوهم علي الکراسي والاعواد، و جلوسهم للدرس والافتاء والقضاء، حتي تخيلنا، او کدنا نتخيل انهم القرود الذين رآهم النبي في منامه يصعدون منبره، وينزلون، او انهم المعنيون بقوله (ص): «هلاک امتي علي يدي أغيلمته سفهاء»



[ صفحه 75]



و قد تجلي سفههم بتطاولهم علي ما ليسوا له باهل، وظهر جهلهم للعيان في دسهم و نيلهم من کرامة العماء بالتصريح تارة، وبالتلويح، و اثارة الشکوک اخري.. واذا استمرت هذه الفوضي، ولم يقف کل منا عند حده، فستفقد النجف مکانتها والدين هيبته وعظمته، لاسمح الله.

وبعد هذا الاستطراد، او نفئة الفواد أعود الي الموضوع، لاثير هذه التساؤلات: هل الشيعة يقدسون الأئمة الاطهار الابرار اکثر مما تقدس سادتها وقادتها هذه الاحزاب و المنظمات في الشرق والغرب؟.. وهل کتاب رأس المال -مثلا- اقل شأنا عند اتباعه من القرآن عند المسلمين، والانجيل عند المسيحين؟. واذا کان العلم يحتم ان نأخذ بالواقع المجرد عن الذات، لان النظرة الصحيحة هي التي تنظر الي الموضوع بدون أية اضافة زائدة -کما قالوا- فهل قائد الحزب هو الواقع والموضوع، بحيث يکون الاخذ بأقواله آخذا بالواقع، لا «بالانا» علي حد تعبيرهم؟.وبالتالي هل للعصمة من معني الا الاستدلال بقول المعصوم، وجعله دليلا قاطعا، وحجة دامغة، تماما



[ صفحه 76]



کما تستدل الاحزاب والمنظمات اليوم وفي کل يوم بأقوال القادة والرؤساة؟. اذن لماذا يستنکرون العصمة و ينعتون القائلين بها بالجهل والرجعية، وفي الوقت نفسه اثبتوا هذه العصمة بالذات، واوجبوها بالفعل لا بالقول لمن وضع لهم الفکرة والعقيدة، وتلقوها منه کما يتلقي المؤمنون من نبيهم، والعبيد من سيدهم وفرضوا علي الناس، کل الناس قبولها والعمل يها، ونعتوا من ابي وامتنع بالجهل والتخريف، او الخيانة و التحريف؟.. وهل هذا الجهل والتخريف يکمن في لفظ العصمة لا معناها؟..

و تجد الجواب عن هذه التساؤلات في فصل النقد علي صعيد الرغبات.



[ صفحه 77]




پاورقي

[1] اعيد طبع هذا الکتاب في مجلدين کبيرين، واخرج اخراجا حديثا، وفيه الادلة الشافية الکافية لاثبات الامامة والعصمة، والرد علي کل ما قيل حولها من النقد، بخاصة ما جاء في کتاب المعني للقاضي عبد الجبار، وقدم له وعلق عليه السيد المعروف ببحر العلوم، جزاء الله خيرا.