بازگشت

المهدوية و احمد امين


احمد امين کتاب منتج، ما في ذلک ريب، وقد سد انتاجه فراغا غير قليل، کما يري کثيرون، حيث انتهج في دراسة التاريخ الاسلامي نهجا جديدا، لم يسبقه اليه عربي من قبل، و لکنه -کما هو في حقيقته کاتب طائفي، لا واقعي، فلقد عجز ان يتحرر من طائفيته وتربيته وبيئته، برغم انه حاول ذلک، وانضم الي دار التقريب الا ان العصبية الطائفية تغلبت -ويا للأسف- علي معرفته وذکائه، وجميع مؤهلاته.

وتقول: ان عين الشي ء يصدق فيک، ويقال عنک، حتي حکمک هذا علي احمد امين لا مصدر له الا العصبية الطائفية، لانه قال الکثير مما يؤذي



[ صفحه 58]



الشيعة، ويسي ء اليهم.. فأنت، اذن، تستنکر من غيرک ما تستحسنه من نفسک.

و جوابي عن هذا: اذا کنت انا متعصبا کأحمد امين، فکن انت منصفا يصغي الي منطق العقل، و ينظر الي الواقع لا الظاهر والي القول، لا الي القائل.. کن قاضيا مجردا، يستمع الي اقوال الطرفين، ثم يحکم بما يوحيه دينه و وجدانه، و ما تستدعيه منطق الحوادث، و دلالة الأدلة الحسية، بل نکتفي منک هنا، وما نحن بصدده ان تستمع بتدبر وتعقل الي اقوال احمد امين وحده، و تحکم من خلالها له، او عليه.

في سنة 51 ألف احمد امين کتاب «المهدي والمهدوية» ونشرته دار المعارف بمصر في سلسلة اقرأ رقم 103، و قد هدف من وراء تأليفه الي انکار المهدي والرد علي الشيعة، و لکنه في الواقع ايدهم وناصرهم من حيث لا يريد، او من حيث يريد الرد عليهم، وان دل هذا التناقض علي شي ء فانما يدل علي صدق ما قلناه من انه کاتب طائغي لا واقعي واليک الدليل:



[ صفحه 59]



قال في ص 41: «اما اهل السنة فقد آمنوا بها ايضا» اي بفکرة المهدي.. و في ص 110: «واما السنيون فعقيدتهم بالمهدي اقل خطرا».. و في هذه الصفحة: «قد کتب الامام الشوکاني کتابا في صحة ذلک، سماه التوضح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح».. وفي ص 106: قرأت رسالة للاستاذ احمد بن محمد بن الصديق في الرد علي ابن خلدون، و قد فند کلام ابن خلدون في طعنة علي الاحاديث الواردة في المهدي، واثبت صحة الاحاديث، وقال «انها بلغت حد التواتر».. وقال -اي احمد امين- في ص 109: «قرأت رسالة اخري في هذا الموضوع عنوانها الاذاعة لما کان و يکون بين يدي الساعة لابي الطيب بن ابي احمد بن ابي الحسن الحسني».. و في ص 41: «وقد احصي ابن حجر الاحاديث المروية في المهدي، فوجدها نحو الخمسين».

اذن، ليس القول بالمهدي من خصائص الشيعة، بل آمن به السنة، و رووا فيه خمسين خديثا، والفوافي وجوده واثباته الکتب، ومادام الأمر کذلک باعتراف



[ صفحه 60]



احمد امين نفسه فلماذا نسب القول به الي وضع الشيعة، کما جاء في ص 13 و 14، حيث قال ما نصه بالحرف: «واذاع الشيعة فيهم -اي في أهل المغرب- فکرة المهدي، و وضعت الکلمة علي لسان رجل ماهر، اسمه عبدالله الشيعي، يدعو للمهدي المنتظر.»

وبعد ان اعترف احمد امين -مرغما- بأن السنة ايضا يومنون بالمهدي المنتظر أحس انه في مأزق، و انه لا بد ان يقال: ان الشيعة محقون في عقديتهم، مع انه يريد ادانتهم علي کل حال، فاستدرک، و قال: و لکن عقيدة السنة بالمهدي اقل خطرا..

وليت شعري کيف يجتمع قوله هذا، مع قوله في ص 41: ان فکرة المهدي والتشيع کانت سببا لثورة شبت ودامت سنين.. وقوله في ص 33: «و من فضل الشيعة انهم کانو في بعض مواقفهم، وفي اعتقادهم بالأئمة المهتدين يؤيدون الدين».. ومع قوله في ص 34: «و من فضل الشيعة انهم کانوا مؤمنين، يدافعون عن الاسلام في الخارج ضد الصليبيين الذييين يهجمون علي بلادهم، وفي الداخل ضد من أنکر الدين، و جحد



[ صفحه 61]



النبوة».. و في ص 37: «ولکن الحق يقال: «ان التشيع دائما ينصر الفلسفة اکثر مما ينصرها السنيون»..

واذا کان الشيعة يدافعون عن الاسلام والمسلمين، واذا کانوا يناصرون الفلسفة اکثر من السنة، واذا کانت عقديتهم بالمهدي والأئمة المهتدين تدفعهم الي الثورة علي الظلم والظالمين.. فکيف، اذن، تکون عقيدة السنة بالمهدي اقل خطر؟!... الا يدل هذا التناقض علي طائفيته وتعصبه، و انقسامه علي نفسه؟!..

ولسنا نستکثر علي احمد ان ينکر وجود المهدي المنتظر، و يخالف المسلمين جميعا السنة منهم والشيعة بعد ان انکر عصمة الرسول الاعظم (ص) صراحة: قال في ص 95: «وقد ثارت خلافات في عصمة الانبياء بالطبيعية، ورووا ان رسول الله (ص) قال: توبوا الي ربکم، فاني اتوب اليه في اليوم مئة مرة، وقال: انه ليغان علي قلبي [1] فهذه الاحاديث ونحوها لا تؤيد معني العصمة التامة.»

وبديهة ان الاسلام بعقيدته و اخلاقه و شريعته،



[ صفحه 62]



و جميع تعاليمه و احکامه يرتکز علي عصمة محمد (ص)، فمن انکرها، او شک فيها فقد انکر او شک في الاسلام و بنبوة سيد الانام من الاساس.. لان الغاية من نبوته و رسالته رفع الخطأ في الهداية و حمل الخلق علي الحق، فان لم يکن معصوما فلا يتحقق المقصود منهما، وبالتالي لايکون نبيا.. استغفر الله، واعوذ به من الشک و الغفلة.

وبهذا يتبين معنا ان کتاب «المهدي و المهدوية» ليس ردا علي الشيعة فحسب، وانما هو في واقعة رد علي الاسلام والمسلمين، واذا تحامل علي الشيعة اکثر من تحامله علي غيرهم، فانه مدحهم وذم السنة بمنطق التاريخ، و من حيث لا يحس ولا يريد، قال: ان ادباء السنة کانوا يمدحون الطغاة وحکام الجور، اما ادباء الشيعة فکانوا يمدحون أئمة الهدي و الحق، فقد جاء في ص 86 من کتاب المهدي والمهدوية: «ولئن کان کثير من الأدب السني کان يقال في مدح الخلفاء والملوک والامراء السنيين، فان الأدب الشيعي کان يقال في مدح الأئمة والرثاء الحار في قتلاهم».

اجل، مدح ادباء السنة الطغاة وحکام الجور



[ صفحه 63]



رغبة في المال و الحطام، ومدح ادباء الشيعة أئمة الهدي والعدل ايمانا بالله و عظمته وولاء للرسول و أهل بيته، ولم يثنهم عن هذا الايمان والولاء القتل و الصلب ولا السجن والتشريد، ولا التقييد بالسلاسل و الاغلال ولا قطع الايدي والأرجل، بل ولا الدفن تحت التراب احياء... ذلک ان الشيعة يسخون بحياتهم ورءوسهم، ولا يسخون بدينهم وعقيدتهم، اما غيرهم فلا دين له ولا مبدأ الا الدراهم والدنانير.

قال احمد امين في ص 85: «ان الشيعين اضطهدوا من السنيين، و کانوا يدعون -اي السنة- انهم يفعلون ذلک دفاعا عن انفسهم، ولکن کانت غلطة يزيد بن معاوية في قتل الحسين غلطة کبري لم يکن اصرفها، فظلت تعمل عملها في طول الازمان. ولم يکتف السنيون بذلک، بل جعلوا يقتلون کل امام طالبي يظهر، ونحن اذا قرأنا کتاب مقاتل الطالبين، لابي الفرج الاصفهاني رعبنا من کثرة ما وقع علي العلويين من قتل وتعذيب وتشريد.

هذا هو المبدأ، و هذه هي الفلسفة لحکم من حکم من السنيين القتل والتعذيب والتشريد باعتراف صاحب



[ صفحه 64]



المهدي والمهدوية و ليس هذا بغريب ولا بعجيب ممن حکم بالقهر و الغلبة، ولکن العجيب الغريب ان يشير احمد امين من طرف خفي الي الاعتذار عنهم بهذه الجملة المعترضة: «و کان السنة يدعون انهم يضطهدون دفاعا عن انفسهم».. وظاهر انه يريد بالدفاع عن النفس عن حکم البغي والجور..

بقي علينا ان نشير في هذا الفصل الي امر يدل علي ذهوله، او عدم تتبعه، وانه يکتب دون ان يتثبت، حتي حين يکتب عن السنة.. لقد تحدث احمد امين في ضحاة عن الاحديث بوجه عام وعن صحاح السنة بوجه خاص، وعن البخاري و مسلم وصحيحهما بوجه اخص. (انظر الفصل الرابع من ضحي الاسلام المجلد الثاني) والذي تبين من کتاب «المهدي و المهدوية» انه يجهل احاديث الصحاح قال في ص41 «و وضع کل -من السنة والشيعة- الاحاديث في تأييد المهدي المنتظر. ومما يشهد بالفخار للبخاري ومسلم انهما لم تتسرب اليهما هذه الاحاديث، وان تسرب الي غيرهما من الکتب التي لم تبلغ صحتهما.

هذا، مع العلم بأن مسلما روي في صحيحه.



[ صفحه 65]



النبي انه قال: «يکون في آخر أمتي خليفة يحث المال حثيا، لا يعده عدا». [2] .

وبالتالي، فان کتاب «المهدي و المهدوية» يسجل علي صاحبه جهله بالاسلام وعقيدته، و مصادرها السنية والشيعة وتحامله علي الشيعة واجهل منه من يعتمد علي آثاره، وينقل من أقواله کحقيقة ثابتة. ولا شي ء أدل علي ذلک من قوله في ص 120: «اني اعتمدت اکثر ما اعتمدت علي الکتب السنية التي وصفت عقائد الشيعة». وهذا اعتراف صريح بأنه حکم علي المدمعي عليه لمجرد قول المدعي، و اتخذ من الخصم حکمما و حاکما علي خصمه.. وهذا منهجه في کل ما کتب عن الشيعة.. واذا اردت تفسيرا صحيحا لشخصيتة احمد امين واضرابه فاقرأ الفصل الاول من هذا الکتاب



[ صفحه 66]




پاورقي

[1] اي غيمت الشهوة علي قلبه.

[2] القسم الثاني من الجزء الثاني باب لا تقوم الساعة، حتي يمر الرجل يقبر الرجل فيتمي ان يکون مکان الميت، وجاء في التعليق ان الترمذي وابا داود قالا هذا الخليفة هو المهدي. وجاء في صحيح البخاري ج9 کتاب الاحکام باب الأمراء من قريش: «لايزال هذا الامر في قريش ما بقي منها اثنان».