بازگشت

الآيات و الاحاديث


جاء في بعض الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية ان لاعمال الجماعة التي ترتکز علي الايمان و العدالة صلة وثيقة بسعادتها في هذه الحياة، و بعدها عن المصائب و الويلات، وان تهاونها بالحق، واصرارها علي الفساد و ارتکاب الحرام له تأثير فعال في شقائها، و ما تعانيه من الاسواء و البلاء.

قال تعالي: «ولو ان اهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم برکات من السماء و لکن کذبوا فأخذناهم بما کانوا يکسبون -95 الاعراف». وقال: «ان الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم -12 الرعد». وقال: «ذلک بأن الله لم يک مغيرا نفمة انعمها علي قوم حتي يغيروا ما بأنفسهم -54 الانفال» و قال: «ولو انهم اقاموا التوراة و الانجيل وما أنزل اليهم من ربهم لأکلوا من فوقهم و من تحت ارجلهم [1] .



[ صفحه 36]



-66 المائدة». وقال «ظهر الفساد في البر و البحر بما کسب ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون -41 الروم». وقال:«وما أصابکم من مصيبة فبما کسبت ايديکم -30 الشوري»، وما الي ذلک من الآيات، ويستفاد منها امور:

1- ان ظهور الفساد، ومنه الفقر والمرض و الجهل. انما هو من حکم الارض، لا من حکم السماء، و من ايدي الناس بامانة الحق، واحياء الباطل، لا من قضاءالله و قدره، وان أية جماعة عرفوا الحق، و عملوا به عاشوا في سعادة و هناء.

2- ان التعبير في الآيات الکريمة بقوم و بالناس يدل علي ان الشقاء مستند الي عصيان الجماعة وان مجرد صلاح فرد من الافراد لايجدي شيئا مادام بين قوم فاسدين، بل ربما جر صلاحة عليه البلاء والشقاء، لوجوده في بيئة فاسدة، قال جل وعز: «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منکم خاصة -25 الانفال» أي ان الآثار السيئة لمجتمع من المجتمعات تعم جميع افراده الصالح منهم و الطالح.. فان الشعب الخانع الخاضع للعسف والجور لابد ان يعيش افراده



[ صفحه 37]



في الذل و الهوان، حتي الاحرار الطيبين.

اما الأحاديث في هذا الباب فلا يبلغها الاحصاء، منها:«ما نقض قوم العهد الا سلط الله عليهم اشرارهم» ونقض العهد هو عدم العمل بالحق والامر به، ومنها: «و ما حکموا بغير ما انزل الله الا فشا فيهم الفقر..» وما حبسوا الزکاة الا حبس عنهم المطر» و المطر هنا کناية عن الخيرات، ومنها «اذا لم يحکموا بما انزل الله جعل باسهم بينهم.. واذا عملوا بالمعاصي صرفت عنهم الخيرات.. ثلاثة تعجل عقوبتها، ولا تؤخر الي يوم القيامة: عقوق الوالدين، والبغي علي الناس، و کفر الأحسان..» ومنها: «اذا کذب السلطان حبس المطر، و اذا جار هانت الدولة».

وفي الدعاء المروي عن الامام: «اللهم اغفرلي الذنوب التي تغير النعم، اللهم الغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء، اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل البلا، اللهم اغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء.

وعمل المعاصي، والحکم بغير ما انزل الله و نقض العهد، و البغي عن الناس، وکذب السلطان، کل ذلک وما اليه مما جاء في الحديث و القرآن کناية



[ صفحه 38]



واضحة، وتعبير صريح عن فساد الاوضاع و الظالم الاجتماعية، و عن «التراست» والتنافس علي السيطرة، واحتکار الثروات، و عن الفوضي و الفساد، و التهتک والخلاعة، و نحوها وقد اتفقت في هذا العصر کلمة المؤمنين و الجاحدين، و الروحيين والماديين ان فساد الاوضاع سبب الانحطاط و التدهر، و الشرور و الويلات. لقد کشف الاسلام عن الصلة الوثيقة بين فساد الاوضاع وبين آلام الانسانية، و مدي تأثير تلک في هذه الصلة کل مفکر و مصلح و عالم من قادة الاشتراکية و الشيوعية والديمقراطية، و غيرهم، و لکن ما الحيلة في الجاهل «المطبق»، ان صح التعبير، الذي ينسب کل فضيلة ومعرفة الي الاجنبي البعيد، و ينفيها عن اهله و قومه الذين هم اصلها و مصدرها، واولها و آخرها، وان کان لدي غيرهم من شي ء يذکر فعنهم اخذوا، و منهم اقتبسوا؟..

3- ان المراد بالايمان و التقوي في الآيات والاحاديث هو -بعد الايمان بالله-

التصديق بالخير کمبدأ، و العمل الصالح النافع للفرد و الناس اجمعين، اما لبس المسوح، واقامة الشعائر دون ان تعمر القلوب بروح التدين



[ صفحه 39]



الصحيح فليس من الايمان في شي ء.. و قد جاء في الحديث: «ما آمن بالله من بات شبعانا، واخوه جائع.. خير الناس انفع الناس للناس.. من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم.. عدل ساعة افضل من عبادة سبعين سنة.»

و هذا الايمان بمعني العمل الانساني الذي ينتج السعادة الشاملة لا يتحقق، و لن يتحقق الا اذا تولي السلطة امام فوق الشبهات، لا يجوز عليه الخطأ و الخطيئة، اما اذا تولاها من لا حصانة له فلا محيص عن وجود المشکلات والنکبات، سواء أکان الحاکم فردا، او فئة، ما داموا جميعا عرضة للاخطاء والميل، مع الاهواء.. و بهذا نجد تفسير ما جاء في الحديث: «ان في ولاية العادل احياء الحق کله، و احياء العدل کله، و ان في ولاية الجائر دروس الحق کله، واحياء الباطل کله»، وتفسير قول امير المؤمنين: «اذا أدي الوالي حق الرعية عز الحق بينهم، و قامت مناهج الدين، و اعتدل معالم العدل، وجرت علي أذلتها السنن، فصلح بذلک الزمان». و قد اشتهر علي الألسن اذا اعتدل السلطان اعتدل الزمان.



[ صفحه 40]



اما الايمان بمعني الصوم و الصلاة، و بناء المساجد و رفع المآذن فيتحقق مع وجود المعصوم و غيابه.

و بالتالي، فان الامامية يعتقدون بأن الحضارة و المدنية و التقدم بمعناه الصحيح لا يکون الا باقامة العدل، واشاعة الأمن و الرفاهية، والا بالقضاء علي الظلم و الفقر و الجهل، وان بناء المجتمع الصالح السليم في دينه ودنياه لا يتم الا علي يد امام معصوم من الخطأ والزلل.. ومن تتبع، و تدبر القرآن الکريم، و السنة النبوية يجد لهذه العقيدة جذورا ثابتة فيهما، وأصولا جلية واضحة لا تقبل التأويل، و لا القال والقيل.


پاورقي

[1] من فوقهم کناية عن خيرات السماء ومن تحت ارجلهم کناية عن خيرات الارض.