المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
و صلي الله علي محمد و آله الاخيار الاطهار.
بعد ان صدر کتاب «الشيعه و التشيع» وردت الي حوله رسائل من قرائه، وما تأثرات بشي ء، کتأثيري برسالتين منها:
الاولي: من شاب مدرس في احدي مدارس العراق، جاء فيها: کنت احسب ان احدا بمقدوره ان يقنعي بالمهدي المنتظر، کما هو في عقيده طائفتي وآبائي و أجدادي، و لکني، بحمدالله، قد اقتنعت و آمنت بعد ان قرأت کتابک «الشيعه و التشيع»
. والرسالة الثانية: من العراق ايضا، و لم يفصح
[ صفحه 4]
صاحبها عن مهنته، قال فيما قال: کنت من قبل اضع فکرة المهدي في عداد المستحيلات حتي قرأت الفصل الخاص به في کتاب «الشيعه و التشيع»
فعدلت رأيي، و قلت: انها ليست محالا، کما کنت احسب و اعتقد.
فحمدت الله، و شکرته جل و عز، و قلت في نفسي: و أية امنية ابتغيها من التأليف وراء هذه...؟ و أي عمل أتزود به في دار المقامة انفع و ارفع؟...
و ايضا قلت في نفسي: ما دام هذا اجري من الکتابة فلن ألقي القلم، و في نفس يتردد، و عرق ينبض.
و کلنا يعلم ان موضوع المهدي المنتظر من الموضوعات الشائکة للغاية، بالقياس ال تفکير النش ء، و تربيتهم، بخاصة من تغلب الزهو عليه، و غرق في الغرور الي ما فوق اذنيه... و من هنا شعرت بالغبطة... و استغفر الله.. وان دلت الرسالتان علي شي ء فانهما تدلان -اولا- علي جبن من يراوده الخوف من معالجة هذا الموضوع، وما اليه، الخوف من الاخفاق والاستخاف، وانه غير خليق بشي ء -اقصد من له اهلية التفهم و التفهيم- ولا اصدق ان «عالما» يحصل
[ صفحه 5]
علي شي ء يذکر في آخرته، و دنياه اذا لم يکن شجاعا مقداما... فلقد سبق في فلم الله و قضائه ان لا يکون للجبناء من فضله الدائم نصيب.
ومهما يکن، فلم يدر في خلدي حين قرأت الرسالتين ان اضيف شيئا علي فضل المهدي المنتظر في کتاب «الشيعه والتشيع» او اطبع هذا الفصل ثانية في کراسة علي حدة، ليطلع عليه من لم يصل الکتاب اليه، وانما انصرفت الي کتاب علي و الفلسفة، ثم الي کتاب الوقف والحجر علي المذاهب الخمسة، ثم الي کتاب الحج علي هذه المذاهب، ثم الي کتاب تجارب و تأملات، ثم الي کتاب اصول الاثبات في الفقه الجعفري، ثم الي هذه الصفحات [1] .
و في اللحظة التي خط القلم فيها کلمة الختام من
[ صفحه 6]
کتاب اصول الاثبات، و قبل ان اقوم من مکاني رأيتني - بحافز لاشعوري - اشرع بالکتابة عن الامامة بوجه عام، کما کان يبدو لي بادي ء ذي بدء، لأخرج کتابا يحمل اسم «الامامة و العقل».. و کنت اذا سألني سائل فيم اکتب اقول له: في الامامة و العقل، و قبل ان انتهي من الفصل الثالث تبين معي اني اکتب عن صاحب الامر و الزمان (ع) بوجه خاص، لا عن الامامة بوجه عام، و لکن باسلوب جديد، و تفکير جديد، کما خيلي الي، فعدلت عن اسم الامامة و العقل الي اسم المهدي و العقل، و ليس هذا من باب فسخ العزائم حيث لم يخطر لي العدول والفسخ ببال، و لکنه من باب اردت امرا، و أراد الله خلافه، فمضيت علي ارادته، والدمعة تترقرق في عيني غبطة و سرورا.
و تقول: هذا محال، او بعيد، اذ کيف تقصد الکتابة في موضوع، ثم يتبين انه غير ما قصدت؟... أليس هذامن باب «اردت ما لا تريد»؟... لان الکتابة في شي ء لا تنفک عن ارادة هذا الشي ء بالذات.
و اقول: اجل، و قد کنت اري -من قبل - ان مثل هذا محال، کما تراه انت الآن... ولکن، صدق،
[ صفحه 7]
او لا تصدق، هذا ما وقع و حصل... اما التفسير الذي ارکن اليه فلم اجده الا في مشيئة الله و ارادته، جلت حکمته و قدرته [2] اما انت ففسر بما شئت.
وشي ء آخر أود ذکره و بيانه، و هو اني في سنة 1959 وضعت تصميما لسلسلة «الاسلام و العقل» و جاءکتاب الامامة والعقل - بحسب العزم و التصميم- الکتاب و العقل، والآخرة و العقل، و حين وصلت الي الرابع اذا به علي والقرآن بدل الامامة والعقل، ثم فضائل الامام علي، ثم علي والفلسفة.
و بعد اربع سنوات او اکثر من العزم و التصميم رجعت الي الامامة بوجه عام - و حکيت القصة-... ومن يدري لعلي اعزم في المستقبل القريب او البعيد
[ صفحه 8]
علي موضوع غير الامامة والعقل، واذا به نفس الامامة و العقل، تماما کما حصل مع هذه الصفحات...
بقي شي ء ثالث، وهو - اني - منذ کتبت في الله، والنبوة، والاخرة الي الآن قرأت عشرات الکتب في موضوعات مختلفة، و اتجاهات شتي، وقد تبين معي انها کانت المادة ورأسمال لهذه الصفحات، و سأضيف، بحول الله و توفيقه، الي تلک القراءات قراءات و مطالعات، ان بقيت الکتاب و القلم... ومن يدري فقد تکون قراءاتي غدا مادة خصبة لکتاب «الامامة و العقل»... و الي اللقاء.
والحمدالله الذي قدر فهدي، ويسر لليسري، وصلي الله علي محمد و آله الابرار الاطهار
ملاحظة:
الآن تذکرت ملاحظة، تتصل بهذه الصفحات، وغيرها من کتبي الصغار، واخشي النسيان و الذهول عنها، ان لم ابادر لتسجيلها،و خلاصبتهاان سلسلة «الاسلام و العقل» الله والنبوة و الآخرة جاءت في کتبيات صغيرة و کان الأفضل ان تکون اضخم و أکبر.
[ صفحه 9]
وخلاصة الجواب:
1- ان العبرة في الکيف، لا في الکم، بالفکرة و الدقة و الامانة، لا بعدد الصفحات، فلقد کنت و ما زلت اکره الحشو و الفضول، و اللف و الدوران، و احب الاختصار، بدون ان يخل بالمعني، ويغير من طبيعته شيئا، ولو اردت لعبرت عن الصفحة الواحدة بصفحتين، او اکثر.
2- ان الهدف الذي ارمي اليه من کتابتي هو ان يقرأ هذا النش ء الضائع عن الدين و يطلع علي شي ء مما لدينا عسي ان يهتدي واحد من مئة، فان الفاصل الذي يفصلهم عنا هو جهلهم بنا، وقد کان وما زال جهل الناس بعضهم لبعض سببا للنزاع و الصراع، فان علموا امکن القرب و التفافهم، واسهل الطرق لترغيبهم في القراءة المختصر المفيد الذي يستطيعون متابعته، و هم في السيارة و حين يأوون الي مخادعهم، تماما کما يقرأون الصحف... وما زلنا نسمعهم يرددون نحن في عصر السرعة، والاختزال، واختصار الاوقات... فاختصرت،
[ صفحه 10]
ليقرأوا، و هم سائرون، تماما کما يأکلون «السندويش»
و لو قارن مقارن بين من قرأ من شباب هذا العصر کتاب «علي و القرآن» مثلا، و بين من قرأ المطولات القديمة و الحديثة في هذا الموضوع لوجد ان نسبة هؤلاء الي اولئک نسبة الواحد الي الالف، علي اکثر تعديل... ان لم نقل لا شي ء...
وبکلمة اني اهتم -اولا- بأبنائنا، واحاول الاقتراب منهم، و حملهم بشتي الطرق علي الدين و الايمان، و اودع الحجاج الصائمين المصلين الي من ارادهم من الاخوان. والصلاة و السلام علي محمد و آله الطاهرين.
[ صفحه 11]
پاورقي
[1] الکتاب الاول نشرته دار الکاتب العربي، و وزعته، والثاني تتولي طبعه الآن دارالنشر للجامعين، و الثالث يعرض في المکتبات، والرابع انتهيت منه، و لا ادري ماذا يکون مصيره و الخامس طبعته دارالعلم للملايين، و ستوزعه عما قريب انشاءالله... وابتدأت بهذه الکتب في 20 شوال من سنة 1382ه. و تمت بحمدالله في 15شوال من سنة83.
[2] ذکرت في کتاب تجارب و تأملات ان الله سبحانه اقام البراهين العامة علي وجوده من خلق السموات والارض،و ما اليه، ثم اعطي کل نفس من الادلة ما تختص به وحدها، و اذا رجع کل انسان الي تاريخ حياته، و تدبرها بالمعان لمس هذه الحقيقة، حيث يجد حوادث قد حصلت له، و لا يحد لها أي تفسير الا في مشيئة الله، وارادته، واضيف هذا الدليل الي ما ذکرته في التجارب و التأملات، سوف اضيف الي هذا الدليل الف دليل و دليل، ان امد الله في الحياة.