الخسف في البيداء
و هو مما استفاضت به أخبار الفريقين.
أخرج مسلم [1] عن أم سلمة عن رسول الله (ص): «يعوذ عائذ بالبيت، فيبعث اليه بعث، فاذا کانوا ببيداء من الأرض خسف بهم، فقلت: يا رسول الله، فکيف بمن کان کارها؟ قال: يخسف به معهم، ولکنه يبعث يوم القيامة علي نيته».
و أخرج أيضا عن حفصة أنها سمعت النبي (ص) يقول: «ليومن هذا البيت جيش يغزونه، حتي اذا کانوا ببيداء من الأرض يخسف باوسطهم و ينادي اولهم آخرهم، ثم يخسف بهم، فلا يبقي الا الشريد الذي يخبر عنهم».
و في حديث ثالث: أن رسول الله (ص) قال: «سيعوذ بهذا البيت - يعني الکعبة - قوم ليست لهم منعة و لا عدد و لا عدة. يبعث اليهم جيش، حتي اذا کانوا ببيداء من الأرض خسف بهم».
و في حديث رابع: «ان أناسا من أمتي يومنون بالبيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت، حتي اذا کانوا بالبيداء خسف بهم. فقلنا يا رسول الله، ان الطريق قد يجمع الناس. قال: نعم، فيهم المستبصر و المجبور و ابن السبيل، يهلکون مهلکا واحدا - و يصدورن شتي، يبعثهم الله علي نياتهم».
و أخرج ابن ماجة و الترمذي و أحمد و الحاکم، و غيرهم، أحاديث في ذلک، غير أننا لا نذکر هنا فيما أخرجه الشيخان أو احداهما، توخيا للاختصار.
[ صفحه 500]
و من المصادر الامامية، ما رواه النعماني في الغيبة [2] عن أبي عبدالله (ع) أنه قال: «للقائم خمس علامات، وعد منها: الخسف في البيداء».
و في خبر آخر [3] عنه عليه السلام قال الراوي: «قلت له: ما من علامة بين يدي هذا الأمر؟ فقال: بلي. قلت: و ما هي؟ قال: هلاک العباسي... الي أن قال: و الخسف في البيداء».
و في خبر آخر [4] عنه عليه السلام أنه قال: «من المحتوم الذي لا بد أن يکون قبل قيام القائم،خروج السفياني و خسف بالبيداء».
و ذکر الشيخ المفيد [5] مما ذکر من العلامات قال: و خسف بالبيداء.
و في منتخب الأثر [6] عن تفسير الکشاف في تفسير قوله تعالي: (و لو تري اذ فزعوا فلا فوت و أخذوا من مکان قريب). عن ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في خسف البيداء. و ذلک:ان ثمانين الفا يغزون الکعبة ليخربوها، فاذا دخلوا البيداء خسف بهم.
و فيه أيضا [7] عن مجمع البيان في تفسير الاية نفسها، عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت علي بن الحسين و الحسن بن الحسن بن علي يقولان: هو جيش البيداء يوخذون من تحت أقدامهم.
و فيه أيضا [8] عن أم سلمة، تقول: قال رسول الله (ص) يعوذ عائذ بالبيت، فيبعث الله جيشا حتي اذا کانوا بالبيداء - بيداء المدينة - خسف بهم.
و أخرج في تفسير البرهان عددا من الاخبار الدالة علي ذلک ايضا، منها: ما عن ابي خالد الکابلي عن ابي جعفر عليه السلام، قال: «يخرج القائم فيسير...
[ صفحه 501]
حتي ينتهي الي البيداء، فيخر جيش السفياني، فيامر الله عزوجل الأرض، أن تأحذ بأقدامهم. و هو قوله عزوجل: (و لو تري اذ فزعوا فلا فوت. و أخذوا من مکان قريب...) الحديث.
و هذا الخسف الموعود، و ان کان اعجازيا، الا أنه لا منافاء فيه مع «قانون المعجزات» بل منسجم معه تمام الانسجام. يتضح ذلک مما تدل عليه هذه الروايات نفسها من أن هذا الخسف انما يحدث لأجل انقاذ العائذ الذي يعوذ بالبيت، أو القوم الذين لا عدد لهم و لا عدة. و يکفنا أن نتصور أن هولاء القوم هم ممثلو الحق الحقيقيون لذين يتوقف علهي مالنصر يوم الظهور سواء کان المهدي نفسه أحدهم، کما ربما تدل عليه الرواية الأولي مما ذکرناه و الأخيرة، أو لم يکن. يکفينا ذلک لنفهم ضرورة انقاذهم و لو بالنحو الاعجازي. و قد سبق أن قلنا: ان کل ما يتوقف عليه الظهور، فهو مما لا بد أن يحدق لکونه مرتبطا بالغرض الاليهي الاعلي لهداية البشر. و هو من أهم و أخص أشکال اقامة الحجة، و المطابقة مع قانون المعجزات ء.
و سيأتي في الجهة الاتية مقدار ارتباطه بعصر الفتن و الانحراف، و التخطيط العام للعلامات.
فهذا هو المهم من العلامات الاعجازية التي يحتمل فيها الخروج علي قانون المعجزات و الزيادة عليه. و قد ثبت أن عددا کبيرا منها مما لا واقع له، لو فهمنا منه المعني المطابقي غير الرمزي. و ان حدوث المسخ و احياء الأموات قبل الظهور و طول عمر الدجال و ضخامة حماره و قتله للمومن و احيائه له، مما لا أساس له. و ان انحسار الفرات عن الذهب ليس باعجاز بل هو أمر طبيعي. و ان خروج الشمس من مغربها ليس من علامات الظهور، و ان الصيحة و الخسف مطابقة لقانون المعجزات غير مخالفة له، و قد نطقت بها الأخبار الکثيرة، فلا بد من الالتزام بها.
هذا تمام الکلام في النقطة الثالثة فيما دل علي اقامة المعجزات أکثر مما يقتضيه القانون.
و به ينتهي الکلام في الناحية الثانية في انقسام علامات الظهور من ناحية المعجزات.
[ صفحه 502]
و هو نهاية الکلام في الجهة الرابعة، في بعض التقسيمغات العامة لهذه الروايات.
پاورقي
[1] ج 8، ص 167، و کذلک الاخبار الذي بعده.
[2] ص 133، وانظر غيبة الشيخ، ص 267.
[3] غيبة النعماني، ص 139.
[4] المصدر، ص 141.
[5] ص 334.
[6] ص 456.
[7] ج 2، ص 875، في تفسير سورة سبا.
[8] المصدر و الصفحة.