دنه سوف يحسر الفرات عن کنز من ذهب
أخرج الصحيحان [1] بسند يکاد يکون مشترکا و بلفظ واحد عن النبي (ص) أنه قال: «يوشک الفرات أن يحسر عن کنز من ذهب، فمن حفره فلا يأخذ منه شيئا».
و أخرها [2] بسند آخر يقول: عن جبل من ذهب. و أضاف مسلم [3] عليه: «يقتتل الناس عليه، فيقتل من کل مئة تسعة و تسع9ون. و يقول کل رجل منهم: لعلي أکون أنا الذي أنجو»، و مثلها رواية أخري أيضا. [4] و أخرجت الصحاح الأخري مثل ذلک، غير أننا لا نروي عنها فيما أخرجاه.
و نحن اذا غضضنا النظر عن عدم امکان اثبات مثل هذا المضمون، بالتشدد السندي، أمکننا أن نفهمه علي عدة أطروحات:
الأطروحة الأولي:
ما هو ظاهر العبارة من أن ماء الفرات ينکشف و يزول عن محله، فيظهر تحته أکداس عظيمة من الذهب، فيطمع فيه الناس و يقتتلون علي أخذه. و التکليف الاسلامي الواجب يومئذ - کما تصرح به الرواية الأولي: «أن لا يشارک الفرد في الطمع و لا في الحرب، بل عليه أن ينصرف عن الأخذ من هذا الذهب تماما».
و هذه الأطروحة لو صحت، فهي لا تدل علي حصول المعجزة، في انحسار الفرات، بل لعله ينحسر تحت ظروف طبيعيد معينة، کتغيير مجراه، فيري الناس تحته ذهبا کثيرا لم يکونوا يعلمون بوجوده.
الا أن حصول ذلک بعيد جدا بالوجدان، لا يکاد يکون محتملا أصلا.
[ صفحه 493]
الأطروحة الثانية:
أن يفسر هذا الحديث بمقدار الخيرات العظيمة التي ينتجها هذا النهر المبارک ک... أما بحمله علي الخيرات الزراعية التي تحصل علي جانبيه علي مر التاريخ، و قد تحصل في بعض السنين أضعاف ما تحصل في سنوات أخري. و أما بحمل الخبر علي أنه سيستخرج من مياهه النفط المسمي بالذهب الأسود. و لعل هذا أنسب بما يعطيه الحديث من أن الکنز کامن في جوف الفرات أو تحت مائه، و أنه لا يمکن استخراجه الا بازالة الماء بشکل من الأشکال.
و معه، يحمل اقتتال الناس علي التنافس الاستعماري علي منطقة الفرات طمعا بکنوزه من قبل الدول الکبري المتعددة، هذا التنافس الذي کلف الکثير من الأموال و النفوس. و أما بقاء الواحد بالمئة من المتحاربين، فلا بد أنه يحمل علي المبالغة في کثرة القتلي لا علي التحديد.
الأطروحة الثالثة:
أن يحمل الفرات علي معني الحق أو الدعوة الالهية، بقرينة قوله عز من قائل: طمعا بکنوزه من قبل الدول الکبري المتعددة، هذا التنافس الذي کلف الکثير من الأموال و النفوس. و أما بقاء الواحد بالمئة من المتحاربين، فلا بد أنه يحمل علي المبالغة في کثرة القتلي لا علي التحديد.
الأطروحة الثالثة:
أن يحمل الفرات علي معني الحق أو الدعوة الالهية، بقرينة قوله عز من قائل: «و هو الذي مرج البحرين: هذا عذب فرات و هذا ملح أجاج، و جعل بينهما برزخا و حجرا و محجورا». [5] مع تفسير الفرات بالحق و الاجاج بالباطل. بقرينة ورودها في سياق الحديث عن الدعوة الالهية، فيما سبقها من الايات. قال الله تعالي: «و لو شئنا لبعثنا في کل قرية نذيرا. فلا تطع الکافرين و جاهدهم به جهادا کبيرا. و هو الذي مرج البحرين...» الخ. و يحمل الحجر المحجور علي الفاصل الذاتي البرهاني الذي لا يمکن خلطه بين الحق و الباطل.
و يکون معني انحسار الفرات عن الذاهب، اتضاح الحق بمقدار کبير و زيادة مخلصيه و مويديه، في عصر الفتن و الانحراف... فيتصدي لهم جماعة من المنحرفين والکافرين، فيقاتلهم المومنون دفاعا عن أنفسهم فيکثر القتلي حتي يمکن أن يقال: علي وجه المبالغة: أنه لم يبق من الناس المتحاربين، الا واحدا من المئة. و يحمل النهي عن الأخذ من الذهب علي لزوم عدم الاعتداء علي الحق و المشارکة في الحرب ضده.
[ صفحه 494]
فان صحت احدي هذه الأطروحات الثلاث، فهو، و ان لم تصح کلها، و لم يصح الخبر بالتشدد السندي، فقد استرحنا منه، و ان صح سندا و لم نفهم مدلوله، أوکلنا علمه الي الله تعالي و رسوله.
پاورقي
[1] البخاري ج 9، ص 73، و مسلم ج 8، ص 175.
[2] نفس المصدرين و الصفحتين.
[3] ج 8، ص 174.
[4] المصدر، ص 175.
[5] الفرقان: 53:25.