قتل الدجال لمؤمن ثم حياوه له
فمن ذلک ما أخرجه مسلم [1] عن أبي سعيد الخدري، قال: «حدثنا رسول الله (ص) حديثا طويلا عن الدجال، فکان فيما حدثنا أن قال: يأتي و هو محرم عليه أن يدخل نقال المدينة، فينتهي الي بعض السباخ التي تلي المدينة. فيخرج اليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس. فيقول له: أشهد أنک الدجال الذي حدثنا رسول الله (ص) حديثه».
فيقول الدجال:«أرأيتم ان قتلت هذا ثم أحييته، أتشکون في الأمر.
[ صفحه 489]
فيقولون: لا. قال: فيقتله ثم يحييه. فيقول حين يحييه: والله ما کنت فيک أشد قط بصيرة مني الان. قال: فيريد الدجال أن يقتله، فلا يسلط عليه».
و في حديث آخر لمسلم [2] عن رسول الله (ص) يقول فيه: «فان رآه المومن قال: يا أيها الناس، هذا الدجال الذي ذکر رسول الله (ص). قال: فيأمر الدجال به فيشج، فيقول: خذوه و شجوه، فيوسع بطنه و ظهره ضربا. قال: فيقول: أو ما تومن بي. قال: فيقول: ما ازددت فيک الا بصيرة.
«ثم يقول: يا أيها الناس، انه لا يفعل بعدي بأحد من الناس. قال: فيأخذه الدجال ليذبحه، فيجعل ما بين رقبته الي ترقوته نحاسا، فلا يستطيع اليه سبيلا. فيأخذ بيديه و رجليه، فيقذف به، فيحسب الناس انما قذفه في النار، و انما القي في الجنة. فقال رسول الله (ص): هذا أعظم شهادة عند رب العالمين».
و هذا المضمون الذي يدل عليه ظاهر العبارة، من أوضح موارد اقامة المبطلين للمعجزات، و قد سبق أن برهنا علي فساده.
وقد يمکن الدفاع عن هذا المضمون، بأن تمکين الله تعالي للدجال من اقامة المعجزات، يراد به فضحه و کشف کفره و غلظته للناس عن طريق صمود هذا المومن أمامه.
الا أن هذا الدفاع غير صحيح. فأنه انما يصح علي تقدير انحصار أسلوب فضحه و کشف دجله بذلک. الا أنه من المعلوم عدم انحصاره بذلک. اذ يمکن أن تشکف عنه أفعاله، عن طريق التمحيص الذي يمر به، فيوجب فضح نفسه بنفسه و يجري الي حتفه بظلفه، کالذي نري من المبادي ء المنحرفة اليوم، و من بعض الجبابرة السابقين، الذين لم يخلفوا بعدهم الا الکراهة، کالحجاج و طغرل بک و تيمور لنگ و اضرابهم. و معه لاحاجة الي اقامة المعجزات من أجل کشفه.
[ صفحه 490]
و يدلنا علي ذلک قول المومن - في نفس الرواية: «يا أيها الناس، انه لا يفعل بعدي بأحد من الناس. يبشرهم بأنه لن يقتل أحد بعده. و معني ذلک أن قتله للناس معروف فيهم مشهور بينهم، و التذمر من ظلمه عام في المجتمع. حاله في ذلک حال سعيد بن جبير الذي دعا حين أراد الحجاج قتله قائلا: اللهم لا تسلطه علي أحد بعزي». في قضيته المشهورة. و معه فلا حاجة الي قيام المعجزة لکشفه.
هذا بحسب ظاهر العبارة. و أما حمل هذه الأحاديث علي الرمز، فهو في غاية الاشکال.
پاورقي
[1] ج 8، ص 199 و انظر البخاري، ج 9، ص 76 بلفظ مقارب جدا.
[2] ج 8، ص 200.