اختلاف الزمان عما هو عليه الان
فمن ذلک: ما اخرجه مسلم [1] عن رسول الله (ص) و قد تحدث عن أيام الدجال. قال الراوي: «قلنا يا رسول الله، وما لبثه في الارض. قال: اربعون يوما، يوم کسنة و يوم کشهر و يوم کجمعة، و سائر ايامه کايامکم. قلنا يا رسول الله، فذلک اليوم الذي کالسنة، اتکفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا. اقدروا له قدره».
و کما روي طول الزمان روي قصره أيضا.
أخرج البخاري [2] عن النبي (ص) انه قال: «يتقارب الزمان...» الخ.
[ صفحه 487]
و أخرج ابن ماجة: [3] قال رسول الله (ص) - و هو يتحدث عن الدجال -: «و ان أيامه أربعون سنه، السنة کنصف السنة، و السنة کالشهر، و السنة کالجمعة، و آخر أيامه کالشررة، يصبح أحدکم علي باب المدينة، فلا يبلغ بابها الاخر حتي يمسي. فقيل له: يا رسول الله. کيف نصلي في تلک الايام القصار. قال: تقدرون فيها الصلاة، کما تقدرونها في هذه الايام الطوال، ثم صلوا».
و يکفينا في بطلان الحديثين، تناقيهما و تعارضهما في المدلول، من حيث دلالة أحدهما علي طول الزمن و الاخر علي قصره، في نفس الوقت، و هو عصر الدجال.
فان قال قائل: ليس الطول والقصر، علي وجه الحقيقة، بل يراد به الکناية عن الجو النفسي الذي يعيشه المسلمون يومئذ. فان همن المحسوس وجدانا مع الانس و الفرح ينقصي الزمان بسرعة، فکأنه قد قصر، و مع الهم و الکمد ينقضي ببطء فکأنه قد طال.
قلنا: ان هذا التفسير يبطل الفهم الاعجازي للحديث، و يجعل المسألة نفسية طبيعية... لا انه لا يحل التعارض، لتهافت الخبرين من حيث الدلالة علي الجو النفسي يومئذ و. و المفروض هو الحديث عن الجو العام لدعم المسلمين، فهل هو جو الفرح لکي يکون الزمن قصيرا کما دل عليه أحد الخبرين، أو هو الحزن و الکمد، لکي يکون الزمن طويلا، کما دل عليه الخبر الاخر، اذن فالتعارض لا زال موجودا.
فان قال قائل: لعل حرکة الدجال تحدث في بلاد السويد و النرويج التي يختلف فيها نظام الايام عن نظامنا.
قلنا: هذا لا يمکن حمل الحديث عليه لوجهين:
الوجه الارض:
ان المفروض في الفهم الاعتيادي للدجال، هو خروجه في بلاد الاسلام،
[ صفحه 488]
و ما أخرجه ابن ماجة صريح في أن المسألة لا تعدو الحجاز و العراق و الشام. فراجع، في حين ان البلاد الاسکندنافية ليست من بلاد الاسلام.
الوجه الثاني:
ان النظام المعطي في الحديث للايام فذ في بابه، فالحديث الذي يخبرنا عن طول الزمان يقول: ان يوما واحدا من أيام الدجال طوله کطول سنة و اليوم الذي بعده طول کطول شهر و اليوم الذي بعده طوله کطول اسبوع. و باقي الايام الي الاخر کأيامنا اعتيادية.
والحديث الذي يخبرنا عن القصر، يقول: ان السنة نفسها تصغر تدريجا، فتصبح أولا کطول ستة أشهر، ثم کطول الشهر ثم کطول الاسبوع، و هکذا حتي تبقي الايام في النهاية کالشرارة الواحدة، و تکون السنة عبارة عن 360 شرارة. قد لا تعدو الساعة الواحدة الزمنية.
و مثل هذا النظام في الطول أو القصر، لا يوجد في أي مناطق العالم کما هو معلوم.
فاذا عرفنا ان ايجاد هذا النظام الجديد في أيام الدجال، بالمعجزة، لا مبرر له، بل يکون في مصلحة الدجال نفسه،عرفنا عدم صحة هذه الاخبار. ما لم تدخل في فهم منظم متکامل جديد، سنذکره في الجهة الاتية انشاء الله تعالي.
پاورقي
[1] ج 8، ص 197.
[2] ج 9، ص 61.
[3] ج 2، ص 1362.