ما ورد من منع الدجال دخول الحرمين: مکة و المدينة بطريق اعجاز
يدل عليه حديث الجساسة نفسه [1] اذ يقول فيه الدجال: «فلا أدع قرية الا هبطتها في اربعين ليلة غير مکة و طيبة فهما محرمتان علي کلتاهما. کلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدا منهما استقبلني ملک بيده سيف صلتا يصدني عنها».
و هذا الحديث غير صالح للاثبات التاريخي، بعد التشدد السندي الذي اتخذناه.
و هو لايوضح لماذا يحرم علي الدجال دخول مکة و المدينة، و لماذا يمنع عنهما منها اعجازيا. فان کلا الامرين لا يصحان.
فان هذه الحرمة لا يخلو حالها من احد شکلين
الشکل الاول:
ان تکون حرمة تکوينية قهرية، يخططها الله تعالي من أجل حفظ احترام البلدين المقدسين من ان يعبث الدجال فيهما فسادا.
و هذه الحرمة غير ثابتة لهذين البلدين جزما، و الا لما أمکن احراق الکعبة في عهد يزيد بن معاوية الاموي، [2] و لا استباحة المدينة ثلاثة ايام في وقعة
[ صفحه 485]
الحرة [3] و لا هجوم القرامطة علي الکعبد و سفکهم الدماء في المسجد الحرام و خلعهم الحجر الاسود و نقله الي هجر. [4] .
الشکل الثاني:
ان تکون الحرمة تکليفية، تشبه في فکرتها حرمة القتل و السرقة، مع امکان الفعل بحسب أصله. و تنشأ هذه الحرمة من أحد سببين محتملين، ان تم أحدهما فهو، و الا کانعت هذه الحرمة منتفية أيضال.
السبب الاول:
ان الدجال شخص کافر نجس، کالکلب و الخنزير في نظر الاسلام. فيحرم عليه دخول الحرمين المقدسين.
و لا نريد ان نناقش في کفر الدجال و نجاسته، الا ان حرمة دخوله، علي هذا التقدير، من تکليف المسلمين، فيجب عليهم دفعه عنها وصده عن دخولها ان استطاعوا. أما هو فلا يشعر بهذه الحرمة، لانه کافر، و هو خلاف ظاهر الحديث.
السبب الثاني:
ان يکون سبب الحرمة تحصين اهل مکة و المدينة من الغواية و الانحراف الذي يعطيه الدجال.
و هذه الحرمة صحيحة، و ثابتة لمعطي الانحراف و آخذه. الا انها غير مختصة باهل مکة، بل شاملة لکل الناس. علي انها قد شرعت لاجل وضع الناس تحت التمحيص والاختبار، و من حيث اطاعة هذا التشريع و عصيانه، بما في ذلک اهل الحرمين و الدجال نفسه، فلا معني لان يکون التحصين مکتسبا
[ صفحه 486]
اهمية و قوة فوق درجة التمحيص الالهي. و لئن کان الحرمان مقدسين في الاسلام، فان ساکنيهما کسائر الناس، لم يثبت لهما أفضلية عن الاخرين.
و معه فالصحيح، ان الله تعالي اذا اراد منع الدجال من دخول مکة و المدينة، بشکل لا يزيد المخطط العام للدعوة الالهية، فانه يوجد أحد امرين:
الامر الاول:
ان يصرف الله تعالي ذهن الدجال و همته اساسا عن غزو هاتين المدينتين أو دخولهما، بشکل لا يستلزم الجبر و لا الاعجاز، فمثلا يمکن أن تصبح ظروف الدجال بشکل يدرک بوضوح عدم مطابقة دخول المدينة و مکة مع مصالحة.
الامر الثاني:
ان يمنع الدجال من دخولهما من قبل المسلمين الصالحين، عن طريق الحرب أو غيرها.
هذا کله طبقا للفهم الکلاسيکي للدجال.
پاورقي
[1] المصدر و الصفحة.
[2] الکامل، ج 3، ص 354.
[3] المصدر، ص 310 و ما بعدها.
[4] المصدر، ص 204 و أنظر تاريخ الغيبة الصغري ص 360.