بازگشت

فتح القسطنطينية


أخرج مسلم: أن رسول الله (ص) قال: «لا تقوم الساعة حتي ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج اليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ»... الي أن يقول: «فيفتحون قسطنطنينية»... الخ. الحديث.

وهذا ما تحقق فعلا، بعد عدة قرون من تسجيله في المصادر الحديثه، فضلا



[ صفحه 470]



عن زمن التنبوء به من قبل النبي (ص). فيکون من هذه الناحية، کما قلنا في التنبوء بالحروف الصليبية، علي مستوي المعجزات.

و فاتح القسطنطينية هو السلطان محمد الثاني بن السلطان مراد، من أوائل الملوک العثمانيين، الذين حکموا البلاد الاسلامية باسم الدين ردحا طويلا من الزمن. و قد تم الفتح و دخول المسلمين فيها عام 857 للهجرة [1] و سميت بعدئذ باسلامبول نسبة لها الي الاسلام بعد النصرانية، و أصبحت العاصمة الرئيسية للدولة العثمانية.

و نکرر هنا القول الذي ذکرناه في موقف صلاح الدين الأيوبي... من أن فکرة الفتح أساسا مجيدة و عظيمة في الاسلام، و من هنا أعتبر النبي (ص) الجيش الفاتح «من خيار أهل الأرض يومئذ». و هذا لاينافي وجود نقاط ضعف في العقيدة أو السلوک من الجهات الأخري.

لايبقي بعد هذا الاحتمال أن يکون المقصود من الحديث النبوي هو أن فاتح القسطنطينية هو الامام المهدي (ع) بعد ظهوره،کما ورد في بعض الأخبار. [2] و قد يستدل علي ذلک بأطراء النبي (ص) علي الفاتحين، کما سمعنا، فان.شد انطباقا علي أصحاب المهدي (ع) منه علي الجيش العثماني بطبيعة الحال.

هذا الاحتمال غير صحيح، لصراحة الحديث النبوي، بان القسطنطينية توخذ من الروم، و هو ما حدث في الفتح العثماني. و أما المهدي (ع) فسوف يفتحها تارة أخري، الا أنه سوف يأخذها من المسلمين المنحرفين، کما يأخذ سائر البلاد الاسلامية غيرها. وانما ذکرت في الأخبار لأهميتها الجغرافية واستراتيجيتها العسکرية.

و يويد ذلک، قوله في الحديث النبوي عن الجيش الفاتح: «فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا. و يقتل ثلثهم أفضل الشهداء. و يفتح الثلث...»



[ صفحه 471]



الحديث. [3] و هذا الانقسام مما لا يمکن حدوثه في جيش المهدي الفاتح للعالم کله، ببيعة الحال.

و أما وصفهم بکونهم من خيار أهل الأرض، و ان شهداءهم أفضل الشهداء... فقد عرفنا تفسيره الصحيح.

و علي أي حال، فهذه الأمور الثمانية، هي أهم ما ورد في الأخبار من العلامات التي تحققت في التاريخ.

علامات أخري متحققة:

بقيت هناک عدة علامات ذکرها الشيخ المفيد في الارشاد مختصرا، و قال أنها وردت في الاثار و جاءت بها الأخبار. منها عدد قد تحقق في التاريخ؛ أو يمکمن حمله علي مصاديق مفهومة متيقنة. و انما عزلناها عن العلامات السابقة لأننا لم نجدها في الأخبار، فيما عدا رواية المفيد لها مرسلا بدون سند.

و تکون القاعده العامة، في التشدد السندي، رفضها ما لم تقم قرائن واضحة علي صدقها. وقد سبق أن قلنا أن أدل دليل علي صدق الرواية تحقق مضمونها في الخارج علي مدي التاريخ. و سنختار ما يمکن القول بتحققه فنذکره فيما يلي:

أولا: مقتل الحسيني:

و لاشک أن العشرات من ذرية الامام الحسن الزکي عليه السلام، ثاروا في أيام الدولة الأموية والعباسية، و واجهوا من القتل و التشريد من قبل السلطات الشي ء الکثير... کما هو أوضح من أن تدخل في تفاصيله. و لمن يراجع مقاتل الطالبيين لأبي الفرج خيرالمعرفة بذلک.

و ان في دولة طبرستان التي أسسها الحسن بن زيد الحسني العلوي عام 250، و التي استطاعت الصمود ردحا طويلا من الدهر، بالرغم من کيد الأعداء، خير دليل علي صمود هذه الذرية الطاهرة واستبسالهم ضد الظلم و الطغيان.

نعم، هناک احتمال أن يراد بالحسني: النفس الزکية التي ورد أنها تقتل قبل



[ صفحه 472]



الظهور بخمس عشرة ليلة. الا أنه ليس باحتمال وجيه، لأن الخبر الدال علي مقتل النفس الزکية في مثل ذلک الموعد، غير مقبول بالتشدد السندي علي ما سيأتي. کما أن کون النفس الزکية التي تقتل في ذلک الحين - لوصح - من أولاد الحسن عليه السلام، أمر لا دليل عليه.

ثانيا: اختلاف بني العباس في الملک الدنيوي:

و حقيقته التاريخية أوضح أيضا من أن يفاض في تفاصيلها و قد سبق في هذا التاريخ و الذي قبله عن ذلک الشي ء الکثير.

ثالثا: اقبال رايات سود من قبل خراسان.

و قد عرفنا انطباق ذلک علي ثورة أبي مسلم الخراساني. و في هذه العلامة اخبار مسندة سوف نرويها فيما بعد.

رابعا: ظهور المغربي بمصر وتملکه الشامات:

و لعمري أن مصر قد غزت الشام و استولت عليها، عدة مرات في التاريخ الاسلامي. کالذي فعله ابن طولون ثم المعز الفاطمي ثم ابراهيم باشا. ثم کان آخرها تلک المحاولة التي سميت باسم الجمهورية العربية المتحدة.

الا أن المغربي من هولاء هو المعز الفاطمي، لأنه من ذرية المهدي العلوي الافريقي الذي نشر دعوته عام 396 [4] في الشمال الافريقي. و بقيت دولته قائمة، حتي انتقل عنها المعز معد بن اسماعيل الي مصر عام 358. [5] و أزال عنها کافورا الأخشيدي.

و في نفس العام سارت جيوشه الي طبرية و منها الي دمشق. واستولي عليها قائده ابن فلاح عام 359. و خطب فيها المعز و استقر فيها ملکه. [6] .

فانظر کيف ظهر المغربي بمصر، و ملک الشامات، طبقا لهذه النبوءة.



[ صفحه 473]



خامسا: نزول الترک الجزيرة:

و أرض الجزيرة هي أرض العراق فيما بين النهرين، و هو اصطلاح قديم و معروف.

و قد بقيت هذه الأرض تحت الحکم العثماني الترکي ردحا طويلا من الزمن، يبدا من عام 941 هجرية، و يستمر بقية القرن العاشر و و القرون التي تليه حتي القرن الرابع عشر الحالي، حيث سقط حکمهم عام 1335 هجرية، بالاحتلال البريطاني للعراق [7] أثناء الحرب العالمية الأولي.

و هذه من التنبوءات التي حدثت بعد صدور الحديث و کتابته في المصادر بعدة قرون. حيث توفي الشيخ المفيد صاحب الارشاد عام 413. [8] والرملة منطقة في مصر و منطقة في الشام. و علي کلا الحالين يکون هذا التنبوء اخبارا عن الاستعمار الفرنسي، أما الي مصر بقيادة نابليون بونابرت في حملته المشهورة، أو الي سوريا حيث بدأ الاحتلال الفرنسي فيها باخراج العثمانيين عنها بعد الحرب العالمية الأولي.

و علي أي حال، فالنبوءة واقعة و صحيحة علي المستوي التاريخي. و هذه أيضا من التنبوءات الاعجازية التي سجلت في المصادر قبل حدوثها بقرون.

سابعا: خلع العرب اعنتها و تملکها البلاد، و خروجها عن سلطان العجم:

و هو ما نعيشه في هذا العصر، عصر الثورات في البلاد العربية بقصد التحرر من الاستعمار الأجنبي، وسيطرة أشخاص من أهل البلاد علي الحکم.

و خلع الاعنة تعبير مجازي أما عن الثورة أو عن الانحراف عن زمام الدين



[ صفحه 474]



و أحکامه حلا و تصريف الأمور تحت شعارات أخري لا تمت الي الدين بصلة. و کلاهما قد حدث فعلا. و التعبير بالعرب ربما کان قرينة علي ذلک، حيث يمکن أن يدل علي أن الثورات تقوم علي أساس شعار العروبة لاعلي أساس الاسلام.

و تملکها البلاد، يعني سيطرة أناس من أهل البلاد علي الحکم. و خروجها عن سلطان العجم عبارة عن محاولتها التحرر من الاستعمار و الخروج عن سيطرته. فان لفظ العجم غير مختص بالفرس، کما يتخيل العامة، بل يشمل کل شخص غير عربي، مهما کانت لغته.

فانظر الي هذا التنبوء الذي لم يحدث الا بعدما يزيد علي الألف عام من صدوره و تسجيله في المصادر.

ثامنا: ثبق في الفرات، حتي يدخل الماء في أزقة الکوفة:

يقال: ثبق النهر، اذا کثر ماؤه و أسرع جريه. و هو عبارة أخري عن الفيضان. و قد حصلت هذه النبوءة في العديد من السنين، و شاهدت الکوفة مثل هذا الفيضان کثيرا. و قدعاصرنا بعض ذلک.

تاسعا: عقد الجسر مما يلي الکرخ بمدينة بغداد:

کان الناس في بغداد، خلال العصر العباسي بشکل عام، يکتفون بجسر أو جسرين بين جانبي دجلة [9] في الأغلب. و أما اليوم فبين جانبي بغداد عدة جسور، بعضها تجاه الکرخ و بعضها تجاه الرصافة.

ولم نستطع ؤن نتبين تاريخيا أن أول جسر عقد الي جانب الکرخ، کان في أي عام و من قبل أي سلطة. و ليس ذلک مهما في حدود بحثنا.

عاشرا: اختلاف صنفين من العجم، و سفک دماء کثيرة فيما بينهم:

و اذا کان المراد من العجم، غير العرب من البشر، کما قلنا، کان کل حرب تقع بين معسکرين أو دولتين غير عربيتين، يمکن أن يکون مصداقا لهذه النبوءة.

و يکفينا أن نعرف أن مثل هذه الحروب لم تکن مهمة و لا ملفتة للنظر عالميا في



[ صفحه 475]



زمن النبي (ص) و الأئمة المعصومين (ع). و انما تمخضت هذه الحروب في الأزمنة المتأخرة عن ذلک بعدة قرون.

و لسنا بحاجة الي تحصيل المثال علي ذلک، من الحروب... بعد الحروب التي وقعت بين المانيا و فرنسا أو بين بريطانيا و فرنسا أو بين ترکيا و اليونان... أو غير ذلک خلال التاريخ الحديث.

بل يکفينا النظر الي الحربين العالميتين الواقعتين في النصف الأول من القرن الحالي. فان کل واحدة منهما تمثل خلافا دمويابين عدة دول غير عربية. و قد تسببت الي ازهاق الملايين من النفوس. و قدکمانت أشد تأثيرا علي بلادالاسلام من الحروب الأوربية الداخلية التي کانت تحدث بين الافرنج في العصور الأسبق منها.

نکتفي بهذا المقدار من التنبوات المتحققة تاريخيا، و هي بمجموعها تشکل دليلا قطعيا علي صدق قائليها المعصومين (ع) ذلک الصدق الدال علي صدق سائر أقوالهم بما فيه اخبارهم عن ظهور الامام المهدي (ع).

و قد يخطر في الذهن هذا السوال: و هو أننا باستعراض هذه العلامات الواقعة تاريخيا، بل حتي العلامات التي لم تقع، مما سنذکره... نري أن أکثرها تدور حول المنطقة الاسلامية من العالم. و أما التعرض الي حوادث تقع في المناطق الأخري،

فهو في غاية القلة. فلماذا حدث هذا الاختصاص.

فنقول في جوابه: ان لهذا الاختصاص دخلا أساسيا في التخطيط الالهي ليوم الظهور. فان المخلصين الممحصين الذين يتم اعدادهم لتکفل مسوولية الظهور مع المهدي (ع) هم من المسلمين لامحالة. و هم الذين ينبغي أن تنبههم العلامات - کما قلنا - الي تحقق الظهور. مضافا الي الأفراد المخلصين من المرتبتين الثانية و الثالثة، من مراتب الاخلاص التي قلناها.

و معه فمن المنطق.ن تختص هذه العلامات، بالشکل الذي تحقق هذا الهدف... و ذلک لا يکون الا اذا کانت تحدث في العالم الاسلامي، أو تکون ملفتة لنظر المسلمين ان حدثت في الخارج. و علي هذا درجت کل العلامات الواردة عن النبي (ص) و الأئمة (ع) ايفاء لهذا الغرض.

و بهذا ينتهي الکلام في النقطة الأولي من الناحية الأولي، و هو ما دل التاريخ علي حدوثه من العلامات.



[ صفحه 476]




پاورقي

[1] الفتوحات، ج 2 ص 124 و مابعدها.

[2] انظر کشف الغمة، ج 3، ص 264.

[3] ص 336 و مابعدها.

[4] الکامل، ج 6، ص 133.

[5] ابن الوردي، ج 1، ص 308.

[6] المصدر، ص 409.

[7] دليل خارطة بغداد، ص 286 الي ص 295.

[8] أنظر الکني و الألقاب، ج 3، ص 171،ط النجف 1956 - 1376.

[9] أنظر دليل خارطة بغداد، ص 149 و ص 193.