بازگشت

اخبار النبي أو أحد الأئمة عن شوؤن دولة بني العباس


و قد اتخذ ذلک في المصادر المتوفرة لدينا، عدة أساليب:

الأسلوب الأول:

في التنديد ببني العباس و الطعن فيهم من حيث انحرافهم و فسادهم و خروجهم عن جادة الحق. و قد اختصت المصادر الامامية بذلک، فيما نعلم.

فمن ذلک: ما رواه النعماني في غيبته [1] عن النبي (ص)، أنه التفت الي العباس فقال: يا عم ألا أخبرک بما خبرني به جبرئيل؟ فقال: بلي، يا رسول الله قال: قال لي: ويل لذريتک من ولد العباس. فقال: يا رسول الله، أفلا أجتنب النساء. فقال: قد فرغ الله مما هو کائن.

و في حديث آخر: [2] عن عبدالله بن عباس، قال: قال رسول الله (ص) لأبي: يا عباس، ويل لولدي من ولدک، و ويل لولدک من ولدي. فقال: يا رسول الله، أفلا أجتنب النساء أو قال: أفلا أجب النساء. قال: ان علم الله قد مضي و الأمور بيده. و ان الأمر سيکون في ولدي.

و دولة بني العباس، واضحة للعيان في التاريخ. و ما وقع بينها و بين أولاد علي و فاطمة: أولاد النبي عليه و عليهم الصلاة و السلام، من الخلاف، و ما ذاقوه من بني العباس من التشريد و المطاردة و التعسف، أوضح من أن يذکر و أشهر من أن يسطر. کما أن ما تکبده العباسيون من ثورات العلويين التي تعد بالعشرات خلال تاريخهم الطويل، معروف موصوف. و حسبک أنه قد أشغل الجزء المهم من مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصبهاني و الکثير من فصول التاريخ الاسلامي. و قد حاولنا أن نستعرض بعضه في تاريخ الغيبة الصغري، في حدود ما يعود الي تلک الفترة. [3] .



[ صفحه 452]



و هذا التقابل، هو المصداق الواضح لقوله (ص): ويل لولدي من ولدک و ويل لولدک من ولدي.

و أما قوله (ص): قد فرغ الله مما هو کائن، أو أن علمالله قد مضي، فاوضح ما يراد به هو الاشارة بطرف خفي الي التخطيط الالهي لليوم الموعود، باعتباره مستلزما لوجود الانحراف في المجتمع، وليس من مصلحة التمحيص رفعه و تبديله قبل يوم الظهور. اذن فهذا التقابل ينبغي ان يکون قائماليشارک و التمحيص و التخطيط الالهيين.

و انما لم يشر الي ذلک صريحا باعتبار عدم تحمل المستوي الثقافي لذلک العصر، التصريح بمثل هذه القوانين العامة الالهية. و انما زرقت هذه المفاهيم من خلال الکتاب والسنة تدريجا.

و أوضح دليل علي کون المراد هو ذلک، قوله (ص): و ان الأمر سيکون في ولدي. و ذلک في يوم الظهور، فان أول من يحکم حکما عاما نافذا علي العالم من ولد فاطمة و علي عليهماالسلام، انما هو الامام المهدي (ع). و بحکمه ينتهي ذلک التقابل بين الفريقين.

الأسلوب الثاني: الأخبار بهلاک بني العباس و زوال ملکهم.

کالخبر الذي ورد عن الامام الباقر عليه السلام في حديث أنه قال: ثم يملک بنو العباس فلا يزالون في عنفوان من الملک و غضارة من العيش، حتي يختلفوا فيما بينهم،فاذا اختلفوا ذهب ملکهم. [4] .

و دولة العباسيين أسست بعد وفاة الامام الباقر (ع) بثمانية عشر عاما، حيث توفي عليه السلام عام 114 [5] و تولي أبو العباس السفاح، أول خلفاء بني العباس خلافته عام 132. [6] .

و قد بدأ نجمهم بالافول عند سيطرة الأتراک علي الحکم. ثم انعزلوا تماما عن المشارکة الفعلية في الحکم في عصر البويهيين و عصر السلاجقة. حتي اذا لم يبق



[ صفحه 453]



للخلافة أي هيبة أو قيادة، و تضارب المجتمع المسلم في داخله، أصبح طعمة سائغة لهجمات التتار بقيادة هولاکو المغولي. حيث سقط آخر خلفائهم عبدالله المستعصم بالله عام 656. [7] .

الأسلوب الثالث:

مدح العباسيين و الثناء عليهم و تمجيد بعض خلفائهم. و قد اختصت برواية هذه الأخبار المصادر العامة. و ليس في المصادر الامامية منها أثر.

فمن ذلک ما أخرجه الترمذي [8] عن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص) للعباس: اذا کان غداة الاثنين فأتني أنت و ولدک حتي أدعو لهم بدعوة ينفعک الله بها و ولدک. فغدا و غدونا معه. فالبسنا کساء ثم قال: اللهم اغفر للعباس و ولده مغفرة ظاهرة و باطنة لا تغادر ذنبا. اللهم احفظه في ولده.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه.

و قال في الصواعق [9] : وصح عن الحاکم عن ابن عباس رضي الله عنهما:منا أهل البيت أربعة: منا السفاح و منا المنذر و منا المنصور و منا المهدي.

و عقب ابن حجر علي ذلک بقوله: فان أراد بأهل البيت ما يشمل جميع بني هاشم، و يکون الثلاثة الأول من نسل العباس و الأخير من نسل فاطمة، فلا اشکال فيه. و ان أراد هولاء الأربعة من نسل العباس أمکن حمل المهدي في کلامه علي ثالث خلفاء بني العباس، لأنه فيهم کعمر بن عبدالعزيز في بني امية، لما أوتيه من العدل و السيرة الحسنة.

و لأنه جاء في الصحيح أن اسم المهدي يوافق اسم النبي (ص) و اسم أبيه اسم أبيه، و المهدي هذا کذلک لأنه محمد بن عبدالله المنصور. و يويد ذلک خبر ابن عدي: المهدي من ولد العباس عمي. لکن قال الذهبي: تفرد به محمد بن الوليد مولي بني هاشم، و کان يضع الحديث. [10] .



[ صفحه 454]



و نحن لنا ثلاثة تعليقات علي هذه الأخبار.

التعليق الأول:

ان الحديث الثاني غير مروي عن النبي (ص)، بل عن ابن عباس، فلا يکون حجة أساسا، و لا يصلح للاثبات العقائدي و لا التاريخي.

التعليق الثاني:

ان کل هذه الأخبار، مما لايمکن ان تثبت أمام التشدد السندي، حتي مع وثاقة رواتها. لأن هناک قرينة عامة واضحة تدل علي الوضع فيها جملة و تفصيلا. هي ممالأتها لجهاز حاکم اطراؤه و الثناء عليه... و کل ما کان هکذا لا يممکن قبوله، بعد التشدد. فانه ما أکثر الأحاديث التي وضعت لتاييد الملک و تشييد أرکانه و اسباغ صفد الشرعية عليه... مع شديد الأسف.

التعليق الثالث:

ان واضعي الحديثين الاخيرين، يريدان القول: بان المهدي الذي بشر به رسول الله (ص) هو المهدي بن المنصور العباسي، و نري ابن حجر يوافق علي ذلک و يدافع عنه بالأدلة.

و حقيقة الأمر هو أن کثرة ما ورد عن النبي (ص) في المهدي من أحاديث و شهرتها بين الناس و انتظارهم للمهدي (ع) کمصلح للعالم.. انعکست علي ذوي النفوس المنحرفة علي شکل الطمع في أن ينال هو أو ولده هذا المنصب الالهي الکبير، و ان ينطبق عليه ثناء رسول الله (ص) و بشارته،فمن هنا کثرت دعاوي المهدوية في التاريخ الاسلامي. و من هنا أيضا تصدي المنصور الي تلقيب ولده بالمهدي ابهماما لذلک، و خاصة و هو يحتمل أنه سينال الخلافة في يوم من الأيام.

ثم أن کل هولاء تهاووا علي صخرة الواقع، حين لم يستطيعوا أن يقوموا بالمهمة الأساسية التي يومن بها للمهدي المنتظر کل من يومن به، و هو اصلاح العالم بشکل شامل کامل. و قد سبق أن قلنا: ان عدم قيامهم بهذه المهمة و انقراضهم قبل ذلک، أول دليل علي کذب دعوي الفرد منهم أنه هو المهدي المنتظر.

و أما ما احتج به ابن حجر من أنه صح أن اسم أبيه اسم أبيه. فهو مما لم يصح و لم يثبت. و سوف نبحث عن ذلک في کتاب قادم من هذه الموسوعة.



[ صفحه 455]



و لعل من أوضح عدم صحة ذلک: امکان ابتداع ذلک من قبل الکثيرين،فان بامکان کل شخص اسمه عبدالله أن يسمي ولده محمد و يلقبه بالمهدي، لکي تکون له أطماع في نيل القيادة أو الرئاسة العامة في المجتمع.

فاللازم ليس هو النظر الي هذه الصفة بالتعيين، مما ورد من صفات المهدي، لکن نطبقها علي الأشخاص. بل اللازم هو توخي مجموع الصفات والخصائص المتعلقة بالمهدي و تطبيقها علي الفرد المدعي للمهدوية، بما فيها من کونه من ولد فاطمة (ع) و بما فيها السيطرة علي العالم خلال حياته. و لا شک أن هذه الأوصاف لا تنطبق علي أي واحد من مدعي المهدوية الي الان في التاريخ.

الأسلوب الرابع:

أخبار النبي (ص) عن خروج الروايات السود من خراسان، و جعلها اجدي علائم الظهور. و الأخبار في ذلک کثيرة متظافرة بين الفريقين. و سيأتي نقلها و تمحيصها في جهة آتية من هذا الفصل.

و المهم الان، هو تمحيص و تحقيق هذا الاحتمال و هو أن يکون المراد بهذه الرايات ثورة أبي مسلم الخراساني علي الأمويين، تلک الثورة التي مهدت لقيام الدولة العباسية. و معه فتکون هذه العلامد مما قد تحققت في الخارج، و ان فصل بينها و بين الظهور زمان طويل. فان ذلک لا ينافي کونها علامة عليه،کما سبق.

و يرجح هذا الاحتمال: ان شعار هذه الثورة کمان هو السواد و بقي شعارا للعباسيين بعدها.

و يرحجه أيضا ما ورد في البحار [11] عن رکاز بن أبي رکاز الواسطي، قال: قبل رجل رأس أبي عبدالله (الامام الصادق عليه السلام)، فمس أبو عبدالله ثيابه و قال: ما رأيت کاليوم أشد بياضا و لا أحسن منها. فقال: جعلت فداک هذه ثياب بلادنا، و جئتک بخير من هذه. قال: فقال: يا معتب أقبضها منه. ثم خرج الرجل. فقال أبو عبدالله (ع): صدق الوصف و قرب الوقت. هذا صاحب الرايات السود الذي يأتي بها من خراسان. ثم قال: يا معتب الحقه فسله ما اسمه. ثم قال: ان کان عبدالرحمن فهو و الله هو. قال: فرجع معتب. فقال: قال اسمي



[ صفحه 456]



عبدالرحمن. قال: فلما ولي ولد العباس، نظر اليه،فاذا هو عبدالرحمن أبو مسلم.

و من الصحيح تاريخيا أن اسم أبي مسلم عبدالرحمن،و ان الامام الصادق معاصر لثورته. و ظاهر قوله: هذا صاحب الرايات السود... کونه اشارة الي ما ورد عن النبي (ص) بهذا المعني، و خاصة مع قوله (ع): صدق الوصف و قرب الوقت. و المراد به قرب خروج الرايات السود أو قرب ثورة أبي مسلم الخراساني، لا قرب ظهور المهدي (ع) و ان اقترن أخبار النبي (ص) بالبشارة بالمهدي عليه السلام.

اذن، فهذا الاحتمال يکون راجحا جدا، لولا مناقشتين:

المناقشة الأولي:

ان رواة هذا الخبر مجاهيل، فلا يثبت موداه، فضلا عن التشدد السندي الذي التزمناه.

المناقشة الثانية:

معارضته بما ورد عن النبي (ص) أنه قال: «اذا رأيتم الرايات السود قد خرجت من خراسان فاتوها و لو حبوا علي الثلج،فان فيها خليفة الله المهدي». و في حديث آخر أنه (ص) قال: «انا أهل بيت اختار الله لنا الاخرة علي الدنيا، و ان أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء شديدا و تطريدا حتي يأتي قوم معهم رايات سود... حتي يدفعونها الي رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطا کما ملؤها جورا. فمن أدرک ذلک فليأتهم و لو حبوا علي الثلج، فان فيها خليفة الله المهدي». [12] .

و کلا هذين الخبرين، واضحان في ارتباط ظهور المهدي (ع) بخروج الرايات السود، حتي أن الخبر الأول يصرح أنه موجود ضمن حاملي هذه الرايات. مع أنه من المقطوع به في التاريخ، وجود ما يزيد علي ألف عام بين ثورة أبي مسلم و بين الظهور، ولعله سيزيد علي ذلک بکثير.

الا أن کلا هاتين المناقشتين لا تصحان:

أما المناقشة الأولي: فلا تصح لأن التشدد السندي الذي التزمناه خاص بأخبار



[ صفحه 457]



التنبو عن المستقبل، و ليس عاما لکل الأخبار. و معه فهذا الخبر الذي نقلناه عن البحار لايندرج ضمن هذا المنهج، لأنه ليس من أخبار التنبو بالمستقبل. اذن فهو قابل الي حد ما للاثبات التاريخي. و کونه مجهول الرواة لا يضر بذلک، کما برهنا عليه في المنهج الذي أسسناه في اول تاريخ الغيبة الصغري. [13] .

و أما المناقشة الثانية: فالمعارضة بين الخبرين، في الواقع، تنتج فشل الخبرين الأخيرين و سقوطهما عن قابلية الاثبات التاريخي، و سيکتب البقاء، عندئذ للخبر الذي نقلناه عن البحار.

فاتنا عند دوران الأمر بين صدق هذين الخبرين أو ذلک الخبر، بحيث يتعين الالتزام بکذب أحدهما... لا بد و أن نحسب حساب القرائن المويدة لأحد الخبرين.

و الشي ء الذي نريد أن نقوله، بهذا الصدد هو: ان الجهاز العباسي الحاکم حين وجد أن هناک ارتباطا بين خروج الرايات السود و بين ظهور المهدي (ع) علي لسان رسول الله (ص)، کما استفاضت الأخبار عنه (ص) علي ما سوف نسمع... أحبوا جعل هذا الارتباط وثيقا و قريبا، فجعلوا هذه الأخبار الدالة علي ذلک، لتکون موحية بأن المهدي المقصود هو المهدي العباسي، لأنه هو المرتبط و القريب من ثورة أبي مسلم الخراساني و راياته السود، بل هو مندرج في ضمنها بشکل و آخر، کما جعلوا الحديث دالا علي ذلک.

و الذي يدلنا علي وضع هذين الحديثين،ما قاله صاحب الصواعق نفسه حين أوردهما. فقد أورد أولاقوله: «أنا أهل بيت اختار الله لنا»... الخ... و علق عليه بقوله:«و في سنده من هو سي ء الحفظ مع اختلاطه في آخر عمره». ثم أورد قوله: «اذا رايتم الرايات السود...» الخ. ثم قال: «و في سنده ضعيف له مناکير. و انما أمرج له مسلم متابعة، و لا حجة في هذا و الذي قبله، لو فرض أنهما صحيحان لمن زعم أن المهدي ثالث خلفاء بني العباس». [14] .

و لم يطعن ابن حجر في هذين الحديثين، من رواية کونهما دالين علي وجود



[ صفحه 458]



المهدي المنتظر (ع)، فانه أورد الکثير من هذه الأخبار مويدا غير طاعن فيها. و انما طعن فيهما لکونهما ضعيفين حفظا لموضوعية البحث.

و أما طبقا للتشدد السندي، و قيام القرائن علي عدم صحة هذين الحديثين،باعتبار ما فيهما من تأييد للجهاز الحاکم آنذاک، فينبغي اسقاطهما علي کل حال، کما عرفنا.

و عليه فالمظنون أن المراد بالرايات السود، رايات أبي مسلم الخراساني، فان ثورته بدات من خراسان، و اتجهت الي بغداد باعلامها السود الخفاقة. و قد جعلت علامة علي الظهور، باعتبار أهميتها في التاريخ و الفاتها نظر الجيل المعاصر و الأجيال التي بعدها. و لا يضر بذلک الفعل الزماني الطويل بينهما و بين الظهور، کما أسلفنا، شأنها في ذلک شأن العديد من العلائم التي ذکرت للظهور، مما سبقت أو سياتي الکلام عنها.

و لا يبقي في مقابل هذا الظن الا احتمال ان يکون المراد بالرايات السود، رايات اخري تخرج من خراسان في مستقبل الدهر، لايکون بينها و بين الظهور الا القليل. الا أن هذا الاحتمال مما لا يمکن اثباته بدليل.

و علي أي حال، فقد أصبحت أحاديث الرايات السود من أخبار علائم الظهور، و فيها اشارة لدولة العباسيين، و ان انتفي القرب الزمني بينهما. و من هنا جعلنا هذه الأخبار أسلوبا رابعا من أساليب التنبو بدولة بني العباس.


پاورقي

[1] ص 131.

[2] المصدر و الصفحة.

[3] أنظر ص 80 و ما بعدها الي عدة صفحات.

[4] غيبة النعماني ص 139.

[5] الارشاد للمفيد ص 245.

[6] مروج الذهب ج 3 ص 251.

[7] دليل خارطة بغداد ص 277.

[8] ج 5 ص 1319.

[9] ص 99.

[10] المصدر و الصفحة.

[11] ج 11 ص 142.

[12] أنظر الخبرين في الصواعق المحرقة، ص 98.

[13] أنظر ص 47.

[14] أنظر ص 47.