بازگشت

في التکليف الاسلامي للامام المهدي في غيبته الکبري و ما يقوم


التکليف الاسلامي للامام المهدي (ع) في غيبته الکبري. و ما يقوم بتنفيذه تجاه الاسلام و المسلمين من اعمال نافعة و مصالح کبري

ينقسم تکليف الامام عموما في الاسلام عند ظهوره و عدم وجود المانع عن عمله، الي عدة اقسام:

القسم الأول:

وجوب توليه رئاسة الدولة و قيادة الأمة، بمعني تطبيق الاطروحة الکاملة للعدل الاسلامي علي وجه الارض. و الاخذ بالازمة العليا للمجتمع لاجل ضمان هذا التطبيق.

القسم الثاني:

وجوب الدعوة الاسلامية، بمعني ادخال المجتمع الکافر في بلاد الاسلام، اما بالحرب او بالصلح او بغيرهما.

القسم الثالث:

وجوب الحفاظ علي المجتمع المسلم ضد الغزو الخارجي، و الدفاع عن بيضة الاسلام بالنفس و النفيس.

القسم الرابع:

وجوب الحفاظ علي المجتمع المسلم ضد الانحراف و شيوع الفساد في العقيدة او السلوک بالتوجيه الصالح و الامر بالمعروف و النهي عن المنکر و تبليغ تعاليم الاسلام.



[ صفحه 46]



و هذه الاقسام الاربعة، تجب وجوبا مطلقا في اي مکان و زمان، يجب ان يبذل الامام و الامة في سبيلها اقصي ما يستطيع و تستطيع.

القسم الخامس:

و هو خاص بصورة عجز الامام عن جملة من الاعمال السابقة، لکونه يعيش في مجتمع منحرف يطارده و يراقبه و يعزله عن الاعمال الاجتماعية و السياسية، کما کان عليه احال ائمتنا عليهم السلام - بشکل عام -. و قد حملنا عن بعض جوانب ذلک صورة واضحة في تاريخ الغيبة الصغري.

ففي مثل ذلک يکون عمل الامام - کما راينا في ذلک التاريخ - مکرسا - في الاغلب - علي الحفاظ علي قواعده الشعبية و مواليه، و علي حسن علاقتهم بالاخرين و حسن تلقيهم تعاليم الدين و تطبيقهم احکام الاسلام.

نعم، ان وجد الامام طريقا احيانا الي القيام ببعض الاعمال الاسلامية علي نطاق واسع. و کان المانع مرتفعا عنه في ذلک العمل، وجب عليه انجازه، و کان ذلک العمل اوسع من قواعده الشعبية و شاملا خيره لکل بلاد الاسلام.

القسم السادس:

وجوب اغائة الملهوف و اعانة المضطر. و هو تکليف عام لايختص بالامام عليه السلام، بل يعم کل مسلم. نعم، قد يحول العجز عن الاغاثة او وجود عمل او هدف اسلامي اهم، فيسقط وجوبها، کما قرر في محله بحسب القواعد الاسلامية.

اذا علمنا هذه الاقسام، و علمنا ان الامام المهدي (ع)، يجب عليه بالنضر الاولي کل هذه الامور جملة و تفصيلا، يجب ان يودي منها ما يستطيع اليه سبيلا. شانه في ذکل شان اي امام آخر. و قد ادي الائمة من آبائه عليهم السلا م، ما استطاعوا من هذه التکاليف، و ترکوا ما عجزوا عنه، او اقتضت المصالح الاسلامية العليا ترکه.

اما الامام المهدي (ع) نفسه، فهو مذخور للقيام بدولة الحق فياليوم الموعود، و هو من اعظم الاهداف الاله ية، يرتبط باصل خلقه البشرية و وجودها علي ما سنبرهن عليه في مستقبل هذا التاريخ. و قد علمنا من القواعد العامة بما فيها قانون المعجزات بان الاهداف الالهية العليا تتقدم علي اي شي ء آخر، فکل ما تتوقف



[ صفحه 47]



علي حدوثه فانه يحدث لامحالة و کل ما تتوفف علي انتقائه و انعدامه فانه ينتفي لا محالة، سواء کان ذلک من امور الکون او من احکام الشريعة.

فاذا نظرنا الي هذا الهدف المهم، الذي ذخر المهدي (ع) له، وجدنا ان امورا عديدة يتوقف علي حدوثها کوجود المهدي (ع) و غيبته، و المعجزة التي تتکفل طول بقائه، و المعجزة التي تتکفل اختفاءه الشخصي احيانا لصيانته من الاخطار. کما نجد ان امورا يتوقف اليوم الموعود عل يانتفائها. فمن ذلک في جانب الاحکام: ان کل حکم شرعي يکون تطبيقه منافيا مع حفظ الامام المهدي او غيبته و بالتالي يکون منافيا مع وجود اليوم الموعود نفسه، فان هذا التطبيق يکون ساقطا شرعا عن الامام، و لا يجب عليه امتثال الحکم و تنفيذه. و اما الاحکام الشرعية الاسلامية غير المنافية مع هذه الامور، سواء الاحکام الشخصية کوجوب الصلاة و الصوم، أو العامة کوجوب الامر بالمعروف - مثلا - علي ما سنسمع، فلا موجب للالتزام بسقوطها، بل تکون شاملة له و يجب عليه تنفيذها لفرض استطاعته ذلک، باعتبار عدم منافاتها مع غيبتته و هدفه.

اذا علمنا ذلک، استطعنا ان نحکم بوضوح بسقوط التکليف باي واحد من الاقسام السابقة، اذا کان مستلزما لانکشاف امره و زوال غيبته. و هذا واضح الي حد کبير في الاقسام الثلاثه الاولي، فانه مستلزم لذلک عادة، الا ان يفترض کونه قائدا او موجها بشخصية ثانوية يعرف بها غير صفة الحقيقة علي ما سياتي.

و بغض النظر عن ذلک، تکون الاطروحتان الرئيسيتان للغيبة، مختلفتين في المدلول:

اما بناء علي صحة اطروحة خفاء الشخص، فکل الاقسام يمتنع عليه القيام بها، الا ما کان خلال الاحوال الاستثنائية التي تتم فيها المقابلة مع الاخرين. لوضوح انه حال اختفائه لايمکنه القايم باي عمل.

و قد يخطر في الذهن، انه يمکن للمهدي (ع) الظهور التام، و القيام بسائر الاعمال و تطبيق کل الاحکام.

و الجواب: ان هذا قبل اوانه لايکون ممکنا. اولا: لانه منوط باذن الله تعالي لا باذن المهدي عليه السلام. و ثانيا: لان لانتصاره في يوم ظهوره شرائط معينة علي



[ صفحه 48]



ما سنعرف و بدون تحقق هذه الشرائط لايمکن الانتصار و بالتالي لايتحقق الهدف الاسمي المطلوب. اذن فلا بد من تاجيل الظهور الکامل الي حين تحقق تلک الشروط، و لا تجوز المبادرة اليه في الظروف غير المدروسة و تحت المناسبات الطارئة.

نعم، يبقي احتمال واحد، علي تقدير صحة الاطروحة الاولي، و هو امکان الاکثار من المقابلات و الظهورات المتقطعة. و هي و ان کانت استثناء من الحال الاعتيادي للمهدي (ع) الا انها تتضمن - علي اي حال - تطبيقا للحکم الاسلامي و انقاذا لبلاد الاسلام من عدد من المظالم التي تقع فيها. فلماذا لم يحدث ذلک و اقتصرت المقابلات علي قليل من الموارد نسبيا.

و هذا السوال لا نجد له جوابا بناء علي صحة الاطروحة الاولي، لعدم تعرض الامامالمهدي (ع) لاي خطر، باعتبار امکان اختفائه في اللحظة التي يشاء. و معه يکون تطبيق الحکم الشرعي ممکنا بالنسبة اليه، فيکون واجبا عليه. علي حين لم يحدث ذلک بالکثرة المطلوبة جزما، و الا لاشتهر امره و شاع. و هذا بنفسه يدل علي بطلان هذه الاطروحة، اذ عدم قيام الامام المهدي (ع) بذلک يدل علي عدم وجوبه عليه، و حيث اننا برهنا بوجود التکليف عليه علي تقدير صحة الاطروحة، اذن فالقول بصحتها مستلزم للقول بتقصير الامام المهدي (ع) في تطبيق احکامه. و هو واضح البطلان، اذن فهذه الاطروحة باطلة.

و هناک مناقشات و جدل، يعود الي هذا الامر يحسن عدم الاطالة في ذکره.

و اما بناء علي صحة الاطروحة الثانية، کما هو الصحيح... فهذا الاحتمال الذي کنا نناقشه، و هو امکان الاکثار من الظهورات و المقابلات يکون واضح الساد 7 بل هو منتف موضوعا. لاتن تعدد الظهور بکثرة يودي الي تعرف الکثيرين علي حقيقته و انکشاف امره، و من ثم يکوم منافيا مع غيبته و قد عرفنا ان کل امر مناف للغيبة لايمکن حدوثه، قبل تحقق شرائط اليوم الموعود.

و قد يخطر في الذهن: بان تخطيطا دقيقا يمکن ان يقوم به المهدي (ع) في کل مقابلة، کفيل بعدم انکشاف امره، وجوابه: بان کثرة الظلم و تعدد حاجات الناس و ضروراتهم، يوجب کثرة الظهور و کثرته تکون موجبة لالفات النظر اليه بنحو لا



[ صفحه 49]



يفيد معه تخطيط دقيق.

کما قد يخطر في الذهن: بان المهدي يمکنه اخفاء شخصه بالمعجزة في اوقات الخطر. اذن فليظهر للعمل موقتا، ثم فليختف متي استلزمت المصلحة ضرورة الاختفاء.

و هذه الفکرة لها عدة اجوبة اهمها امران:

الامر الاول:

ان معني ذلک توقف تنفيذالاحکام الشرعية علي المعجزة. لان تنفيذه من قبل المهدي (ع) مستلزم عادة لوقوعه في الخطر، نتيجة لانحراف المجتمع، فيکون مستلزما لاختفائه الاعجازي. و نحن نعلم، بحسب القواعد الاسلامية، ان کل حکم شرعي اذا توقف علي المعجزة لم يکن تنفيذه واجبا، الا ما يمت الي اصل الاسلام بصلة، کاثبات النبوة او الامامة او اقامة دولة الحق. و من الواضح ان الحکم الشرعي بوجوب اغاثة المضطر - مثلا - لايمت الي اهل الاسلام بصلة، فلا يکون واجبا.

الأمر الثاني:

انه لو تعددت ظهورات المهدي (ع) فسوف يعرفه الکثيرون بمجرد رويته، فيلزمه الاختفاء قبل ان تسنح له فرصة العمل. و هذا معناه ان کثرة الظهور في اي زمان تمنع عن مواصلة اي شکل من اشکال العمل.

و علي اي حال، فالعمل المتصور للامام المهدي (ع) بناء علي ما هو الصحيح من صحة الاطروحة الثانية... علي قسمين: عمل يقوم به بصفته الحقيقية، بحيث يمکن للفرد نسبته اليه ولو بعد انتهاء العمل. و عمل يقوم به حال کونه مجهول الحقيقه، يعيش في المجتمع کفرد عادي، بشخصية ثانوية، في اسم آخر و حرفة و مکان غير ملفت لاي نظر.

اما العمل بصفته الحقيقية، في تنفيذ ما يمکنه تنفيذه من الاقسام السابقة للتکاليف الاسلامية، فحاله هو ما سبق ان قلناه قبل اسطر. و قد راينا انه من غير



[ صفحه 50]



المحتمل ان يکون المهدي (ع) شرعا مکلفا بذلک، لتعذر العمل عليه بهذه الصفة، طبقا لکلتا الاطروحتين.

لايبقي - بعدها - الا الاعمال التي اعوبت عنها اخحبار المشاهدة في الغيبة الکبري، مما يمت الي القسمين الاخيرين من التکاليف بصلة، علي ما سنوضح عند دراسة المقابلات في مستقبل هذا التاريخ. فان هذا العدد من المقابلات لا ينافي غرضه و لا يخل بغيبته.

و اما عمله بصفته فردا اعتياديا في المجتمع، فهذا ما لا دليل علي نفيه بحال، بل استطعنا الاستدلال عليه، کما سبق، حسبنا من ذلک امکان العمل بالنسبة اليه، و عدم نافاته مع غيبته و خفاء عنوانه بحال، فيکون واجبا عليه، کاي فرد آخر من المسلمين يجب عليه ان يودي اي عمل ممکن في مصلحة الاسلام. و هو اعلي و اولي من يلتزم باطاعة احکام الاسلام.

و من هنا لا يمکننا ان نتصوره عليه السلام الا قائما بواجبه في اي قسم من الاقسام السابقة اقتضت المصلحة في تنفيذه. کهداية شخص او جماعة من الکفر الي الاسلام او من الانحراف الي الوعي او من الظلم الي الاعتدال، او جعل الموانع ضد الظلم القائم في المجتمع، في تاثيره علي الاسلام و المسلمين عامة و ضد قواعده الشعبية خاصة. الي غير ذلک، و ما ادرانا کيف سيصبح حال المجتمع المسلم لو سحب الامام (ع) لطفه و کف اعماله. و الي اي درجة من الضلال و الظلم يمکن ان يبلغ.

علي اننا نحتمل في کل عمل خيري عام او سنة اجتماعية حسنة او فکرة اسلامية جديدة، او نحو ذلک من الامور.... نحتمل ان يکون وراءها اصبع مخلص متحرک من قبل الامام المهدي (ع). و انه هو الذي زرع بذرته الاولي في صدر او عمل احد الاشخاص او الجماعات... بحيث انتجت اکلها في کل حين باذن ربها. و هذا الاحتمال لا نافي له، بتقدير صدق اطروحة خفاء العنوان. و مجرد الاحتمال يکفينا بهذا الصدد، بصفته اطروحة محتملة تنسجم مع الادلة العامة و الخاصة، کما ذکرنا في المقدمة.

و هذا هو المراد الحقيقي الواعي من النصوص الواردة عن المهدي (ع) نفسه، و التي تثبت قيامه بالعمل النافع بوضوح.



[ صفحه 51]



فمن ذلک قوله المشهور: و اما وجه الانتفاع بي في غيبتي، فکالانتفاع بالشمس اذا غيبتها عن الابصار السحاب. [1] و اضاف عليه السلام: و اني لامان لاهل الارض کما ان النجوم امان لاهل السماء.

فالسحاب کنايد عن خفاء العنوان. و الشمس کناية عن التاثير النافع المنتج في المجتمع. بعد ووضح ان العمل الذي يمکن للمهدي (ع) تنفيذه مع جهل الناس بحقيقته و عنوانه - اي في غيبته -، اقل بکثير مما يستطيع القيام به حال ظهوره و اعلان امره.

و هذا الفهم هو المعين لهذا الحديث الشريف، بناء علي اطروحة خفاء العنوان. لا ما ذکروه [2] من التفسيرات التي يرجع بعضها الي وجود تشريفي فلسفي للامام (ع)، و بعشها الي انحاء تقديريه من النفع. و انما ذکر علماونا الاسبقون انما من باب» 1يق الخناق» و عدم الالتفات الي هذا الفهم الواعي.

نعم، يتعين المصير الي تلک التفسيرات بناء علي اطروحة خفاء الشخص. حيث يتعذر العمل علي المهدي (ع) الا بالمقدار القليل الذي تدل عليه اخبار المشاهدة - کما عرفنا، مما لايکاد يکفي ان يکون نفعا عاما مشابها لنفع الشمس وان غيبها السحاب. فلا بد - و الحال هذه - من الاخذ في فهم النص بتلک التفسيرات. و لکننا حيث قلنا ببطلان هذه الاطروحة، يتعين ان ناخذ بفهمنا الواعي لهذا الحديث.

و من ذلک: ما روي عن المهدي (ع) مخاطبا لقواعده الشعبية: انا غير مهملين لمراعاتکم ولا ناسين لذکرکم. و لولا ذلک لنزل بکم اللاواء و اصطلمکم الاعداء. فاتقوا الله جل جلاله. و ظاهرونا علي انتياشکم من فتنة قد انافت عليکم، يهلک فيها من هم اجله، و يحمي عنها من ادرک امله. [3] .

و نحن نعلم ان وقوفه (ع) ضد الاعداء و نزول اللاواء - و هي الشدائد -، لا



[ صفحه 52]



يکون الا بالعمل المثمر و الجهاد الحقيقي علي الصعيدين العام و الخاص. و خاصة، و هو يامرنا بمظاهرته اي معاونته و موافقته علي اخراجنا من الفتنة و النجاة من الهلکة. فان علي کل فرد مسوولية لايکاد يکون مثمرا من دون شعور شعبه و رعيته بمسووليتهم تجاه قائدهم و مبدثهم ايضا.

اذن، فهو عليه السلام يحمل هم شعبه و مواليه، يتذکرهم دائما و يعمل علي حفظهم و درء المخاطر عنهم باستمرار، بمقدار ما يمکنه ان يوديه من عمل، تماما کما عرفنا عن آبائه عليهم السلام، و کما عرفناه في خلال غيبته الصغري. غاية الفرق ان تلک الاعمال کانت منه و من آبائه (ع) بالصفة الحقيقية لهم. و اما عمله خلال هذه الفترة، فليست بهذه الصفة، و انما بصفته فردا اعتياديا في المجتمع.

ولکن الامام المهدي (ع) يتوخي في موارد عمله وجود شرطين اساسيين، ان اجتمعا کان في امکانه ان يتصدي للعمل، و ان تخلف احدهما ترک العمل لا محالة، و ابقي الواقع علي واقعه.

الشرط الاول:

ان لا يودي به عمله الي انکشاف امره و انتفاء غيبته. اذ من الواضح ان المهدي (ع) حين يقوم بالاعمال العامة الاسلاميه، بصفته فردا عاديا في المجتمع، يمکنه ان يستمر بها الي حد معين ليس بالقليل. ولکنه لو لمع اسمه و اشتهر صيته، ب«شخصيته الثانوية» لکان هناک احتمال کبير في انکشاف حقيقته و افتضاح سره. لا اقل من ان ينتبه الناس الي غموض نسبه و جهالة اصله، فيوصلوا بالفحص و السوال الي حقيقته، او يحتملوا ذلک علي الاقل، و هو ما لايريده الله تعالي ان يکون.

اذن فعمل المهدي (ع) لابد ان يقتصر علي الحدود التي لاتودي الي انکشاف امره، فيدقق في ذلک و يخطط له، و ه والخبير الالمعي و يحسب لکل عمل حسباه و اي عمل علم ان التدخل فيه يوجب الانکشاف انسحب عنه، مهما ترتبت عليه من نتائج، لان انحفاظ سره و ذخره لليوم الموعود، اهم من جميع ما يترکه من



[ صفحه 53]



ولکن هذا لا ينافي تاثيره في الاعمال الاسلامية الخيرة التي نراها سائدة في المجتمع. وذلک لامکان ان يکون هو الموثر في تاسيسها حال صغرها و ضالة شانها، و قد اودعها الي المخلصين الذين ياخذون بها و يذکون اوارها، بدون ان يلتفتوا او يلتفت الي حقيقة عمله، بقليل و لا بکثير.

الشرط الثاني:

ان لايودي عمله الي التخلف و القصور في تربية الامة، او اختلال شرائط يوم الظهور الموعود.

بيان ذلک: اننا اشرنا ان ليوم الظهور الموعود شرائط سوف نتعرض لها تفصيلا في مستقبل هذا التاريخ. ولکل شرط من تلک الشروط اسبابه و علله. تلک الاسباب التي تتولد و تنشا في عصر ما قبل الظهور. حتي ما اذا آتت اکلها و اثرت تاثيرها بتحقيق تلک الشروط و انجازها، کان يوم الظهور قد آن اوانه و تحققت ارکانه.

و المهدي عليه السلام، حيث يعلم الشرائط و الاسباب، مکلف - علي الاقل- بحماية تلک الاسباب عن التخلف او الانحراف، لئلا يتاخر تاثيرها او ينخفض عما هوالمطلوب انتاجها. ان لم يکن مکلفا باذکاء اوارها و السير الحثيث في تقدم تاثيرها.

و من اهم شرائط اليوم الموعود: ان تکون الامة ساعة الظهور علي مستوي ال من الشعور بالمسوولية الاسلامية، و الاستعداد للتضحية في سبيل الله عز وجل. او علي الاقل، ان يکون فيها العدد الکافي ممن يحمل هذا الشعور ليکون هو الجندي الصالح الذي يضرب بين يدي المهدي (ع) ضد الکفر و الانحراف، و يبني بساعده المفتول الغد الاسلامي المشرق. و يکون الجيش المکون من مثل هذا الشخص هو الجي الرائد الواعي الذي يملا الارض بقيادة المهدي (ع) قسطا و عدلا کما ملئت ظلما و جورا.

و اذا کان ذلک من الشرائط، فلا بد من توفر اسبابه في زمن ما قبل الظهور، في عصر الغيبة الکبري، و المحافظة علي هذه الاسباب.



[ صفحه 54]



و ان السبب الرئيسي الکبير التولد الوعي و الشعور بالمسوولية الاسلامية و الاقدام علي التضحية لدي الامة، هو مرورها بعدد مهم من التجارب القاسية و الظروف الصعبة و احساسها بالظلم و التعسف ردحا کبيرا من الزمن.... حتي تستطيع ان تفهم نفسها و ان تشخص واقعها و تشعر بمسؤوليتها. فان هذه الصعوبات کالمبرد الذي يجلو الذهب و يجعل السکين نافذا. فان الامة - في مثل ذلک - لا تخلد الي الهدوء و السکون، بل تضطر الي التفکير بامرها و بلورة فکرتها و تشخيص آلامها و آمالها و تشعر بنحو وجداني عميق بسهولة التضحية في سبيل الاهداف الکبيرة و وجوبها اذا لزم الامر و نادي منادي الجهاد.

و تلک الامة الواعية هي التي تستطيع ان تضرب قدما بين يدي الامام المهدي (ع) و ان توسس العدل المنتظر في اليوم الموعود. دون الامة المنحرفة المتداعية، او الامة المنعزلة المتحخنثة. و سياتي لذلک ايضاحات عديدة و سنسمع له شواهد کثير من الکتاب و السنة.

فاذا کان مرور الامة بظروف الظلم و التعسف ضروريا لتحقيق شرط اليوم الموعود، و مثل هذا الشرط يجب رعايته و المحافظة عليه... اذن فالمهدي (ع) بالرغم منانه يحس بالاسي لمرور شعبه و قواعده بمثل هذه الظروف القاسية، الا انه لايتصدي لازالتها و لا يعمل علي تغييرها، تقديما لمصلحة اليوم الموعود علي اهل هذا اليوم الموجود.

واما ما لا يکون من الظلم دخيلا في تحقيق ذلک الشرط، و کان الشرط الاول لعمل المهدي (ع) متوفرا فيه ايضا، فان الامام المهدي (ع) يتدخل لازالته و يعمل علي رفعه، بموجب التکليف الشرعي الاسلامي المتوجه اليه.

و نحن - الذين لا نعيش نظر المهدي (ع) و اهدافه - نکاد نکون في جهل مطبق، من حيث تشخيص ان هذا الظلم هل له دخل في تحقيق شرط الظهور او لا. ما عدا بعض موارد التخميين. فانه يحتاج الي نظر بعيد يمتد خلال السنين الي يوم الظهرو. و هذا النظر منعدم لدي اي فرد في العالم ما عدا المهدي (ع) نفسه. فيعود تشخيص ذلک اليه، بما و هبه الله تعالي من ملکات و قابليات علي تشخيص الداء و القيادة نحو الدواء.



[ صفحه 55]



عدة نقاط:

اود الاشارة في نهاية هذا الفصل الي عدة نقاط:

النقطة الاولي:

ان ما ذکرناه قبل لحظة، من وجود بعض اشکال الظلم منتج لشرط يوم الظهور، و هو وعي الامة و شعورها بالمسوولية... و ان المهدي (ع) لايقف حائلا ضد هذا الظلم و لا يعمل علي رفعه... لا يمکن ان ندعي وجوب الاقتداء بالمهدي (ع) في ذلک او ان لنا به اسوة حسنة في ذلک، فيجب اهمال الظلم يفتک بالامة بدون ان نحاول اصلاحه او نحول دون تاثيره.

لا يمکن ان يکون هذا صحيحا، للفرق بين تکليفنا الشرعي و تکليفه و بين مسووليتنا و مسووليته.

بيان ذلک: ان کلا الشرطين اللذين عرفنا هما لعمل المهدي (ع) غير موجودين فينا، فيکون تکليفنا الاسلامي اوسع بکثير من هذه الجهة من تکليف الامام المهدي (ع) خلال غيبته.

اما الشرط الاول: و هو عدم انتفاء الغيبة و المحافظة علي ستر العنوان... فمن الواضح عدم توفره فينا. بل هو من مختصاته عليه السلام.

و اما الشرط الثاني: و هو الا يحول العمل ضد الظلم الموثر في ايجاد شرط الشهور... فمن الواضح ان المهدي (ع) اذا حال دون تحقق هذا الظلم، فسوف يحول دون حدوث الوعي عند الامة، فيبقي شعورها متبلدا و تربيتها قاصرة، و بالتالي يکون الشرط المطلوب متعذر الوجود.

و اما نحن اذ نشعر بالظلم فنکافح ضده او نخطط لاجل دحره و دفعه، لا نکون قد حلنا دون وعي الامة، بل ان کفاح الامة نفسه و جهادها ضد مشاکلها و آلامها من اهم العناصر التي تنظم الي الشعور بالظلم فتحدث الوعي لدي الامة و يکمل عندها الشعور بالمسوولية. ذلک العمل الذي يعطي دروسا في التضحية و حنکة في التدبير الاجتماعي، يوهل الامة شيئا فشيئا الي تحقيق الشرط المامول.

و معه يکون الکفاح ضد الظلم، بهذا الاعتبار، فضلا - عن الاعتبارات



[ صفحه 56]



الاخري، لازما و مطلوبا في الاسلام من کل المسلمين ما عدا المهدي (ع)، نعم، ستکون الامة و قاتدها متضامنة ضد کل انواع الظلم بعد ان يحصل الشرط المطلوب، و يبقي الظلم المتاخر مستانفا لا حاجة اليه. فيقوم عليه الامام المهدي (ع) بالسلاح لازالته من الوجود. و ذلک هو يوم الظهور.

النقطة الثانية:

ان عمل المهدي (ع) في المجتمع، في حدود ما تقتضيه اطروحة خفاء العنوان، يمکن ان يتصف بعدة صفات:

فعمله نافذ و ناجح و موثر دائما، و انما الاخفاق اذا حصل فانما يحصل نتيجه ي لقصور او تقصير غيره في العمل. فاننا لم نفهم اهمية عمله من کونه عضوا في جمعية خيرية مثلا او متوليا لوقف عام مثلا، و ان کان ذلک ممکنا و مهما.. الا ان الاهم من ذلک هو کونه الرائد الموسس لاعمال الخير العامة، و دفع الشر و الظلم - مما لا يکون موثرا في شرط اليوم الموعود -. بمعني انه عليه السلام، بعد ان يعرف اهمية العمل الخير او اخطار العمل الظالم بالنسبة للمجتمع المسلم، فانه يتسبب الي ايجاد ما هو خير و رفع ما هو ظلم.

و هو بذلک يستعمل حنکته و فراسته لتوخي اقرب الطرق و اصلحها و اکبرها تاثيرا. و قديسبق عمله وجود العمل الظالم نفسه. کالذي رايناه من المهدي (ع) نفسه في غيبته الصغري اکثر من مرة، حيث سمعناه ينهي و کلاءه عن قبض اي شي ء من الاموال، فامتثلوا امره من دون ان يعلموا السبب. ثم اتضح ان السلطات قد امرت بدس الاموال الي الوکلاء، فمن قبض منهم مالا قبضوا عله. [4] و بذلک فشل هذا المخط الظالم. و من يعمل مثل ذلک مرة او مرات، يمکنه ان يعمله متي يشاء.

اما لو استلزمت ازالته للظلم ظهوره لبعض الافراد، علي حقيقته، فهو مما قد يحصل تبعا لظروف خاصة و تخطيط خاص، سوف ندرسه في بعض الفصول المقبلة. و اما اذا لم تتوفر تلک الظروف ترک المهدي (ع) الظلم علي حاله، لعدم توفر الشرط الاول من الشرطين السابقين.



[ صفحه 57]



و علي اي حال، فبالنسبة الي العمل الخير الصالح، يستطيع المهدي ان يقنع فردا او جماعة للقيام به، او يشجع اناسا مندفعين تلقائيا للقيام بمثله، و يويدهم التاييد الکافي، و يحاول ان يرفع الموانع عن تقدم عملهم و ازدهاره. کل ذلک من دون ان يفترض عضوا فعليا مشاکرا في شي ء من الاعمال. و معه تکون الاعمال بطبيعتها، بالرغم مما اوجد لها المهدي (ع) من فرص النجاح، قابلة للاخفاق او الضيق تبعا لقصور اصحابها القائمين بها او تقصيرهم نفسيا او عمليا.

و اما بالنسبة الي العمل الظالم، فهو يتسبب الي رفعه او التقليل من تاثيره، اما بمحاولة اقناع الفاعل علي الارتداع عنه او الضغط عليه او احراج مصالحه بنحو يصغر معه عمله و يضيق او بنحو ينعدم تاثيره اساسا. او باذکاء اوار الثورة او الاحتجاج عليه من قبل الاخرين.

النقطة الثالثة:

هناک کلام لرونلدسن حول الامام المهدي (ع)، فيما يخص ما نحن فيه من الموضوع. يتبني المهدي فيه بعدم الالتفات الي اصحابه و قواعده الشعبية، و عدم رفع الظلم عنهم. و هو بذلک يريد ان يستنتج عدم وجوده، اذ لو کان موجودا، فهو شخص يشعر بالمسوولية و العطف تجاه اصحابه، فهو لا محالد رافع للظلم عنهم او مشارکهم في العمل ضده. مع انه لم يعمل ذلک، بالغم من ان المظالم في التاريخ کثيرة و شديدة، اذن فهو غير موجود.

و هو و ان لم يصرح بهذه النتيجة، ولکنه يوحي بها ايحاء واضحا، حين يقول:

«و في القرن التالي لغيبة الامام استلم البويهيون زمام السلطة الزمنية فبذلوا جهودا کبيرة لتوحيد الطائفة الشيعية و تقويتها، کبناء مشاهدها و جمع احاديثها و تشجيع علمائها و مجتهديها. و مع ذلک فلم يظهر الامام المنتظر في هذا القرن الذي کانت الطائفة الشيعية تتمتع فيه بحسن الحال».

و مر قرن آخر دالت فيه دولة حماة الشيعة من البويهيين ولکن الامام بقي في (غيبته الکبري).



[ صفحه 58]



و مر قرن ثالث يمتاز بالظلم و الثورات و تحکم المماليک. ولکن الامام الذي کانوا يرتجون ظهوره لم يظهر.

وجاء دور ا لحروب الصليبية التي اشترک (آل البيت) فيها دون ان يکون لهم امام. فمن الجانب الاسلامي، کانت السلطة لاعلان الجهاد تنحصر بيد بني العباس و الفاطميين المارقين في مقاومة الجيوش الغازية للشعوب المسيحيةه بالاسم في اوروبا، ولکن الامام اخر ظهوره.

و بعد مرور اربعة قرون علي وفاة آخر الوکلاء في القرن الثالث عشر - يعني الميلادي - اجتاح الغزاة المغول بلاد ايران يقتلون و يهدمون بقساوة لا مثيل لها. و بالرغم من التخريب و الالام فان (صاحب الزمان) المنتظر بفارغ الصبر لم يظهر.

و حتي في ابتداء القرن السادس علي زمن شيوخ اذربيجان و الدولة الصفوية الجديدة، لم يتصل الامام الغائب بشيعته الا بالطيف! فکان يظهر لهولاء الملوک، کما يدعون!!» [5] .

و بالرغم من ان في هذا الکلام عدة نقاط محتاجة لاعادة النظر، الا ان المهم الان مناقشد الاشکال الرئيسي الذي يثيره، و هو استبعاد وجود الامام من عدم ظهوره عند الحاجة لاجل رفع الظلم عن قواعده الشعبية خاصة، و المسلمين عامة.

و قد اتضح الجواب علي ذلک مما سبق ان قلناه متمثلا في عدة وجوه:

اولا: اننا يجب ان لانتوقع من الامام المهدي (ع) الظهور الکامل، تحت اي ظرف من الظروف، باعتباره مذخورا لنشر العدل الکامل في العالم کله. لا لرفع المظالم الوقتية او الاتصال باشخاص معينين. و قد عرفنا ان الاسراع بالظهور قبل اوانه يوجب جزما فشل التخطيط الالهي لليوم الموعود. لان نجاحه منوط بشروط معينة و ظروف خاصة لا تتوفر قبل اليوم الموعود جزما.و قد عرفنا ان کل ما اعاق عن نجاحه لايمکن وجوده بحسب ارادة الله تعالي و ارادة المهدي (ع) نفسه، مهما کان الظرف مهما و صعبا.



[ صفحه 59]



ثانيا: اننا نحتمل - علي الاقل - ان المهدي (ع) يري ان بعض الظلم الذي کان ساري المفعول خلال التاريخ، کالحروب الصليبية مثلا، غير قابلة للازالة من قبله حال الغيبة بحال. و لا ينفع التخطيط السري او العمل الاعتيادي، بصفته فردا عاديا، في ازالتها... لقوة تاثيرها و ضراوة اندفاعها. و معه يصبح الامام المهدي (ع) حال غيبته عاجزا عن رفع هذا الظلم، فيکون معذورا عن عدم التصدي لرفعه طبقا للقواعد الاسلامية و لو ظيفته الواعية الصحيحة.

ثالثا: ان جملة من موارد الظطلم الساري في المجتمع، لا يتوفر فيه الشرط الاول من الشرطين السابقين اللذين ذکرناهما لعمل المهدي (ع)، فلا يعمل المهدي لازالته بطبيعة الحال. و هو ما اذا کمان العمل ملازما لانکشاف امره و انتفاء غيبته و.

رابعا: ان جملة من موارد الظلم، لا يتوفر فيه الشرط الثاني من الشرطين السابقين، باعتبار ان وجوده سبب لانتشار الوعي في الامة و شعورها بالمسؤولية الذي هو احد الشروط الکبري ليوم الظهور. و قد قلنا بان مثل هذا الظلم و ان وجب علي الامة الکفاح لازالته، الا ان الامام المهدي (ع) لا يتسبب لرفعه، لان في رفعه ازالة للشرط الاساسي لليوم الموعود، و هو ما لا يمکن تحققه في نظر الاسلام.

اذن فسائر انحاء الظلم السار المفعول في التاريخ لا محالة مندرج تحت احد هذه الاقسام، فاذا کان المهدي (ع) قد عمل لازالتها فقد خالف وظيفته الاسلامية و مسؤوليته الحقيقية 7 و لا اقل من احتمال ذلک، لاجل المهدي (ع) علي الصحة.

اذن فليس هناک اي تلازم بين وجود المهدي و بين وقوفه ضد هذه الانحاء من الظلم و الشرور، حتي يمکن لرونلدسن ان يستنتج من عدم وقوفه ضد الظلم، عدم وجوده.

و اما الانحاء الاخري من الظلم، فقد قلنا بان تکليفه الشرعي و وظيفته الاسلاميء، تقتضي وقوفه ضده و حيلولته دونه بصفته فردا عاديا في المجتمع، کما اوضحناه. اذن فهو يقف ضد الظلم في حدود الشروط الخاصة الاسلامية، کيف و هو علي طول الخط يمثل المعارضة الصامدة ضد الظلم و الطغيان.



[ صفحه 61]




پاورقي

[1] الاحتجاج، ج 2، ص 284 و غيرها.

[2] انظرها في بيان مفصل لصاحب البحار في ج 13، ص 129.

[3] الاحتجاج، ج 2، ص 323.

[4] انظر تاريخ الغيبة الصغري، ص 603.

[5] عقيدة الشيعة لرونلدسن، ص 349 - 348.