بازگشت

التخطيط الالهي الخاص بايجاد القائد و کان للشرط الثاني حصته م


التخطيط الالهي الخاص بايجاد القائد و کان للشرط الثاني حصته من التخطيط الالهي لليوم الموعود، و هو وجود القائد العظيم الذي يتکفل بعلمه و تعاليمه تطبيق العدل المحض الکامل علي العالم کله.

و يکون ذلک علي مستويين، الأول: بلحاظ ايجاد قابلية هذه القيادة في شخص القائد. و الثاني: باعتبار تکامل هذه القابلية لديه، باعتبار أطروحة محتملة سنذکرها و نحاول فهمها من الأدلة الاسلامية و.

و من هنا يقع الکلام في تفاصيل هذين المستويين:

المستوي الأول:

في ايجاد القائد العظيم، بمعني ايجاد الشخص القابل للقيادة العالمية أساسا.

ينحصر السبب لا يجاد هذه القابلية في أي شخص، بعد وجود القابلية الذاتية فيه من ناحية نفسية و عقلية لذلک،... ينحصر ايجادها بالتعليم و التثقيف من قبل شخص مطلع علي أساليب هذه القيادة و قواعدها العامة.

فان لم يکن علي وجه الأرض قائد تام المواصفات، ليتکفل تربية من بعده من الأفراد ليصبحوا قوادا. و اقتضت المصلحة اقامة الحجة علي البشر بايجاد مثل هذا القائد... سمح (قانون المعجزات) الذي سبق أن ذکرناه، بوجود معجزة الوحي لايجاد النبي القائد. فيکون المعلم و الموجه و المربي الذي يوجد من شخص النبي



[ صفحه 417]



قائدا عالميا هو الله تعالي. فيوجد النبي حاملا الي البشر أطروحته المبدئية، و قابلا للقيادة بمقدار من يدعوهم الي الايمان به و اتباعه من البشر. فان کانت دعوته عالمية وجب أن تکون قابليته عالمية، کما سبق أن برهنا عليه... و هکذا کان نبي الاسلام (ص).

و أما اذا کان مثل هذا القائد موجودا علي وجه الأرض، و احتاجت الدعوة الالهية الي قائد جديد. فلا حاجة لاقامة المعجزة في مثل ذلک لتربية عنصر القيادة في القائد الجديد. لامکان حصول التعليم علي هذا المستوي الرفيع من قبل القائد الموجود، بعد اختيار الشخص القابل ذاتا لتلقي هذا التعليم.

و قد يخطر في الذهن، التساول عن الحاجة الي التعليم، في حين نجد الکثير من القادة المعروفين کنابليون مثلا، قد قاموا بالقيادة حسب المنهج الذي رسموه، بدون تعليم مسبق.

و الجواب عن ذلک: ان تعليم القائد يمکن أن يکون علي أحد مستويات ثلاثه:

المستوي الأول:

تلقيه للثقافة العامة الموجودة لدي الفکر البشري، في فرع واحد أو عدة فروع.

و التعليم علي هذا المستوي موجود بالنسبة الي کل قائد، ممن يخطر علي ذهن السائل. يشترک في ذلک القادة علي المستوي الالهي و القادة علي المستوي المادي.

بل من الممکن أن نقول: أن القيادة لاتتوقف علي هذا التعليم أصلا. بحيث لو کان القائد جاهلا بفروع المعرفة أمکن أن ينجح في قيادته، کما حدث أحيانا في التاريخ، في بعض القيادات القديمة. نعم، لو کان القائد هاويا علي مثل هذه المعرفة کان - بلا شک - أفضل.

المستوي الثاني:

معرفته قيادة الحروب، و تحريک القطعات العسکرية. و هو و ان کان ضروريا للقائد، الا أن القواعد العامة لذلک، مما يتلقاه القادة بالتعليم، و بدونها يکون فاشلا لا محالة. و ليس کما ظن السائل من تولي القيادة بدون تعليم.



[ صفحه 418]



و أما تطبيق ذلک في الحروب، فهو تابع الي ذکاء القائد و عمق خبرته، و ليس مما يتلقاه بالتعليم من کل القادة.

المستوي الثالث:

معرفته للايديو لوجيد العامة التي يستهدف نصرها و يحاول انجاحها و تطبيقها.

و هذا هو الجانب المهم الذي يعطي للقيادة مغزاها و للحروب معناها. و هو المحک الذي تختلف به القيادة الالهية عن غيرها. فان القادة الاعتياديين يعرفون ذلک من الاتجاهات العامة التي يستوحونها من المصالح الخاصة أو المجتمع المنحرف أو الکافر. فتکون فکرة السيطرة أوالوطنية أو القومية أو غيرها عناصر کافية لتغطية هذه الحاجة، من دون حاجة الي التلقي بالتعليم.

و أما القيادة القائمة علي الأساس الالهي، فهي تنطلق من عدة زوايا کل واحدة منها تحتاج الي تعليم أولا و الي مران و تمحيص ثانيا و الي تکامل و تعميق ثالثا.

الزاوية الأولي:

استيعاب الهدف الذي من أجله وجدت البشرية و استهدفت هدايتهم، و من أجلها بعث الأنبياء و وجب الجهاد، و أقيمت الدولة الاسلامية.

الزاوية الثانية:

استيعاب دقائق القانون الذي يطبق في المجتمع البشري، سواء علي مستوي الدولة، أو قبلها.

الزاوية الثالثة:

طرق الاررتباط بالناس و ممارسة هدايتهم و أمرهم بالمعروف و نهيهم عن المنکر و القواعد العامة التي تمت الي ذلک بصلة.

الزاوية الرابعة:

الغيرية المطلقة: و رفض الأنانية، بحيث يمکن الفرد في أية لحظة أن يضحي بکامل کيانه في سبيل الهدف الذي عمل من أجله.

الي غير ذلک من الزوايا، التي يکون التعبير عنها باختصار سهلا، و أما



[ صفحه 419]



تعميقها و تطبيقها في عالم الحياة، في غاية الصعوبة، مضافا الي المستويين الأول و الثاني: العاملين لکل قائد. و من هنا احتاجت القيادة الالهية الي تعليم.

و هذا هو الذي حصل، بعد ما قام التخطيط الالهي، علي ايجاد السبب المزدوج في القائد: القابلية الذاتية و القابلية التربوية، و منه نستطيع اقتناص عدة نتائج مهمة:

النتيجة الأولي:

حين يکون السبب في التربية هو التعلين المباشر من قبل الله تعالي أو المتصل به بالواسطة.. يکون من المستحيل عادة وجود قائد عالمي يقوم في قيادته علي أساس مادي. و هو أيضا - مما لم يحدث في أي فترة من التاريخ. فان القيادة العالمية لا تکون الا من التعليم الالهي، ذلک التعليم المنافي للأساس المادي. و کل القواد الدنيويين أو المادين ليسوا عالميين علي أي حال، و ان قادوا دولا کبيرة.

النتيجة الثانية:

اذا کان هذا هو سبب وجود القائد، أمکننا دحض کل خلافة يدعيها صاحبها و يقوم بها عن طريق «السيف» في أي عهد متأخر عن صدر الاسلام، مما يکون قبل الظهور. کخلافة العباسيين و العثمانيين أو کل من کان علي و تيرتهم، ممن نعلم بعدم توفر هذا السبب لديه ولدي أعقابه من الخلفاء.

النتيجة الثالثة:

أننا نقول نفس الشي ء بالنسبة الي المهدي الذي يولد في آخرالزمان، طبقا للفهم غير الامامي.

فانه بعد وضوح انتفاء الوحي بالنسبة اليه، لا يکون قابلا للقيادة العالمية التي يجب أن يتکفلها بعد انفصاله عن التربية الالهية المباشرة و بالواسطة أيضا. فأنه لا يوجد في عصره قائد عالمي سابق عليه ليباشر تعليمه و تکميله.

فان قال قائل: ان التمحيص الساري المفعول خلال عصر الغيبة الکبري، کفيل بايجاد مثل هذا الشخص.

قلنا له: کلا، فان غاية ما للتمحيص من مقدرة هو ايجاد الأفراد المخلصين الي درجة عالية، بحيث يستطيعون المشارکة في قيادة العالم، تحت اشراف القائد



[ صفحه 420]



الأکبر. و أما أن يخلق التمحيص شخصا له قابلية قيادة العالم، من خلال عدد محدود من السنوات... فلا.ج

فان قال قائل: فان التمحيص يمکن أن يفرض مضاعفة بالنسبة اليه و تشديده عليه، ليصنع منه قائدا عالميا.

قلنا في جوابه: ان التمحيص قاصر أساسا عن ايجاد القائد العالمي. فان التمحيص شي ؤ و القيادة شي ء آخر. و لولا التعليمات الموسعة التي يتلقاها الممحصون من قبل المهدي (ع) لقيادة العالم بعد ظهوره... لما أمکنهم ممارسة القيادة لمجرد کونهم ممحصين. فان ما يفعله التمحيص هو تقوية الايمان و الاخلاص و قوة الارادة، و هذا مما لا يکفي وحده لقيادة أيا کانت، فضلا عن قيادة العالم.و ان کان يکفي لأن يصبح الفرد جنديا فدائيا في جيش عقائدي ثوري. و ليس للمخلصين الممحصين من وضعية في غزو العالم أکثر من ذلک.

و نحن، و ان کنا لا ننکر ما للتمحيص من أثر بالغ في تثقيف الفرد من النواحي الاخلاقيه و الدينيه، و اطلاعه علي المناقشات المناسبة لتيارات الانراف في عصره من وجهة نظر الاسلام. الا أنها - علي أن تقدير - لا يمکن أن تفي بالقيادة العالمية.

اذن، فلا يمکن للتمحيص أن يوجد المهدي علي المستوي المطلوب. و کل شخص وجد متأخرا في الزمان منفصلا عن التعليم الالهي و لو بالواسطة... فأنه لا يمکن أن يقوم بمهمة اليوم الموعود.

فان قال قائل: ان المهدي متصل بالله تعالي مباشرة عن طريق الالهام، کما يقول به ابن عربي في الفتوحات المکية [1] و غيره. و معه فالالهام هو الذي يباشر تربيته و لا حاجة له الي تلقي التعليم بالواسطة.

قلنا له: ان هذا صحيح، بالنسبة الي زمن توليه القيادة فعلا، و لا کلام لنا في ذلک. و انما الکلام في جعله قائدا لکي يمارس مهمته بعد ذلک. و لم يدع ابن عربي تلقي المهدي للالهام قبل توليه القيادة، کذلک و کل من يفهم المهدي بغير الفهم الامامي.



[ صفحه 421]



و معه يتعذر القول بوجود المهدي و ولادته في آخر الزمان، طبقا لذلک الفهم.. لأن کل من يوجد في العصر المتأخر عن عصر التشريع، لايمکن أن يکون قائلا عالميا لانقطاعه عن الوحي و لو بالواسطة. لا يستثني من ذلک أحد. و معه فلو قصرنا النظر علي ذلک، لزم القول بفشل التخطيط الالهي، و عدم تنفيذ اليوم الموعود. اذن فلا بد من تصور التخطيط الالهي بالنحو المنسجم مع الايمان بغيبة المهدي، و مشارکة الغيبة نفسها بقسط وافر من هذا التخطيط.

فان الأسلوب الوحيد الذي يمکن به ربط الامام المهدي (ع) في تربيته القيادية بالوحي، ولو بالواسطة هو أنه ابن الامام الحسن العسکري عليه السلام، ليکون قد تلقي الحقائق الکبري عن طريق آبائه عن النبي (ص) عن الوحي الالهي.

فاذا تم ذلک، تعين کونه مولودا في زمان أبيه و باقيا الي الان، محفوظا بعناية الله تعالي، من أجل أن يقوم بالقيادة الکبري في اليوم الموعود. اذن فقد أصبحت الغيبة الکبري من الأسباب الضرورية لنجاح الدعوة الالهية في ذلک اليوم.

نعم، يمکن أن نفترض بعض الافتراضات لتصوير ارتباط المهدي بالوحي، بدون الغيبة. کتسلسل وراثة قابلية القيادة العالمية طيلة هذه المدة بدون انقطاع، الي أن تتم شرائط اليوم الموعود، و يکون القائد الموجود في ذلک الحين هو المهدي. أو يفترض انفصال ولادته عن وفاة أبيه بزمن طويل!! بطريق اعجازي، وتلقيه التعليم عنه بنحو اعجازي أيضا. و غير ذلک من الافتراضات. الا أن شيئا منها لم يقل به أحد من المسلمين، فهو منفي بضرورة الدين و اجماع المسلمين. فيتعين القول بالغيبة أعني بقاءه الطويل من زمان أبيه الي حين ظهوره.

النتيجة الرابعة:

اننا بعد أن عرفنا ان السبب الوحيد الموجود لقابلية قيادة العالم، استطعنا أن نبرهن به علي بطلان کل مهدوية مدعاة علي طول التاريخ أو تدعي في المستقبل مما لا يکون متصلا بالوحي و لو بوسائط.. فان الشخص الذي لا تتوفر لديه هذه الصفة يتعذر عليه بالمرة القيام بالمهام الکبري المنوطة بالمهدي (ع). و من ثم لم نر شخصا مدعيا للمهدوية استطاع السيطرة علي العالم کله، مضافا الي غفلة المدعي



[ صفحه 422]



عن عدم تمامية انتاج التخطيط الالهي للعدد الکافي من المخلصين الممحصين.

و من هنا يکون لنا مستمسک برهاني، ضد مدعي المهدوية، اسبق في الرتبة من الدليل الذي أشرنا اليه في التاريخ السابق [2] من اننا نستکشف من فشل الدعوة المهدوية المدعاة انها دعوة کاذبة، و ان قائدها ليس هو المهدي المنتظر. لأننا لا نعني بالمهدي، الا القائد العالمي القائم بأطروحة الحق العادلة الکاملة.

المستوي الثاني:

في تکامل قابلية القيادة العالمية من الکامل الي الأکمل، بلحاظ أطروحة نطرحها و نحاول البرهنة عليها. و يقع الکلام في ذلک في جوانب ثلاثة:

الجانب الأول:

في تحديد الأطروحة التي نقصدها، و المفهوم الذي نريده... يعرض معني التکمامل بالنسبة الي الکامل العظيم الذي له قابلية قيادة العالم، و أسباب ذلک.

أن درجات التکامل المتصورة للعقل لانهائية العدد، کلما وصل الفرد الي مرتبة منها، استحق أن يرقي الي درجة بعدها. تبدا بأول درجات الايمان و تنتهي بالوجود اللانهائي الجامع لکل صفات الکمال، الله عزوجل.

و حصول الانسان علي الکمال اللانهائي، غير ممکن، کما ثبت في الفلسفة الاسلامية، الا أن تصاعده من الکامل الي الأکمل فالأکمل، في غاية الامکان و الوضوح. و کل درجة يصل اليها الفرد، فهي درجة محدودة ليست لامتناهية بطبيعة الحال.

و من هنا يسير الناس المومنون في درجات الکمال، من القليل الي الکثير و من الکثير الي الأکثر. و من هنا ينبثق امکان القول بتکامل ما بعد العصمة.. و امکان تربية المعصوم وان کان خير البشر، فانه ان کانت الدرجة الدنيا من تکامله هي أعلي من کل البشر، فالدرجة العليا کذلک لا محالة. و اذا کان هذا التکامل ممکنا،



[ صفحه 423]



کان ضروريا، لما أشرنا اليه من أن الفرد کلما وصل الي درجة من الکمال استحق الدرجد التي بعدها، لا يختلف في ذلک المعصوم عن غيره. بحسب البرهان المقام في الفلسفة.

و يمکن لقائد عالمي، ممن يوجد عنده المستوي الأول من قابلية القيادة العالمية، کالمهدي (ع) أن يتکامل باسباب معينة، يمکن ارجاعها الي ثلاثة أسباب:

السبب الأول:

الالهام. فانه ثابت للقائد العالمي الذي وجد المستوي الأول بالنسبة اليه.

و يمکن اثبات ذلک بعده أدلة نذکر منها اثنين:

الدليل الأول:

ما ورد في الأخبار، من أن الامام اذا أراد أن يعلم شيئا أعلمه الله تعالي ذلک. و قد خصص الشيخ الکليني في الکافي بابا کاملا لنقل هذه الأخبار.

و الامام، هو القائد العالمي بلغتنا الحديثة، فاذا خطر في ذهنه شي ء لم يستطع التوصل الي جوابه أو حله، أسعفه الله تعالي بالالهام في ذهنه ذلک الجواب المطلوب.

الدليل الثاني:

ان القيادة العالمية لمدي صعوبتها و تعدد مشاکلها، لايمکن القيام بها الا من قبل قائد ملهم، يستوحي عددا من الأخبار و يتلقي التعاليم من هذا المصدر الجليل. فاذا توقف القيام بها علي الالهام، وجب علي الله ايجاد هذه المعجزة، طبقا لقانون المعجزات، ازجاء لحاجات الدولة الاسلامية العالمية، التي هي الهدف الأساسي من ايجاد البشرية.

و سنعرض لذلک تفصيلا في تاريخ ما بعد الظهور.

السبب الثاني:

ما يمر به القائد من مصاعب و محن. فانها توجب تصاعد کماله و ترسخه، بنفس التفسير الذي ذکرناه للتکامل الناتج عن التمحيص، مع حفظ الفرق في المرتبة فقط. حيث يفوق هذا الکمال ذلک الکمال الثابت للفرد العادي بما لا



[ صفحه 424]



يقاس من المراتب. تبعا للفرق بين الکمال المسبق للامام و الکمال المسبق للفرد العادي.

و لا يمکن أن نسمي هذا التکامل بالتمحيص، بالرغم من أنه يحمل نفس فکرته و قاعدته العامة، من حيث کونه سببا لتصاعد الکمال. الا أن المعني الأساسي الذي يحول الفرد من القصور و الضعة الي الکمال و الرفعة. و کلا هذين الامرين غير موجودين سلفا في القائد العالمي. بل هو في أول مراتبه القيادية، في درجة عالية من الکمال بحيث لا يقاس اليه أي فرد من البشر.

السبب الثالث:

ما يقوم به القائد من أعمال و تضحيات في سبيل دعوته و خدمة دينه و ربه، فانه يتکامل بذلک و يزداد في أفق وجوده العظيم ترسخا و عمقا.

و من أمثلته عن التاريخ تقبل النبي ابراهيم الخليل عليه السلام الأمر بقتل ولده بکل رحابة صدر. و قيام الامام الحسين عليه السلام بثورته الدامية بالرغم من عظيم التضحيات. و من هنا قال له جده نبي الاسلام (ص): بأن لک مقامات لن تنالها الا بالشهادة علي ما روي عنه.

و هذا يحمل نفس المعني الذي قلناه للتمحيص الاختياري، بالنسبة الي الفرد الاعتيادي الممحص. مع اختلاف المرتبة، بطبيعة الحال. و أيضا من الصعب تسميته بالتمحيص، بل هو من التکامل الاختياري من الدرجات العليا.

و کلما تکامل القائد باحد هذه الأسباب الثلاثة، أو بأي سبب آخر.. ازدادت قيادته حسنا و کمالا و سهل عليه التطبيق للأطروحة الکاملة. و استطاع بقابلياته العليا و تفکيره المعمق الملهم، تذليل المصاعب العالمية عن درب الدعوة الالهية.

فان قيل: أن هذا متوفر لدي القائد العالمي، في أول مراتب قابليته للقيادة، فما الحاجة الي الزائد.

قلنا: أن قابلية قيادة العالم، تتضمن ذلک بلا شک. ولکن هذه القابلية قابلة للزيادة و التکامل. و من الواضح أن الثمر يتحسن بتحسن الأصل، و النتائج تتعمق بتعمق السبب... فکذلک هذا القائد، عند حصوله علي تکامل ما بعد العصمة،



[ صفحه 425]



فان تطبيقاته و أعماله سوف تسهل و تتعمق عما کانت عليه أکثر و أکثر، بطبيعة الحال.

و سيأتي في الجانب الثالث، ما يلقي ضوءا أکثر علي هذه الأطروحة.

الجانب الثاني:

في محاولة استفادة هذه الأطروحة من الأدلة الاسلامية: الکتاب الکريم و السنة الشريفة:

و أشد هذه الأدلة صراحة ما أخرجه الکليني في الکافي [3] بسند صحيح عن الامام الباقر (ع) أنه قال: لولا انا نزداد، لانفدنا. و مثله أخبار أخري عن الامام الصادق و الهادي عليهماالسلام بسندين آخرين.

و في خبر آخر عن ابي جعفر الباقر (ع) انه قال: لولا انا نزداد لانفدنا. قال الرواي: قلت: تزدادون شيئا لا يعلمه رسول الله (ص). قال: اما انه اذا کان ذلک عرض علي رسول الله (ص) ثم علي الأئمة ثم انتهي الأمر الينا.

و عقد الکليني [4] أيضا بابا بعنوان: ان الأئمة (ع) يزدادون في کل ليلة جمعة. و أورد فيها ثلاثة أحاديث، مما يدل علي ذلک. و فيها التصريح باستفادة علم جديد عن طريق الالهام، و هو السبب الأول للتکامل الذي ذکرناه. و فيه التعبير بقوله: و لولا ذلک لانفدنا. و بقوله: لولا ذلک لنفد ما عندي.

و لفهم هذا النفاد المشار اليه في هذه الأخبار أطروحتان:

الأطروحة الأولي:

ان هذا النفاد ناشي ء من الأعمال العظام و التضحيات الجسام التي يقوم بها الامام طبقا لمسوولياته العظمي. فانها توجب تضاول الطاقة المختزنة فيه، لولا التوفيق الالهي للتکامل.

الأطروحة الثانية:

ان هذا النفاد ناشي ء من مواجهة المشاکل المستجدة التي لا تکفي القابليات



[ صفحه 426]



السابقة للامام لتغطية حلولها و تذليل مشاکلها، مما يجعل الدعوة الالهيةمتوقفد علي ازدياد الامام و تلقيه للالهام.

و يمکن أن تصبح هاتان الأطروحتان، بعد تدقيقهما، وجها واحدا مشترکا لتفسير هذا الأمر، لاحاجة الي الدخول في تفاصيله.

و علي أي حال، فقد دلت هذه الأخبار، بکل صراحة، علي تکامل الامام، و تزايده المستمر، من تکامل ما بعد العصمة. لوضوح ان المراتب المسبقة لهذا الکمال، تمثل درجة العصمة بأحسن صورها، طبقا للفهم الامامي الذي انطلقت منه هذه الأخبار... فکيف بالتکامل الجديد الذي يحصلون عليه.

و يمکن ان يستفاد ذلک من القرآن الکريم، من عدد من موضعه:

منها: قوله تعالي مخاطبا نبيه العظيم: و قل رب زدني علما. [5] و هو صريح بما نريد التوصل اليه، من حيث ان النبي (ص) خير البشر و أعلمهم، ولکنه مع ذلک قابل للزيادة في العلم.

منها: قوله تعالي: و اذ قال ابراهيم: رب ارني کيف تحي الموتي. قال: أو لم تؤمن؟. قال: بلي، ولکن ليطمئن قلبي. قال: فخذ أربعة من الطير فصرهن اليک، ثم اجعل علي کل جبل منهم جزءا يأتينک سعيا، و اعلم ان الله عزيز حکيم. [6] .

فان ابراهيم عليه السلام، ازداد بعد هذه الحادثة اطمئنانا و يقينا، و تزايد في مراتب التکامل العليا، بکل وضوح. فان الهدف منها لم يکن سوي حصول الاطمئنان. و قد تحقق الهدف بعد وقوعها.

و منها قوله تعالي: (و ان يونس لمن المرسلين اذ ابق الي الفلک المشحون، فساهم فکان من المدحضين، فالتقمه الحوت و هو مليم. فلولا انه کان من المسبحين للبث في بطنه الي يوم يبعثون). [7] فقد أوجب تسبيحه في بطن الحوت له کمالا استحق به النجاة من هذا السجن الذي کان يقدر له التأبيد لو لم ينل هذا



[ صفحه 427]



الکمال بالتضرع الي الله تعالي و العمل الاختياري في التقرب اليه عزوجل.

و منها: قوله تعالي: «و نادي نوح ربه فقال: رب ابني من أهلي و ان وعدک الحق و انت احکم الحاکمين. قال: يا نوح انه ليس من اهلک انه عمل غير صالح، فلا تسألن ما ليس لک به علم. اني اعظک ان تکون من الجاهلين. قال: رب، اعوذ بک ان أسألک ما ليس لي به علم. و الا تغفر لي و ترحمني أکن من الخاسرين». [8] .

فانه لا شک ان نوح عليه السلام ازداد بعد وعظ الله عزوجل اياه و تعليمه له، ازداد کمالا عما کان عليه قبل ذلک، واذ تنتج هذه الزيادة الجديدة، فانها تسير مع سائر التضحيات في سبيل الدعوة الالهية، بما فيها الاستغناء عن الولد، اذا کان عملا غير صالح، و عضوا فاسدا في التخطيط الالهي. و من هنا نسمعه يقول: «رب أعوذ بک أن أسألک ما ليس بک علم»..

و منها قوله تعالي:«و ان کادوا ليفتنوک عن الذي أوحينا اليک لتفتري علينا غيره. و اذن لاتخذوک خليلا. و لو لا ان ثبتناک، لقد کدت ترکن اليهم شيئا قليلا، اذن لأذقناک ضعف الحياة و ضعف الممات، ثم لا تجد علينا نصيرا» [9] .

فان الاية، و ان کانت دالة علي ان النبي (ص) لم يرکن، الي الکفار، و لم يقارب الرکون اصلا، باعتبار جعل ذلک في جواب لولا الامتناعية... الا انها تدل - بکل وضوح -: ان عدم الرکون ناشي ء من التثبيت الالهي، ذلک التثبيت الذي ازداد به النبي (ص) کمالا الي کماله العظيم. و لولا ذلک لکان الکمال السابق علي التثبيت غير مانع من مقاربة الرکون. و من هنا اقتضت مصلحة الدعوة الالهية، افاضة هذا التثبيت عليه صلي الله عليه و آله.

الي غير ذلک من الموارد و الايات في القرآن الکريم.

و بذلک نستطيع - بکل وضوح - ان ننفي نقاط الضعف و الذنوب عن الانبياء، کما يريد المنحرفون أن يفهموه من القرآن الکريم. فانه بعيد کل البعد



[ صفحه 428]



عن ذلک، و انما هو من التسامي من کمال عظيم الي اعظم، من تکامل ما بعد العصمة. مع توفر قابليد القيادةالکبري، في الدرجة السابقة من الکمال، فضلا عن المراتب العليا منها. و للتوسع في الکمال عن هذا الموضوع مجال آخر في العقائد الاسلامية.

و علي اي حال، فقد ثبت بالکتاب الکريم و السند الشريفة، وجود التکامل، بل ضرورته للدعوة الالهية، بالنسبة الي کل من أو کل اليه قيادة العالم من الانبياء و المرسلين و الائمة عليهم السلام اجميعن.

الجانب الثالث:

في تطبيق هذه القاعدة علي المهدي (ع) بعد ثبوتها بالادلة الاسلامية... و به نتبين دخالة الغيبة في التخطيط الالهي، بشکل اکيد و شديد، لا يمکن التخلي عن افتراض في طريق کمال التطبيق في اليوم الموعود.

و المتحصل مما سبق، هو انه عليه السلام يتکامل - بعد العصمة - خلال غيبته، بعدة اسباب:

السبب الأول:

الالهام بالمعني الذي قلنا بصحته، و دلت الأخبار علي وجوده. فلئن کان آباوه عليهم السلام يتکاملون في کل ليلة جمعة، خلال عدد محدود من السنين، فهو يتکامل خلال عدد غير محدود، يصل الي عدة مئات، بل قد يصل الي الالاف من السنين... من يدري؟... و معه تکون النتيجة أکبر و أضخم من النتائج التي وصل اليها آباوه عليهم السلام في اثناء حياتهم.

فان قيل: بانه يلزم من ذلک کون الامام المهدي (ع) خيرا من آبائه، و هو خلاف الادلة الدالة علي ان الائمة المعصومين من نور واحد، و انهم متساوون في الفضل ليس فيهم أفضل سوي أميرالمومنين (ع) وصي رسول الله (ص).

قلنا: يمکن الجواب علي ذلک بجوابين:

الجواب الأول:

أنه لاخير في ذلک. فليکن المهدي (ع) أفضل من آبائه، باعتبار أن التخطيط الالهي منعقد بايکال اليوم الالهي الموعود دونهم.

[10]

و قد دلت علي ذلک الروايات، و لعل اوضحها الخبر السابق الذي أخرجه النعماني في الغيبة [11] عن ابي عبدالله الصادق عليه السلام: انت صاحب هذا الأمر؟ فقال: انا صاحب هذا الأمر، ولکني لست بالذي أملوها عدلا کما ملئت جورا. و کيف أکون ذلک علي ما تري من ضعف بدني. و ان القائم هو الذي اذا خرج کان في سن الشيوخ و منظر الشبان... الحديث.

و اما الادلة المشار اليها الدالة علي تساوي الأئمة (ع) فيمکن ان تحمل علي تساويهم في الامامة، أو في قابليتهم للقيادة العالمية بغض النظر عن تکامل ما بعد العصمة. کما يمکن ان يستثني منها المهدي (ع) بالخصوص نظرا الي هذه الادلة الاخري.

الجواب الثاني:

انه لا يلزم مما قلناه افضلية المهدي (ع) علي آبائه، خلافا لما تخليه السائل، و لما قلناه في الجواب الأول.

و ذلک: لان نفس تلک الروايات دلت علي ان کل ما يحصل عليه امام متأخر من الکمال، يعطيه الله تعالي لکل الأئمة المتقدمين عليه و لرسول الله (ص) أيضا و قد سبق أن سمعنا قول الامام الباقر (ع) - في حديث: أما أنه اذا کان ذلک عرض علي رسول الله (ص) ثم علي الأئمة ثم انتهي الأمر الينا.

و في خبر آخر للکليني في الکافي [12] عن أبي عبدالله (ع) انه قال: ليس يخرج شي ء من عند الله عزوجل، حتي يبدا برسول الله (ص)، ثم باميرالمومنين صلوات الله عليه. ثم بواحد بعد واحد، لکي لا يکون آخرنا اعلم من اولنا.



[ صفحه 430]



السبب الثاني:

لتکامل الامام المهدي (ع)، ما يحدث في عصر الغيبة من الانحراف و الفتن. فانه موجب لتکامله من جهتين:

الجهة الأولي:

ما يواجهه عليه السلام شخصيا من الظلم و الانحراف، انطلاقا من الاطروحة الثانية التي ذکرناها في القسم الاول من هذا التاريخ، و هي اطروحة خفاء العنوان، التي تقول: ان المهدي (ع) خلال غيبته يعيش کفرد عادي في المجتمع.. اذن فهو يواجه ما يواجهه الاخرون من أنحاء الظلم و الانحراف.. فيفضل علي الافراد الممحصين الناجحين من ناحيتين رئيسيتين:

الناحية الأولي:

الرصيدالعظيم الذي يملکه عليه السلام، في التفسير الصحيح ورد الفعل الصائب تجاهه، علي حين لا يصل الفرد الاعتيادي الي ما يقارب ذلک في اقصي تکامله خلال حياته. و اذاکان هذا الرصيد موجودا من اول الامر، کان التکامل بالنسبة اليه اسرع و اعمق انتاجا، بشکل لا يقاس بالاخرين بطبيعة الحال.

الناحية الثانية:

طول الزمن، و انحاء الظلم الکثيرة التي يواجهها المهدي (ع) خلال عمره الطويل. فلئن کان الفرد الاعتيادي يمکن ان يکون ممحصا خلال العشرات القليلة من السنين، فکيف بمن يعيش في عالم التکامل عشرات العشرات من السنين.

و قد يخطر في الذهن: اننا ذکرنا فيما سبق ان تمحيص الفرد يوثر فيه نتائج التمحيص للاجيال السابقة، عن طريق قانون تلازم الاجيال، فيغني ذلک عن الحياة الطويلة السابقة.

فنقول في جواب ذلک: اننا ذکرنا الي جنب ذلک: ان قانون تلازم الاجيال لا يقتضي انتقال تجارب الاجيال السابقة الي اللاحقة مئة بالمئة، و ان کان يشارک في ذلک مشارکة فعالة. فکيف يقاس ذلک بالتجارب التي ينالها الشخص نفسه، و التکامل الذي يحرزه.

علي ان الفرد يرد الي عالم التمحيص فجا تماما، يحتاج الي تلقي تجارب



[ صفحه 431]



السابقين اولا،و الزيادة عليها من تجارب نفسه ثانيا. و هذا ملغي لدي الشخص الذي احرز الکمال بنفسه سلفا و التفسير الصحيح للحياة، مما يغنيه عن تجشم تلک المتاعب و قضاء الوقت الطويل فيها... بل هو يقضي الوقت المتبقي في التصاعد في درجات جديدة عليا من الکمال.

الجهة الثانية:

انه يمکن ان يقال علي شکل الاطروحة المحتملة: ان معاصرة المهدي (ع) التاريخية الطويلة، للاجيال، توجب له الاطلاع المباشر علي قوانين تطور التاريخ و تسلسل حوادثه و ما يؤثر في المجتمعات البشرية و نفوس الافراد من موثرات سلبية و ايجابية، مما لا يمکن التوصل اليه عن طريق آخر أصلا، کمراجعة التواريخ المسجلة أو معاصرة الحقبة الزمانية خلال حياة قصيرة.

فان التاريخ أضيق و أعجز من أن ينقل الينا تفاصيل الحوادث بشکل دقيق و عميق، و لا يمکن أن نعيش من خلاله نفس الحوادث المورخة بشکل موضوعي خالص... و قد سبق أن برهنا علي ذلک في مقدمة تاريخ الغيبة الصغري. [13] .

و اما الحقبة الزمانية المعاصرة لحياة الفرد الاعتيادي، فهي ايضا اضيق و أعجز من أن تطلعه علي التاريخ البشري العام... و انما يستنتج الفرد منها امورا بمقدار قابلياته و مستوي تفکيره و حدود الزمان و المکان التي يعيشها.

فلا يقاس کل ذلک، بمن عاصر التاريخ کله و عاش خلال تقلباته و انطلاقاته خلال عصر الفتن و الانحراف، و استطاع ان يربط الاسباب بمسبباتها... فانه يستطيع ان يلم بقوانين التاريخ بنظرة اوسع و اشمل، مما ييسر له الي حد بعيد وضع المخططات ذات التأثير الفعال في أي ميدان من ميادين الحياة، بعد ظهوره، بل و حتي في عصر غيبته، بعد الذي عرفناه، طبقا لاطروحة خفاء العنوان، من ان المهدي يعمل - في بعض الحدود - خلال غيبته، في مصلحة الاسلام و المسلمين.

و لا يبقي تجاه هذه الاطروحة من تساول،الا ما دل من الأخبار علي ان الامام متي اراد أن يعلم أعلمه الله تعالي ذلک. [14] فانه قد يقال: انه لا حاجة الي هذه



[ صفحه 432]



الاطروحة بعد أن کان في امکان الامام المهدي (ع) أن يعلم بقوانين التاريخ تفصيلا، بل بحوادثه ايضا،بمجرد ان يريد ذلک.

و يمکن الجواب علي هذا التساؤل علي عدة مستويات، نذکر منها مستويين:

المستوي الأول:

أنه ورد في الأخبار أن الله تعالي قد يحجب الالهام عن الالمام (ع) متي شاء.

فمن ذلک: ما أخرجه الکليني في الکافي [15] بسنده عن الامام الباقر (ع) أنه قال: يبسط لنا العلم فنعلم، و يقبض عنا فلا نعلم. و معه فمن المحتمل - علي أقل تقدير - أن تکون بعض القوانين العليا أو الکلية للتاريخ، يحجب الالهام بها عن الامام المهدي (ع) لکي يعيشها في الحياة، و يستنتجها عن طريق التجارب الحسية المباشرة لتطورات التاريخ.

و اذاکان الاطلاع المباشر أکثر رسوخا في النفس، من العلم النظري، کانت المصلحة متعلقة لا محاله، بتحويل المهدي (ع) حوادث التاريخ مباشرة، و حجب الالهام عنه، بهذا الخصوص، لکي يکون أکثر کمالا، و أسهل تطبيقا لليوم الموعود.

المستوي الثاني:

ان هذه القاعدة: اذا أراد الامام أن يعلم أعلمه الله ذلک، التي نطقت بها الأخبار، بالرغم من عمقها وسعتها، و أفضليه الواجد لها علي کل الاخرين. الا أنه - مع ذلک - لا ينبغي المبالغة في نتائجها.

فان فيها نقطة ضعف رئيسية،و هي تعليقها علي الارادة، فان الامام اذا أراد أن يعلم أعلمه الله تعالي، و أما اذا لم يرد أن يعلم فان اعلام الله تعالي له لا يتحقق. فاذا استطعنا أن نضم الي هذه القاعدة أمرين آخرين استطعنا أن نعرف کيف أنه لا ينبغي المبالغة في نتائجها.

الأمر الأول:

ان الامام عليه السلام، بالرغم مما يستدل عليه في الفلسفة من استحالة



[ صفحه 433]



الغفلة عليه... لا يمکن الالتزام بکونه ملتفتا الي کل الأمور في الکون دفعة واحدة. فان ذلک من خصائص الله عزوجل وحده. و لا يقوم ذلک البرهان باثباته.

اذن فالغفلة، بهذا المعني ضرورية الثبوت للامام بلا اشکال. و مع الغفلة لا يمکن أن يريد أن يعلم. فان ارادة العلم تتوقف علي الالتفات لا محالة، و بدونه لا معني لهذه الارادة.

فاذا لم يرد الامام أن يعلم،لا تنطبق هذه القاعدة بطبيعة الحال،و اعلام الله تعالي اياه لا يتحقق.

الأمر الثاني:

المظنون جدا، ارتباط هذه القاعدة بالموارد الجزئية، والحوادث المتجددة، ففي کل حادث معين اذا لم يجد الامام (ع) حلا لمشکلته و أراد أن يعلم ذلک أعلمه الله تعالي اياه، و أما شمول هذه القاعدة لعمومات واسعة،کالعلم بکل شي ء أو بکل الحوادث في الأرض أو بکل التاريخ البشري مثلا، فمن المستبعد جدا أن الامام يطلب من الله تعالي العلم بذلک دفعة واحدة. و المدلول العام للقاعدة الذي يعطيه سياقها، يأبي شمولها لمثل ذلک.

فاذا تم هذان الأمران، کان من المتعين للمهدي (ع) حين تتعلق المصلحة باطلاعه علي القوانين العامة للتاريخ، أن يعيش هذا التاريخ، و ينظر تفاصيل حوادثه و ترابطها و تسلسلها، لکي يستنتج، هو بفکرة الثاقب و بالالهامات المتتابعة في کل واقعة، ما يمکن التوصل اليه من هذه القوانين.

السبب الثالث:

من أسباب تکامل الامام المهدي (ع)، في تکامل ما بعد العصمة... خلال غيبته: ما يقوم به عليه السلام من أعمال و تضحيات اختيارية في سبيل الاسلام و المسلمين.

و يتم الاطلاع علي ذلک بعد ثبوت مقدمتين سبق أن عرفناهما:

المقدمة الأولي:

ان الفعل الاختياري للفرد يسعي به الي الکمال و الأکمل، حسب مرتبته



[ صفحه 434]



السابقة من الکمال. و قد سبق أن سميناه في تکامل ما قبل العصمة بالتمحيص الاختياري. فان کان قائدا عالميا، معصوما، کان الکمال الذي يحوزه بتضحياته التي تکبر و تتسع تبعا لاتساع مسوولياته... عظيما و جليلا.

المقدمة الثانية:

ان الامام المهدي (ع) کما قلنا في أطروحة خفاء العنوان السابقه، يقوم بالعمل في مصلحة الاسلام و المسلمين، ضمن شرائط عرفناها.

ينتج من هاتين المقدمتين، ان ما يقدمه المهدي (ع) من أعمال في سبيل الله و الاسلام، يکون سببا في تکامله المستمر، من الکامل الي الأکمل، و خاصة فيما يعود الي القرب الالهي و الرقي المعنوي.ج

فان قال قائل: ان ما يقوم به من هذه الأعمال، هين ء و قليلة بالنسبة الي منزلته العليا.. بحيث لا تکماد تسبب له التکامل.

قلنا في جوابه: أولا: أننا لو سلمنا ضالة هذه الأعمال، بالنسبة اليه، لا نستطيع أن ننفي تکامله بمقدارها... و ان أوجبت له تصاعدا قليلا في درجات الکمال... بعد أن عرفنا أن التضحيات الاختيارية سبب للتکامل علي أي حال.

ثانيا: ان الأعمال التي يقوم بها المهدي (ع) ليست بالقليلة و لا الهينة، کيف و قد يتوقف عليها حفظ المجتمع الاسلامي، و دفع البلاء عن المسلمين. و قد سبق أن سمعنا في رسالته التي أرسلها الي الشيخ المفيد، برواية الطبرسي في الاحتجاج: [16] أنا غير مهملين لمراعاتکم و لا ناسين لذکرکم، ولو لا ذلک لنزل بکم اللأواء و اصطلمکن الأعداء.

فهذه الأعمال، بالرعم من ضالتها النسبية لو قيست بأعمال يوم الظهور... الا أنها ذات أثر عظيم في نفس الوقت، في ايجاد التکامل. و ما يناله من الکمال تابع للنتائج التي يصل اليها،لا الأسلوب الذي يقوم به. کما هو الحال في کل فرد عامل في سبيل الحق، بل في کل عمل علي الاطلاق، فانه تقاس الأعمال بالنتائج لا بالمقدمات.



[ صفحه 435]



فهذه هي الأسباب الثلاثة التي تسبب تصاعد المهدي (ع) في درجات الکمال خلال غيبته الکبري، بحسب معرفتنا لا بنحو الحصر الکامل. و اذا کان مبدأ التکامل وأقل مراتبه هو قابلية قيادة العالم، فکيف بالتکامل المضاعف الکبير الجليل الذي يحرزه... مما يکون له أهم الأثر في تعميق التطبيقات الحکيمة التي يقوم بها المهدي (ع) في اليوم الموعود.

ملحوظة:

تختص بهذه الأسباب الثلاثد، الأطروحة الامامية لفهم المهدي (ع) القائمة علي الايمان بوجوده و غيبته.

و أما الفهم الاخر، القائم علي ولادته في آخر الزمان، فکما لم يستطع أن يستوعب قابليته لقيادة العالم، کما عرفنا... لا يستطيع هذا الفهم أيضا أن يقول بتکامله الا بالمقدار القليل الذي يتکامل به الفرد المومن الاعتيادي خلال حياته.

فاذا ضممنا کلا الأمرين: انفصال المهدي عن الوحي حتي بالواسطة، مما يحجب عنه قابلية القيادة العالمية، و عدم تکامله الطويل خلال الزمان.. لزمنا افتراض أن المهدي (ع) حين يولد في آخر الزمان ليس أکثر من فرد من المخلصين الممحصين الذين عرفنا عددا من خصائصهم. و اذا کان القائد کذلک فکيف بالجنود؟! و معه يستحيل عليه - عادة - القيام بالمهمة الکبري لليوم الموعود و تنفيذ الغرض الالهي الأکبر فيه.

اذن فهذا الفهم للمهدي (ع) مساوق مع انکار اليوم الموعود من الناحية نعملية... و ينحصر تنفيذ التخطيط الالهي لايجاده، بوجود الغيبة الطويلة لا محالة. و من هنا تدخل الغيبة کجزء رئيسي في التخطيط الالهي الکبير.

هذه نهاية الکلام في الجانب الثلاث. و به ينتهي الکلام عن المستوي الثاني في تکامل قابلية القيادة العالمية. و هو نهاية الکلام عن الجهة الرابعة في التخطيط الالهي الخاصة بايجاد القائد.

و هو نهاية الفصل الأول عن شرائط الظهور.



[ صفحه 436]




پاورقي

[1] أنظر الباب السادس و الستين و الثلاثمائة من المجلد الثالث، ص 327 و ما بعدها.

[2] أنظر تاريخ الغيبة الصغري، ص 355.

[3] أنظر باب لولا أن الأئمة يزدادون لنفد ما عندهم (المخطوط).

[4] أنظر المصدر المخطوط.

[5] طه: 114:2.

[6] البقرة: 260:2.

[7] الصافات: 37: 144 - 139.

[8] هود: 11: 47 - 46.

[9] الاسراء: 17: 75 - 73.

[10] 429

[11] ص 129.

[12] المصدر نفسه.

[13] أنظر ص 25 و ما بعدها الي عدة صفحات.

[14] أخرج الکليني في الکافي عددا منها في باب بعنوان: أن الأئمة اذا شاووا أن يعلموا علموا.

[15] أنظر في الکافي، باب: ان الائمة اذا شاووا أن يعلموا علموا.

[16] ص 323، ج 2.