بازگشت

ما هي و کم هي شرائط الظهور


و نحن اذ نتکلم عن شرائط الظهور، انمانريد بها الشرئط التي يتوقف عليها تنفيذ اليوم الموعود، و نشر العدل الکامل في العالم کله فيه... ذلک اليوم الذي يعتبر ظهور المهدي (ع) الرکن الاساسي لوجوده، و من ثم يتحدد ظهوره عليه السلام بنفس تلک الشرائط. بالرغم من أن فکرة الغيبة و الظهور، اذا لا حظناها مجردة، لن نجدها منوطةبغير ارادة الله عزوجل مباشرة. ولکن الله تعالي أراد أن يتحدد الظهور بنفس هذه الشرائط، لأجل انجاح اليوم الموعود. لأن المهدي (ع) مذخور لذلک، فيکون بين الأمرين ترابط عضوي وثيق.

و اذا نظرنا الي هذا المستوي الشامل ارتفعت الشرائط الي ثلاثة:

الشرط الأول:

وجود الأطروحة العادلة الکاملة التي تمثل العدل المحض الواقعي، والقابلة



[ صفحه 400]



التطبيق في کل الأمکنة و الأزمنة، و التي تضمن للبشرية جمعاء السعادة و الرفاه في العاجل، و الکمال البشري المنشود في الاجل.

اذن بدون مثل هذه الأطروحة يکون العدل الکامل منتفيا، و غير ممکن التطبيق. و العدل الجزئي الناقص، لا يمکن أن يکون مجديا أو موثرا في سعادة البشرية لوجود جوانب النقص المفروضة فيه، تلک الجوانب التي يمکن أن تتأکد و تبرز، فتقضي علي مثل هذا العدل في يوم من الأيام.

کما أن العدل الناقص، لا يمکن أن يکون مستهدفا لله عزوجل، و مخططا له من قبله تعالي... فان خطط له، هو العبادة الکاملة التي لا تتحقق الا بالعدل الکامل. و خاصة بعد أن عرفنا أن البشرية کلها قد عملت في التمهيد لذلک الهدف الالهي، فهل من الممکن أن يخطط الله تعالي استغلال جهود البشرية و مآسيها لايجاد العدل الناقص؟ و هل ذلک الا الظلم الشنيع للبشر، جل الله تعالي عنه علوا کبيرا.

اذن ينتنج من هذا الشرط ثلاثة أمور:

الأمر الأول:

أن الهدف في الحقيقة هو تطبيق الأطروحة العادلة الکاملة التي لا تحتوي علي ظلم أو نقص.

الأمر الثاني:

أن تکون هذه الأطروحة ناجزة عند الظهور. اذ مع عدمها يومئذ، ينتفي التطبيق بانتقائها، و يتعذر العدل المنشود في اليوم الموعود.

الأمر الثالث:

أن تکون هذه الأطروحة معروفة و لو بمعالمها الرئيسية، قبل البدء بتطبيقها. لما عرفنا في الحديث عن التخطيط الالهي من أن تطبيقها يتوقف علي مرور الناس بخط طويل من التجربة و التمحيص عليها، ليکونوا ممرنين علي تقبلها و تطبيقها، و لا يفجوهم أمرها و يهولهم مضمونها و يصعب عليهم امتثالها، فيفسد أمرها و يتعذر نجاحها، کما هو واضح.



[ صفحه 401]



الشرط الثاني: وجود القائد المحنک الکبير الذي له القابلية الکاملة لقيادة العالم کله.

و يتم الکلام حول هذا الشرط ضمن نقطتين:

النقطة الأولي:

يرجع هذا الشرط بالتحليل الي شرطين:

أحدهما: اشتراط وجود القائد للثورة العالمية. حيث لا يمکن تحققها من دون قائد.

ثانيهما: أن يکون لهذا القائد قابلية القيادة العالمية.

أما اشتراط وجود القائد، فقد برهنا عليه في بحث سابق عن أهمية القيادة في التخطيط الالهي. و کل ما نريد اضافته هنا، هو التعرض الي:

قيادة الجماعة:

فان البديل المعقول الوحيد لقيادة الفرد، هو قيادة الجماعة. فاذا استطعنا مناقشة قيادة الجماعة و ابطاله، يعني الأخذ بقيادة الفرد، و الايمان بها کسبب وحيد رئيسي لنجاح اليوم الموعود.

فان حال الجماعة لا يخلو من أحد ثلاثة أشکال:

الشکل الأول:

أن يکون کل فرد قابل لقيادة منفردا فضلا عن الاجتماع.

الشکل الثاني:

أن يکون کل فرد ناقصا غير قابل لهذه القيادة، ولکن الرأي العام المتفق عليه بينهم، قابل لهذه القيادة.

الشکل الثالث:

أن يکون کل فرد ناقصا و رأيهم العام ناقصا أيضا.

أما الشکل الأول، فلا شک أنه لا بد من اسقاطه عن نظر الاعتبار، لعدم



[ صفحه 402]



تحققه في أي ظرف من ظروف التاريخ و عدم تحققه في المستقبل أيضا ما دامت البشرية. و لم يدعه أحد من المقننين أو المتفلسفين أو الاجتماعيين أصلا.

فاذا توقف اليوم الموعود علي مثل هذا الشکل، کان غير ممکن التطبيق الي الأبد، و هو خلاف اجماع أهل الأديان السماوية المعترفة باليوم الموعود.

علي أن افتراض: أن مجموع الافراد اذا کانوا قابلين للقيادة منفردين، کانوا قابلين لها مجموعين... افتراض غير صحيح، لأن ممارسة القيادة الجماعية تصطدم بتنافي الاراء و تضادها، بخلاف القيادة الفردية. و تنازل البعض أو الأقلية عن آرائهم بازاء الاخرين، طبقا للمفهوم الديمقراطي الحديث... يعني التنازل عن عدد من الاراء الکبيرة القابلة لقيادة العالم کما هو المفروض في هذا الشکل الأول - و هو خسارة عظيمة و ظلم مجحف.

و أما الشکل الثالث: فلا شک من ضرورة اسقاطه عن الاعتبار أيضا، فان اجتمع الناقصين لا يمکن أن يحقق کمالا. فاذا کان رايهم المتفق عليه ناقصا، کانت قيادتهم ناقصة، و تعذر عليهم تطبيق الأطروحة العادلة الکاملة، بطبيعة الحال.

فان قال قائل: ان هذاالنقصان نسبي و غير محدد المقدار. فلعله يکون بمقدار، لا يکون مانعا من المقصود.

قلنا له: کلا. فان النقصان بالنسبة الي کل مبدأ حياتي، راجع الي الاخلال بمتطلباته. فالنقص المقصود هنا، هو النقص المودي الي الاخلال بمتطلبات الأطروحة الکاملة. و معه يکون فرض النقصان مساوقا مع عدم تطبيق تلک الأطروحة لا محالة.

و أما الشکل الثاني: فهو ممکن بحسب التصور. بأن يکون رأي الفرد ناقصا غير قابل للادارة و القيادة. ولکن يکون الرأي العام المتفق عليه قابلا لها.

الا أننا يجب أن نلاحظ أن قيادة العالم و تطبيق الأطروحة الکاملة من الدقة و الأهمية، تفوق بأضعاف مضاعفة قيادة أي دولة في العالم مهما کانت واسعة و کبيرة. و من هنا کان للرأي العام لأجل أن يکون کاملا و قابلا لهذه القيادة، أن يکون کل فرد من مکونيه بالرغم مما عليه من نقصان، ذو درجة عليا من الوعي



[ صفحه 403]



و الشعور بالمسوولية و التدقيق في الأمور، بحث يتحصل بانضمامه الي غيره ذلک الرأي العام المتفق عليه، القابل للقيادة. و هذه الصفة لم تصبح غالبة في الأفراد علي طول الخط التاريخي الطويل لعمر البشرية تجاه أي مبدأ من المبادي ء فضلا عن العدل الکامل. و في دولة محدودة، فضلا عن أفراد البشرية في دولة عالمية.

و هذا أمر وجداني يعيشه کل فرد منا بالنسبة الي ملاحظة أنحاء الفشل و الاضطرار الي التعديلات المتوالية في الدول و السياسات العامة، مهما کانت قيادتها شخصية أو جماعية. و لم تنجح أي ديمقراطية جماعية لحد الان من الخطأ و الزلل، بل العمد في أکثر الأحيان.

و انما نقول بامکان ذلک: في مورد واحد، و هو أهم الموارد و أعظمها، و هو أن هولاء الأفراد المخلصين الممحصين الذين عرفنا بعض صفاتهم و أساليب تمحيصهم و تربيتهم، اذا قاموا بمهمة يوم الظهور و تمرنوا علي الحکم و اطلعوا اطلاعا واسعا و مباشرا علي دقائق و حقائق الأوضاع في العالم... فيومئذ يکون ما يتفقون عليه رأيا کاملا ناضجا قابلا للمشارکة في قيادة العالم علي وجود الحقيقة... و مع استمرار التربية بين يدي المهدي (ع) يکون هذا الرأي العام (معصوما) عن الخطأ لا محالة.

و هذا المستوي هو المشار اليه بقوله تعالي: (و أمرهم شوري بينهم). و هو الذي يعتمد عليه المهدي (ع) و يدخل في التخطيط الالهي في قيادة العالم بعد وفاة المهدي (ع).

و هذه الشوري ليست في الاسلام للمجتمع الناقص أو المنحرف أو الکافر. و انما تکون للمومنين الکاملين (الذين يجتنبون کبائر الاثم و الفواحش، و اذا ما غضبوا هم يغفرون. و الذين استجابوا لربهم و أقاموا الصلاة، و أمرهم شوري بينهم، و مما رزقناهم ينفقون) [1] .

فاذا استطاعت الأمة بالتربية الموسعة المتواصلة، تحت القيادة الحکيمة، أن يصل کل أفرادها أو جلهم الي مثل هذه المرتبة العليا من الکمال، کان الرأي العام المتفق عليه، للأمة الاسلامية کلها «معصوما» لا محالة، و يکون اجماعها سهل



[ صفحه 404]



الايجاد الي حد کبير، و رأيها قابلا لقيادة العالم بنفسه. و يومئذ يکون للديمقراطية القائمة علي أساس العدل المحض وجه وجيه ان کان ثمة حاجة للاستغناء عن الحکم الفردي يومئذ.

و هذا هو المشار اليه بقوله (ص) فيما روي عنه: لا تجتمع أمتي علي خطأ أو علي ضلالة. فان الامة لا تکون کذلک الا اذا کان رأيها العام معصوما. لا ما يکون رأيا عاما في عصر الفتن و الانحراف و انقسام الأمة الاسلامية الي مذاهب و مبادي ء مختلفة.

کما أنه هو المشار اليه بقوله تعالي: (کنتم خير أمة أخرجت للناس) باعتبار أن التشريع الذي أنزل اليهم قابل لتربيتهم حتي يکونوا خير أمة أخرجت للناس.

و لن يکونوا علي هذا المستوي فعلا الا مع الطاعة الکاملة، و الوصول الي مستوي «العصمة» في الاراء العامة. و أما في عصر الفتن و الانحراف، فلعمري أنهم ليسوا بالفعل خير أمة أخرجت للناس.

و لذا قال الله تبارک و تعالي: (کنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنکر و تومنون بالله) [2] و لن تکون الأمة آمرة و ناهية و مؤمنة الا في ذلک العصر.

و علي أي حال، يستحيل علي عصر الفتن و الانحراف، أن يوجد رأيا عاما کاملا عادلا، يمکنه أن يقود العالم قيادة جماعية في اليوم الموعود.

و معه تبطل الأشکال الثلاثة للقيادة الجماعية، و معه يتعين أن تکون القيادة منوطة بفرد واحد يکون علي المستوي الکامل من قابلية قيادة العالم قيادة عادلة. و هذا هو المقصود، فاننا لانعني من القائد الواحد الا ذلک.

الشرط الثالث:

وجود الناصرين المأازرين المنفذين بين يدي ذلک القائد الواحد. و تتعين البرهنة علي ذلک و القول به، بعد نفي فرضيتين:



[ صفحه 405]



الفرضية الأولي:

أن يفترض أن هذا الفرد الواحد، يغزو العالم بمفرده.

و هو واضح الامتناع و البطلان، مهما أوتي الفرد من کمال عقلي و جسمي... بعد التجاوز عن الفرضية الاتية 7 و هو ايجاد المعجزة من أجل تحقيق النصر.

فان قال قائل: بأن هذا القائد يبدأ العمل منفردا و يستمر به، حتي يحصل علي عدد من الأصحاب و المويدين... کما فعل النبي (ص).

قلنا: هذا معناه أنه لا يغزو العالم الا بعد تحصيل المويدين و المناصرين... لا أن يغزو العالم منفردا.

الفرضية الثانية:

ان هذا القائد يغزو العالم عن طريق المعجزة. و قد سبق أن ناقشنا ذلک مختصرا. و حاصل المناقشة تتلخص في جوابين:

الجواب الأول:

أنه لو کانت الدعوة الالهية علي طول التاريخ، قائمة علي ايجاد المعجزات من أجل النصر. لما وجد علي وجه الأرض منذ خلقت أي انحراف أو ضلال، و لما احتاج الأمر الي قتل و جهاد. في حين قدمت الدعوة الالهية آلاف الأنبياء و العالمين کشهداء في طريق الحق، بما فيهم الأئمة المعصومين عليهم السلام، و أوضحهم الامام الحسين (ع) في فاجعة کربلاء.

و لو کان الأمر کذلک، لما احتاج اليوم الموعود الي أي تأجيل أو تخطيط، اذ يمکن ايجاده في أي يوم منذ ولدت البشرية الي أن تنتهي. و لعل الأولي و الأحسن في مثل ذلک، أن يکون نبي الاسلام و هو خير البشر هو القائد العالمي المنفذ لليوم الموعود و الهدف الأساسي من خلق البشر. مع أنه لم يشأ الله له ذلک.

الجواب الثاني:

ان الدعوة الالهية علي طول الخط، علي التربية الاختيارية للفرد و الأمة، علي السواء.

و ذلک: أنه بعد أن وهب الله تعالي للانسان: السمع و البصر، و الفؤاد يعني



[ صفحه 406]



العقل و الاختيار، وهداه النجدين: طريق الحق و طريق الباطل، و حمله مسوولية أعماله و الأمانة الکبري التي رفضت السماوات و الأرض أن يحملنها، و حملها الانسان... انه في هذا الجو تبدأ فکرة التمحيص.

و من المعلوم أن الايمان الممحص، و لو بشکله البسيط يکون أثمن و أرسخ من الايمان القهري... فانه يتصف بالفحالد و الضيق، و في قلة الاستجابات الصالحة المطلوبة من قبل الانسان. و هذا الايمان القهري هو الذي يمکن أن ينتج من جو المعجزات.

اذن، فحيث تنتفي هاتين الفرضيتين، يتعين ما المطلوب، و هو احتياج القائد في تطبيق العدل علي العالم الي الناصرين و المويدين، يلکي ينتشر بالجهاد انتشارا طبيعيا.

و تندرج في هذا الشرط، الصفات الأساسية التي يجب أن يتصف بها هولاء المريدون. ليکون هذا الشرط في واقعه: وجود المؤيدين علي النحو المعين لا المويدين کيف کان.

اذ من المعلوم أن المويدين المصلحيين، لا يمکن أن يقوموا بالمهمة المطلوبة، باعتبار ما تحتاجة من التصحيات الجسام التي تنبو مصالحهم عنها من أول الطريق.

و أهم ما يشترط في هولاء المويدين، شرطان متعاضدان، يکمل أحدهما الاخر، و يندرج تحتهما سائر الأوصاف:

أحدهما، الوعي و الشعور الحقيقي بأهمية و عدالة الهدف الذي يسعي اليه، و الأطروحة التي يسعي الي تطبيقها.

ثانيهما: الاستعداد للتضحية في سبيل هدفه علي أي مستوي اقتضته مصلحة ذلک الهدف.

و بمقدار ما يوجد في نفس الفرد من هاتين الصفتين، يکون الفرد، قابلا للعمل الاجتماعي العام و الجهاد في سبيل الحق. و التکامل فيهما هو الذي ينتج عن التمحيص الالهي. ووجودهما في العدد من الناس الکافي لغزو العالم و تطبيق الأطروحة العادلة الکاملة فيه.. الذي هو الشرط الثالث للظهور.. هو النتيجة التي تحصل عن التخطيط الالهي لليوم الموعود. کما سبق أن عرفنا.



[ صفحه 407]



و بمقدار ما يفقد الفرد من هاتين الصفتين، يکون عاجزا عن العمل و الجهاد. مهما کان مخلصا في تدينه علي الأساس الانعزالي المتقشف المتحنث. و بمقدار ما تفقد الأمة من هاتين الصفتين تکون عاجزة عن تطبيق العدل في ربوعها، حتي لو اجتمعت کل أفراد الأمة بل جميع البشرية لانجاحه، ما دام اجتماعهم مصلحيا غير مخلص و لاواع و لا ممحص.

و من هنا، استهدف التخطيط الالهي، ايجاد التمحيص الذي يربي الأمة التربيد التدريجية البطيئة نحو ايجاد هذين الشرطين، و تکاملهما في نفوس الأفراد، بحيث يکونون قابلين لقيادة العالم. فيحققون هذا الشرط الثالث. و قد سبق أن حملنا فکره کافية عن أسلوب ذلک.

يبقي علينا بعد الاطلاع علي الشروط الأساسية للظهور، التعرض الي ملاحظتين:

الملاحظة الأولي:

أنه قد يقال بلزوم شرط رابع لتطبيق الأطروحة العادلة الکاملة في اليوم الموعود، و هو وجود قواعد شعبية کافية ذات مستوي في الوعي و التضحية کاف، من أجل هذا التطبيق، لتکون هي رائده الأول في اليوم الموعود.

فان المخلصين الممحصين الذين يتوفر فيهم الشرط الثالث، يمثلون الطليعة الواعية لغزو العالم، و أما تطبيق الأطروحة فيحتاج الي عدد أکبر من القواعد الشعبية الکافية ليکونوا هم المثل الصالحة لتطبيق الأطروحة العادلة الکاملة في العالم، حين يبدا انتشاره يومئذ.

و هذا الأمر، لا يخلو من صحة، و قد وفر الله تعالي له في تخطيطه، نتيجة للتمحيص، مستويين من الشعور:

المستوي الأول:

الاخلاص الاقتضائي الذي عرفنا أنه عبارة عن استعداد جماعة للتجاوب مع تجربة يوم الظهور و تطبيقاته، و قلنا أن هذا الشعور يوجد عند کثير من البشر، و ان کانوا يمارسون قبل الظهور شيئا من العصيان و الانحراف.



[ صفحه 408]



المستوي الثاني:

الشعور بالياس من کل التجارب السابقة التي ادعت لنفسها حل مشاکل العالم، ثم افتضح أمرها وانکشف زيفها، نتيجة للتمحيص و التجربة.

و ينعکس هذا الشعور في النفس، علي شکل توقع غامض لأطروحد عادلة جديدة تکفل الحل الحقيقي للمشاکل و المظالم البشرية. و سيتمثل هذا الشعور بالارتباط نفسيا، بأول أطروحة شاملة تدعي لنفسها ذلک.

و سيکون کلا المستويين من أفضل الأرضيات الممکنة لتلقي يوم الظهور، علي ما سنشرح في التاريخ القادم.

و أما وجود قواعد شعبية موسعة في العالم، لها شعور واضح بالرضا بتطبيقات اليوم الموعود، فهو مما لا ينبغي أن نتوقعه، بعد الذي عرفناه من التخطيط الالهي و الحديث النبوي المتواتر، من أنه لا بد أن تمتلي ء الأرض ظلما و جورا... الي حين الظهور.

و هو - أيضا - مما لاحاجة اليه، بعد وجود هذين المستويين من الشعور، لدي الناس... و ابتداء المهدي (ع) بغزو العالم، من زاوية في غاية الشدة و القوة، علي ما سنعرف في التاريخ القادم أيضا.. و سنعرف الضمانات المتوفرة لانتصاره يومئذ.. بدون أن يوخذ وجود هذه القواعد الشعبية بنظر الاعتبار.

الملاحظة الثانية:

ان هذه الشرائط الأربعة من شرائط تطبيق العدل المحض في اليوم الموعود. و ان قلنا: شرائط الظهور، فتصبح الشرائط ثلاثة، لأن معني الظهور مستلزم لوجود قائد معد في التخطيط الالهي لتکفل مسوولية اليوم الموعود، و هو يعني التسليم المسبق بتحقق الشرط الثاني. فلا تبقي لدينا الا شرائط ثلاثة.

و لو غيرنا و قلنا: شرائط الظهور في الاسلام، فقد أخذنا الشرط الأول مسلما مفروض التحقق، فلم يبق سوي الشرطين الأخيرين.

و لو أننا مشينا خطوة أخري، فقلنا بقلة أهمية الشرط الرابع بازاء الثالث، بحيث حذفنا الرابع و اعتبرناه من الصفات لا من الشرائط، أو أدرجناه في الثالث،



[ صفحه 409]



باعتبار أنها يعودان الي فکرة واحدة من نتائج التمحيص، يتکفل الثالث وجودها المعقد القليل و يتکفل الرابع وجودها المبسط العريض...

لو مشينا هذه الخطوة، لم يبق لدينا الا الشرط الثالث، و هو وجود العدد الکافي من المخلصين لغزو العالم. و هو الشرط الأساسي الذي قلنا أن التخطيط الالهي، بعد الاسلام قد استهدفه.

الا أن الاعراض عن الشرطين الأولين، لا يعني اسقاطهما عن الشرطية، و انما يعني ذينک الشرطين، و يکون الترکيز - بطبيعة الحال - علي الشرط المتبقي.

و لا بد لنا في نهاية المطاف أن نشير أن هناک فرقا أساسيا بين الشرطين الأولين، و الشرطين الأخيرين. فالأولان يتوقف عليهما أصل وجود اليوم الموعود. اذ بدون الأطروحة العادلة و القائد الرائد لها، لا معني لوجوده أصلا. و الشرطان الأخيران، مما يتوقف عليه نجاح اليوم الموعود و تحقيق أهدافه. و بخاصة الثالث الذي هو وجود العدد الکافي من المخلصين لغزو العالم، اذ لولا وجودهم لما أمکن النجاح الا بالمعجزة، التي عرفنا أن ديدن الدعوة الالهية علي عدم ايجادها.


پاورقي

[1] الشوري: 42: 38 - 37.

[2] آل عمران: 110:3.