اطروحة خفاء العنوان
و نريد به أن الناس يرون الامام المهدي (ع) بشخصه بدون ان يکونوا عارفين
[ صفحه 34]
او ملتفتين الي حقيقته.
فاننا سبق ان عرفنا من تاريخ الغيبة الصغري، ان المهدي (ع) رباه ابوه محتجبا عن الناس، الا القليل من الخاصة الذين اراد ان يطلعهم علي وجوده و يثبت لهم امامته بعده. ثم ازداد المهدي (ع) احتجابا بعد وفاة ابيه و اصبح لا يکاد يتصل بالناس الا عن طريق سفرائه الاربعة. غير عدد من الخاصة المامونين الذين کانوا باحثين عن الخلف بعد الامام العسکري عليه السلام، کعلي بن مهزيار الاهوازي و غيره. و کان المهدي (ع) يوکد عليهم في کل مرة الامر بالکتمان و الحذر.
و کلما تقدمت السنين في الغيبة الصغري، و تقدمت الاجيال، قل الذين عاصروا الامام العسکري عليه السلام و شاهدوا ابنه المهدي (ع)، حتي انقرضوا. و وجدت اجيال جديدة لا تعلم من اسلوب اتصالها بالامام (ع) الا الاتصال بسفيره، علي افضل التقادير، و کان هذا الجيل - بشکل عام - جاهلا بالکلية بسحنة و شکل امامه المهدي (ع)، بحيث لو واجهوه لما عرفوه البتة الا باقامته دلالة قطعية علي شخصيته.
و من هنا تيسر له - کما علمنا في ذلک التاريخ - فرصة السفر الي مختلف انحاء البلاد کمکة و مصر، من دون ان يکون ملفتا لنظر احد.
و هذا ما نعنيه من خفاء العنوان. فان اي شخص يراه يکون غافلا بالمرة عن کونه هو الامام المهدي (ع). وانما يري فيه شخصا عاديا کسائر الناس لايلفت النظر علي الاطلاق.
و يمکن للمهدي (ع) ان يعيش في اي مکان يختاره و في اي بلد يفضله سنين متطاولة، من دون ان يلفت الي حقيقته نظر احد. و تکون حياته في تلک الفترة کحياة اي شخص آخر يکتسب عيشه من بعض الاعمال الحرة کالتجارة او الزراعة او غيرها. و يبقي علي حاله هذه في مدينة واحدة او عدة مدن، حتي ياذن الله تعالي له بالفرج.
و يمکن الاستدلال علي هذه الاطروحة، انطلاقا من زوايتين:
[ صفحه 35]
الزاوية الاولي.
الاخبار الواردة بهذا الصدد منها: ما اخرجه الشيخ الطوسي في الغيبة [1] عن السفير الثاني الشيخ محمد بن عثمان العمري انه قال: و الله ان صاحب هذا الامر ليحضر الموسم کل سنة يري الناس و يعرفهم و يرونه و لايعرفونه.
و المقصود بصاحب هذا الامر: الامام المهدي (ع)، و المراد بالموسم موسم الحج. و الرواية واصحة الدلالة علي عدم اختفاء الشخص و مقترنة بالقسم بالله تعالي تاکيدا. و صادرة من سفير المهدي (ع) و هو اکثر الناس اطلاعا علي حاله.
و منها: ما ورد عن السفير من قوله حول السوال عن اسم الامام المهدي (ع): و اذا وقع الاسم وقع الطلب [2] .
فانه ليس في طلب الحکام للمهدي (ع) مطاردتهم له، اي خطر و لا اي تاثير، لو کانت الاطروحة الاولي صادقة و کان جسم المهدي (ع) مختفيا، اذ يستحيل عليهم الوصول اليه. و انما يبدا الخطر و النهي عن الاسم تجنبا للمطاردة طبقا للاطروحة الثانية. فانه ما دام عنوان المهدي (ع) واسمه مجهولين، يکون في مامن عن المطاردة، و اما اذا «وقع الاسم» و عرف العنوان، لايکون هذا الامن متحققا و يکون احتمال المطاردة قويا.
و منها: ما ورد من التوقيع الذي خرج من المهدي (ع) الي سفيره محمد بن عثمان رضي الله عنه يقول فيه: فانهم ان وقفوا علي الاسم اذاعوه، و ان وقفوا علي المکان دلوا عليه. [3] .
فانه لو صدقت الاطروحة الاولي لم يکن روية المهدي (ع) في اي مکان علي الاطلاق، و لم يکن في الدلالة علي اي مکان خطر اصلا. و انما يکون الخطر موجودا طبقا للاطروحة الثانية.
و منها: ما قاله ابوسهل النوبختي حين سئل فقيل له: کيف صار هذا الامر
[ صفحه 36]
الي الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح دونک، فقال: هم اعلم و ما اختاروه. ولکن أنا رجل ألقي الخصوم و أناظرهم. و لو علمت بممکانه کما علم ابو القاسم و ضغطتني الحجة علي مکانه لعلي کنت ادل علي مکانه. و ابو القاسم فلو کانت الحجة تحت ذيله و قرض بالمقاريض ما کشف الذيل عنه. [4] .
و من الواضح انه لا معني لکل هذه الاحتياطات و التحفظات مع صحة الاطروحة الاولي اي اختفاء شخص المهدي عليه السلام. و انما لابد من ذلک مع صحة الاطروحة الثانية، فان الدلالة علي المکان مستلزم لانکشاف العنوان. و القائل لهذا الکلام ه وابو سهل النوبختي الذي کان من جلالة القدر و الوثاقة بحيث کان من المحتمل ان يکون هو السفير عن الامام (ع)... و من هنا سئل في هذه الرواية عن غض النظر عنه و ابداله بالشيخ ابن روح.
فهذه جملة من الاخبار الدالة علي صحة الاطروحة الثانية، و بطلان الاولي. الي اخبار غيرها لا نطيل الحديث بسردها.
الزاوية الثانية:
قانون المعجزات الذي يقول: ان المعجزة انما تحخدث عند توقف اقامة الحق عليها،و اما مع عدم هذا التوقف، و امکان انجاز الامر بدون المعجزة فانها لا تحدث بحال. کما برهنا عليه في محله. [5]
و لا شک ان حفظ الامام المهدي (ع) و بقاءه مما يتوقف عليه اقامة الحق بعد ظهوره. فلو توقف حفظه علي اقامة المعجزة باخفائه شخصيا لزم ذلک. الا ان هذا غير لازم لما عرفناه من کفاية خفاء العنوان في انجاز الغرض المطلوب و هو حفظه من کيد الاعداء. و سنذکر فيما يلي بعض الايضاحات لذلک. و من هنا تکون معجزة اختفائه بلا موضوع، و يتعين الاخذ بالاطروحة الثانية.
و من اجل تنظيم هذه الاطروحة فکريا و برهانيا، لابد من الجواب عليها.
[ صفحه 37]
السؤال الأول:
اذا کان المهدي (ع) ظاهرا بشخصه للناس، و هم لايعرفونه، فکيف لا يلتفتون اليه طوال السنين، و هم يرونه باقيا لايموت، علي حين يموت غيره من الناس.
و في هذا السؤال غفلة عن الاسلوب الذي يمکن للمهدي (ع) ان يتخذه تلافيا لهذا المحذور. فانه لو عاش في مدينة واحدة حقبة طويلة من الزمن لانکشف امره لامحالة. ولکنه - بطبيعة الحال - لايعمل ذلک، بل يقضي في کل مدينة او منطقة، عددا من السنين تکون کافية لبقاء غفلة الناس عن حقيقته.
فلو کان يقضي في کل مدينه من العالم الاسلامي خمسين عاما، لکان الان قد اکمل سکين اثنتين و عشرين مدينة. و توجد في العالم الاسلامي اضعاف ذلک من المدن التي يمکن للمهدي (ع) ان يسکنها تباعا. کما يمکن ان يعود الي نفس المدينة التي سکن بهاء بعد مضي جيلين او اکثر و انقرض من کان يعرف شخصه من الناس.
و من البسيط جدا الا ينتبه الناس الي عمره خلال السنوات التي يقضيها في بلدتهم. فان هناک نوعا من الناس، نصادف منهم العدد غير القليل، تکون سحنتهم ثابتة التقاطيع علي مر السنين. فلو فرضنا في الاطروحة- کون المهدي (ع) علي هذا الغرار، لم يکن ليثير العجب بين الناس، بعد ان يکونوا قد شاهدوا عددا غير قليل من هذا القبيل.
ثم حين يمر الزمان الطويل، الذي يکون وجود المهدي (ع) فيه ملفتا للنظر و مثيرا للانتباه، يکون المهدي (ع) قد غادر هذه المدينة بطريق اعتيادي جدا الي مدينة اخري ليسکن فيها حقبة من السنين. و هکذا.
السؤال الثاني:
انه کيف تتم المقابلة مع الامام (ع)، علي الشکل الوارد في اخبار المقابلة؟ و کيف يختفي الامام بعدها؟.
اما حدوث المقابلة، ففي غاية البساطة، فانه عليه السلام اذ يري المصلحة في مقابلة شخص، فانه يکشف له عن حقيقته اما بالصراحة، او بالدلائل التي تدل
[ صفحه 38]
عليه في النتيجة لکي يعرف الفرد ان الذي راه هو المهدي (ع) و لو بعد حين.
و المهدي (ع) يحتاج في اثبات حقيقته لاي فرد الي دليل، لجهل الناس جهلا مطلقا بذلک. و هو يعبر عن معجزة يقيمها الامام (ع) في سبيل ذلک، و هذه المعجزة تقوم في طريق اثبات الحجة علي المکلفين، فتکون ممکنة و صحيحة، و هي طريق منحصر لاثبات ذلک، کما هو واضح، اذ بدونها يحتمل ان لا يکون هو المهدي (ع) علي اي حال.
و الغالب في اخبار المشاهدة ان الفرد لا ينتبه الي حقيقة المهدي (ع) الا بعد فراقه،و مضي شي ء من الزمان. لان الفرد لايستطيع ان يشخص ان ما قام به المهدي (ع) او ما قاله هو من المعجزات الخاصة به، الا بعد مفارقته بمدة. و بذلک يضمن المهدي (ع) خلاصه من الاطلاع الصريح المباشر علي حقيقته في اثناء المقابلة، فتندفع عنه عدة مضاعفات محتملة.
و اما انه کيف يختفي المهدي (ع) بعد انتهاء المقابلة، فلذلک اطروحتان، من الممکن له تطبيق اي منهما.
الاولي: الاختفاء الشخصي الاعجازي. فيما اذا انحصر طريق التخلص به، فيکون مطابقا مع قانون المعجزات.
الثانية: و هي المتحققة علي الاغلب في ظروف اللقاء المنقولة لنا في اخبار المشاهدة، سواء ما وقع منها في عصر الغيبة الصغري او ما يقع في الغيبة الکبري. و هو الاختفاء بطريق طبيعي، لعدم انحصار التخلص بالمعجزة. بل کان المهدي (ع) يزجي هذا الامر بنحو عادي جدا غير ملفت للنظر. کما لو اصبح رفيقا في السفر مع بعض الاشخاص ثم يفارثه [6] او يبقي المهدي (ع) في مکانه و يسافر عنه الشخص الاخر. [7] او ان المهدي يوصل شخصا الي مامنه من متاهة وقع فيها ثم يرجع. ولايلتفت ذلک الشخص الي حقيقة منقذه الا بعد ذهابه. [8] و يکون
[ صفحه 39]
لغفلته هذه الاثر الکبير في سهولة و سرعة اختفاء المهدي عنه. و مع امکان الاختفاء الطبيعي، يکون الاختفاء الاعجازي بلا موضوع.
و يستطيع المهيد (ع) ان يخطط بمقابلته نحوا من الاسلوب، ينتج غفلة الرائي عن کونه هو المهدي (ع) في اثناء المقابلة و انما يتوصل الي الالتفات الي ذلک بعدها. و يقيم دلائله بحيث لاتکون ملفتة للنظر أثناء وقوعها، و انما يحتاج الالتفات اليها الي شي ء من الحساب والتفکير، لا يتوفر - عادة - الا بعد اختفاء المهدي. و هذا هو الديدن الذي يطبقه الامام (ع) في اغلب المقابلات.
و هذا التخطيط المسبق الذي يقوم به المهدي (ع) يغنيه عن التفکير في طريقة الاختفاء عند المقابلة. و ان کان لا يعدم - بغض النظر عن الاختفاء الاعجازي - مثل هذه الطريقة. ولئن کن نري في کل زمان اشخاصا عارفين بطرق الاختفاء السريع، لمختلف الاغراض، کالبحث عن المجرمين او الهرب من العقاب. او عن مقابلة الدائن، او غير ذلک... فکيف بالامام المهدي (ع) صاحب القابليات غير المحدودة الذي يستطيع بها ان يحکم العالم کله، و المعد لذلک من الله تعالي اعدادا خاصا.
السؤال الثالث:
ان من يري المهدي (ع)، فسوف يعرفه بشخصه، و سيعرفه کلما رآه. و هوما يودي بالمهدي (ع) تدريجا الي انکشاف امره و انتفاء غيبته المتمثلة بخفاء عنانه والجهل بحقيقته. اذ من المحتمل للرائي ان يخبر الاخرين بذلک، فيعرقون حقيقته و ينکشف امره.
و يمکن الانطلاق الي الجواب علي مستويات ثلاثه:
المستوي الأول:
ان الفرد الذي يحظي بمقابلة المهدي (ع) لن يکون الا من خاصة المومنين المتمکاملين في الاخلاص - علي الاغلب - و مثل هذا الفرد يکون مامونا علي امامه (ع) من النقل الي الاخرين. فان الناس لايعلمون من هذا الشخص انه راي المهيد و عرفه، و له الحرية في ان يقول ذلک او ان يستره، او ان يبدي بعض الحادث و يخفي البعض الاخر، بالمقدار الذي يحقق به مصلحة الغيبة و الستر علي
[ صفحه 40]
الامام الغائب عليه السلام.
المستوي الثاني:
اذا لم يکن الرائي مامونا، فيما اذا اقتضت المصلحة مقابلته، فقد يکون بعيد المزار جدا، و يکون المهدي (ع) عالما سلفا بانه لن يصادفه في مدينته او في الاماکن التي يطرقها طيلة حياته. و معه فيکون الخطر المشار اليه في السؤال غير ذي موضوع.
المستوي الثالث:
اذا کان الرائي قريبا في مکانه من المنطقة التي يسکنها المهدي (ع) و لم يکن مامونا، فانه يحتا المهدي الي تخطيط معين لتفادي الخطر المذکور.
و لعل اوضح تخطيط و اقربه الي الاذهان هو ان يغير زيه الذي يعيش به عادة بين الناس ليقابل الفرد المطلوب بزي جديد. و من هنا نري الامام المهدي (ع)- علي ما دلت عليه الروايات - يقابل الناس بازياء مختلفة. ففي عدد من المرات يکون مرتديا عقالا و راکبا جملا او فرسا. و في مرة علي شکل فلاح يحمل المنجل، و اخري علي شکل رجل من رجال الدين العلويين. [9] و هذا احسن ضمان لعدم التفات الناس الي شخصيته المتمثلة بزيه العادي.
علي ان المقابلات تقترن في جملة من الاحيان، باشکال من الضرورة و الحرج عندن الفرد، و هي الضرورة التي يريد المهيد (ع) ازالتها، علي ما سنسمع، و مثل هذاالفرد يصعب عليه،و هو في حالته تلک تمييز سحنة الامام (ع) بشکل يستطيع ان يشخصه بعد ذلک، خاصة و هو في زيه التنکري.
و هناک اساليب اخري، يمکن اتخاذها في هذا الصدد، لاينبغي ان نطيل بها الحديث.
و لو فرض انه احتاج الامر و انحصر حفظ الامام عليه السلام بالاعجاز بطريق الاختفاء الشخصي، لو قابله الفرد الرائي مرة ثانية، لکا ذلک ضروريا و متعينا. او تکون المعجزة علي شکل نسيان الرائي لسحنة الامام علي بعد المقابلة.
[ صفحه 41]
فهذه ثلاثة اسئلة مع اجويتها تضع الملامح الرئيسية علي اطروحة خفاء العنوان. و سيأتي لما العديد من الايضاحات و التطبيقات في الفصول الاتية.
و عرفنا ايضا کيف تتبرهن هذه الاطروحة في مقابل الاطروحة الاولي، من حيث ان باستطاعة الامام المهدي (ع) ان يحتجب عن الناس بشکل طبيعي لا اعجاز فيه، ما لم يتوقف احتجابه علي الاعجاز، طبقا لقانون المعجزات. و اذا تم ذلک يکون الالتزام باختفائه الشخصي الدائم، بالمعجزة، منفيا بهذا القانون، و ينبغي تاويل او نفي کل خبر دال عليه.
کما ان هذه الاطروحة الثانية، هي التي تنسجم مع التصورات العامة التي اتخذناها في فهم الاسلوب العام لحياة الامام المهدي (ع) في غيبته الصغري.
و نود ان نشير في خاتمه هذه الاطروحة الي نقاط ثلاث:
النقطة الأولي:
اننا اذ نعرف ان المهدي (ع) متي استطاع الاحتجاب بشکل طبيعي، فان المعجزة لاتساهم في احتجابه.... لا نستطيع - علي البعد - مقتضيات الظروف و الاحوال التي يمر بها المهدي (ع) في کل مقابلة. و هل کمان بامکانه ان يختفي بشکل طبيعي، او يتعين عليه الاختفاء الاعجازي.
فمثلا: ان لاختفائه بعد مقابلته لجعفر الکذاب مرتين، احتمالين، هما اختفاؤه الشخصي او اختفاوه الطبيعي، بحسب الظروف التي کان يعيشها المهدي (ع) يومئذ. و اما بدء هذه المقابلة فلا حاجة الي افتراض کونه اعجازيا، باي حال، کما ذهب اليه رونلدسن، [10] بل يمکن ان يکون طبيعيا اعتياديا.
و علي اي حال، فبعض الروايات، يمکنها ان تعطينا الظرف الذي تنتهي به المقابلة. حيث يتضح من بعضها امکان الاحتجاب الطبيعي، کما سبق ان مثلنا.
[ صفحه 42]
بينما يتضح من بعضها تعين الاحتجاب الاعجازي احيانا. کما ستسمع في مستقبل هذا التاريخ.
النقطة الثانية:
في الالماع الي الانحاء المتصور لما يحصل بالمعجزة من اثر يوجب اختفاء الجسم علي الناظر، بالرغم من اقتضاء القوانين الکونيد لحصول الروية.
فنقول: ان المعجزة اما ان تتصرف في الرائي او في المرئي. فتصرفها فيالرائي هو جعله بنحو يعجز عن ادراک الواقع الذي امامه. فيري المکان خاليا عن الامام المهدي (ع) مع انه موجود فيه بالفعل. فلو تعين بحسب المصلحة الملزمة و الغرض الالهي، ان يراه شخص دون شخص، کان نظر من يراه اعتياديا، و نظر من لايراه محجوبا بالمعجزة، و کذلک ايضا التصرف في الحواس الاخري کالسمع و اللمس و غيرها، و قد تحتجب بعض حواس الفرد دون بعض، فيسمع صوت المهدي (ع) من دون ان يراه. [11] .
و فرق الاطروحتين الرئيسيتين بالنسبة الي الاعجاز الالهي هو: ان الاطروحة الاولي تري ان هذا الاعجاز ه والامر الاعتيادي الدائم و الثابت لکل الناس، بالنسبة الي حياة المهدي (ع) حال غيبته الکبري. و انما تحتاج مقابلته الي استثناء عن هذا الدوام. علي حين تري الاطروحة الثانية ان الامر الاعتيادي الدائم هو انکشاف جسم المهدي (ع) للناس و امکان معاشرته معهم. و يحتاج اختفاء شخصه الي استثناء لايحدث الا عند توقف حفظ الامام المهدي (ع) عليه.
و اما تصرف المعجزة في المرئي اي الواقع الموضوعي القابل للروية. فاوضح طريق لذلک هو ان تحول المعجزة دون وصول الصورة النورية الصادرة عن جسم المهدي (ع) الي الرائي او السامع. و معه يکون افرد عاجزا ايضا عن الاحساس بالواقع الموضوعي الذي امامه.
و هناک اکثر من نحو واحد، متصور للمعجزة في محل الکلام،و هي تحتاج الي بحث فلسفي و فيزياوي مطول، فيکون الاحجي ان نضرب عنه صفحا تحاشيا للتطويل.
[ صفحه 43]
النقطة الثالثة:
انه ساعد الامام المهدي (ع) في غيبته عوامل نفسية اربعة متحققة لدي الناس علي اختلاف نحلهم واتجاهاتهم، مما جعل عليهم من الممتنع التصدي للبحث عنه لاجل الاستفادة منه او التنکيل به.
العامل الأول:
الجهل بشکله و هيئة جسمه جهلا تاما. و هو عامل مشترک بين أعدائه و محبيه.
العامل الثاني:
انکاره من قبل غير قواعده الشعبية بما فيهم سائر الحکام الظالمين الذين يمثل المهدي رمز الثورة عليهم و ازالة نظمهم من الوجود.گ فهم في انکارهم له مرتاحين عن مطاردته، و هو مرتاح من مطاردتهم.
العامل الثالث:
ارتکاز صحة الاطروحة الاولي عند عدد من قواعده الشعبية، اخذا بظواهر الاخبار التي سمعناها. اذ مع صحتها لا يکون هناک سبيل الي معرفته بل يستحيل الاحساس بوجوده، الا عن طريق المعجزة، و هي لاتتحقق الا للاوحدي من الناس.
العامل الرابع:
الايمان بعناية الله تعالي له و حفظه ليومه الموعود. فمتي تعلقت المصلحة بالمقابلة مع المهدي (ع) کان هو الذي يريدها. و متي لم تتعلق بها المصلحة، فالاصلح للاسلام و المسلمين الا تتم المقابلة و ان تحرق الفرد المومن اليها شوقا. و من هنا يکون الفرد الاعتيادي في حالة ياس من مقابلته و التعرف اليه.
[ صفحه 45]
پاورقي
[1] انظر المصدر ص 221.
[2] نفس المصدر، ص 219.
[3] المصدر، ص 222.
[4] المصدر، ص 240.
[5] انظر المعجزة في المفهوم الاسلامي، المخطوط.
[6] انظر الغيبة للشيخ الطوسي، ص 181.
[7] انظر النجم الثاقب، ص 306.
[8] انظر المصدر، ص 341 و غيرها.
[9] راجع ذلک في النجم الثاقب في عدد من مواضيع الکتاب.
[10] انظر عقيدة الشيعة، ص 237.
[11] البحار، ج 3، ص 146.