بازگشت

الأمر بکف اللسان في الفتنة


سمعنا ما أخرجه الصدوق في اکمال الدين عن الامام الباقر عليه السلام في أفضل ما يستعمله المومن في ذلک الزمان - يعني زمان الغيبة - قال: حفظ اللسان و لزوم البيت.

و أخرج أبو داود [1] عن رسول الله (ص) قال: ستکون فتنة صماء بکماء عمياء [2] من أشرف لها استشرفت له. و اشراف اللسان فيها کوقوع السيف.



[ صفحه 350]



و أخرج الترمذي: تکون فتنة... اللسان فيها أشد من السيف [3] و أخرجه ابن ماجة أيضا [4] کلاهما عن عبدالله بن عمرو عن رسول الله (ص).

و أخرج ابن ماجة [5] عنه (ص): أياکم و الفتن. فان اللسان فيها مثل وقع السيف.

و لفهم هذا القسم من الأخبار أطروحتان:

الأطروحة الأولي:

ان المراد کف اللسان و الاجتناب عن الکلام، في عصر الفتنة، سواء فيما يذکي أوار الفتنة أو فيما يضادها، و يکفکف من جماحها و يخفف من ضررها.

و هذا هو المفهوم من الاطلاق وسعة المدلول في هذه الأخبار، و خاصة الخبر الأول منها.

و اذا کان هذا هو المفهوم، فلا بد من تقييده، بمقتضي القواعد العامة، التي تبرر العزلة و السکوت أحيانا و توجب العمل الاجتماعي تارة أخري. فيختص وجوب السکوت، بترک الکلام الذي يکون مشارکة في الفتنة و اذکاء لأوارها. و يبقي الکلامالمضاد للفتنة مسکوتا عنه في هذه الروايات، نعرف أحکامه من الأدلة الأخري في الاسلام.

الأطروحة الثانية:

أن يکون المراد: وجوب کف اللسان عن المشارکة في الفتنة نفسها. فان هذه المشارکة من أشد اشکال الانحراف، و مستلزم للفشل في التمحيص الالهي لا محالة. و معه تبقي المشارکة بالقول و العمل في ازالة الفتنة أو تخفيف شرها، أو مناقشة اتجاهاتها، واجبة في الاسلام، طبقا للقواعد العامة التي عرفناها. من دون أن تدل هذه الروايات علي نفيه.

و توکد هذه الأطروحة قرينتان



[ صفحه 351]



القرينة الأولي:

تشبيه اللسان بالسيف، في الروايات. و من المعلوم أن استعمال السيف بالشکل المستنکر المحرم في عصر الفتنة. انما هو فيما يوجب تأييدها و تشديدها، لا فيما يکون ضدها، مع اجتماع الشرائط. و معه يکون استعمال اللسان بالشکل المحرم خاصا بذلک أيضا.

و لعل المراد من هذا التشبيه: هو استعمال اللسان في خضم الفتنة موجب - في نهاية الشوط - لهلاک الکثيرين عقائديا أو حياتيا، فيکون فعل اللسان کفعل السيف من هذه الجهة. و من المعلوم اسلاميا: ان الکلام الذي يوجب الهلاک هو الکلام الذي يتضمن تاييد الفتنة و السير مع رکب الانحراف. و أما الکلام الذي يراد به اطفاء الفتنة و مناقشة الاراء المنحرفة، و نحو ذلک، ففيه سعادة الدارين و عز النشاتين و مواکبة العدل الاسلامي الصحيح، فلا يمکن أن يقال عنه: انه موجب للهلاک.

فنعرف من قرينة التشبيه في هذه الأخبار، أن المراد هوالسکوت عن الکلام الذي يکون الي جانب الفتنة.

القرينة الثانية:

الأخبار الأخري الواردة في هذا الباب، الدالة علي أن المراد من حفظ اللسان ترک الکلام السي ء الموجب لعصيان الله تعالي و غضبه... و هو معني ما قلناه من أنه يوجب المشارکة في تاييد الفتنة و الانحراف. و معه يبقي الکلام ضد الفتنة جائزا بل واجبا في الاسلام.

أخرج ابن ماجة [6] عن رسول الله (ص) أنه قال: من کان يومن بالله و اليوم الاخر، فليقل خيرا أو ليسکت. و عنه (ص) أيضا:ان الرجل ليتکلم بالکلمة من سخط الله، لا يري بها بأسا. فيهوي بها في نار جهنم سبعين خريفا. و في حديث آخر ايضا: و ان أحدکم ليتکلم بالکلمة من سخط الله، ما يظن تبلغ ما بلغت، فيکتب الله عزوجل عليه بها سخطه الي يوم يلقاه.



[ صفحه 352]




پاورقي

[1] ج 2، ص 417.

[2] وصف الفتنة بهذه الأوصاف أصحابها، أي لايسمع فيها الحق و لا ينطق به و لا يتضح الباطل عن الحق. هامش السنن.

[3] ج 3، ص 320.

[4] ج 2، ص 1312.

[5] المصدر و الصفحة.

[6] ج 2، ص 1313.