بازگشت

الأمر بالصبر


الأمر بالصبر، مع بيان صعوبة تحققه للمسلم المخلص، في مجتمع الفتن و الانحراف.

أخرج الشيخان [1] عن ابن عباس عن النبي (ص) قال:

من رأي من أميره شيئا يکرهه فليصبر عليه، فأنه من فارق الجماعة شهرا، فمات الا مات ميتة جاهلية. و في نسخة مسلم: فميتة جاهلية.

و أخرجا [2] عن رسول الله (ص): انکم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتي تلقوني - و زاد مسلم: - علي الحوض.

و أخرج مسلم [3] عن حذيفة بن اليمان في حديث له مع رسول الله (ص) قال (ص): يکون بعدي ائمة لا يهتدون بهداي و لا يستنون بسنتي. و يسقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنس. قال: قلت: کيف أصنع يا رسول الله ان أدرکت ذلک؟. قال: تسمع و تطيع للأمير، و أن ضرب ظهرک و أخذ مالک. فاسمع و أطع.

و أخرجت جملة من الصحاح الأخري مثل هذا المضمون، ولکننا نقتصر علي ما أخرجه الشيخين، فيما أخرجاه.



[ صفحه 346]



فهذه هي الأخبار التي تأمر بالصبر. و أما الاخبار الدالة علي صعوبة الصبر:

فما أخرجه أبو داود [4] عن المقداد بن الأسود، قال: أيم الله لقد سمعت رسول الله (ص) يقول: ان السعيد لمن جنب الفتن. و ان السعيد لمن جنب الفتنة. ان السعيد لمن جنب الفتنة. و لمن ابتلي فصبر فواها.

و ما رواه النعماني في الغيبة [5] عن الامام الباقر عليه السلام في حديث: و لا والله لايکون الذي تمدون اليه أعناقکم الا بعد أياس.

و عنه عليه السلام في حديث [6] عما يصيب الناس الشر قبل خروج المهدي (ع)، قال: فخروجه اذا خرج يکون عند اليأس و القنوط.

و روي الصدوق [7] عن منصور قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: يا منصور ان هذا الأمر، لا يأتيکم الا بعد يأس... الرواية.

و أخرج ابن ماجة [8] عن النبي (ص) قوله: حتي اذا رأيت شحا مطاعا و هوي متبعا، و دنيا مؤثرة و اعجاب کل ذي راي برأيه، و رأيت أمرا لايدان لک به، فعليک خويصة نفسک. فان من ورائکم أيام الصبر فيهن علي مثل قبض علي الجمر... الحديث.

و أخرج الترمذي [9] عن أنس بن مالک، قال: قال رسول الله (ص): يأتي علي الناس زمان الصابر علي دينه، کالقابض علي الجمر.

و يقع الکلام في هذا القسم من الأخبار، ضمن أمرين:



[ صفحه 347]



الأمر الأول:

أن الأمر بالصبر مع الحاکم المنحرف و تحمل ظلمه و تعسفه بالسکوت، غير مطابق للقاعدة الاسلامية، و الأخبار الدالة عليه لا يمکن قبولها بحال. و ذلک. لأنها تعاني من الطعن في صدورها عن النبي (ص) و في دلالتها علي المطلوب أيضا.

أما الطعن في الصدور، فهو وضوح ان هذه الاحاديث تتم في مصلحة الحکام الذين تزعموا علي الأمة الاسلامية باسم الاسلام و استبزوا منها دماءها و خيراتها... فقد أرادوا بوضع هذه الأحاديث أن يأمروا المسلمين بالرضوخ لهم و الصبر علي جورهم، و ينسبوا ذلک الي رسول الله (ص).

فان قال قائل: کيف تکون هذه الأخبار موضوعة، مع أنها تندد بهولاء الحکام، و تصفهم بالفضائح.

أقول: لا تنافي بين الأمرين، انطلاقا من احدي زوايا ثلاث:

الزاوية الأولي:

أن يکون وصف الحکام صحيحا صادرا عن النبي (ص)، و هو لشهرته، لم يستطيعوا مکابرته و انکاره. و انما أضافوا عليه وجوب الطاعة للحاکم المنحرف.

فاصبح بعض الرواية صحيحا و بعضها مدسوسا. و هذا هو المظنون بالظن الغالب.

الزاوية الثانية:

أن الحکام استطاعوا في هذه الروايات أن يعرضوا أضخم صورة للظلم «و ان ضرب ظهرک و أخذ مالک» و زعموا أن الطاعة تکون واجبة بالرغم من ذلک. اذن فکيف الحال في الظلمخ الأخف من ذلک؟.. أن الطاعة ستکون ألزم علي الفرد بطبيعة الحال. اذن فليس هناک صورة من صور الظلم الا و تجب فيه الطاعة، للحاکم المنحرف.

الزاوية الثالثة:

أن الظلم في العصور المتأخرة عن صدر الاسلام کان واضحا جدا لا يمکن مکابرته، و من هنا لم يکن هناک أي غضاضة أو کشف لسر غامض حين صرح



[ صفحه 348]



الحکام بذلک. و انما صرحوا به استطراقا الي غرضهم من ذلک و هو اثبات الأمر بالطاعة منسوبا الي رسول الله (ص).

و أما الطعن في دلالة هذه الأخبار، فهو معارضتها بأخبار أخري رواها الشيخان في الصحيحين، تدل خلاف مضامينها، و تکون أقرب الي القواعد الاسلامية العامة.

أخرج الشيخان حديثا [10] بلفظ متقارب و اللفظ للبخاري عن عبدالله بن عمر عن النبي (ص) أنه قال: السمع و الطاعد علي المرء المسلم، فيما أحب و کره، ما لم يومر بمعصية، فاذا أمر بمعصية، فلا سمع و لا طاعة.

و أخرج مسلم [11] عنه (ص): انما الطاعة في المعروف.

و أخرج أيضا [12] عن عبدالله بن عمرو بن العاص في حديث عن معاوية. قال: فسکت ساعة... ثم قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله. الي غير ذلک من الأخبار.

اذن فتکون هذه الأخبار قرينة علي تقييد تلک الأخبار بما اذا لم يأمر الحاکم بمعصية لله أو يشرع قانونا منحرفا، أو يؤسس عقيدة بالطلد، فان فعل شيئا من ذلک فلا طاعة له. و من المعلوم أن تقديم الخاص علي العام من أوضح ما تقتضيه القواعد العامة.

غير أن هذا التقييد، ينتج وجوب طاعة الحاکم المنحرف، اذا أمر بطاعة الله عزوجل. و هو حکم غير صحيح في شريعة الاسلام، فان وجوب الطاعة خاص بالحاکم الشرعي العادل. و علي ذلک يمکن حمل بعض هذه الأخبار السابقة... مع طرح ما خالف القواعد العامة منها.

هذا. و.ما الأخبار الدالة علي صعوبة الصبر في مجتمع الفتن والانحراف، فهو أمر صحيح واضح... اذ ما ظنک بفرد صادق بين کاذبين و أمين بين خائنين و مسالم



[ صفحه 349]



بين معتدين.. کذلک يکون حال المومن بين المنحرفين. و هذا هو طبع التمحيص والتخطيط الالهي علي طول خط الغيبة الکبري.

الأمر الثاني:

أن الأخبار الدالة علي وجود اليأس و القنوط، ذات مضمون صحيح، و مطابق للتمحيص.

فان طول عصر الغيبة بنفسه حلقة من حلقات التمحيص الالهي. اذ يزداد فيها الظلم، حتي يکتسب الهيبة النفسية علي ضعاف النفوس و الارادة، فيظنون قدرا حتميا و وضعا أبديا... فيحصل لديهم اليأس و القنوط.

کما أن امتداد غيبة الامام المهدي (ع) سوف تنکشف في الضمائر المهلهلة و العقائد المادية عن الشک أو الانکار.

و حيث يکون ضعف النفوس، هو الغالب في کل جيل اذن فسيکون الاتجاه العام للمجتمع، لدي الفاشلين في التمحيص الالهي، و هم الأغلب من البشر، کما عرفنا، سيکون هو اليأس و القنوط، کما نطقت به هذه الروايات.


پاورقي

[1] البخاري، ج 9 - ص 59، و مسلم، ج 6، ص 21.

[2] البخاري، ج 9، ص 60، و مسلم، ج 6، ص 19.

[3] ج 6، ص 20.

[4] ج 2، ص 417.

[5] ص 111.

[6] غيبة النعماني، ص 135.

[7] اکمال الدين المخطوط.

[8] ج 2، ص 1331.

[9] ج 3، ص 359.

[10] البخاري، ج 9، ص 78، و مسلم، ج 6، ص 15.

[11] ج 6، ص 16.

[12] ج 6، ص 18.