بازگشت

ما دل من الأخبار علي عدم المشارکة في القتل


ما دل من الأخبار علي عدم المشارکة في القتل، بل تحمله من الغير، و ان کان قاتلا ظالما.

أخرج ابن ماجة [1] و أبو داود [2] عن أبي ذر، بلفظ متقارب و اللفظ لابن ماجة في حديث قال: قلت: يا رسول الله، أفلا آخذ بسيفي فأضرب به من فعل ذلک؟ قال: شارکت القوم اذن! ولکن أدخل بيتک. قلت يا رسول الله، فان دخل بيتي؟ قال: ان خشيت أن يبهرک شعاع السيف فألق طرف ردئک علي وجهک، فيبوء بائمه و اثمک، فيکون من أصحاب النار.

و أخرجا [3] أيضا بلفظ متقارب و اللفظ لابن ماجة، قوله في حديث عن الفتن: فکسروا قسيکم و قطعوا أوتارکم و أضربوا بسيوفکم الحجارة. فان دخل علي أحدکم، فليکن کخير ابني آدم.



[ صفحه 340]



و أخرج الترمذي [4] في حديث بنفس المضمون قال: أفرأيت ان دخل علي بيتي وبسط يده ليقتلني؟ قال: کن کابن آدم.

و في هذه الأحاديث اشارة واضحة الي قوله تعالي: (و اتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق،اذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما و لم يتقبل من الاخر. قال، لأقتلنک. قال: انما يتقبل الله من المتقين. لئن بسطت الي يدک لتقتلني، ما أنا بباسط يدي اليک لأقتلک، اني أخاف الله رب العالمين. اني أريد أن تبوة باثمي و اثمک، فتکون من أصحاب النار، و ذلک جزاء الظالمين). [5] .

لم ند هذا المضمون، في الصحيحين، و لا في أخبار المصادر الامامية.

و المدلول العام هذه الروايات، هو وقوع القتال في داخل المجتمع المسلم بعد رسول الله (ص) نتيجة للفتن و الانحراف. فيکون من وظيفة الفرد المسلم يومئذ، عدم المشارکة في القتال الي جنب أي من الفريقين. بل يجب عليه أن يعتزل و يدخل بيته. فان دخل عليه المقاتولن في جوف بيته، وجب عليه أن يستسلم للقتل من دون مقارمة. و يکون حاله حال المقتل من ابني آدم الذي يبسط يده لقتل أخيه. و قد مدحه الله تعالي في محکم الکتاب.

الا أنه لابد لنا من رفض هذاالمضمون جملة و تفصيلا، لمعارضته لضرورة الشرع و العقل.

فان الفرد المسلم اذا راي الحرب قائمة في المجتمع المسلم بين فئتين مسلمتين... فان حاله من حيث الاقتناع الوجداني النابع مما يعرفه من قواعد الاسلام العامة، لا يخلو عن أحد أمرين لا ثالث لهما:

الأمر الأول:

أن يعلم ان أحد الفريقين الي جانب الحق و الاخر الي جانب الباطل. کما لو کان الرئيس الشرعي للدولة الاسلامية، يجارب فئة باغية عليه منحرفة عنه.: ففي مثل ذلک يجب علي المکلف الانضمام الي طرف الحق ضد الباطل. طبقا لقوله عز



[ صفحه 341]



من قائل: (و ان طائفتان من المومنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما، فان بغت احداهما علي الاخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفي ء الي أمر الله). [6] و انما يتحقق البغي فيما اذا کان أحد الطرفين المتحاربين يستهدف هدفا باطلا. و من ضرورة الشرع و العقل وجوب محاربة الباطل و حرمة نصرته.

الأمر الثاني:

أن يعلم الفرد أن الحق مجانب لکلا الفريقين، و أن کليهما ينصر مذهبا باطلا و يدافع عن هدف منحرف، أو - علي الاقل - يشک في ذلک و يحتمله احتمالا. و في مثل ذلک لا يجوز له نصرة أي من الفريقين، کما هو واضح. فان نصرة أي منهما نصرة للانحراف و الضلال، يقينا أو احتمالا... و کلاهما محرم في الاسلام.

و مدلول هذه الروايات، من حيث وجوب الاعتزال عن کلا الفريقين، لو حمل عمل ذلک بالخصوص، لکان أمرا صحيحا. و لعل هذا هو مراد النبي (ص) من قوله: شارکت القوم اذن. يعني في الباطل و الانحراف. الا أن شمول الرواية لصورة الأمر الأول يبقي نافذ المفعول، و هو أمر غير صحيح.

کما ان الأمر بتحمل القتل لو دخل عليه في بيته، أمر لايمکن قبوله، لأنه مخالف لضرورة العقل و الشرع معا في وجوب الدفاع عن النفس، و في کون المستسلم للقتل قاتل لنفسه، في الحقيقة، فيبوء باثم نفسه، لا أن القاتل يبوء بالاثمين معا. و يکون کلاهما مشمولا لقوله تعالي: (و من يقتل مومنا معمدا فجزاوه جهنم خالدا فيها، و غضب الله عليه و لعنه وأعد له عذابا عظيما). [7] أما اثم القاتل لمباشرته القتل. و أما المقتول فلأنه سبب الي قتل نفسه.

و قد يخطر في الذهن: أن الفرد اذا کان أعزل عن الأسلحة تماما، يکون الدفاع متعذرا عليه. و معه يکون الأمر بتحمل القتل منطقيا بالنسبة اليه.

و جوابه: أن هذا صحيح بالنسبة الي الأعزل، لکنه غير صحيح بالنسبة الي هذه الروايات، فانها واردة في غير العزل، تأمرهم أن يکسروا قسيهم و يقطعوا أوتارهم و أن يضربوا بسيوفهم الحجارة. فاذا تلفت أسلحتهم وجب عليهم تحمل



[ صفحه 342]



القتل طواعية.. و هذا مضمون مستنکر في العقل و الشرع. تعلم بعدم صدوره عن النبي (ص).

و أما ما ورد في أخبار الفريقين من أنه اذا التقي المسلمين بسيفيهما، فالقائل و المقتول في النار، فهو خاص بغيرالدفاع عن النفس جزما. فانه اذا کان الفرد مدافعا عن نفسه يکون محقا و حربه عادلا! بضرورة العقل و الشرع.

و من هنا نعلم سلامة موقف «ابن آدم» المقتول. فأنه لا دلالة في الاية علي أنه لم يدافع عن نفسه، و ان لم يکن في نيته أن يقتل أخاه. و انما سيطر عليه أخوه بقوته فقتله. بخلاف ما تدل عليه هذه الروايات، من السلبية المطلقة حتي عن الدفاع عن النفس.

اذن، فلا سبيل الي الأخذ بهذا القسم الثاني من الروايات. و خاصة طبقا للتشدد السندي الذي مشينا عليه.

و يکفينا أن نعرف أن کثيرا من الأخبار وضعت و دست في أخبار الاسلام، نصرة للجهاز الحاکم المنحرف، الذي کان يحاول أن يسبغ صفة الشرعية علي تصرفاته، فيمنع من مجابهة ظلمه و مقابلته بالسيف، لکي تستقيم له الحال، و يهدا منه البال، منطلقا من أمثال هذه الأخبار.


پاورقي

[1] ج 2، ص 1308.

[2] ج 2، ص 417.

[3] ابن ماجة، ج 2، ص 1310، و أبو داود، ج 2، ص 416.

[4] ج 3، ص 329.

[5] المائدة: 5: 29 - 27.

[6] المائدة: 5: 29 - 27.

[7] النساء: 93:4.