بازگشت

فيما تقتضيه القواعد العامة


و يمکن أن نعرض ذلک، ضمن جانبين:

الجانب الأول:

في الأحکام الاسلامية، علي المستوي الفقهي للعمل الاجتماعي أو العزلة.

ينقسم العمل الاجتماعي الاسلامي المقصود به الهداية و الاصلاح الي وجهتني رئيسيتين: أولاهما: الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر. و ثانيتهما، الجهاد أو الدعوة الاسلامية. و لکل منهما مجاله الخاص و شرائطهما المعينة.

فالجهاد يتضمن في مفهومه الواعي، العمل علي ترسيخ أصل العقيدة الاسلامية، أما بنشرها ابتداء أو الوقوف الي جانبها دفاعا... باي عمل حاول الفرد أو المجتمع الوصول الي هذه النتائج... سواء کان عملا سليما أو حربيا. و ان کان أوضح أفراده و أکثرها عمقا، هو الصدام المسلح بين المسلمين و الاخرين.

و أما الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر، فمجاله هو الاطار الاصلاحي للمجتمع المسلم، مع انحفاظ أصل عقيدته. و محاولة حفظه عن الانحراف و التفکک و شيوع الفاحشة و نحو ذلک.

شرائطهما: و شرائط الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر، عديدة، فيما ذکر الفقهاء، تندرج في أمرين رئيسيين:

الأمر الأول:

العلم بالمعروف و المنکر، فلو لم يکن الفرد عالما بالحکم الشرعي الاسلامي، أو لم يکن محرزا بأن فعل الشخص الاخر معصية للحکم... لم تکن هذه الوظيفة الاسلامية واجبة.



[ صفحه 318]



الأمر الثاني:

احتمال التأثير في الفرد الاخر. فلو لا يکن يحتمل أن يکون لقوله أثر، لم يجب القيام بالامر و النهي، فضلا عما اذا حتمل قيام الاخر بالمعارضة و المجابهة أو ايقاع الضرر البليغ.

و لذلک ورد عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام أنه سئل عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر، أواجب هو علي الأمة جميعا. فقال: لا. فقيل له: و لم؟ قال: انما هو علي القوي المطاع العالم بالمعروف من المنکر. لا علي الضعيف الذي لا يهتدي الي ؤي من ؤي. يقول من الحق الي الباطل. و الدليل علي ذلک کتاب الله عز و جل. قوله:(ولتکن منکم أمة يدعون الي الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنکر). فهذا خاص غير عام. [1] .

و کذلک قوله عليه السلام: انما يؤمر بالمعروف و ينهي عن المنکر، مومن فيتعظ أو جاهل فيتعلم، فأما صاحب سوط أو سيف، فلا. [2] .

و اما الجهاد فغير مشروط بهذه الشرائط. کيف و ان المفروض فيه التضحية ببذل النفس و النفيس في سبيل الله تعالي و من أجل المصالح الاسلامية العليا. و قد أکد القرآن علي ذلک في العديد من آياته، علي ما سمعنا قبل قليل... و في قوله تعالي: (ان الله اشتري من المومنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون و يقتلون وعدا عليه حقا في التوراة و الانجيل و القرآن. و من أوفي بعهده من الله. فاستبشروا ببيعکم الذي بايعتم به، و ذلک هو الفوز العظيم. التائبون العابدون الحامدون السائحون الراکعون الساجدون الامرون بالمعروف و الناهون عن المنکر، و الحافظون لحدود الله، و بشر المومنين). [3] .

اذن، فالجهاد فريضة کبري لنشر الدعوة الالهية: داخلة في التخطيط الالهي لهداية الناس، فيما قبل الاسلام و في الاسلام. «في التوراة و الانجيل و القرآن». و انما يقوم به علي طول الخط، أولئک الصفوة ذوي الاخلاص الممحص و الايمان



[ صفحه 319]



الرفيع... «التائبون العابدون الحامدون الراکعون الساجدون....».

و قد ورد عن رسول الله (ص) [4] أنه قال في کلام له: فمن ترک الجهاد ألبسه الله ذلا و فقرا في معيشته و محقا في دينه. ان الله أغني أمتي بسنابک خيلها و مراکز رماحها «أي بأسلحتها».

و عن أميرالمومنين علي بن أبي طالب عليه السلام، أنه قال: أما بعد فان الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه... الي أن قال: هو لباس التقوي، و درع الله الحصينة، و جنته الوثيقة. فمن ترکه ألبسه الله ثوب الذل و شمله البلاء، وديث بالصغار و القماءة، و ضرب علي قلبه بالاسداد، و اديل الحق منه بتضييع الجهاد، و سيم الخسف و منع النصف... الحديث.

و عن الصادق أبي عبدالله عليه السلام، أنه قال: ان الله عزوجل بعث رسوله بالاسلام الي الناس عشر سنين، فأبوا أن يقبلوا، حتي أمره بالقتال. فالخير في السيف و تحت السيف. و الأمر يعود کما بدأ «يعني عند ظهور المهدي عليه السلام».

الا أن الجهاد علي أهميته الکبري في الاسلام، مشروط بشرطين: الأولي: خاص بجهاد الدعوة المتعلق بنشر الاسلام في غير المسلمين. و هو تعلق أمر الولي المعصوم به، کالنبي (ص) أو أحد المعصومين بعده و منهم المهدي (ع) نفسه. بخلاف جهاد الدفاع فانه غير مشروط بذلک. بل يجب عندن الحاجة علي کل حال.

و لا يفرق في هذاالحکم بين أن يکون الجهاد دمويا أو لم يکن... بل کان من قبيل الجهاد التثقيفي الاسلامي.

الشرط الثاني: احتمال التأثير، و الوصولي الي النتيجة، و لو في المدي البعيد. فلو لم يحتمل الفرد أو المجتمع المجاهد الوصول الي أي نتيجة أصلا... لم يجب الجهاد.

و هذا الشرط واضح في الجهاد الدموي، فانه لا يکون واجبا مع قصور العدة و العدد. قال الله تعالي: (الان خفف الله عنکم و علم أن فيکم ضعفا. فان يکن



[ صفحه 320]



منکم مائة صابرة مائتين، و ان يکن منکم ألف يغلبوا ألفين، باذن الله، والله مع الصابرين). [5] و أما اذا کان الجيش المعادي أکثر من ضعف أفراد الجيش المسلم فلا يجب الجهاد، باعتبار أن احتمال النصر يکون ضئيلا.

و أما الجهاد العقائدي التثقيفي، فهو و ان کان مشروطا باحتمال التاثير أيضا، فانه ان لم يکن التاثير محتملا لم يکن هذا الجهاد واجبا، الا أن هذا انما يتصور في الفرد الواحد، و أما في التثقيف العام للمجتمع، فهو يقيني التاثير في الجملة، علي عدد من الأفراد قليل أو کثير. فيکون واجبا، مع توفر شرطه الأول.

فهذه هي وظائف العمل الاجتماعي في الاسلام من الناحية التشريعية الفقهية.

نتائجها:

نستطيع الوصول علي ضوء ذلک، الي عدة فوائد و نتائج کبيرة. متمثلة في عدة أمور:

الأمر الأول:

ان الجهاد علي طول الخط، في تاريخ البشرية، مقترن في منطق الدعوة الالهية، بذوي الاخلاص العالي الممحص، فانه (باب فتحه الله لاوليائه). لا بمعني اختصاص وجوبه بهم، بل بمعني أن الله تعالي لايوجد شرائطه في العالم، الا في ظرف وجودهم، بحسب تخطيطه الکبير. فان مهمة غو العالم کله، و نشر العدل المحض فيه، مهمة کبري لا تقوم علي اکتاف أحد سواهم، و الا کان مهددا بخطر الفشل و الدمار.

و لذا حارب النبي (ص) اعداءه و انتصر، و استطاع أن يبلغ بالفتح الاسلامي مدي بعيدا في الارض. و لهذا - أيضا - فشل الفتح الاسلامي حين فقد خصائصه الرئيسية و تجرد الشعب المسلم عما يجب أن يتحلي به من صفات. و بتلک الخصائص سوف يحارب المهدي (ع) و ينتضر علي کل العام.

ولکن ينبغي أن نحتفظ بفرق بين أصحاب النبي (ص) و أصحاب



[ صفحه 321]



المهدي (ع)، و قد أشرنا اليه فيما سبق. و هو: أن النبي (ص) بعث في شعب خام غير ممحص الاخلاص قبل ذلک علي الاطلاق و لا مر بأي تجربة لنشر العدل و لم يکن همه غير السلب و النهب من القبائل المجاورة. و من ثم کان المندفعون الي الجهاد بين يديه (ص) - فيما عدا النوادر - يمثلون الوهج العاطفي الايماني و هيمنة القيادة النبوية عليهم، أکثر مما يمثلون استيعاب القضية الاسلامية من جميع أطرافها و خصائصها.

فلم يکونوا في الأعم الأغلب، ممحصين و لا واعين، بالدرجة المطلوبة لغزو العالم کله... و لو کانوا علي هذا المستوي لما بقي العالم الي الان يرزح تحت نير الاستعباد. و لکان النبي (ص) بنفسه هو المهدي الموعود... کما أشرنا اليه في التخطيط الالهي.

و من ثم راينا أن هيمنه القيادة النبوية، حين انحسرت عن المجتمع، بدا الوهج العاطفي بالخمود التدريجي. و ان کان قد بقي له من الزخم الثوري ما يبقيه مائتي عام أخري - ينطلق من خلاله الي منطقد ضخمة من العالم. الا أن الفتح الاسلامي تحول تدريجيا الي مکسب تجاري، [6] و فشل عن التقدم في نهاية المطاف. و هذه النتائج الموسفة، يستحيل التوصل اليها - عادة - لو کان الجيش النبوي ممحصا و واعيا، بحسب اتجاهات النفس البشرية و قوانين ترابط الأجيال.

و السر في ذلک ما سبق أن عرفناه، من أن البشرية عند نزول الاسلام، کانت مهيئة للشرط الأول من شروط عالمية الدعوة الالهية... دون الشرط الثاني، و هو وجود العدد الکافي من ذوي الاخلاص الممحص.

و أما المهدي (ع) فسوف يوجد الله تعالي هذا الشرط في أصحابه، بعد أن تکون البشرية قد مرت بالظروف القاسية التي تشارک في ايجاد هذا الشرط الکبير. و من ثم سوف يستطيع تطبيق الأطروحة العادلة الکاملة علي العالم بأسره.

فان قال قائل: يلزم من ذلک بأن أصحاب المهدي (ع) أفضل من أصحاب النبي (ص).

قلنا: نعم، الأمر کذلک علي الأعم الأغلب. و لا حرج في ذلک. فان



[ صفحه 322]



أصحاب المهدي (ع) هم أصحاب للنبي (ص) و محاربين في سبيل دين النبي (ص) و عدله. و انما القصور في البشرية التي لم تکن مهيئة لنشر العدل العالمي قبل أن ينتج التخطيط الالهي نتيجته المطلوبة، و هو ايجاد الشرط الأخير من شرائط الظهور.

ان الجهاد منوط علي طول الخط... بوجود القائد الکبير الذي له قابلية غزو العالم و نشر العدل فيه. فما لم يتحقق ذلک لا يکون الجهاد واجبا. الا فيما يکون من جهاد الدفاع الذي لا يکون واجبا علي الأمة و ان لم تکن ممحصة و لم تکن لها قيادة. الا أن هذا من قبيل الاستثناء لأجل الحفاظ علي بيضة الاسلام و أصل وجوده. و قد أثبتت غالب حوادث التاريخ فشل الأمة الاسلامية في حروب الدفاع حال فقدانها للقيادة و الوعي. و من هنا وصل الأمر بنا الي ما وصل اليه من سيطرة الأعداء، حتي غزينا في عقر دارنا و أخذ منا طعامنا و شرابنا، و فقد منا استقرارنا و أمننا.

و علي أي حال، ففيما عدا ذلک، يکون مقتضي القاعدة العامة، هو اناطة وجوب الجهاد بوجود القائد الذي له أهلية غزو العالم و نشر العدل فيه. و من هنا کان وجوب الجهاد حاصلا في عصر النبي (ص)، و کان مهددا بالانقطاع التام بعده، لولا أن القواد المسلمين، کانوا يحاربون بالوهج العاطفي الذي زرعه النبي (ص). و من ثم لم يکن للفت الاسلامي قابلية الاستمرار أکثر من زمان الوهج، معانعدام التمحيص و القيادة.

و هذه القيادة الکبري، هي التي سوف تتجسد في شخص المهدي (ع)، فيبدا نشر أطروحته في العالم عن طريق الجهاد، حتي يملأ الأرض قسطا و عدلا کما ملئت ظلما و جورا. چ

الأمر الثالث:

ان الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر، غير منوط بوجود القيادة الکبري و لا الاخلاص الممحص... بل هو مشروع بشکل يشمل الحالات الاخري.

حيث نري أنه لايحتاج القيام بهذه المهمة الاسلامية الا الي معرفة الحکم الاسلامي مع احتمال اطاعة العاصي و تاثره بالقول. و أما حاجته الي تضحية



[ صفحه 323]



مضاعفة أو وعي عال أو اخلاص ممحص، فغير موجودة... و هذا واضح.

بل أننا نستطيع أن نفهم من الشرط الذي انيط به، و هو توقف وجوبه علي عدم الخوف و احتمال الضرر... و قد سمعنا قول الامام الصادق عليه السلام: و أما صاحب سوط أو سيف فلا. ان توقفه علي ذلک مأخوذ خصيصا بنظر الاعتبار لکي يواکب النفوس غير الواعية و غير الممحصة و يکون شاملا لها، حتي اذا ما خاضت الضرر و لم تستطع الصمود، کان لها في الشريعة المبرر الکافي للانسحاب.

و بهذا يحرز التشريع الاسلامي نتيجتين متساندتين:

النتيجة الأولي:

ان عددا مهما من أفراد الأمة، في عصر التمحيص و الامتحان،يجب عليهم القيام بهذه الوظيفة الاجتماعية الکبري: الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر. سواء کان التمحيص قد أنتج فيهم الاخلاص العالي أو لم يکن. و بذلک يحرز الاسلام - علي الصعيد التشريعي علي الأقل - حفظ المجتمع المسلم من الانحدار الي مهاوي الرذيلة و الضلال.

النتيجة الثانية:

ان هذا العدد من أفرادالأمة يکونون - بمقتضي قانون التمحيص نفسه - واقفين علي المحک الأساسي للتمحيص، من خلال قيامهم بهذه المهمة الاسلامية. فان ترکوها و أحجموا عنها، فقد فشلوا في الامتحان. و ان قاموا بها أوجب ذلک لهم تکامل الخبرة و التدريب و التربية، مما يسبب بدوره تحمل المسووليات الأکبر والأوسع، و يضعهم علي طريق الاخلاص الممحص و الوعي، في نهاية المطاف.

الأمر الرابع:

ان نتائج ترک الجهاد أهم و أوسع من نتائج ترک الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر.

و يکفينا في هذا الصدد، أن نعرف الأمر علي مستويين:

المستوي الأول:

ان الجهاد... حيث أنه الوظيفة الاسلامية المشرعة لغزو العالم غير



[ صفحه 324]



الاسلامي، و ارجاع الأراضي الاسلامية السليبة، فهو أوسع تطبيقا من الأمر بالمعروف الذي لا حدود له الا ما کان داخل المجتمع الاسلامي من انحراف و عصيان.

و من هنا يکون ترک الجهاد موجبا لسلب الأمة نتائج أضخم و مکاسب أکبر من النتائج و المکاسب المترتبة علي الأمر بالمعروف، کما هو واضح.

المستوي الثاني:

ان الأمر بالمعروف بمنزلة الفرع أو النتيجة أو المسبب عن الجهاد... و ترکه بمنزلة السبب لوجوبه.

و ذلک: أنه لايجب الأمر بالمعروف في منطقة من العالم، اذا اذا کانت داخلة ضمن حدود البلاد الاسلامية، فلا بد أن تکون المنطقة قد دخلت في ضمن هذه الحدود أولا، ليجب فيها القيام بتلک الوظيفة ثانيا. و الغالب أن يکون دخول البلاد الي حوزة الاسلام، بالجهاد المسلح. فيکون الجهاد مقدمة لوجوب الأمر بالمعروف و يکون الأمر بالمعروف نتيجة له. حيث تکفلت الوظيفة الاسلامية، الأولي اتساع بلاد الاسلام. و تکفلت الوظيفة الثانية المحافظة علي هذه السعة و ضمان تطبيق العدل في البلاد المفتوحة الاسلامية.

و أما اذا ترک الامر بالمعروف و النهي عن المنکر في البلاد الاسلامية... فستبدا بالاندار من حيث الاخلاص و الشعور بالمسوولية، حتي ينتهي بها الحال أن تغزي في عقر دارها و تکون لقمة سائغة لکل طامع و غاصب. کما قال الامام الرضا (ع) فيما روي عنه: [7] لتأمرون بالمعروف ولتنهن عن المنکر أو ليستعملن عليکم شرارکم. [8] فيدعوا خيارکم فلا يستجاب لهم. و يتسبب ذلک أحيانا الي المنطقة الاسلامية بيد القوات الکافرة المستعمرة، کما حصل في الأندلس و فلسطين... فيعود الجهاد واجبا لاسترجاعها. فقد أصبح ترک الأمر بالمعروف سببا لوجوب الجهاد.



[ صفحه 325]



الأمر الخامس:

نعرف من ذلک کله، متي تکون العزلة و السلبية واجبة، و متي تکون جائزة و متي تکون محرمة، بحسب المستوي الفقهي الاسلامي.

فان العزلة و السلبية، مفهوم يحمل معني عدم القيام بالفعاليات الاجتماعية الاسلامية من الجهاد أو الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر. فمن هنا تکون العزلة محرمة حين يکون ذلک واجبا، و تکون واجبة حين يکون ذلک حراما علي بعض الوجوه التي نذکرها فيما يلي. و تکون العزلة جائزة ان لم يکن في العمل الاسلامي موجب الوجوب و التحريم.

حرمة السلبية:

فحرمة السلبية، انما تتأتي من وجوب المبادرة الي ميادين العمل الاسلامي... أما بالقيام بالجهاد علي مستوييه: المسلح و غير المسلح، مع اجتماع شرائطه. و اما بالقيام بالامر بالمعروف و محاولا الاصلاح في المجتمع الاسلامي، علي مستوييه المسلح و غيره، عند اجتماع شرائطه... و خاصة غير المسلح منه، الذي هو الأعم الأغلب منه.

و علي أي حال، فاذا وجب العمل الاسلامي حرمت العزلة، و کانت عصيانا وانحرافا اسلاميا خطيرا. و تکتسب أهميتها المضادة للاسلام، بمقدار أهمية العمل الاسلامي المتروک.

و من ثم کان ترک الجهاد عند وجوبه، و الفرار من الزحف من أکبر المحرمات في الاسالم... طبقا لقوله تعالي:(و من يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال أو متحيزا الي فئة،فقد باء بغضب من الله، و مأواه جهنم و بئس المصير) [9] کما أن ترک الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر عند وجوبه حرام اسلاميا، موذن بالعقاب، کما ورد عن النبي (ص): اذا ؤمتي تواکلت الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر، فليأذنوا بوقاع من الله. و عنه (ص) أنه قال: لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف و نهوا عن المنکر و تعاونوا علي البر، فاذا لم يفعلوا ذلک، نزعت منهم البرکات و سلط



[ صفحه 326]



بعضهم علي بعض، و لم يکن لهم ناصر في الأرض و لا في السماء. و معني أنه لا ناصرلهم في السماء: ان الله تعالي لا يرضي بفعلهم و لا يقره.

وجوب السلبية:

و تکون العزلة و السلبية واجبة، عندما يکون ترک العمل الاسلامي واجبا، و المبادرة اليه حراما. و ذلک في عدة حالات:

الحالة الأولي:

القيام بالجهاد الاسلامي بدون اذن الامام أو القائد الاسلامي أو رئيس الدولة الاسلامية... فان ذلک غير مشروع في الاسلام، کما ينص عليه الفقهاء، سواء کان القائد غافلا أو ملتفتا... فضلا عما اذا کان العمل موجها ضد الامام أو الدولة، سواء کان عسکريا أو غيره.

و نحن نفهم بکل وضوح، المصلحة المتعلقة بهذا الاشتراط. فان القائد الاسلامي أبصر بمواضع المصلحد و موارد الحاجد الي الجهاد من الفرد الاعتيادي، بطبيعة الحال. و بذلک يکون عمله أدخل في التخطيط الالهي العام لهداية البشر، من عمل غيره. بل قد يکون عمل غيره هداما مخربا، کما سياتي في الجانب الثاين من هذه النقطة الثانية.

الحالة الثانية:

القيام بالأمر بالمعروف و النهي عن المنکر، فيما اذا لم يکن يحتمل التأثير، و کان مستلزما مع الضرر البليغ أو القاء النفس في التهلکة. فان هذا الأمر و النهي يکون محرما و حرمته مطابقة مع القواعد العامة، فان معني الاشتراط بعدم الضرر، هو سقوط الوجوب معه، فلا تکون هذه الوظيفة الاسلامية بلازمة. فان کان الضرر بليغا، کان المورد مندرجا في حرمة القاء النفس في التهلکة أو حرمة التنکيل. فيکون محرما. و اذا حرم الأمر بالمعروف، کانت العزلة و السلبية المقابلة له واجبة.

و هذا التشريع واضح المصلحد بالنسبة الي الممحصين و غيرهم. أما المحصين فباعتبار أن التضحية و تحمل الضرر في مورد يعلم بعدم ترتب الامر أو تغيير الواقع، تذهب هذه التضحية هدرا، بحيث يمکن صرفها في مورد أهم من



[ صفحه 327]



خدمات الاسلام. و أما بالنسبة الي غير الممحصين فلنفس الفکرة، مع الأخذ بنظر الاعتبار ضحالتهم في قوة الارادة وضعفهم في درجة الايمان.

الحالة الثالثة:

فيما اذا کانت العزلة أو السلبية، تتضمن مفهوم المقاومة أو المعارضة أو الجهاد ضد وضع ظالم أو أساس منحرف... فانها تکون واجبة بوجوب الجهاد نفسه.

و تکون في اقعها عملا اجتماعيا متکاملا... ولکن أن تکون مخططا مدروسا و طويل الأمد، يختلف باختلاف الظروف و الأهداف المتوخاة من وراة هذه العزلة.

و تندرج هذه السلبية، بالرغم من مفهومها السالب الخالي عن الحرکة، تحت أهم أعمال الجهاد. قال تعالي: (ذلک بأنهم لا يصيبهم ظمأ و لا نصب و لا مخمصة في سبيل الله، و لا يطون موطئا يغيظ الکفار، و لا ينالون من عدو نيلا الا کتب لهم به عمل صالح. ان الله لايضيع أجر المحسنين). [10] اذن فالمراد في صدق مفهوم الجهاد و العمل الصالح، هواغاضة الکفار و النيل من أعداء الحق،سواء کان ذلک بعمل ايجابي حرکي أو بعمل سلبي ساکن.

کما قد تندرج السلبية في مفهوم الأمر بالمعروف أو النهي عن المنکر... اذا کانت مما يترتب علها الاصلاح في داخل المتمع الاسلامي أو تقويم المعوج من أفراده، فتکون واجبة بوجوب هذا الأمر و النهي.

و لعل من أهم أمثله ذلک قوله تعالي: (و اللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن، و اهجروهن في المضاجع). [11] فان هذا الهجران نوع من السلبية لأجل نهي الزوجة العاصية الناشر عن ما هي عليه من العمل المنکر ضد زوجها.

و کم قد عملت السلبية في التاريخ أعمالا کبيرة و بعيدة الأثر، قد تعدل الأعمال الايجابية، بل قد تفوق بعضها بکثير.

الحالة الرابعة:

ما اذا خاف الفرد علي نفسه الانحراف، و احتمل اضطراره الي الانزلاق تحت اغراء مصلحي أو ضغط ظالم أو اتجاه عقائدي لا اسلامي.



[ صفحه 328]



فأنه يجب علي الفرد - في مثل ذلک - أن يجتنب السبب الموجب للانحراف، و يعتزل عنه، لکي يحرز حسن عقيدته و سلوکه. و تکون الحالة الي هذه العزلة ملحة، فيما اذا لم يجد الفرد في نفسه القوة الکافية لمکافحة التيار المنحرف أو التضحية في سبيل العقيدة.

الا أن هذه العزلد لا يجب أن تکون کلية و مطلقة، بل الواجب هو اعتزال التيار الذي يخاف المکلف منه علي نفسه أو دينه. و أما اعتزال المجتمع بالکلية، فهذا غير لازم بل غير جائز اسلاميا، اذا کانت هناک فرص للعمل الاسلامي الواجب، من جهات أخري.

جواز السلبية:

و أما موارد اتصاف السلبية بالجواز، فهو کل مورد کان العمل الاجتماعي الاسلامي جائزا أو کان ترکه جائزا أيضا. فيکون للمکلف أن يقوم به، أو أن يکون معتزلا له و سلبيا تجاهه.

الا أن الغالب هو عدم اتصاف العمل الاسلامي بالجواز، بل يکون - عند عدم اتصافه بالوجوب - راجحا أو مستحبا. فتکون العزلة المقابلة له مجروحة و مخالفة للأدب الاسلامي العادل.

و علي أي حال، فقد استطعنا أن نحمل فکرة کافية علي صعيد الفقه الاجتماعي، عن العمل و العزلة في نظر الاسلام، من حيث الوجوب و الحرمة و الجواز. و بذلک ينتهي الکلام في الجانب الأول.

الجانب الثاني:

من الحديث عن العزلة أو الجهاد، في ارتباط هذه الأحکام الاسلامية بالتخطيط الالهي العام للبشرية، و بقانون التمحيص الالهي.

عرفنا فيما سبق، ما للظلم و لظروف التعسف التي يعيشها الأفراد، من أثر کبير في تمحيصهم و بلورة عقيدتهم، و وضعها علي مفترق طريق الهداية و الضلال.

و ينبغي أن نعرف الان، أن الظلم لا يحدث ذلک مباشرة... کيف و ان مدلوله المباشر و مقصوده الاساسي؛ هو سحق الحق و أهله. و انما يوجب ذلک



[ صفحه 329]



باعتبار الصورة التي يجملها الفرد المسلم في ذهنه عنه ورد الفعل الذي يقوم به تجاهه نفسيا أو عمليا. و يکون ذلک علي عدة مستويات:

المستوي الأول:

أخذ العبرة من الظلم عقائديا و تطبيقيا. و النظر اليه کمثال سي ء يجب التجنب عنه و التحرز عن مجانسته.

فان الظلم بما فيه من فلسفات و واجهات، و بما له من أخلاقية خاصة و سلوک معين، سوف لن يخفي نفسه و لن يستطيع ستر معايبه و نقائصه. بل سوف تظهر متتالية نتيجة للتمحيص... أساليب الظلم و الاعيبه و ما يبتني عليه من خداع و نقاط ضعف.

و حسبنا من واقعنا المعاصر أن نري أن صانعي هذه المبادي ء، يحاولون تطويرها و تغييرها، و ادخال التحسينات و الترميمات عليها بين حين و آخر، حتي لا تنکشف نقائصها، و لا تقتضح علي رووس الاشهاد. اذن فاي مستوي معين من الفکر المنحرف لو بقي بدون ترميم لکانت التجربة و التمحيص، أو تطور الحضارة البشرية - علي حد قولهم - کفيلا في فضح نقائصه و اثبات فشله.

المستوي الثاني:

اتضاح فساد الأطروحات المتعددة التي تدعي لنفسها قابلية قيادة العالم و اصلاحه... اتضاحا حسيا مباشرا. و لازالت البشرية تتربي - تحت التخطيط الالهي و تندرج في هذا الادراک، و ان بوادره في هذا العصر لأوضح من أن تنکر... بعد أن أصبح الفردالاعتيادي يائسا من کل هذه المبادي ء من أن تعطيه الحل العادل الکالم لمشاکل البشرية.

و قد أشير الي ذلک في الأخبار بکل وضوح. روي النعماني [12] بسنده عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: ما يکون هذا الامر «يعني دولة المهدي (ع)» حتي لا يبقي صنف من الناس الا و قد ولوا من الناس «يعني باشروا الحکم فيهم» حتي لا يقول قائل: انا لو ولينا لعدلنا. ثم يقوم القائم بالحق و العدل.



[ صفحه 330]



و في رواية أخري: [13] ان دولتنا آخر الدول. و لم يبق أهل بيت لهم دولة الا ملکوا قبلنا، لئلا يقولوا اذا راوا سيرتنا، لو ملکنا سرنا مثل سيرة هولاء. و هو قول الله عزوجل: (و العاقبة للمتقين).

المستوي الرابع:

ما يترتب علي هذا الياس من ادراک وجداني متزايد، للحاجة الملحة العالمية الکبري للحل الجديد و العدل الذي يکفل راحد البشرية و حل مشاکلها.

و هذا شعور موجود بالفعل، بين الغالبية الکبر من البشر علي وجه الأرض، بمختلف أديانهم و لغاتهم و تباعد أقطارهم. فانظر الي التخطيط الالهي الرصين الذي ينتج الانتظار للحل الجديد، من حيث يعلم الأفراد أو لا يعلمون.

المستوي الخامس:

ادراک مميزات العدل الاسلامي والعمل الاسلامي و القيادة الاسلامية، عند مقارنة تئ نقائه و خلوصه و شموله بالمبادي ء المنحرفة و الاتجاهات المادية. فيتعين ؤن يکون هو الحل العالمي المرتقب.

و يزداد هذا الادراک وضوحا. کلما تعلق الفرد بالمقارنة و التدقيق و النقد العلمي. فيتبرهن لديه بوضوح أن الأطروحة العادلة الکاملة الضامنة لامتلاء الأرض قسطا و عدلا، هي الاسلام وحده. و للتوسع في هذه البرهنة مجالات أخري غير هذا الحديث.

المستوي السادس:

الدربة و التربية علي الاقدام علي التضحية في سبيل الحق... ذلک الذي ينتجه العمل الاسلامي، کما سبق أن أشرنا، عن طريق التمحيص الاختياري والاضطراري للأفراد، و انتقال التمحيص عن طريق قانون تلازم الأجيال.

اذا عرفنا ذلک، فيحسن بنا أن نري أن أحکام العزلة و الجهاد و الأمر بالمعروف



[ صفحه 331]



التي عرفناها، ماذا توثر في هذا التخطيط، علي تقدير اطاعتها، و علي فرض عصيانها. و هذا ما نعرض له فيما يلي:

أما الفرد المسلم الذي له من الاخلاص و الايمان ما يدفعه الي اطاعة أحکام الاسلام و تطبيقها في واقعه العملي، فيندفع حين يريد منه الاسلام الاندفاع الي العمل و يعتزل حين يريد منه الاسلام السلبية و الاعتزال.

... فهذا هو الفرد الذي سيفوز، بالقدح الأعلي و الکأس الأوفي من النجاح في التمحيص الالهي، و يشارک في ايجاد شرط الظهور في نفسه و غيره.

فان هو اتصل بالمجتمع، فأمر بالمعروف و نهي عن المنکر، و حاول الاصلاح في أمة الاسلام.. فانه سيشعر عن کثب بفداحة الظلم الذي تعيشه هذه الأمة خاصة و البشرية عامة. و سينقل هذا الشعور الي غيره، و يطلع الاخرين بأن أفضل حل لذلک هو تطبيق الأطروحة العادلة الکاملة المتمثلة بالاسلام.

و ان هو جاهد، عند وجوب الجهاد أو مشروعيته... فهذه الوظيفة الاسلامية الکبري، تحتوي - کما عرفنا - علي جانبين رئيسيين: جانب تثقيفي و جانب عسکري.

فاذا عرفنا أن الجانب التثقيفي، ليس هو مجرد طلب التلفظ بالشهادتين، من غير المسلمين. بل هو متضمن - علي ما ينص عليه الفقهاء - عرض محاسن الاسلام، بمعني اظهار جوانب العدل فيه و اثبات أفضليته من الظلم الأخري سياسيا و عسکريا و اقتصاديا و عقائديا و اجتماعيا و أخلاقيا... و نحو ذلک... اذا عرفنا ذلک، استطعنا أن نفهم کيف أن الفرد المخلص لدي الجهاد التثقيفي و ان المفکرالاسلامي لدي البحث عن بعض جوانب الاسلام... يندفع في تطبيق التخطيط الالهي من حيث يعلم أو لا يعلم.

فان المفکرين الاسلاميين، يسيرون بانفسهم نحو الکمال... أولا. و يثقفون غيرهم من أبناء أمتهم الاسلامية... ثانيا. و يطلعون غير المسلمين علي الواقع العادل للاسلام... ثالثا. و ينفون الشبهات الملصقة بالاسلام... رابعا و کل ذلک مشارکة فعالة فعلية في التخطيط الالهي و في ايجاد شرط الظهور. فان لهذا الجو الثقافي الاسلامي الأثر الکبير في فهم المسلمين لأطروحتهم العادلة



[ صفحه 332]



الکاملة، و استعدادهم للدفاع عنها، و نجاحهم في الصمود تجاه التيارات المنحرفة و حصولهم علي الاخلاص الممحص في نهاية المطاف.

و أما العمل العسکري، فقد ذکرنا أن ما يمت الي جهاد الدعوة بصلة لا يشرع وجوده في أيام التمحيص و فقدان الامام. کيف و هو لا يقوم به الا الأفراد الممحصون، کما عرفنا. اذن فهذا الجهاد لا يکون الا نتيجة للتمحيص، فلا يمکن أن يکون مقدمة له و سببا لوجوده.

و أما العمل العسکري الدفاعي، فهو بوجوبه علي غير الممحصين الواعين، يعطيهم درسا قاسيا في تحمل الضرر من أجل الاسلام، و التضحية في سبيل الله... و يربيهم عن طريق هذه التجربة تربية صالحة. من حيث أن فکرة وجوب حفظ بيضة الاسلام و أصل کيانه، واضحة في أذهانهم.

کما أنه يکون محکا لامتحان الاخرين الذين يتخاذلون عن الدفاع عن الاسلام و يعطون الدنية من أنفسهم للمستعمر الدخيل، أو يحاربون تحت شعارات لا اسلامية... فيفشلون في التمحيص الالهي فشا موسفا ذريعا.

فان أفاد الدفاع و انحسر المد الکافر، فقد انتضرت التضحية في سبيل الله تعالي، و تکلل العمل الاسلامي الکبير بالنجاح. و ان خسرت الأمة ذلک و سقطت بين المستعمر الدخيل، بدأت سلسلة جديدة من حوادث التمحيص و الاختبار الالهي، التي تتمثل بما يقوم به المستعمر من ظلم و تعسف و ما يدسه من تيار فکري و نظام اقتصادي غريب عن الاسلام. و ما يکون لأفراد الأمة من ردود فعل تجاه هذاالظلم الجديد. فقد ينجح في التمحيص أقوام و قد يفشل آخرون. طبقا للقانون العام...

و علي أي حال، فالعمل الاجتماعي الاسلامي بقسميه الريئسيين: الجهاد و الأمر بالمعروف، مشارکة فعالة في التخطيط و التمحيص الالهيين. و هما المحک فيفشل اعداد کثيرة من المسلمين يتخلفون عن هذا الواجب المقدس و تتقاعس عنه، فيفشل في الامتحان و تخرج عن غربال التمحيص... فتبوء بالذل و الخسران.

و أما العزلة، فان کانت تتضمن ترکا للعمل الاجتماعي الواجب في الاسلام، فهي العصيان و الانحراف بعينه. و بها يثبت فشل الفرد في الامتحان الالهي.



[ صفحه 333]



و أما اذا کانت العزلة، منسجمة مع التعاليم الاسلاميد، واجبة او جائزة... فتکون داخلة ضمن التخطيط الالهي لا محالة، باعتبار أن ادخالها في التشريع يراد به جعلها مشارکد في تنفيذ هذا التخطيط الکبير. و تکون مشارکة الفرد فيها منتجة لعدد نتائج مقترنة مترابطة.

النتيجة الأولي:

انسجام عمل الفرد مع متطلبات التخطيط الالهي و مصالحه. فان العزلة انما شرعت لمصالح تعود الي هذا التخطيط، فيکون امتثال المکلف لوجوبها مشارکة حقيقيد، فيما يراد انتاجه من المصالح في ايجاد شرط الظهور.

بخلاف ما لو لم يعتزل، کما لو جاهد بغير اذن الامام أو أمر بالمعروف مع احتمال الهلاک، فانه يکون من القاشلين في التمحيص، فيسقط رقمه من المخلصين المحصين... من حيث أراد العمل الاسلامي.

النتيجة الثانية:

النجاح في التمحيص، فان المعتزل للعمل حين يراد منه الاعتزال، يکون قائما بوظيفته العادلة الکاملة، و يکون ذلک سببا لنجاحه في التمحيص، من حيث کونه صابرا علي البلاء محتسبا عظيم العناء.

لکننا يجب أن نلاحظ في هذا الصدد نقطتين مقترنتين:

الملاحظة الأولي:

ان العزلة، و ان کانت مطابقة للتعاليم و التخطيطات الالهية عند مطلوبيتها، الا أن أثرها في ايجاد الاخلاص العالي والوعي العميق في نفس الفرد، لاينبغي أن يکون مبالغا فيه. فان العزلة، علي أي حال، تعني السلبية و الانسحاب، و السلبية - في الأعم الأغلب - تعني الراحة و الاستقرار. و من الواضح جدا أن الفرد لا يتکامل اخلاصه ووعيه الاسلامي، الا بالعمل و التضحية و مواجهة الصعوبات، لا بالراحة و الاستقرار. أو علي الاقل، سيکون تکامل الفرد في حال السبلية أبطا منه في حال العمل... في الأعم الأغلب.

و من هنا نري الاسلام يمزج في تشريعه بين العزلة حينا و العمل أحيانا. لکي تکون اطاعة المکلف علي طول الخط سببا لتمحيصه... عاملا أو معتزلا. فان



[ صفحه 334]



العزلة مع استشعار کونها طاعة لله و مع استعداد الفرد في أي وقت للتضحية والفداء... تشارک مشارکة فعالة في نجاح الفرد في التمحيص.

الملاحظة الثانية:

ان العزلة عند مطلوبيتها، تکون منتجة للتمحيص بالنسبة الي الفرد المنعزل خاصة دون غيره. بخلاف العمل، حين يکون مطلوبا، فانه ينتج تمحيص الفرد القائم بالعمل و غيره.

و من هذا الفرق الي الفرق بين المفهومين، في أنفسهما، فان العمل حيث يعني الاتصال بالغير بنحو أو بآخر، فأنه يجعل کلا الطرفين تحت التمحيص، ليري من يحسن السلوک فينجح و من يسيئوه فيفشل.

و أما العزلة، فحيث أنها لا تتضمن طرفا آخر، بل تقتضي الابتعاد عن الغير، في حدودها، فلا تکون منتج للتمحيص الا للفرد المعتزل نفسه.

النتيجة الثالثة:

حفظ النفس عن القتل من دون مبرر مشروع. کالذي يحدث فيما لو جاهد في مورد النهي الشرعي عن الجهاد، أو أمر بالمعروف في مورد الضرر البليغ... أو تابع المنحرفين فأدي به انحرافه الي القتل... أو غير ذلک.

و من المعلوم ما في حفظ النفس من الأهمية، لا باعتبار أصل تشريعه، و ان کان مهما جدا، بل باعتبار دخله في التخطيط الالهي لليوم الموعود. فان قوانين التمحيص انما تکون مطبقة في العالم عند وجود الأفراد و قيامهم بالسلوک المعين الذي يربيهم و يحملهم علي التکامل. و أما اذا أهلک الفرد أو عدد من الأفراد أنفسهم في غير الطريق الصحيح، فمضافا الي أنهم سيبوون بالفشل في التمحيص، فانهم يتسببون الي قلة الأفراد الممحصلين، و من ثم الناجحين في التمحيص منهم.

اذن فلا بد من الحفاظ علي النفس،لکي تتعرض للتمحيص، فلعلها تکون من الناجحين، و تشارک في ايجاد شرط الظهور.

و هذا هو المفهوم الواعي و الغرض الأعمق للتقية الواجبة، المنصوص عليها في



[ صفحه 335]



القرآن و في أخبار أهل البيت عليهم السلام. و سنعرف عنها بعض التفصيل في النقطة الثالثة الاتيه.

و بهذا استطعنا أن نلم بمفهوم العزلة و نتائجه. و عرفنا أن المراد منها ليس هو الانصراف التام عن المجتمع و الاعتکاف في الزوايا... کيف و ان العمل الاجتماعي قد يکون واجبا في الاسلام، فتکون هذه العزلة من المحرمات.

بل المراد منها اعتزال العمل الاجتماعي غير الواجب أو العمل المحرم. و العزلة في موارد مطلوبيتها تشارک في المنهج العام للتخطيط الالهي لايجاد شرط الظهور. کما سبق أن فصلنا.

و علي أي حال، فالاندفاع في أي من المسلکين: العمل و العزلة، الي نهاية الشوط غير صحيح، و انما الصحيح هو قصر السلوک علي مقتضيات العدل و متطلبات الاسلام فان کان العمل واجبا کان علي الفرد أن يعمل و ان کانت العزلة واجبة کان علي الفرد أن يعتزل، ليکون بهذا السلوک ناجحا في التمحيص محققا في نفسه شرط الظهور.

و بهذا انتهي الکلام في النقطة الثانية، فيما تقتضيه القواعد العامة من الالتزام بالجهاد أو بالعزلة.


پاورقي

[1] وسائل الشيعة ج 2 ص 533.

[2] المصدر ص 534.

[3] التوبة: 9: 112 - 111.

[4] انظر هذا الحديث و ما بعده في الوسائل ج 2 ص 469.

[5] الأنفال: 66:8.

[6] فصلنا القول في ذلک في تاريخ الغيبة الصغري ص 94 و ما بعدها.

[7] انظر الوسائل ج 2 ص 532 و انظر نحوه في الترمذي ج 3 ص 317، مرويا عن النبي (ص).

[8] يعني يباشرون الحکم فيکم.

[9] الأنفال: 16 /8.

[10] التوبة: 120:9.

[11] النساء: 34:4.

[12] الغيبة ص 146.

[13] أعلام الوري ص 432.