بازگشت

في الاخبار الدالة علي صلاح الزمان و تحسن الوضع العام فيه...


في الأخبار الدالة علي صلاح الزمان و تحسن الوضع العام فيه... بشکل يشمل باطلاقه تحسن المجتمع خلال عصر الغيبة الکبري.

و قدذکرنا بعد (منهج التمحيص الدلالي) أقسام الأخبار الدالة علي صلاح الزمان و حسنه،و قلنا أنه لابد من حمل مطلقاتها علي مقيداتها، علي النحو الذي سبق.

و أود في هذا الصدد،أن أورد عدة من هذه النصوص و أذکر الوجه الحق في تمحيصها.

و لم نجد من الرواة الاماميين من روي مثل ذلک، بل أن أخبارهم مطبقة علي تدهور الزمان و فساده خلال عصر الغيبة الکبري. و انما هي أخبار قليلة وردت في مصادر العامة.



[ صفحه 282]



فمنها: ما أخرجه البخاري [1] عن رسول الله (ص) أنه قال: تصدقوا! فسيأتي علي الناس زمان يمشي الرجل بصدقته، فلا يجد من يقبلها.

و في حديث آخر [2] يعد به عددا من أظراط الساعة، و يقول فيه:

و حتي يکثر فيکم المال، فيفيض، حتي يهم رب المال من يقبل صدقته، و حتي يعرفه فيقول الي يعرفه عليه: لا أرب لي به.

و أخرج مسلم [3] عن رسول الله (ص): تصدقوا، فيوشک الرجل يمشي بصدقته، فيقول الذي أعطيها: لو جئتنا بالأمس قبلتها، فاما الان فلا حاجة لي بها. من يقبلها.

و أخرج أيضا: [4] لا تقوم الساعة حتي يکثر فيکم المال، فيفيض، حتي يهم رب المال من يقبل صدقته. و يدعي اليه الرجل، فيقول: لا أرب لي فيه.

الا أن مثل هذه الأخبار لها محامل ممکنة، و عليها اعتراضات. فان صحت المحامل فهو المطلوب، و الا وردت عليها الاعتراضات.

اما المحامل، فهي عدة تقييدات يمکن أن نوردها عليها:

التقييد الأول:

أن نخص هذه الأخبار، بما بعد ظهور المهدي (ع)،فيکون مدلولها طبيعيا و صحيحا، و موافقا مع الأخبار الکثيرة المتواترة الدالة علي تزايد الخير و الرفاه في زمن ظهور المهدي (ع)، علي ما سنسمع في التاريخ القادم. [5] .

و ربما يصلح قرينة علي هذا التقييد، قوله: لو جئتنا بالأمس قبلتها، يعني قبل الظهور، و اما الان - يعني بعد الظهور - فلا حاجة لي بها.

و معه، لابد من رفع اليد عن ظهور قوله: يوشک الرجل... في قرب



[ صفحه 283]



حدوث ذلک، بجعل الأخبار الثلاثة الأخري قرينة عليه.

و هذا التقييد و ان کان حملا،يمکن أن يصح في سائر هذه الأخبار، الا ءن واحدا منها يأباه - بظاهره -، و هو الحديث الثاني الذي نقلناه عن البخاري، فانه افترن فيه الأخبار بکثرة المال بالأخبار عن حدوث حوادث عديدة سيئة کالفتن و الهرج، و غيرهما علي ما سنسمع. مما عرفنا اختصاص حدوثه في عصر الغيبد الکبري دون عصرالظهور. الا أن هذا الايراد، يمکن أن يتوجه کأشکال علي هذا الخبر نفسه، لا علي هذا التقييد الأول.

التقييد الثاني:

أن نخص هذه الأخبار، في صورة الاستقطاب الرأسمالي عند الدجال أو عند آخرين. فيکون المراد کثرة المال عند رجل واحد، أو عند عدد قليل من الناس.

الا أن هذا مما لا يمکن انطباقه علي شي ء من هذه الأخبار، لأنها جميعا دلت علي أنه ليس هناک من يقبل الصدقة، و هو يدل علي کثرة المال عند الجميع، لا عند البعض فحسب.

التقييد الثالث:

أن نقول: ان أقصي ما تدل عليه هذه الأخبار، هو أن الناس لا يقبلون الصدقة. و ما أن منشأ ذلک هو کثرة المال فلا دليل عليه. فقد تکون له مناشي ء آخري کالتعفف أو التنفر من الصدقة الاسلامية بسبب الانحراف، أو غير ذلک من الأسباب.

الا أن هذا التقييد، و ان أمکن انطباقه علي الرواية الأولي، ولکن من المتعذر انطباقه علي الباقي. للتصريح فيها بأنه: لا حاجة لي فيه أو لا أرب لي فيه... و هو ظاهر بوضوح بأن رفض الصدقة ناشي ء من الغني و کثرة المال. و خاصة مثل قوله: لو جئتنا بالأمس قبلتها، أما الان فلا حاجة لي بها.. باعتبار أنه کان بالأمس فقيرا و أما اليوم، فهو غني.

و حيث نفترض بطلان کل هذه المحامل، يتعين کون المراد کثرة المال عند جميع أفراد المجتمع المسلم خلال عصور الغيبة الکبري. و معه ترد الاعتراضات التالية:



[ صفحه 284]



الاعتراض الأول:

ان هذه الأخبار معارضة بما دل علي تفاقم الخطب و زيادة الشر کلما تقدم الزمان.

فمن ذلک: ما أخرجه البخاري [6] عن رسول الله (ص) أنه قال: أصبروا! فأنه لايأتي عليکم زمان الا الذي بعده شر منه. حتي تلقوا ربکم. و المراد بلقاء الله تعالي موت الأفراد، لا حصول القيامة، لکي لا يشمل عصر ما بعد الظهور. و لو شمله الاطلاق، کان مقيدا بالأدلة القطعية الدالة علي حصول الرفاه الحقيقي العادل يومئذ.

و علي أي حال، فتفاقم الخطب، المستمر خلال عصر الغيبة الکبري، ينافي حصول الرفاه فيه.

الاعتراض الثاني:

ان هذه الأخبار - بشکل عام - منافية مع طبيعة الأشياء، و فلسفة تسلسل الأمور من أسبابها.

فأنه بعد الوضوح و کثرة الأخبار الدالة علي وجود الانحراف و الفتن و الأمراء الکفرد و الوزراء الفسقة، و غير ذلک من الظواهر و الحوادث التي سمعناها... کيف يمکن ؤن يکثرالمال و يعم الفاه و يتعدد الأغنياء، الي حد يصبح کل أفراد المجتمع المسلم من الموسرين. فان هذا مما لايمکن أن يتمخض عنه الانحراف، و مالم تصل اليه أي من النظم و القوانين الوضعية، و لا يمکن وصولها اليه في المستقبل... ما لم ينزل القانون الاسلامي العادل الکامل الي حيز التنفيذ.

و من الطريف الذي لم نفهم له وجها: ان رواية واحدة للبخاري تقرن بين عدد من الحوادث السيئة المنحرفة و بين کثرة المال، حيث نراه يقول فيما يقول: و حتي يقبض العلم و تکثر الزلازل و يتقارب الزمان و تظهر الفتن، و يکثر الهرج و هو القتل. و حتي يکثرالمال... الي أن يقول: و حتي يتطاول الناس في البنيان.



[ صفحه 285]



و حتي يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مکانه.. الحديث. [7] .

و احتمال: أن ذلک باعتبار اختلاف الأرمنه، لاباعتبار زمان واحد، مناف لظاهر الخبر باقترن الحوادث، و مناف مع ظاهر الاخبار الأخري الدالة علي بقاء الانحراف طيلة زمان الغيبة الکبري.

الاعتراض الثالث:

ان هذه الأخبار منافية و معارضة مع ما دل علي شيوع الفاقة و ازدياد الفقر، کما سمعنا في حديث ابن عباس... و هو الأنسب مع طبيعة تطور الحوادث،و الأوفق مع سائر الروايات.

و علي أي حال، فمع أخذ هذه الاعتراضات بنظر الاعتبار، تسقط هذه الروايات عن امکان الأخذ بها، و خاصة بعدما التزمناه من التشدد السندي، حيث دلت القرائن علي نفيها و عدم حدوث ما دلت عليه. و معه لايبقي دليل علي تحسن الوضع خلال عصر الغيبة الکبري. بل نبقي آخذين بالأقسام السابقة من الأخبار الدالة علي حدوث الانحراف و تزايده خلال هذا العصر. و هو الموافق للوجدان و طبائع الأشياء.

نعم، حمل هذا القسم من الأخبار، علي أنها تتحدث عن عصر ما بعد الظهور... أمر ممکن. و به تخرج عن محل الاستدلال.

و بهذا ينتهي الکلام في الناحية الثانية من هذا الفصل الثاني من القسم الثاني من هذا التاريخ. و به ينتهي هذا الفصل کله.



[ صفحه 287]




پاورقي

[1] انظر الصحيح - ج 9، ص 74 - 73.

[2] المصدر، ص 74.

[3] انظر الصحيح، ج 3، ص 84.

[4] المصدر و الصفحة.

[5] و هو الکتاب الثالث من هذه الموسوعة.

[6] انظر الصحيح، ج 9، ص 62 - 61.

[7] انظر الصحيح، ج 9، ص 74.