بازگشت

في الأخبار الدالة علي حدوث وقائع أو ظواهر معينة ناتجة عن الض


القسم الأول:

في الأخبار الدالة علي تحقيق الجهل و تفشيه في المجتمع الاسلامي.

فمن ذلک ما أخرجه البخاري [1] من الحديث النبوي القائل: أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم و يثبت الجهل... الحديث. و اخرج في حديث آخر: [2] أن يقل العلم و يظهر الجهل. و أخرج في موضع آخر: [3] ان بين يدي الساعة أياما يرفع فيها العلم و ينزل فيها الجهل.

و في موضع رابع أخرج البخاري [4] من قوله (ص): يقبض العلم و يظهر الجهل و الفتن و يکثر الهرج... الحديث.

و أخرج مسلم عدة متون بهذا المضمون، في باب خاص بذلک [5] لاحاجة الي الاطالة بذکرها. و أخرجها غيرهما،کابن ماجه و الترمذي و أحمد.

و المراد برفع العلم ارتفاعه من المجتمع و قلة العلماء و المتعلمين. و المراد به العلم بالأحکام الشرعية و العلوم الاسلامية. کما أن المراد بنزول الجهل و ظهوره



[ صفحه 250]



تفشيه في المجتمع المسلم من الناحية الفکرية الاسلامية، أيضا بطبيعة الحال.

و في التعبير برفع العلم و قبضه، ايضاح انه مستند الي الله تبارک و تعالي،مع تنزيه الله تعالي عن اسناد و تحقيق الجهل اليه عزوعلا. تماما کما قال ابراهيم خليل الرحمن عليه السلام: و اذا مرضت فهو يشفيني [6] . و لم يقل: و هو الذي يمرضني و يشفيني، کما قال: و هو الذي يطعمني و يسقيني. [7] .

وعلي أي حال، فاستناده الي الله تعالي، يکون - مرة - بتوسيط عباده، في ضغط المنحرفين علي المومنين بالسکوت و عدم تبليغ الأحکام و المفاهيم الاسلامية الي الأمة. و يکون - تارة أخري - بفعل الله تعالي مباشرة بان يموت العلماء تدريجا و يقل المتعلمون، فتصبح الاجيال القادمة خالية من العلماء فارغة فکريا من الثقافة الاسلامية.

و من هنا أخرج البخاري [8] عن النبي (ص) أنه قال: ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولکن يقبض العلم بقبض العلماء. حتي اذا لم يبق عالما اتخذ الناس رووسا جهالا، فسئلوا فافتوا بغير علم،فضلوا و أضلوا.

و من هنا يکون هذا الأمر مما يحکم الوجدان بحدوثه، و موافقا للقاعدة و مندرجا في التخطيط الالهي، و موحدا في المضمون مع ما سنذکره من بيان وجود علماء السوء في الأخبار. و يکون ترک تعلم المتعلمين ناتجا عن التيار العام للفساد و البعد عن التعاليم الاسلامية. و هو بدوره يسبب بعدا أکثر... وهکذا.

القسم الثاني:

ما دل من الأخبار علي تشتت الأراء و اختلاف النوازع و الأهواء، و کثرة الدعوات المبطلة.

أخرج ابن ماجه في سننه: أنها ستکون فتنة و فرقة و اختلاف. [9] .



[ صفحه 251]



و أخرج أيضا: يکون دعاة علي أبواب جهنم، من أجابهم اليها قدفوه فيها [10] و نحوه أخرج مسلم في صحيحه. [11] .

و أخرج ابن ماجة أيضا، قوله (ص): و مما اتخوف علي امتي أئمة مضلين [12] و قوله (ص): تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون أو نحو ذلک. الحديث. [13] .

و روي النعماني [14] عن أبي عبدالله الصادق (ع) في حديث: و ليرفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدري أي من أي. و روي نحوه الصدوق في اکمال الدين. [15] .

و روي النعماني [16] أيضا عن الامام الباقر عليه السلام في حديث يصف به فساد المجتمع و يقول: و اختلاف شديد بين الناس و تشتت في دينهم و تغير من حالهم.

و روي الشيخ الطوسي في الغيبة [17] عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (ص): أبشرکم بالمهدي يبعث في أمتي علي اختلاف من الناس و زلازل، يملأ الأرض عدلا و قسطا... الحديث. و نقله ابن حجر في الصواعق [18] بلفظ مقارب عن أحمد و الماوردي.

و هذاالمضمون، مطابق للقاعدة العامة، کالقسم السابق، فأنه يعطي صورة أخري للظلم و الفساد. فان اختلاف الاراء و تشتتها من أوضح صور الظلم و مستلزماته.و قد کان هذا و ما زال موجودا بين الناس سواء علي المستوي المذهبي



[ صفحه 252]



الاسلامي أو علي المستوي السياسي أو الاقتصادي أو غيره من حقوله الحياة. فان المجتمع المنحرف منقسم علي نفسه دائما و متناحر في داخله علي طول خط انحرافه.

و أما دعاة السوء و الائمة المضلين، فما أکثرهم في التاريخ! فقد کانوا يتمثلون في عصر الخلافة بالعلماء المدعين للاسلام الضالعين مع الجهاز الحاکم، و لا زال أمثالهم موجودين الي العصر الحاضر. کما کانوا يتمثلون بالقرامطة و نحوهم ممن يدعو الي الاسلام و هم منه براء. و يتمثلون في عصرنا الحاضر، بعدد غير قليل من الأفکار و العقائد المنحرفة في العلنة في المجتمع المسلم، کالبهائية و القاديانية و أکثر مسالک التصوف... و غيرها.

و من هنا يکون ما قيل في الرواية صحيحا جدا من أن کل من تابعهم و أجاب دعواتهم، قذفوه في جهنم، بمعني أنهم سببوا الخروج عن الاسلام الحق، بحيث يستحق العقاب الالهي.

القسم الثالث:

الأخبار التي دلت علي اختلاف الناس بشأن المهدي عليه السلام، خلال غيبته الکبري. نتيجة لطول الغيبة و استبعاد الناس وجوده خلال الزمان الطويل، ما يقترن بذلک من الدعاوي و التزويرات.

و الروايات في ذلک عن ائمة الهدي عليهم السلام کثيرة. و أما العامة فلم يرووا فيه شيئا، لأنه مخالف لرأيهم القائل بانکار وجود الغيبة الکبري للمهدي (ع).

من ذلک ما أخرجه الصدوق في الاکمال [19] عن الامام الباقر (ع) في حديث يشبه به المهدي (ع) بعدد من الأنبياء... الي أن قال: و أما شبهه من عيسي عليه السلام فاختلاف من اختلف فيه. حتي قالت طائفة منهم: ما ولد. و قالت طائفة: مات. و قالت طائفة: قتل و صلب... الحديث.

و روي أيضا [20] عن الامام زين العابدين علي بن الحسين (ع) في حديث قال



[ صفحه 253]



فيه: و أما من عيسي فاختلاف الناس فيه.

و روي النعماني [21] عن أبي جعفر الباقر (ع) ان للقائم غيبتين يقال له في احداهما: هلک، و لا يدري في اي واد سلک و روي عن الامام الصادق (ع) بلفظ: مات أو هلک في أي واد سلک. [22] .

و في الاکمال أيضا [23] عن الامام الصادق (ع): أما و الله ليغبين امامکم شيئا من دهرکم، و لتمحصن [24] حتي يقال: مات أو هلک أو بأي واد سلک. و لقد معن عليه عيون المومنين.

و أخرج ثقة الاسلام الکليني في الکافي عددا من الأخبار الدالة علي نفس هذا المضمون في باب عقدة لذلک بعنوان: باب في الغيبة. [25] .

و هذا کله واضح الاندراج في التخطيط الالهي المقتضي للتمحيص و الامتحان. فان طول الزمن و زيادته علي عمر الانسان الطبيعي، قد يورث الشک في بقاء الفرد و استمراره علي أقل تقدير... لولا الدليل القطعي علي بقاء المهدي (ع) و علي التخطيط الالهي لحفظه لليوم الموعود. و من هنا کان المشکک في ثبوت ذلک أو المنساق وراء حسه المادي، مفکرا لبقا

المهدي (ع) و غيبته.

و علي اي حال، فاختلاف الناس فيه، متحقق خلال التاريخ، فعلا. و ان لم نستطع أن نعثر علي القائلين بجميع ما ذکرت الروايات من الاراء و وجهات النظر. فانها تعرضت الي اربعة أقوال:

القول الأئل:

أنه لم يولد. و المراد أن الامام الحسن العسکري (ع) مات و لم يعقب ولدا. و قد عرفنا في تاريخ الغيبة الصغري مناشي ء هذا القول، و کيف کان هو الاعتقاد



[ صفحه 254]



الرسمي للدولة بعد وفاة الامام العسکري (ع) مما سبب استيلاء جعفر الکذاب علي الترکة.

و أما القول بأن المهدي (ع) لم يولد، و انما يولد، و انما يولد في مستقبل الدهر ليملأ الأرض قسطا و عدلا کما ملئت ظلما و جورا... فهو القول الذي يذهب اليه اخواننا أهل السنة و الجماعة عموما، بعد أن تسالموا مع الامامية علي ظهور المهدي (ع) و قيامه بدولة الحق.

القول الثاني:

أنه ولد ولکنه مات. و القائل بذلک علي قسمين:

القسم الأول:

من يزعم أن محمد بن الحسن العسکري عليهماالسلام، مات.

و قد ذهب الي ذلک بعض المتأخرين کالشيخ محمد بن أحمد السفاريني الأثري الحنبلي في کتابه لوائح الأنوار البهية، حيث قال: و أما زعم الشيعة.ن اسمه «يعني المهدي» محمد بن الحسن و أنه محمد بن الحسن العسکري، فهذيان. فان محمد بن الحسن و أنه محمد بن الحسن العسکري، فهذيان. فان محمد بن الحسن هذا قد مات،و أخذ عمه جعفر ميراث أبيه الحسن. [26] .

و هذا زعم تتسالم کل المصادر التأريخية الأولي علي نفيه، من سائر مذاهب المسلمين.

أما مؤرخو الامامية کالشيخ النعماني و الشيخ الصدوق و الشيخ الطوسي و الشيخ المفيد، و کذلک من يدور في فلکهم، کالمسعودي و اليعقوبي، فأمرهم واضح، فانهم يثبتون ولادته و غيبته بالصراحة، شأنهم في ذلک شأن کل العلماء الاماميين... کيف لا و هو من ضروريات المذهب.

و أما مورخو العامة المتقدمون کالطبري و ابن الأثير و ابن خلکان و ابن الوردي و أبي الفداء، و المتأخرون کابن العماد و الزرکلي... و غيرهم. فانهم ينصون علي ولادته و يذکرون اختفاءه و ؤنه المهدي المنتظر صاحب السرداب بزعم الشيعة.



[ صفحه 255]



و ليس فيهم أي شخص يشير الي موته. و کيف يستطيعون الأخذ بهذا الراي، بعد الذي عرفناه مفصلا في تاريخ الغيبة الصغري، من اختفاء المهدي (ع) عن أکثر قواعده الشعبية فضلا عن غيرها. و من هنا تکون الاخبار عنه في مثل هذه التواريخ أخبارا منقطعة، بل مع الياس من حصول أي اطلاع علي شي ء... فکيف يستطيعون أن يدعوا موته تاريخيا، الا بنحو التزوير. و من هنا کفوا عن التصريح بذلک، کما هو واضح لمن يراجع تلک المصادر.

و أما المتأخرون، کالسفاريني المولود عام 1114 ه، [27] فهم عيال علي المتقدمين، و ليس لهم أن يأتوا بخبر جديد. و لا يؤخذ من قولهم ما عارض أقوال المتقدمين، کما هو واضح، بل تکون أقوال المتقدمين أولي بالترجيح. اذن فالسفاريني أو أي شخص آخر مثله، يتحمل مسؤولية کلامه وحده.

و أما استيلاء جعفر الکذاب علي ارث الامام العسکري (ع) فلم يکن عن استحقاق، بعد وجود الوارث الشرعي. و قد عرفنا تفاصيل ذلک في تاريخ الغيبة الصغري أيضا، فراجع.

القسم الثاني:

من القائلين بموت المهدي: من يدعي ظهور المهدي و انتهاء حرکته. و هم أتباع مدعي المهدوية في التاريخ، الذين قاموا بالسيف و ماتوا أو قتلوا، و لم يبق لأصحابهم مهدي منتظر، بعد ذلک.

الا أن مثل هولاء الناس ينقرضون بعد موت صاحبهم بمدة غير طويلة، اذ يعجزون عن تزريق اعتقادهم الي الأجيال، اللاحقة لهم، بعد اتضاح أکذوبة ادعاء المهدوية بدليل وجداني صريح، و هو أن هذا المدعي مات و لم يستطع أن يفتح العالم و لا أن يقيم حکم الله العادل علي البشر أجمعين. و نحن - و کل مسلم - لا نعني من المهدي الا الشخص الذي يفعل ذلک. و حيث أن هذا المدعي لم يصل الي هذه النتيجة طيلة حياته، اذن فهو ليس مهديا بالقطع و اليقين.



[ صفحه 256]



القول الثالث:

مما دلت عليه الروايات: هو القول بأنه قتل أو صلب. و لم نجد من يقول بذلک، غير ما يمکن أن يدعيه أصحاب مدعي المهدوية،فيما اذا قتل صاحبهم أو صلب، فيقولون: صلب المهدي أو أنه قتل. يعنون بذلک صاحبهم.

القول الرابع:

التشکيک أنه باي واد سلک.

فان کان المراد به الاختفاء و جهالد مکان المهدي (ع) حال غيبته، فهو أمر واضح في ذهن کل قائل بالغيبة. الا أن هذاالمعين خلاف ظاهر الروايات السابقة التي تقول: مات أو هلک و بأي واد سلک. بحيث يکون المراد موته في بعض الوديان و البراري.

و لم نطلع علي من يقول بهذا القول أو يحتمله. علي أنه قول في غاية الغرابة، فان من يعتقد بغيبة المهدي (ع) انما يعتقد بها ناشئة بارادة الله تعالي و حاصلة بقدرته و تخطيطه. فکما ان الله حفظه خلال المدة السابقة، أيا کان مقدارها، فهو کفيل بأن يحفظه خلال المدة الأتية، أيا کان مقدارها. و بصونه من کل العاهات و الافات و البليات، تمهيدا لقيامه في اليوم الموعود لتنفير الغرض الالهي الکبير.

و لعل هذين القولين الاخبرين، مما سوف يظهر في مستقبل السنوات، و خاصة لو تطاولت الغيبة مئات أخري أو آلاف أخري من السنين.

القسم الرابع:

ما دل علي انحراف الحکام وفسقهم و خروج تصرفاتهم و حکمهم عن تعاليم الاسلام، في البلاد الاسلامية.

و اوضح ما ورد في ذلک و أکثرها صراحة، ما أخرجه مسلم في صحيحه [28] باسناده الي النبي (ص) انه قال: يکون بعدي ائمة لا يهتدون بهداي و لا يستنون بسنتي و سيقوم فيها رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنس.



[ صفحه 257]



و أخرج أيضا [29] أنها ستکون بعدي أثرة و أمور تنکرونها... الحديث.

و روي الصدوق في الأکمال [30] حديثا عن رسول الله (ص) عن الله عزوجل في جواب عن السوال وقت ظهور المهدي (ع) قال: فاوحي الله عزوجل الي يکون ذلک اذا رفع العلم و ظهر الجهل... الي أن قال: و صار الأمراء کفرة و أولياؤهم فجرة و أعوانهم ظلمة و ذوي الرأي منهم فسقة.

و في حديث آخر عن أميرالمومنين (ع) [31] في حديث کالذي سبقه يقول فيه: و اتبعوا الأهواء و استخفوا الدماء و کان الحلم ضعفا و الظلم فخرا، و کان الأمراء فجرة و الوزراء ظلمة... الحديث.

و في حديث آخر [32] عن أبي عبدالله (ع): و رأيت الولاة يقربون أهل الکفر و يباعدون أهل الخير، و رأيت الولاة يرتشون في الحکم، و رأيت الولاية قيالة لما زاد.

و هذا هو الموافق للوجدان، و للقواعد العامة، و لمقتضي التمحيص الالهي.

أما موافقته للقواعد العامة و المتحيص الالهي، فباعتبار أمرين مقترنين:

الأمر الأول:

أن الحکام يکونون - في العادة - من أبناء المجتمع المنحرف، و من نتائج تربيته. اذ يکونون منذ نعومة أظفارهم معتادين علي الابتعاد عن الدين و عصيان أحکامه، کأي فرد ناشي ء علي هذه التربية. و من ثم نجدهم يصدرون تلقائيا و باقتناع عما اعتادوه و ألفوه، و ان غيروا في أسلوب الانحراف و طوروه.

و من ثم يکون من الصعب أن نتصور الفرد المنحرف ابن المجتمع المنحرف، حاکما بالحق و العدل، و مطبقا لأحکام الاسلام. بل يکون فسق الحکام و الوزراء



[ صفحه 258]



نتيجة طبيعية لانحراف المجتمع و فساده.

الأمر الثاني:

ان انحراف الحکام، يشارک - لامحالة - في زيادة الظلم و التعسف في الناس و مطاردة الحق و أهله، فيکون ذلک محکا أخر لتمحيص أشد و امتحان أصعب... کما هو مقتضي التخطيط الالهي.

و أما موافقته للوجدان، فللوضوح التاريخي القطعي، بان الحکم في البلاد الاسلامية، ساد بعد الخلافة الأولي ضمن مراحل ثلاث:

المرحلة الأولي:

الحکم الاسلامي المنحرف، المتمثل ب (الملک العضوض) الذي أخبر به الرسول (ص) و سار عليه الخلفاء الأمويون و العباسيون و العثمانيون. [33] .

فانهم بالرغم من توليهم زمام الحکم بسبب ديني، و يکون المفروض فيهم تطبيق حکم الاسلام، الا أن ما مارسوه من الحکم کان مبنيا علي المصلحة الذاتية و الطمع بکراسي الحکم و تناسي المبدأ الاسلامي المقدس، و قد استعرضنا صورة من ذلک، في تاريخ الغيبة الصغري. و راينا انه لم يختلف في ذلک شخص الخليفة و الوزراء و القضاة و القواد، و سائر الضالعين برکابهم.

المرحلة الثانية:

الحکم الکافر مبدئيا، و ان کان الحاکم مسلما بحسب الظاهر. [34] و هو الحکم الذي تعقب فترة الخلافة، و لا زلنا نعيشه الي حد الان في أکثر بلاد الاسلام. و قد أسس علي الأسس المجلوبد من مبادي الحضارد الأوروبيد المادية، سواء منها الجانب الرأسمالي أو الجانب الاشتراکي، أو غيرهما. و بذلک نبذت أحکام الاسلام تماما، و قام الحکم علي أسس القوانين الوضعية البشرية.



[ صفحه 259]



المرحلة الثالثة:

أن يکون الحکم کافرا في المبدأ و القانون و الحاکم. [35] .

و هو ما تحقق في فترات متقطعة في تاريخ المجتمع الاسلامي، نتيجة لحملات الکفر عليه من التتار و المغول و الصليبيين و الاستعمار الأوروبي المباشر الحديث.

و قد تحققت في المرحلد الأولي فضلا عن المراحل المتأخرة، جميع تلک التنبوات التي يجمعها و يمثلها الانحراف عن الاسلام بقليل أو کثير. فکانت قلوبهم قلوب الشياطين تميل عواطفهم نحو الشر، قد اتبعوا الأهواء أي المصالح الضيقة و استخفوا بالدماء أي استهانوا بالقتل، فکان قتل الفرد بل المئات شيئا هينا بل مفخرة کبري لفاعله. و أصبح الحلم و (العفو عند المقدرة) ضعفا، و الظلم و التنکيل فخرا... و أصبح الحلم و (العقو عند المقدرة) ضعفا، و الظلم و التنکيل فخرا... و أصبح الأمراء و هم الحکام خلفاء کانوا أو ملوکا أو رؤساء أم سلاطين.. أصبحوا فجرة و وزراؤهم ظلمة و ذوي الراي منهم فسقة.

و قد کان الحکام في کل هذه المراحل الثلاث، و خاصة الأخيرين منها، يقربون أهل الکفر، وهم المنحرفون المتزلفون للحکام، و يباعدون أهل الخير و الصلاح، ممن يأنف عن أن يعطي الدنية من نفسه. و أما الرشوة فحدث عنها ولا حرج کما هو واضح للعيان. و لله في خلقه شؤون.

هذا کله في المجتمع الاسلامي الذي أسسه الرسول (ص) و تعاهده بالرعاية، فأصبح - بعد ذلک - مبنيا علي الخروج علي کتابه و سنته و هداه. و هو المجتمع الذي تتحدث عنه هذه الروايات عادة. و أما الکم في غير المجتمع الاسلامي، فهو قائم علي طول الخط علي الکفر المحض و ان کان و لا زال يتسافل تدريجا الي المادية عقائديا و التسيب أخلاقيا، و الضعف اقتصاديا، في کبار الدول فضلا عن صغارها. کما تشهد بذلک الاثار و تدل عليه الأخبار.

القسم الخامس:

أخبار التمحيص و الامتحان.



[ صفحه 260]



فاننا بعد أن عرفنا فلسفته و اندراجه کعنصر اساسي في التخطيط الالهي... نريد أن يکون منا اطلاعة علي عدد من الأخبار الدالة عليه.

أخرج أبو داود [36] و ابن ماجة [37] بلفظ مقارب جدا، عن رسول الله (ص): کيف بکم و بزمان يوشک أن يأتي، يغربل الناس فيه غربلة، و تبقي حثالة من الناس قد مرجت عهودهم و أماناتهم، فاختلفوا، و کانوا هکذا (و شبک بين أصابعه)... الحديث.

و روي الصدوق في اکمال الدين [38] و الکيني في الکافي [39] عن أبي عبدالله الصادق (ع): ان هذا الأمر لا يأتيکم الا بعد ياس. و لا والله حتي تميزوا، و لا و الله لا يأتيکم حتي تمحصوا. لا و الله يأتيکم حتي يشقي من يشقي و يسعد من يسعد.

و روي الصدوق أيضا [40] عنه عليه السلام: کيف أنتم اذا بقيتم بلا امام هدي و لا علم. يبرا بعضکم من بعض. فعند ذلک تمحصون و تميزون و تغربلون... الحديث.

و روي النعماني في الغيبة [41] و الکليني في الکافي [42] عنه عليه السلام أيضا أنه قال: لابد للناس من أن يمحصوا و يميزوا و يغربلوا. و سيخرج من الغربال خلق کثير.

و روي النعماني [43] أيضا عن الامام الباقر عليه السلام أنه قال: و الله لتميزن و الله لتمحصن، و الله لتغربلن کما يغربل الزوان من القمح.



[ صفحه 261]



و في الکافي [44] عن أبي عبدالله عليه السلام: ان أميرالمومنين عليه السلام لما بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر و خطب بخطبة ذکرها، يقول فيها: الا ان بليتکم قد عادت کهيئتها يوم بعث الله نبيه (ص). و الذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة و لتغربلن غربلة، حتي يصير أسفلکم، و ليسبقن سابقون کانوا قد قصروا، و ليقصرون سباقون کانوا قد سبقوا.

و روي النعماني أيضا [45] بسنده عن أميرالمومنين عليه السلام في حديث قال فيه: فو الذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتي يتفل بعضکم في وجوه بعض، و حتي يسمي بعضکم بعضا کذابين، و حتي لا يبقي منکم «أو قال: من شيعتي» کالکحل في العين أو کالملح في الطعام. و سأضرب لکم مثلا، هو مثل رجل کان له طعام فنقاه و طيبه ثم أدخله بيتا و ترکه فيه ما شاء الله. ثم عاد اليه فاذا هو قد أصابه السوس، فاخرجه و نقاه و طيبه، ثم أعاده الي البيت فترکه ما شاء الله. ثم عاد اليه، فاذا هو قد أصابته طائفة من السوس فاخرجه و نقاه و طيبه و اعاده. و لم يزل کذلک حتي بقيت منه رزمة کرزمة الأندر لايضره السوس شيئا. و کذلک انتم تميزون حتي لا يبقي منکم الا عصابة لا يضرها الفتنة شيئا.

و التمحيص هو التنقية و ابعاد الردي ء، و الغربلة هي النخل بالغربال حتي تخرج الزوان، و هو الحب الغريب عن الحنطة يکون علي شکلها و ليس منها.

و غربلة البشر تکون بقانون التمحيص الذي عرفناه. و غربالهم فيها هي الظروف الصعبة و الظلم الذي يعيشه الفردو المجتمع من ناحية و الشهوات و المغريات و المصالح الضيقة، من ناحية أخري. «و سيخرج من الغربال خلق کثير»بمعني أن أکثر البشر يتبعون الباطل و ينحرفون مع الشهوات و المصالح أو مع الظالمين المنحرفين. فيصبحون «حثالة قد مرجت [46] عهودهم و أماناتهم» و المراد بها الدين و الالتزام بالاسلام و ما تستتبعه من خلق کريم و سلوک مستقيم.

و تبقي في نتيجة المتحيص الطويل «عصابة لا تضرها الفتنة شيئا» لأنهم



[ صفحه 262]



يمثلون الحق صرفا،و ينتمون الي قسطاط الحق الذي لا کفر فيه، کما سبق أن سمعنا من الأخبار.

و قد عرفنا أن قانون التمحيص عام للبشرية مرافق لها في عمرها الطويل. و قد نطق به التنزيل. قال الله تعالي: ما کان الله ليذر المومنين علي ما أنتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب [47] و قال عزوجل: ليميز الله الخبيث من الطيب، ويجعل الخبيث بعضه علي بعض فيرکمه فيجعله في نار جهنم و أولئک هم الخاسرون. [48] و قال: و ليمحصن الله الذين أمنوا و يمحق الکافرين. أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يعلم الله الذين جاهدوا منکم و يعلم الصابرين. [49] .

ولکن هذا القانون يکون أشد و آکد اذا اقترن بالاعداد لليوم الموعود، اعدادا يمکن به حمل التبعة و الشعور بالمسوولية تجاه العالم کله.

و لعلنا نستطيع أن نفهم من قوله تعالي: و لما يعلم الله الذين جاهدوا منکم و يعلم الصابرين... کيفية التمحيص و أسلوبه، و ذلک: ان التمحيص ليس للکشف و الاظهار فقط أمام الاخرين أو أمام التاريخ، و أن کان هذا هو جانبه الظاهر المنظور. و انما يتضمن - في الحقيقة - تغييرا حقيقيا و تاثيرا جوهريا في ذات الفرد يعلمه الله تعالي منه بعد وجوده و تحققه.

و يتضح ذلک من بيان مقدمتين:

المقدمة الأولي:

أن للفرد العاقل المختار اتجاهات و وجهات نظر، و له مواقف و آراء تجاه کل حادثة مما يمر به في حياته. و هو علي الدوام يحدد مواقفه فعلا و ترکا و آراءه ايجابا و سلبا، صادرا صدورا تلقائيا عن اتجاهاته و وجهات نظره العقائدية العقلية و الثقافية. فتتحدد مواقفه بتحديد اتجاهاته، و تتغير بتغيرها، لا محالة، تجاه کل حادث من حوادث الحياة.



[ صفحه 263]



و يکون للحوادث المتغيرة المتطورة الأثر الکبير في تغيير و تطوير اتجاهات الفرد فضلا عن مواقفه... و بذلک يکتسب الصغير خبرة و الکبير حنکة و الجاهل علما، کما هو واضح جدا لکل فرد عاقل يعيش في هذه الحياة.

و قد يزداد الأثر في هذا المقدار الاعتيادي، فيما اذا کان الحادث أو مجموعة الحوادث، ذات صيغة أساسية في حياة الفرد. ولکل فرد من الحوادث ما تکون أساسية في حياته. فقد تعمق الحوادث اتجاهه و ترسخه و قد تضعفه و تضعضعه، و قد تغير شکله و طريقه. و بتغير الاتجاه تتغير المواقل بالطبع. فيکاد يصبح الفرد فردا آخر، أو تسبغ علي سلوکه تغيرات کبري أو صغري تختلف باختلاف أهمية الحوادث. فقد يصبح الفرد المنحرف معتدلا و المعتدل واعيا، بل قد يصبح الواعي منحرفا و المنحرف واعيا. و قد يصبح الجبان شجاعا و الشجاع جبانا و البخيل کريما و الکريم بخيلا و الکذاب صادقا و الصادق کذابا... و هکذا و هکذا.

هذا کله في الحوادث الفردية التي يصادفها الناس في الحياة. و متي کانت الحوادث أوسع من الوجود الفردي و أکبر، کان أثرها أعمق و أشمل علي المجتمع کله، فضلا عن الفرد کالاتجاه العام للحاکمين سياسيا أو المتنفذين اقتصاديا أو اجتماعيا أو غير ذلک. و کالغزو أو الاستعمار الذي تتعرض له البلاد، أو التدهور الاقتصادي التي يمر بها أو تمر به. فان کل ذلک يؤثر في الأفراد بل في الشعب کله آثارا بليغة، قد يبلغ مدي تاثيره عمقا واسعا في الزمان و المکان.

و من هنا بالذات، تنبثق فکرة التمحيص و الامتحان، فاننا بعد أن نعرف: ان لکل واقعة في الاسلام حکما معينا، و نعرف: ان لکل فرد موقفا معينا تجاه کل حادثه. اذن فلا بد أن ينظر الي مدي تطابق موقف الفرد مع حکم الاسلام. فان کان منسجما معه، فهو ناجح في التمحيص، و ان کان مختلفا معه، فهو فاشل و راسب لا محالة.

و الحوادث المتعاقبة، قد تصقل من عقيدة الفرد الدينية، و قد تضعضعها، بشکل متوقع أو غير متوقع، فان لکل فرد اعتيادي نوازعه الخيرة و نوازعه الشريرة، و اتجاهاته الخاصة. و قد تکون هذه الاتجاهات متميزة بسلوک اعتيادي معين، فاذا طرأت حادثة معينة اضطر الي الاستجابة لها باتخاذ موقف من المواقف لا محالة.



[ صفحه 264]



و اضطر الي التفکير في حال نفسه و فيما هو مقتنع به، و من هنا يصل الفرد الي لزوم اتخاذ موقف جديد، و اعادة النظر فيما کان مقتنعا به من تفکير، و ما کان يتخذه من مواقف.

و ليس لاستجابات الأفراد و قراراتهم تجاه الحوادث، ضابط معروف أو قاعدة عامة معينة... لکثرة العناصر و الأسباب الداخلية و الاجتماعية التي توثر فيه، و التي تختلف بين فرد و آخر في هذا العالم الواسع.

و من هنا يکتسب التمحيص أهميته، فانه قبل حدوث الحادثه - أية حادثة - تکون حالة الفرد من حيث اتجاهه ورد فعله و ما سيتخذه من سلوک، مجملة ذاتا، و ليس لها اي تعين واقعي. و الحوادث وحدها هي التي تعين واقع اتجاهه الجديد، و درجة عقيدته و ايمانه، کما تکشف لنا و لنفسه أيضا، هذا الاتجاه الجديد و مقتضياته المتمثلة في سلوکه الجديد الذي يتخذه.

فاذا کان للافراد اتجاهات علي الدومام و کانت الحوادث تحدث باستمرار، و کان هو کذلک خلال عصر الغيبة الکبري... شاء الله تعالي أن يعرض الافراد لحوادث اعقد و اصعب، حتي يکون اتخاذهم للمواقف الجديدة حاسما و اکيدا، ليتضح ما اذا کانت مواقفهم منسجمة مع تعاليم الاسلام أو لا.

المقدمة الثانية:

و هي تتعلق بفهم الاية الکريمة... و ذلک ان هناک فرقا في علم الله تعالي من حيث متعلقه لا من حيث ذاته بين حال ما قبل وجود الشي ء في الخارج و بين ما بعد وجوده. فعلمه عزوجل بالشي ء قبل وجوده: انه سيوجد و علمه به بعده: انه قد وجد. و تحقيق ذلک و البرهنة عليه مفصلا موکول الي مباحث الفلسفة الاسلامية.

اذا تمت هاتان المقدمتان استطعنا ان نعلم المراد من الاية الکريمة: و لما يعلم الله



[ صفحه 265]



الذين جاهدوا منکم و يعلم الصابرين.

فان الفرد - اي فرد - قبل حصول ظروف الجهاد، و قبل تشريعه، يکون ناقص التکوين حقيقة، لا مجاهدا و لا صابرا، و تکون حالته النفسية و اتجاهاته مجملة من حيث کونه سيتخذ موقف الجهاد عند طرد ظروفه و سيصبر علي مسوولياته اولا. بمعني ان له درجة ما قبل الجهاد، و هي درجة واقعية، لايکون الفرد مستحقا فيها لثواب القائمين بالجهاد، و لا لعقاب الخارجين علي مسوولياته. و من ثم قال الله تعالي: ام حسبتم ان تدخلوا الجنة، و لما يعلم الله المجاهدين منکم و يعلم الصابرين.

و بعد طرد ظروف الجهاد، يتحدد الموقف الواقعي للفرد بانه مجاهد أو غير مجاهد، ذلک الموقف الذي يکسب به درجته الجديدة من الکمال او التسافل. فانه قد يکون رد فعله تجاه هذه الظروف منافيا مع تعاليم الاسلام العادلة فيکون فاشلا في التمحيص الالهي متسافلا عن درجته الايمانية التي کان عليها. و قديکون رد فعله تاه هذه الظروف منسجما مع تلک التعاليم، فيکون ناجحا في هذا التمحيص، صاعدا فوق ما کان عليه من درجة الايمان، في سلم الکمال.

فاذا تحدد اتجاهه الجديد، بالجهاد والصبر، علم الله تعالي ذلک منه، کعلمه بالاشياء بعد وجودها، و يکون الفرد ساعتئذ مستحقا لثواب المجاهدين.

اذن فليس المراد من نسبة العلم الي الله في الاية مجرد الانکشاف لاستلزامه نسبة الجهل اليه قبل ذلک، تعالي الله عن ذلک علوا کبيرا. و انما المراد تغير الواقع المتمثل في تغير اتجاهات المکلفين و مواقفهم، فيعلم الله تعالي بتجدد الوجود عليها و حصول مرتبة الکمال او التسافل للفرد. و هذا العلم هو المتحقق بالنسبة الي الله تعالي، و ليس بمستحيل و لا مستلزم جهلا، لانه عزوجل قبل وجود الشي ء عالم بأنه سيوجد، و بعده عالم بانه وجد، کما سبق ان عرفنا.

فاذا عرفنا هذه القاعدة العامة في کيفية التمحيص، و أثره الواقعي... فهمنا ما ذکر في الروايات السالفة... کيف يوجب التمحيص ان يسبق سابقون کانوا قد قصروا و يقصر سباقون کانوا قد سبقوا، و عرفنا لماذا يبقي بعد التمحيص حثالة



[ صفحه 266]



من الناس قد مرجت عهودهم و اماناتهم، بعد ان تسالفوا في مواقفهم وردود فعلهم. و يبقي من جهة اخري عصابة لا تضرهم الفتنة شيئا، لانهم نجحوا في التمحيص و سيطروا علي کل المصاعب، فلا يستطيع الظلم بکل کبريائه و لا الدنيا بکل مغرياتها حملهم علي الانحراف. و رزمة کرزمة الاندر او کالکحل في العين او الملح في الطعام من القلة، بالنسبة الي مجموع البشرية بل المسلمين. و هذا معني انه: يشقي من يشقي و يسعد من يسعد.

و عرفنا ان سبب التمحيص و الغربلة بالغربال الذي يغربل به الافراد (کما يغربل الزوان من القمح).. هي الحوادث المستجدة علي الدوام في ظروف الظلم و الاغراء.

القسم السادس:

الاخبار الدالة علي حدوق وقائع و ظواهر معينة محددة من اشکال العصيان و الانحراف في المجتمع المسلم.

اخرج البخاري [50] عن أنس قال قال رسول الله (ص): ان من اشراط الساعة ان يرفع العلم و يثبت الجهل و يشرب الخمر و يظهر الزنا. و اخرج في حديث آخر [51] بلفظ: و يظهر الجهل و يظهر الزنا.

و أخرج ابن ماجه: [52] ليشربن ناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها، يعزف عن رؤوسهم بالمعازف و المغنيات.

و في نور الابصار: [53] وهذه علامات قيام القائم مروية عن ابي جعفر رضي الله عنه. قال: اذا تشبه الرجال بالنساء و النساء بالرجال، و رکبت ذات الفروج السروج. و أمات الناس الصلوات و اتبعوا الشهوات، و استخفوا بالدماء و تعاملوا



[ صفحه 267]



بالربا و تظاهروا بالزنا، و شيدوا البناء و استحلوا الکذب، و اخذوا الرشا، و اتبعوا الهوي، و باعوا الدين بالدنيا، و قطعوا الارحام و ضنوا بالطعام.

فکان الحلم ضعفا، و الظلم فخرا، والامراء فجرة و الوزراء کذبة و الامناء خونة و الاعوان ظلمة و القراء فسقة. و ظهر الجور و کثر الطلاق و بدا الفجور، و قبلت شهادة الزور، وشربت الخمور، و رکبت الذکور، و استغنت النساء بالنساء. و اتخذ الفي ء مغنما و الصدقة مغرما، و اتقي الاشرار مخافة ألسنتهم... الحديث.

و في اکمال الدين [54] عن رسول الله (ص) في مخاطبته لله عز و جل ليلة المعراج، و فيه يقول: فقلت: الهي و سيدي متي يکون ذلک - يعني ظهور المهدي (ع)-؟ فأوحي الله عزوجل الي: يکون ذلک - اذا رفع العلم و ظهر الجهل، و کثر القراء و قل العمل، و کثر القتل، و قل الفقهاء الهادون، و کثر فقهاء الضلالة و الخوونة. و کثر الشعراء، و اتخذ امتک قبورهم مساجد، و حليت المصاحف و زخرفت المساجد، و کثر الجور و الفساد،و ظهر المنکر و أمر امتک به و نهي عن المعروف. و اکتفي الرجال بالرجال و النساء بالنساء، صار الامراء کفرة و أولياءهم فجرة و اعوانهم ظلمة، و ذوي الراي منهم فسقة... الحديث.

و روي في الخرايج و الجرايح [55] بسنده عن البرک بن سبرة قال: خطبنا علي بن ابي طالب، فقال: سلوني قبل ان تفقدوني. فقام صعصعة بن صوحان فقال: يا أميرالمومنين: متي يخرج الدجال؟ فقال: ما المسؤول عنه بأعلم من السائل. و لکن لذلک علامات و هيئات يتبع بعضهم بعضا. ان علامة ذلک: اذا فات الناس الصلوات و أضاعوا الامانة و استحلوا الکذب و أکلوا الربا، و شيدوا البنيان، و باعوا الدين بالدنيا و استعملوا السفهاء و شاوروا النساء و قطعوا الارحام، و أتبعوا الاهوا ء، واستخفوا الدماء. و کان الحلم ضعفا و الظلم فخرا، و کانت الامراء فجرة و الوزراء ظلمة و العلماء خونة و الفقراء فسقة.



[ صفحه 268]



و ظهرت شهادة الزور و استعلن الفجور، و قيل البهتان و الاثم و الطغيان، و حليت المصاحف و زخرفت المساجد وطولت المنارة و اکرم الاشرار، و ازدحمت الصفوف، و اختلفت القلوب، و نقضت العهود، و اقترب الموعود.

و شارکت النساء ازواجهن في التجارة حرصا علي الدنيا، و علت اصوات الفساق و استمع منهم، و کان زعيم القوم ارذلهم. و اتقي الفاجر مخافة شره، و صدق الکاذب و أئتمن الخائن، و اتخذت المغنيات، و نسبت [56] الرجال بالنساء و النساء بالرجال، و يشهد الشاهد من غير ان يستشهد. و شهد الاخر [57] قضاء لذمام لغير حق تعرفه. و تفقه لغير الدين،و آثروا عمل الدنيا علي عمل الاخرة. ليسوا جلود الضان علي قلوب الذباب، [58] و قلوبهم أنتن من الجيف و أمر من الصبر... الحديث.

و الاخبار في ذلک مطولة کثيرة. و اود ان اسرد الحديث الاتي علي طوله، باعتراره وثيقه مهمة في التاريخ الذين نحن بصددده./

روي في منتخب الاثر [59] عن تفسير الصافي عن تفسير القمي عن ابن عباس. قال: حججنا مع رسول الله (ص) حجة الوداع، فاخلذ بحلقة بباب الکعبة، ثم اقبل علينا بوجهه فقال: ألا اخبرکم بأشراط الساعة!

فکان ادني الناس منه يومئذ سلمان رحمه الله فقال: بلي يا رسول الله. فقال: ان من اشراط القيامة، اضاعة الصلوات و اتباع الشهوات، و الميل مع الاهواء، و تعظيم أصحاب المال و بيع الدين بالدنيا. فعندما يذاب قلب المومن في جوفه، کما يذاب الملح في الماء، مما يري من المنکر فلا يستطيع ان يغيره.

قال سلمان: و ان هذا لکائن يا رسول الله؟

قال: أي والذي نفسي بيده يا سلمان، ان عندها يليهم أمراء جورة،



[ صفحه 269]



ووزراء فسقة و عرفاء ظلمة و امناء خونة.

فقال سلمان: و ان هذا لکائن يا رسول الله؟

قال: اي والذي نفسي بيده. يا سلمان، ان عندها يکون المنکر معروفا، و المعروف منکرا،و يوتمن الخائن و يخون الأمين، و يصدق الکاذب و يکذب الصادق.

قال سلمان ان هذا لکائن يا رسول الله؟

قال: اي والذي نفسي بيده، فعندها امارة النساء، و مشاورة الاماء، و قعود الصبيان علي المنابر. و يکون الکذب طرفا و الزکاة مغرما و الفي ء مغنما، و يجفوا الرجل و الديه و يبر صديقه. و يطلع الکوکب المذنب.

قال سلمان: ان هذا لکائن يا رسول الله؟

قال: اي والذي نفسي بيده. و عندها تشارک المرأة زوجها في التجارة، و يکون المطر فيضا [60] و يغيض الکرام غيضا. و يحتقر الرجل المعسر. فعندها تقارب الاسواق، اذ قال هذا: لم ابع شيئا، و قال هذا: لم اربح شيئا. فلا تري الا ذاما لله.

قال سلمان: ان هذا لکائن يا رسول الله؟

قال: اي والذي نفسي بيده، يا سلمان، فعندها تليهم اقوام ان تکلموا قتلوهم و ان سکتوا استباحوهم. ليستاثرون بفيئهم، و ليطاون حريتهم و ليسفکن دماءهم، و ليملؤن قلوبهم دغلا و رعبا، فلا تراهم الا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين.

قال سلمان: و ان هذا لکائن يا رسول الله؟

قال: اي والذي نفسي بيده، يا سلمان. ان عندها يوتي بشي ء من المشرق و بشي ء من المغرب يلون امتي، فالويل لضعفاء امتي منهم. و الويل لهم من الله،



[ صفحه 270]



لا يرحمون صغيرا و لا يوقرون کبيرا و لا يتجافون عن مسي ء.

جثثهم جثث الادميين و قلوبهم قلوب الشياطين.

قال سلمان: و ان هذا لکائن يا رسول الله؟.

قال (ص): اي والذي نفسي بيده، يا سلمان، و عندها يکتفي الرجال بالرجال و النساء بالنساء، و يغار علي الغلمان کما يغار علي الجارية في بيت اهلها. و تشبه الرجال بالنساء و النساء بالرجال، و ترکبن ذوات الفروج السروج، فعليهن من امتي لعنة الله.

قال سلمان: و ان هذا لکائن يا رسول الله؟

قال: اي والذي نفسي بيده، يا سلمان. و عندها تحلي ذکور امتي بالذهب و يلبسون الحرير و الديباج و يتخذون جلود النمور صفافا [61] .

قال سلمان: و ان هذا لکائن يا رسول الله؟

قال: اي والذي نفسي بيده يا سلمان، و عندها يظهر الربا، و يتعاملون بالعينة [62] و الرشا، و يوضع الدين و ترفع الدنيا.

قال سلمان: و ان ذلک لکائن يا رسول الله؟

قال: اي والذي نفسي بيده يا سلمان، و عندها يکثر الطلاق، فلا يقام لله حد. و لن يضروا الله شيئا.

قال سلمان: و ان هذا لکائن يا رسول الله؟

قال: اي والذي نفسي بيده، يا سلمان. و عندها تظهر القينات والمعارف، و تليهم شرار أمتي.

قال سلمان: و ان هذا لکائن يا رسول الله؟



[ صفحه 271]



قال (ص): اي والذي نفسي بيده، يا سلمان. و عندها يحج اغنياء امتي للنزهة و يحج اوساطها للتجارة، و يحج فقراؤهم للرياء و السمعة. فعندها يکون اقوام يتفقهون لغير الله و يکثر اولاد الزنا، و يتغنون بالقرآن، ويتهافتون بالدنيا.

قال سلمان: و ان هذا لکائن يا رسول الله؟

قال (ص): اي والذي نفسي بيده، يا سلمان. ذاک اذا انتهکت المحارم، و اکتسبت المآثم وسلط الاشرار علي الاخيار و يفشو الکذب، و تظهر اللجاجة، و تفشو الفاقة، و يتباهون في اللباس، و يمطرون في غير اوان المطر، و يستحسنون الکوبة و المعارف، و ينکرون الامر بالمعروف و النهي عن المنکر، حتي يکون المومن في ذلک الزمان اذل من الامة. و يظهر قراؤهم و عبادهم فيما بينهم التلاوم، فاولئک يدعون في ملکوت السماوات: الارجاس الانجاس.

قال سلمان: و ان هذا لکائن يا رسول الله؟

قال: أي والذي نفسي بيده، يا سلمان. فعندها لا يخشي الغني علي الفقير، حتي أن السائل يسال في الناس فيما بين الجمعتين لا يصيب احدا يضع في کفه شيئا.

قال سلمان: و ان هذا لکائن يا رسول الله؟

فقال: اي والذي نفسي بيده، يا سلمان. فعندها يتکلم الروبيضة.

فقال سلمان: ما الروبيضة؟ يا رسول الله، فداک أبي و أمي.

قال (ص): يتکلم في أمر العامد من لم يکن يتکلم.... [63] الحديث.

و روي الشيخ الصدوق فيمن لا يحضره الفقيه [64] عن الاصبغ بن نباته عن أميرالمومنين (ع) قال: سمعته يقول: يظهر في آخر الزمان و اقتراب الساعة، و هو شر الأزمنة، نسوة کاشفات عاريات، متبرجات من الدين، داخلات في الفتن، مائلات الي الشهوات، مسرعات الي اللذات، مستحلات للمحرمات، في جهنم داخلات.



[ صفحه 272]



الي غير ذلک من الأخبار الکثيرة، و فيها المطول و المختصر. و يکفينا منها ما ذکرناه... و هي لعمري بمجموعها الوثيقة التاريخية المهمة، و الوجه الصادق المخلص، المطابق للقواعد و الوجدان، في الکشف عن تاريخ البشر خلال عصر الغيبة الکبري.

و يتم الکلام في فهم هذه الأخبار و تحديد مداليلها في ضمن أمور:

الأمر الأول:

أننا لنشعر من سلمان الفارسي رضي الله عنه - في خبر ابن عباس - و هو يعيش المجتمع الفاضل العادل الذي يقوده النبي (ص) و يرعاه... أننا لنشعر منه استغرابه و شدة عجبه من صفات الفسق و الانحراف التي يعلن النبي (ص) عن تحققها في آخر الزمان. و من هنا نراه يکرر علي النبي (ص) القول: و ان ذلک لکائن يا رسول الله. فيجيبه النبي (ص) موکدا أي والذي نفسي بيده.

کما أننا لنحس بکل وضوح الأسي الشديد الذي يتضمنه کلام النبي (ص) و هو يصف خروج الناس عن شريعته و عصيانهم لتعاليمه، و ترکهم للعدل الصحيح، مما يسبب لديهم أسوأ الاثار. کيف لا، و الله تعالي يقول: يا حسرة علي العباد ما يأتيهم من رسول الا کانوا به يستهزئون. [65] .

و النبي (ص) اذ يخاطب الناس بذلک، و يطلعهم عليه، لا يخص به صحابته و أهل عصره - باجتنابهم الخصال السيئة و الانحرافات المقيتة التي ذکرها رسول الله (ص) في بيانه.

الا أن غرضه الأساسي و الأهم هو مخاطبته الأجيال القادمة، و علي الأخص تلک الأجيال التي تتصف بهذه الصفات، و تنحرف مثل هذه الانحرافات، حتي ينبهها عن غفلتها و يشعرها بواقعها، و يتم الحجة عليها. ذلک التنبيه الذي يوثر في وجدان عدد من الناس المخلصين، التاثير الصالح المطلوب، فيتأکد اخلاصهم و تقوي ارادتهم و يزداد شعورهم بالمسوولية للتمهيد لليوم الموعود، طبقا للتخطيط الالهي الکبير.



[ صفحه 273]



الأمر الثاني:

أننا نفهم مما قلناه الان: ان رواية ابن عباس بل جميع هذه الروايات تشارک في التخطيط الالهي من ناحية أسبابها و من ناحية نتائجها.

أما من ناحية أسباب صدور هذه الروايات، فباعتبار علم النبي (ص) و الأئمة (ع) بالتخطيط الالهي، و ما سوف يقتضيه علي طول الخط التاريخي الطويل. و من ثم نراهم يخبرون بهذا الجانب من التخطيط، کما أخبروا بجوانب أخري، في الأخبار السابقة کروايات التمحيص... و غيرها.

و أما من ناحية نتائجها، فلما تتوخاه هذه الأخبار من اتمام الحجة، و التنبيه من الغفلة، و ايجاد شرط الظهور باعلاء درجة الاخلاص في الأجيال المعاصرة للانحراف.

الأمر الثالث:

ان بعض هذه الأخبار، تکون قرينة مبينة بالنسبة الي البعض الاخر. اذ بالرغم من أن جملة منها لا يتضح منها کون الانحراف المخبر به حاصلا في عصر الغيبة الکبري علي التعيين. الا أن خبر نور الابصار و خبراکمال الدين، قرن تلک الحوادث بما قبل ظهور المهدي (ع) و مع اتحاد الحوادث نعرف أن المراد من جميع الأخبار هو ذلک.

کما أنه قرنت هذه الحوادث في خبر «الخرايج و الجرايح» بما قبل ظهور الدجال، فاذا علمنا بالقطع و اليقين بان ظهوره سابق علي ظهورالمهدي (ع)، کما تدل عليه الروايات الاتية المروية من قبل الفريقين. اذن نفهم بوضوح أن هذه الحوادث سابقة أساسا علي ظهور المهدي (ع). و هو معني حصولها في فترة الغيبة الکبري، کما هو واضح.

و اقترانها بما قبل قيام الساعة، في بعض هذه الاخبار، لا يکون مضرا بما فهمناه، باعتبار ما قلناه فيما سبق، من أن السابق علي الظهور سابق علي قيام الساعة. و ليس من الضروري أن تکون أشراط الساعة واقعة قبلها مباشرة. و سيأتي التعرض الي تفصيل ذلک في القسم الثالث من هذا التاريخ.



[ صفحه 274]



الأمرالرابع:

مقصود النبي (ص) و الائمة (ع) هو اطلاع الأمة علي الانحراف الأساسي الذي يستفحل في المجتمع، فيبتعد به عن العدل الاسلامي، بکل تفاصيله، بما فيه التعاليم الالزامية و التوجيهات الاستحبابية و الأخلاقية. فان العدل الکامل لا يتحقق الا باتباع کل التعاليم واجبها و مستحبها و عباديها و اخلاقيها. و يتحخقق الانحراف بالخروج علي أي منها.

و من ثم نسمع من هذه الأخبار، وقوع الانحراف عن المستحبات، کترک الصدفة المستحبة و تحلية المصاحف و زخرفة المساجد، و اطالة المنارة فيها، و نحو ذلک.

الأمر الخامس:

ان عددا من الحوادث الواردة في هذه الروايات، تتضمن أمورا يمکن أن تقع علي وجه اسلامي صحيح، کما يمکن أن تقع علي وجه باطل منحرف. و نعرف بالطبع - من وقوعها في کلام النبي (ص) أو الامام (ع) و هو بصدد تعداد الحوادث المنحرفة، انها منحرفة، و واقعة علي شکلها الباطل.

مثال ذلک: تشييد البناء، فانه ان وقع من الفرد بعد تطبيق کل الأنظمة المالية في الاسلام، و علي الوجه الشرعي الصحيح، لم يکن فيه حزازة. بل قديتضمن مصلحة عامة في کثير من الأحيان. ولکنه ان وقع علي خلاف ذلک کان عصيانا و انحرافا في نظر الاسلام.

و مثل ذلک: ما ورد من مشارکة المرأة زوجها في التجارة. و قد يتصور أن تقع علي الوجه الاسلامي الصحيح، و ان کان لا تقع في المجتمع المنحرف الا مقترنة بالتبرج و الخروج علي تعاليم الاسلام.

الأمر السادس:

ان ما تتضمنه هذه الأخبار، أمور راجحة و صحيحة شرعا، الا أنها اذا اقترنت بسلوک منحرف أو اتجاه فاسد، اکتسبت معني منحرفا سيئا، بمعني أن مجموع فعل الفرد لايکون محمودا، بل يکون ممثلا لحظ الانحراف لا محالة.

مثال ذلک: قوله: اذا ازدحمت الصفوف و اختلفت القلوب. فان ازدحام



[ صفحه 275]



الصفوف للصلاة الجامعة أو لغرض آخر کالوعظ أو تشييع جنازة أو نحو ذلک، أمر مطلوب و راجح في الاسلام... ولکنه اذا اقترن بتفرق القلوب و تشتت الاهواء و النوازع، لم يکن دالا علي قوة ولاعلي وعي و ارادة، و من ثم يکون مذموما مقيتا.

و مثاله الاخر: ان الرجل يجفو و الديه و يبر صديقه. فان بر الصديق و ان کان أمرا عادلا راجحا علي الأغلب، الا أنه اذا اقترن بجفاء الوالدين دل علي خبث النية وانحراف الاتجاه. و يدل علي أن الصداقة لم تنعقد علي اساس الاسلام بل علي أساس المصالح الضيقة و الأعمال المنحرفة، اذ لو لم يکن کذلک، لما جفا الفرد و الديه.

و هکذا... قس علي هذه الأمثله ما سواها.

الأمر السابع:

يراد ببعض التعابير في هذه الأخبار يجفو والديه و يبر صديقه. فان برالصديق و ان کان أمرا عادلا راجحا علي الأغلب، الا أنه اذا اقترن بجفاء الوالدين دل علي خبث النية و انحراف الاتجاه. و يدل علي أن الصداقة لم تنعقد علي أساس الاسلام بل علي أساس المصالح الضيقة و الأعمال المنحرفة، اذ لو لم يکن کذلک، لما جفا الفرد و الديه.

و هکذا... قس علي هذه الأمثلة ما سواها.

الأمر السابع:

يراد ببعض التعابير في هذه الأخبار معناها الکنائي أو الرمزي، لا المعني الحقيقي المفهوم من اللفظ الأول وهلة. و معه لاحاجة الي تخيل حدوث هذه الأمور بطريق اعجازي، بل يمکن أن يکون حدوثها طبيعيا اعتياديا.

فمن ذلک قوله: لبسوا جلود الضأن علي قلوب الذئاب. فان المراد هو التعبير عن دماثة الظاهر و خبث الباطن و شراسة الطبع. و هذا واضح.

و من ذلک: قوله: يذاب قلب المؤمن في جوفه، کما يذاب الملح في الماء، لما يري من المنکر، فلا يستطيع أن يغيره.

فان المراد التعبير من شدة أسفه و وجده لما يري من العصيان و مخالفة العدل الالهي، و هو غير قادر علي رفعه أو تغييره، بسبب عمق ظروف الانحراف.

و من ذلک قوله: ان عندها يوتي بشي ء من المشرق و بشي ء من المغرب يلون (أي يحکمون) أمتي.

فان أفضل تفسير لذلک: هو المبادي ء المادية التي جلبت الي بلاد الاسلام من الغرب تارة و من الشرق أخري. و يمارس الحکام المنحرفون الحکم طبقا لأحدهما أو لکليهما في بعض الأحيان.



[ صفحه 276]



و الظاهر من التعبير الوارد في الرواية: اشتراک کلا الشيئين في ولاية الأمة. و لم يحدث ذلک في التاريخ الا في السنوات المتأخرة التي عشناها و نعيشها، حين أصبح الحکام في شرقنا الاسلامي يمثلون الشرق الملحد و الغرب المشرک معا، و يعتبرونهما معا مثلا اعلي و قدوة تحتذي، لو قيست بمبادي ء الاسلام و تعاليمه، في رأيهم الخاطي ء.

و من ذلک: قوله: يتکلم الرويبضة. فان المراد به - کما فسره صلي الله عليه و آله في نفس الحديث -: کل رجل يتکلم في أمر العامة، لم يکن يتکلم قبل ذلک.

و ان أفضل فهم لهذه العبارة، هو أن يقال: أنه عاش المجتمع المسلم عدة قرون، لا يتکلم باسم العامة و لا يدير شوونهم الا أشخاص صادرون عن الدين بشکل و آخر، کالخلفاء و القضاة و الفقهاء. حتي ما اذا ورد تيار الحضارة الحديثة الي العالم الاسلامي، أباح جماعة من المنحرفين لأنفسهم أن ينطقوا باسم العامة أو باسم الشعب و ينظروا في أمره و يديروا شوونه، من دون أن يکون لهم أي حق حقيقي سوي السيطرة التي اکتسبوها بالقوة و الحديد و النار علي الناس. و اصبح التکلم باسم الشعب شعارا راسخا يقتنع به الکثيرون، بالرغم من أنه يمثل انحرافا حقيقيا عن الاسلام الذي يوجب تکلم الحاکم باسم الله لا باسم الشعب.

و لعل التعبير بالروبيضة يشعرنا بوجود تيار رابض أو کامن بين أبناء الاسلام دهرا من الزمن، انتج في نهايته هذه النتيجة.

و هذا أمر صحيح، بعد الذي نعرفه من التاريخ الحديث، من أن الاستعمار استطاع أولا السيطرة الثقافية و العقائيدية علي عقول عدد کبير من أبناء هذه البلاد، مما أنتج في نهاية الخط، سيطرتهم علي الحکم و ممارستهم الأساليب الکافرة في ادارة بلاد الاسلام. فکانت تلک السيطرة أعدادا کامنا لايجاد هذا الحکم في نهاية المطاف.

و هذا يبرهن أيضا علي صحة ما في هذه الاخبار، مما قد تکلمنا عنه فيما سبق، من أن الأمراء، يصبحون کفرة و الوزراء فجرة و ذوي الرأي فيهم فسقة.

الأمر الثامن:

أشرنا في منهج الفهم الدلالي للروايات، الي أنه قد يرد فيها تعابير يختلف



[ صفحه 277]



مصداقها و يتطور علي مر العصور، و ان فهم الناس المعاصرون لصدور النص، مصداقا معينا، بل و ان صرح لهم بمصداق معين جريا علي قانون مخاطبتهم علي قدر عقولهم، کما سبق. و قلنا أنه لا بد من التوسع في الفهم، و تطبيق التعبير علي کل مصداق متطور، خاصة بعد اليقين بأن النبي (ص) أو الامام (ع) يقصد المصداق الذي يحدث في الزمان الذي يتکلم عنه، لا الذي يحدث في الزمان الذي يتکلم فيه. و من المعلوم اختلاف المصداقين الي حد بعيد، طبقا لتطور الزمان و تغير الأحوال.

فاذا استوعبنا ذلک استطعنا أن نطبقه في کثير من تعابير هذه الأخبار.

فمن ذلک: قوله: و ترکب ذات الفروج السروج. فان السرج و ان کان هو ما يوضع علي الفرس، و قد رکبته النساء في التاريخ أحيانا، و تحققت النبؤد. و هو ما فيه الکافية للمکتفي.

الا أننا يمکن أن نجد مصاديق أخري لذلک علي مر العصور... فيما اذا فهمنا من السروج کل مرکوب يختص بالرجل في نظر الاسلام. بمعني أن استعماله بالنسبة الي المرأة ملازم عادة مع التبرج و الخروج علي الأداب الاسلامية، تماما کما هو الحال في رکوب الفرس... فکذلک رکوب الدراجة الهوائية أو البخارية أو سياقة السيارة أو الطائرة أو الباخرة... و نحو ذلک.

و من ذلک: قوله: و تظهر القينات و المعازف. و قوله: و اتخذت المغنيات. فانه بالرغم من أن ذلک قد حدث فعلا منذ عصر الأمويين الي ما بعده بعدة قرون. الا اننا يمکن أن نفهم منه ما هو الأعم و الأشمل لينطبق علي ما تذيعه وسائل الاعلام الحديثة من حفلات غنائية و ما تبثه من أساليب خلاعية لا أخلاقية علي شاشة السينما و التلفزيون و علي أمواج الراديو، فأنها لا تختلف في مضمونها و حقيقتها عن تلک الحفلات القديمة الا في اجتماع السامعين و المشاهدين مع المغنين في مجلس واحد. کما لا تختلف في مقدار انحرافها عن الاسلام و عصيانها لتعاليمه.

الأمر التاسع:

ان هناک أمورا وردت في کلام النبي (ص)- في الخبر الطويل لابن عباس - لم يکن يفهم منها معاصروه الا معني غامضا غائما، بمقدار ما ترشد اليه قواميس



[ صفحه 278]



اللغة. ولکن قد أثبتت العصور الأخيرة، بما عاشت من تجارب، مدي أهميتها الکبري و أثرها البالغ في المجتمع.

فمن ذلک: ما يصفه (ص) من موقف الحکام المنحرفين تجاه الشعب المسلم بقوله: ان تکلموا قتلوهم و ان سکتوا استباحوهم. فان مثل هولاء الحکام يستغلون نقاط الضعف في الأمة علي طول الخط، و يختطون معهم خطة العسف و القهر، لا يختلف في ذلک الحکم الفردي الدکتاتوري عن الحکم المبدئي المنحرف القائم علي غير الاسلام.

فأول ما يواجهون به الأمة: منعها عن الحرية الفکرية و السياسية و صراحة الراي، فان (تکلموا قتلوهم) أو هددوهم بالعقاب الأليم. فان استسلم الناس و سکتوا (استباحوهم) و استغلوهم و استحلوا خيراتهم و سيطروا علي مواردهم و مصادرهم.

و من ذلک: ما ذکره (ص) من حصول کثرة الطلاق. علي حين لم يکن يحدث في دولته من الطلاق الا النذر القليل بنسبة ضئيلة جدا. لما کان الزوجان يلتزمانه فيما بينهما من تطبيق العدل الاسلامي، و نبذ الأنانية.

و أما حين يبتعد المجتمع عن أحکام الله عزوجل، و تتعقد حياته تعقيدا منحرفا، تبدأ الأسر بالتفسج و البيوت بالانفصام، و تکثر حوادث الطلاق حتي بعد وجود الذرية.

و قد أثبت العلم الاجتماعي الحديث، أن کثرة الطلاق تدل علي حدوث عنصر أو عناصر، غير مرغوبة في الحياة الاجتماعية، و أنه يودي بدوره الي عدة آثار سيئة مما يضطر الحکومات علي طول الخط الي رصد المبالغ الضخمة للملاجي ء و نحوها لکي تحوي الأطفال المتسيبين الفاقدين للمربي و الکفيل.

و من ذلک قوله: و تفشو الفاقة. فان انتشار الفقر يکون بأحد سببين، کلاهما ناتج عن سوء التنظيم الاقتصادي:

السبب الأول:

الرأسمالية أو الاستقطاب المالي عند عدد قليل من الناس، و بقاء الاخرين علي حالة الضعف و الفاقة، محکومين من قبل أرباب المال من حيث أوضاعهم



[ صفحه 279]



السياسية و الاقتصادية و الاجتاعية... بل حتي من حيث النواحي الأخلاقية و العقائدية في کثير من الأحيان. فان المتمولين هم المسيطرون علي تربية الناشئة و تثقيف الشعب، مضافا الي نفوذهم في البلاد.

السبب الثاني:

انخفاض المستوي الاقتصادي لدي جميع أفراد المجتمع، بقلة الدخل العام و الواردات الشخصية. و قد تواجه الأمة مثل هذا الضعف الاقتصادي نتيجة لبعض الأزمات، أو سوء النصرف من قبل الحاکمين.

و السبب الأول هو الأغلب في المجتمعات، و الأشد ضررا عليها في المدي البعيد. و خاصة اذا عممنا مفهم الطبقية المالية الي المجتمع الزراعي و الصناعي معا. و قد نشا هذا الوضع في المجتمعات الاسلامية، نتيجة لتناسي العدل الاسلامي و انحساره عن عالم التطبيق الاجتماعي. و کان من أوضح نتائجه أن تفشو الفاقة و ينتشر الفقر.

الأمر العاشر:

ليس شي ؤ مما ذکر في کل هذه الروايات، لم يتحقق في خلال التاريخ الاسلامي. و من المستطاع القول بأن کل الصفات المعطاة فيها، موجودة بشکل و آخر، علي طول تاريخ الانحراف الي العصر الحاضر، و ستبقي نافذة المفعول، ما دام مجتمع الظلم و الفتن موجودا، الي حين قيام الامام المهدي (ع) بدولة الحق.

و لا نستطيع الدخول في تفاصيلها و تکرار مداليلها بأکثر مما قلناه و انما ذلک موکول الي القاري ء، ان شاء أن يراجع النصوص فاهما لها انطلاقا من الأساس الاسلامي الصحيح.

و بهذا ينتهي الکلام في الجهة الثانية من الناحية الثانية من هذا الفصل.

عرض علي المنهج السندي:

و اذا عرضنا هذه الأخبار علي المنهج السندي الذي التزمناه، من رفض الأخذ بخبر الواحد في هذا المجال، ما لم تقم علي صحنه قرائن خاصة أو تحصل فيه



[ صفحه 280]



استفاضة أو تواتر... فانه ينتج صحة الأعم الأغلب من هذه الأخبار. و ان کان کل واحد منها بمفرده خبر واحد، قد يوسم بالضعف.

فان عددا من هذه الاخبار قامت القرائن القطعية علي صحته... يمکن أن نحمل فکرة عنها فيما يلي:

القرينة الأولي:

تحقق الحوادث التي أعربت عنها في التاريخ کما سمعنا، فاننا ذکرنا أن ذلک من القرائن علي صدق الخبر.

القرينة الثانية:

ان بعضها وارد في مورد معارضة الجهاز الحاکم، الذي کان مسيطرا في عصر صدور هذه الأخبار أو عصر تسجيلها. کقوله (ص): يکون أقوام من أمتي يشربون الخمر و يسمونها بغير اسمها. فانه کان عل يهذا ديدن عدد من الخلفاء الأمويين و العباسيين... يسمونها: الطلي أو البختج أو الفقاع... و يفتون بجواز الشرب ما لم يصل الي حد الاسکار.

القرينة الثالثة:

ان عددا منها مسجل في المصادر، قبل أن يشعر مولفوها أو رواتها بحدوث تلک الأحداث أساسا. و انما حدثت بعد ذلک نتيجة لتزايد ابتعاد المجتمع عن الاسلام. کما هو واضح لمن استقرا عددا من الحوادث المنقولة، و قد استعرضنا بعضها عند محاولة فهمنا لهذه الأخبار.

يضاف الي هذه القرائن: أن جملة من مضامين هذه الأخبار دل عليه عدد منها، و لم تختص بخبر واحد أو خبرين. و قد اعتبرنا في المنهج السندي ذلک من المرجحات.

و لعلک لاحظت معي تکرار الحوادث في الأخبار التي سمعناها. ان هذه الحوادث المکررة هي مقصودنا في المقام.

کما أن بعضها مستفيض أو متواتر لفظا، هو الخبر القائل بأن المهدي (ع): يملأ الأرض قسطا و عدلا کما ملئت ظلما و جورا. فانه مروي من قبل الفريقين



[ صفحه 281]



باعداد کبيرة، منها ما ذکرناه و مها ما لمخ نذکره. و قد ذکر الشيخ الصافي في منتخب الأثر أنه مروي بما يزيد علي المثة و العشرين طريقا.

و أما ما لم يکن محتويا علي هذه القرائن و الصفات من الأخبار، فمقتضي التشدد السندي الذي سرنا عليه... رفضه، و ايکال علمه الي أهله.

کالخبر الذي رواه النعماني في الغيبة، [66] المعرب عن حصول اثنتي عشرة رواية مشتبهة. و قد سبق. أو ما رواه ابن ماجد [67] من (أن بين يدي الساعة دجالين کذابين قريبا من ثلاثين، کلهم يزعم أنه نبي). لو حملنا النبوة علي معناها الاصطلاحي و هو الرسالة عن السماء. و في البخاري [68] يقول: کلهم يزعم أنه رسول الله. فان هذه الأرقام لا تثبت. وان وجد في التاريخ حقا عدد ممن يدعي الامامة أو النبوة.


پاورقي

[1] ج 1، ص 30.

[2] نفس الجزء، ص 31.

[3] ج 9، ص 61.

[4] ج 1، ص 31.

[5] انظر ج 8، ص 58.

[6] الشعراء 80:26.

[7] الشعراء 79:26.

[8] ج ص 36.

[9] السنن، ص 1310.

[10] انظر السنن، ص 1317.

[11] ج 6، ص 20.

[12] السنن، ص 1304.

[13] السنن، ص 1324.

[14] انظر الغيبة، ص 77.

[15] انظر المصدر المخطوط.

[16] الغيببة، ص 135.

[17] ص 111.

[18] ص 99.

[19] انظر اکمال الدين، المخطوط.

[20] نفس المصدر.

[21] انظر الغيبة، ص 91.

[22] المصدر، ص 80.

[23] انظر المصدر المخطوط.

[24] في المخطوط: و ليمحض و هو خطأ علي الظاهر.

[25] انظر المصدر المخطوط.

[26] انظر ج 2، ص 68.

[27] انظر ملق الجزء الاول من کتابة، ص 1.

[28] ج 6، ص 20.

[29] نفس الجزء، ص 17.

[30] انظر المصدر المخطوط.

[31] منتخب الاثر، ص 427 عن الخرايج و الجرايح.

[32] نفس المصدر، ص 429.

[33] وصيغته النظرية: ان يکون الحاکم مسلما فاسقا يدعي بظاهر حاله تطبيق الاسلام.

[34] و صيغته النظرية: ان يکون الحاکم مسلما فاسقا يتوخي تطبيق القوانين الوضعية بصراحة.

[35] و صيغته النظرية: ان يکون الحاکم کافرا اساسا و القانون وضعيا.

[36] انظر السنن، ج 2، ص 237.

[37] انظر السنن، ج 2،ص 1307.

[38] انظر الاکمال المخطوط.

[39] انظر المصدر المخطوط.

[40] انظر الاکمال المخطوط.

[41] ص 108.

[42] انظر المخطوط.

[43] ص 109.

[44] انظر المخطوط.

[45] ص 112.

[46] اي اضطربت و التبست و فسدت، المنجد مادة مرج.

[47] آل عمران 179:3.

[48] الانفال 37:8.

[49] آل عمران 3: 142 - 141.

[50] انظر الصحيح، ج 1، ص 30.

[51] المصدر، ص 31.

[52] انظر السنن، ص 1333.

[53] ص 171.

[54] انظر المصدر المخطوط.

[55] ص 191.

[56] کذا في المصدر، و لعلها: تشبهت.

[57] هذه العبارة من رواية «منتخب الاثر»: ص 428 لهذا الحديث. و اما الخرايج و الجرايح ففيها خطا مطبعي.

[58] في منتخب الاثر - نفس الصفحة: علي قلوب الذئاب.

[59] ص 432.

[60] و في نسخة: غيضا.

[61] اي مستوية مطمئنة و المهاد کونها ملساء. و في نسخة اخري: صفاقا، اي کثيفة تخينة.

[62] بيع العينة هو بيع الشي ء الي اجل بزيادة علي ثمنه مقابلة انتظار الثمن (المنجد) اقول: و هو غير جائز في شرع الاسلام.

[63] انظر ايضا عن الروبيضة في سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1340 و غيره.

[64] ص 247، ج 3. و انظر منتخب الاثر، ص 426.

[65] الروم: 36:30.

[66] انظر ص 247 و ما بعدها.

[67] انظر السنن، ج 2، ص 1304.

[68] انظر الصحيح، ج 9 ص 74.