بازگشت

اهمية القيادة في التخطيط الالهي


و يمکن أن ننطلق الي الحديث في هذه الجهة من عدة نقاط:

النقطة الأولي:

لابد لکل حرکة من قيادة و لکل دولة من رئيس. و لا شک أنه کان علي رأس کل حرکة ناجحة في التاريخ قائد محنک مقدام استطاع أن يسير بها قدما الي الأمام.



[ صفحه 235]



و هذا اساسا، مما لابد منه، بحيث يستحيل عادة وجود حرکة ما من دون قيادة و توجيه مهما کانت الحرکة ضئيلة و القيادة مبسطة. فان الجماعة - أيا کانت - بصفتها مکونة من عدد من الأفراد مختلفين في التدبير و وجهات النظر، لا تکاد تستطيع أن تحفظ مصالحها في حاضرها و مستقبلها، الا بشخص أو عدة أشخاص يأخذون فيها مرکز القيادة و التوجيه. فکيف اذا تضمنت الحرکة اصلاح العالم برمته و ضمان تطبيق العدل الکامل علي البشرية جمعاء. و مباشرة التطبيق من حکم مرکزي واحد و دولة عالمية واحدة.

و نحن نري أن الدول کبيرها و صغيرها، بالرغم من تضامن أفرادها و تدقيقهم في الأمور السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، لأجل قيادة جزء من العالم... فنه يظهر علي مر الزمن فشلها و سوء تصرفها، و أخذها بالمصالح الخاصة للقادة لا بالمصالح العامة للناس. فکيف بقيادة العالم کله.

اذن، فلا بد، من أجل ضمان تحقق الغرض الالهي الکبير، من ايجاد شخص مؤهل من جميع الوجوه، لأجل الأخذ بزمام القيادة العالمية في اليوم الموعود. و لأجل هذا وجد المهدي عليه السلام.

النقطة الثانية:

لا شک أن النبي (ص) و الأئمة المعصومين (ع) بعده کان لهم القابلية الکاملة للقيادة العالمية. لضم مقدمتين نذکرهما هنا مختصرا و نحيل تفاصيلهما الي موطنه من أبحاث العقائد الاسلامية.

المقدمة الأولي:

ان کل شخص يعينه الله تعالي للقيادة، لابد أن تکون له القدرة علي تلک القيادة. اذ يقبح علي الله تعالي أن يعين شخصا لمهمة و هو قاصر عن آدائها. فمثلا اذا کان نبي مرسل الي هداية مدينة واحدة کان لا بد أن يهبه القدرة علي أداء مسووليته، و اذا کان مرسلا الي هداية منطقة کبيرة من العالم فلا بد من أن يکون له القدرة علي ذلک و هکذا. و لا يمکن أن يوکل الله تعالي شيئا من المهام الي شخص غير قابل لأدائها. بل أما أن يکون الشخص قابلا لذلک قبل ايکال المهمة اليه، أو أن يهبه الله تعالي تلک القابلية بعد ايکال المهمة اليه. و علي أي حال يکون حال



[ صفحه 236]



تصديه لأدا مهمته علي أتم القابلية و الاستعداد.

المقدمة الثانية:

ان دعوة النبي (ص) عالمية، کما أن المسووليات التشريعية المنوطة بقيادته معقدة و کبيرة.

اذن يتعين القول بان الله تعالي اعطي النبي (ص) القابلية الکاملد للدعوة و الدولة العالميتين. و حيث أن الائمة (ع) منصوبون بتعيين من الله تعالي، ليقوموا مقام النبي (ص) في الأخذ بزمام مسوولياته بعد وفاته، من جهة النظر الاماميد، اذن فلا بد أن يکون الله تعالي قد أعطاهم القابليد الکاملة للقيادة العالمية.

وبهذا الدليل يعتين ان يکون للمهدي (ع) مثل هذه القابلية، و الأهلية: بصفته أخد الأئمة المعصومين الاثني عشر عليهم السلام من زاوية النظر الامامية، او بصفته خليفة النبي (ص) في آخر الزمان المنصوص عليه من قبل النبي (ص). کما يعترف به کل المسلمين. و علي اي حال، فالمهدي (ع) يوجد قابلا للقيادة العالمية، قابلية متناسبة مع سعة دعوته و مسؤولياته في انجاز العدل الکامل و تنفيذ الغرض الالهي الکبير.

النقطة الثالثة:

و کان لابد للغيبة ؤن تشارک في التخطيط الالهي. لأن الارادد الالهية بعد أن تعلقت بأن يکون الامام محمد بن الحسن العسکري عليهماالسلام مهديا للأمة، کما يذهب اليه الامامية و عدد من العامة... کان لابد من الحفاظ عليه الي أن يتحقق الشرط الأساسي لتنفيذ ذلک الغرض الکبير.

فأننا ان قلنا بأن المهدي يولد في زمانه، کان هذا خلاف هذا الاعتقاد. و ان قلنا بوجوده متقدما کان لابد من اختفائه حفاظا علي حياته، حتي يظهر الله أمره و ينفذ وعده، و هو معني الغيبة.

فان قال قائل: يمکن أن نلتزم أن المهدي (ع) ولد في الزمان المتقدم، ثم يموت، ثم يحييه الله تعالي للقيام باليوم الموعود.

نقول في جوابه: ان هذا غير صحيح لعدة وجوه.



[ صفحه 237]



اولا: انه افتراض لم يقل به أحد. فهو علي خلاف اعتقاد کل المسلمين. اذن فهو باطل جزما.

ثانيا: اننا ان فهمنا الغيبة طبقا لاطروحة خفاء الشخص، فليس الحياة بعد الموت أولي منها، من الناحية الاعجازية. و ان قلنا بالغيبة طبقا لأطروحد خفاء العنوان، کانت هذه الأطروحة أولي بالأخذ من ذلک الافتراض، لأنها أقرب الي الأسلوب الطبيعي، کما عرفنا فيما سبق، و قدعرفنا أيضا أن قانون المعجزات ينفي کل معجزة يمکن أن يوجد الغرض منها بشکل طبيعي.

ثالثا: أننا مع هذا الافتراض سوف نخسر شيئا أساسيا سوف نشير اليه، و هو تکامل القائد خلال عصر الغيبة من تکامل ما بعد العصمة. اذ مع ذاک الافتراض لا يکون هذا التکامل موجودا، فانه لامحالة يحيي علي نفس المرتبد التي مات عليها من الکمال.

اذن فالحفاظ علي القائد العظيم، هو المطلوب الأساسي من الغيبة،الذي تشارک فيه الغيبة في التخطيط الالهي.

و يمکن أن نضيف عدة أمور أخري يشارک فيها عصر الغيبة في هذا التخطيط:

الأمر الأول:

تکامل القائد، من تکامل ما بعد العصمة، ذلک الکمال الذي يؤهله الي مرتبة أعلي و أعمق و أسهل في نفس الوقت من أساليب القيادة العالمية العادلة.

و سنبحث ذلک مفصلا في القسم الثالث من هذا التاريخ.

الأمر الثاني:

ما سمعناه في القسم الأول من قيام المهدي (ع) بالعمل الاسلامي المنقذ للأمة من الهلکات، و الفاتح أمامه سبل الخير، و الموفر - في نتيجته - أکبر مقدار من المخلصين الممحصين، المشارکين في بناء الغد الموعود.

الأمر الثالث:

مساهمة الحوادث التي تمر خلال عصر الغيبة الطويل، بايجاد شرط الظهور، و هو کون الأمة علي مستوي المسوولية. کما سبق أن أوضحنا.



[ صفحه 238]



الأمر الرابع:

شعور الأمة، علي طول الخط، بوجود القائد الفعلي لها الماسک بزمام أمرها و المطلع علي خصائص أعمالها. ذلک الشعور الذي يرفع من معنويات الأفراد و يقوي فيهم روح العزيمة و الاخلاص، مما يساعد علي زيادة أعداد المخلصين الممحصين.

الأمر الخامس:

تعمق الفکر الاسلامي من حيث الفهم من الکتاب و السنة، سواء في العقائد أو الأحکام، مما يجعل الأذهان مستعدة أکثر فأکثر لتقبل و فهم الأحکام التفصيلية التي يعلنها المهدي (ع) في دولته العالمية الموعودة.

و نحن لا زلنا نري المفکرين الاسلاميين، يتحفون مجتمعهم ببحوث و تدقيقات جديدة، قائمة علي التعمق و السعة في فهم الکتاب و السنة، من جوانبها المتعددة، فهذه البحوث کلها واقعة ضمن التخطيط الالهي الکبير.

و نحن نشعر بما لتعقد الحياة و تضاعف الظلم البشري و وجود التيارات المعادية للاسلام... من ايجاد الدافع القوي للمفرکين الاسلاميين، في السير قدما نحو التعمق و التدقيق. فيکون ذلک من هذه الجهة ايضا، مندرجا في التخصيط الالهي.

و قد يخطر في الذهن: أننا سبق أن قلنا أن الأمة عند نزول الاسلام کانت علي مستوي فهمه و قابلة لاستيعابه، بصفته الأطروحة العادلة الکاملة، اذن فهم قد فهموه. فما هو الحاجة الي هذه الزيادة في التدقيقات.

و جواب ذلک: أننا نحتمل - علي أقل تقدير - أن الأطروحد العادلة المعلنة بين البشر ذات مستويين من الناحية الفکرية. فالمستوي الأدني منها، کان البشر علي مستوي فهمه و استيعابه عند بدء الاسلام. و هو الذي أصبح معلنا منذ ذلک الحين الي عسر الظهور.و هو الذي يعيش التدقيقات و التعميق علي طول الزمن و المستوي الأعلي منها سوف يعلن بعد الظهور عند الابتداء بالتطبيق العادل. و هو يحتاج في فهمه الي مستوي فکري وثقافي في البشرية لايحصل الا بتلک التدقيقات. و لو کان قد أعلن في بدء الاسلام لما کان مفهوما علي الاطلاق.



[ صفحه 239]



وهذا الأمر و ان کنا نعرضه الأن معرض الاحتمال، الا أننا سنسمع في الکتاب الاتي من هذه الموسوعة مثبتات ذلک.

اذن فهذه الدقة المکتسبة في الفکرالاسلامي لها أکبر الأثر في فهم الأطروحة الکاملد علي شکلها الجديد المعلن بعد الظهور.

بقي علينا أن نشير الي أنه ليست الدقة في الفکر الاسلامي فقط هي التي تشارک في تعميق المستوي الثقافي اللازم تحققه في اليوم الموعود... بل تشارک في ذلک سائر القطاعات و الشعوب في العالم، بما تبذل من دقة و عمق في سائر العلوم.

لوضوح أن البشرية علي العموم، و ليس المجتمع المسلم وحده، هو الذي يجب أن يتقبل الأحکام المهدوية... فان حکم المهدي (ع) يعلم العالم کله، و لا يختص بالمجتمع الاسلامي.

مضافا الي أن التقدم العلمي في سائر حقول المعرفة البشرية، سوف تشارک مشارکة فعالة في بناء الغد المنشود، ذلک الغد الذي يصعب تقدم البشريد بالسرعة المطلوبد بعد تحققه لولا أنها کانت قد تقدمت و تکاملت قبل ذلک.

اذن فعصر الغيبة يشارک في التخطيط الالهي من هذه الناحية ايضا.

و بهذا نکون قد حملنا فکرة کافية عن التخطيط الالهي و التمحيص الذي ينال البشر خلال عصر الغيبة الکبري. و هو ما عنيناه في عنوان هذه الناحية الأولي من هذا الفصل من اقتضاء القواعد العامة في الاسلام لوجود الظلم و الانحراف في المجتمع. و سيکون ما نسرده من النصوص في الناحية الاتية مويدات لفحوي القواعد العامة التي عرفناها.