في تأسيس القواعد العامة لفهم اخبار التنبو عامة و فساد الزمان
في تاسيس القواعد العامة لفهم اخبار التنبو عامة و فساد الزمان خاصة... علي ضوء المنهج السندي و الدلالي السابق.
يمکن أن نطرح في فهم الارتباط العام بين الروايات، اطروحتين... ترجع الاولي الي التمسک بالالفاظ و المداليل المطابقية و المعاني المباشرة للروايات. و ترجع الثانية الي التجاوز عن الألفاظ الي الأساس الجوهري المطابق للقواعد الاسلامية الصحيحة.
[ صفحه 194]
الأطروحة الأولي:
أن تأتي الفکرة الي الذهن کما يلي: اننا اذ نعيش في زمان معين و مکان محدد، تخفي علينا - بطبيعة الحال - المصالح العامة و التخطيطات الکبري التي توخذ بنظر الاعتبار في التدبير الالهي. فانها ناتجة عن حکمة أزلية يقصر عن ادراکها الانسان المتناهي القاصر.
اذن فلا سبيل لنا الي فهم الارتباط العام. ازيد مما دلت عليه الفاظ الاخبار المتوفرة في هذا الصدد، فانها المفتاح الأساسي للاطلاع علي الأمور الغائبة عنا. و معه نکون في حاجة علي الدوام الي التمسک بالمداليل اللفظية للاخبار، ما دام الخبر بحسب القواعد العامة قابلا للاثبات التاريخي.
و معه فقد نستنتج من ذلک عدة نقاط:
النقطة الأولي:
أنه لا حاجة الي التشدد السندي الذي ذکرناه، کما لاحاجة الي الأخذ بالمنهج الدلالي السابق.. فاننا انما نحس بالحاجة الهيما فيما اذا فهمنا من الروايات غموضا و اجمالا و استبعدنا صدق مداليلها اللفظية المطابقية. الا ان هذاالغموض و هذا الاستبعاد ناتج - في الحقيقة - من جو نفسي معين ناتج من دعوي العلم بما نهجله من التدبير الالهي و الحکمة الأزلية. فاذا لم تکن الروايات مطابقة مع العلم الذي ندعيه، احتجنا الي تمحيصها سندا و دلالة.
و أما مع الاعتراف بالجهل أمام الله تعالي في تدابيره الکبري، فلا يبقي أمامنا في معرفة تفاصيل هذه التدابير، الا ما نطقت به هذه الاخبار، فانها الطريق الوحيد للمقصود. و معه فلا حاجة الي التشدد في سندالروايات و لا الشک في معانيها الواضحة الظاهرة منها و لا حاجة الي حملها علي غير ذلک من المعاني.
النقطة الثانية:
انه لا حاجة الي تصور اي ارتباط عام بين الحوادث الواردة في هذه الأخبار، بل أن الاطلاع علي ذلک متعذر اساسا. فان الارتباط الواقعي بيد الله عزوجل و لمخ يطلع عباده عليه الا بالمقدار الذي وردت فيه الاخبار الدالة علي التنبو بالمستقبل،
[ صفحه 195]
و هي لا تعطينا الا الحوادث المتفرقة المبعثرة ليس الا، و اما الزائد علي ذلک فلا بد من ايکال علمه الي اهله.
النقطة الثالثة:
انه لا حاجة الي الفحص عن اسباب الحوادث و دواعيها النفسية و الخارجية، اذ من المتعذر البحث عن ذلک. اما لأن مثل هذه الدواعي غير موجودة اصلا عند غير الله تعالي. و انما الموجد للحوادث هو الله عزو جل، فالدواعي منحصره بالحکمة الأزلية المستحيل الاطلاع عليها. و أما أنه، علي تقدير وجود الأسباب الواقعية للحوادث المروية، فاننا انما نطلع عليها بالمقدار الذي دلت عليه هذه الروايات... و هو نزر قليل، و نبقي مسلمين بالجهل تجاه الاسباب التفصيلية الواسعة لها.
النقطة الرابعة:
ان الأخبار التي برهنا علي أنه لابد من الاخذ بمد اليلها اللفظية، دلت علي أن علائم الظهور تقوم في الأغلب علي المعجزات و خوارق العادات. و هو أمر لا محيص عن الالتزام به، و انما يمنع عن التسليم بذلک الحس المادي الذي نعيشه في هذا العصر المنحرف عن الاسلام الضال عن الاتجاه الالهي الصحيح.
و معه لاحاجة الي التأويل في ظواهر الروايات، بعد ان کانت ممکنة الوقوع و معتبرة السند. فلا باس ان نتصور وجود نار في اليمن تضي ء لها أعناث الابل في بصري علي وجه الحقيقة. أو أن نتصور طول اليوم الواحد حتي يصبح بمقدار عدة سنوات في أيام المهدي (ع) و نتصور صغره حتي يصبح کالومضة الواحدة، في عصر الدجال أو السفياني... کما نطقت بذاک و بهذا بعض الروايات.
بل قد يمکن حمل ما ظاهره الحدوث بسبب طبيعي علي الحدوث بسبب اعجازي کالخسف في البيداء، و قتل النفس الزکية و خروج الدجال و نحو ذلک.
بل قد يمکن تعميم المعجزات، من طرف الحق الي طرف الباطل. فالدجال عنده أکوام من الطعام بنحو اعجازي، و نهر يري ان فيه ماء و انما هو فيه النار، و نهر آخر يري أن فيه النار و انما هو فيه الماء الصافي اللذيذ. و السفياني يتم قتاله مع
[ صفحه 196]
انصار الحق بنحو اعجازي. و هکذا وکل ذلک مما ينبغي التسليم به لمجرد دلالة الروايات عليه.
النقطة الخامسة:
ان الحوادث المنقولة في الروايات، سواء منها الاعجازي او الطبيعي، هي في واقعها، شرائط للظهور،بمعني ان الله عزوجل اناط الظهور بها و جعله متوقفا عليها، بارادة خاصة، بمعني أنه جعل لها سببية زائدة علي أسبابها و مسبباتها الخاصد، فلا يتحقق الظهور بدون حدوثها. و ان لم نفهم الوجه في فلسفة ذلک.
الأطروحة الثانية:
أننا و ان کنا جهلاء أمام العلم الالهي الأزلي اللامتناهي، و يستحيل اطلاعنا عليه بدون اخباره عز و جل لنا و اعلامه ايانا. الا انه عزوجل جعل لنا طريقين اساسيين مشروعين لحصول العلم: اولهما: الحق المتمثل بالقضايا الواضحة التي يحکم العقل السليم بصدقها بشکل لايمکن أن يرقي اليه الشک. وثانيهما: النقل المتمثل بالکتاب الکريم و السنة الشريفد. و من المستطاع أخذ القواعد العامة، بل الاطلاع علي کثير من التفاصيل في هذين الطريقين بشکل موکد الصحة و المطابقة للواقع، و مرض لله عز و علا. و نحن اذا طبقنا هذه القواعد، لا نکون قد أخذنا بآرائنا الشخصية، و انما نکون قد اخذنا بالراي الاسلامي من زاوية القواعد العامة، في تمحيص خصائص الروايات و تفاصيلها، و تکون القواعد العامة العقلية و الشرعية مقدمة علي هذه الروايات و محکا لفهم صحتها و صدقها.
اذن، فالاخذ بما دلت عليه اخبار التنبو، من دون تمحيص و تحليل،باعتبار اننا جهلاء تجاه علم الله تعالي... يمثل جهلا بالقواعد الشرعية و العقلية الموضوعة لمعرفة الحق و تشخيص الصواب... و نحن لسنا جهلاء بهذه القواعد، بعد أن وفقنا رب العالمين للطلاع عليها بما هدانا اليه من العقل و النقل، و ما کنا لنهتدي لولا ان هدانا الله.
و معه، لابد من الاخذ بما يوصلنا اليه النظر في القواعد العامة، و فهم الترابط بين الحوادث و الاخبار الدالة عليها. والاخذ من هذه الروايات بمقدار ما تثبت لنا صحته طبقا للقواعد ايضا.
[ صفحه 197]
و اذا سرنا بهذا المسار، امکننا ان نضع نقاطا خمس مقابلة للنقاط التي تتضمنها الأطروحة الأولي.
النقطة الأولي:
اننا نحتاج لا محالة الي المنهج الدلالي و التشدد السندي التي و ضعناه لنستطيع ان ننطلق عن طريقهما الي ازالة ما قد يبدو من التنافي بين بعض الاخبار و بعض من ناحية و التنافي بين بعض الأخبار و القواعد العامة من ناحية أخري.
النقطة الثانية:
أنه لا شک في وجود ترابط حقيقي واقعي بين کل حوادث الدهر، ابتداء بما يعيشه الانسان من حوادث شخصية و عامة و انتهاء بعلامات الظهور و الظهور نفسه... هذا الارتباط الذي يمثل التخطيط الالهي لهداية البشر أجمعين في مستقبل الدهر، علي ما سنوضحه و نبرهن عليه في الفصل الاتي.
اذن، فما قلناه في الأطروحة الأولي، من أن الارتباط الواقعي انما هو بيد الله عزوجل... هوالصحيح بکل تاکيد. لکننا لسنا جاهلين به بالمرة بل يمکننا استخلاص معرفته من القواعد العامة و الروايات الخاصة، بالشکل الذي نعرضه في بحوثنا المقبلة من هذا التاريخ.
النقطة الثالثة:
ان للحوادث المروية في هذه الأخبار أسبابها الخاصة. و يمکن اقتناص عدد مهم منها من الأخبار و القواعد. و ان حال الحذف و النقصان الذي تعانيه الروايات دون اقتناص البعض الاخر.
و ليس صحيحا ما قلناه في الاطروحة الاولي من تعذر الاطلاع علي اي سبب للحوادث. لاننا ربطنا هذا التعذر بتبريرين قابلين للمناقشة.
التبرير الأول:
ان الأسباب الکثيرة غير موجودة اساسا، و انما السبب الوحيد المباشر للاشياء هو الله تعالي.
و هذا ما ثبت في الفلسفة بطلانه و تبرهن علي احتياج الأشياء - بما فيها
[ صفحه 198]
المعجزات انفسها - الي الاسباب، [1] تکون بها مستعدة و مستحقة للوجود، حتي يفيض الله تعالي عليها الوجود، و مجال تحقيق ذلک غير هذا المجال.
التبرير الثاني:
انه من المتعذر الاطلاع علي الأسباب، لو کانت موجودة.
و قد عرفنا بطلان ذلک مما عرفناه من امکان الاطلاع علي کثير من الأسباب أخذا بالقواعد العامة و الأخبار الواردة. و سنري في الأقسام الاتية من الحديث وفاء ما هو الوارد الينا بعدد ليس بالقليل من الأسباب، بحيث يعطينا الفکرة الکافية عن الارتباط العام و التخطيط الالهي الشامل.
النقطة الرابعة:
ان المعجزة، کما عرفنا مکررا، مساوقة مع اقامة الحجة، بنحو لا تکون اقل منها و لا أکثر. و قد برهنا علي ذلک في رسالة خاصة بالمعجزات.
و هذا يشکل قاعدة عامة يمکن أن نفهم بها الروايات، و ما ورد فيها من المعجزات. فما کان واقعا في سبيل اقامة الحجة قبلناه سواء کان واقعا من الشخص المثل للحق أو الشخص الممثل للباطل... اذ قد تکون المعجزة الصادرد من المبطل دالة علي فشله و سوء تصرفه و مودية الي فضحه، فيشاء الله تعالي وقوعها للناس، لانجاز هذا الغرض، فتندرج ذلک في اقامة الحجة.
و هذا و ان کان قليلا جدا في تاريخ المعجزات، الا أنه علي أي حال، لا بد من التسليم بصحته لو وردنا منه شي ء، فانه مطابق لقانون المعجزات.
و أما ما لم يکن واقعا في طريق اقامة الحجة من المعجزات، فنرفضه، سواء نقل في الاخبار وقوعها من الشخص الممثل للحق أو الشخص الممثل للباطل. و أولي بالبطلان و الفساد صدور المعجزة بنحو ينتج تأييد الانحراف و الدعوة الي الباطل. فان ذلک مستحيل الوقوع من الله عزوجل، الذي له دعوة الحق علي کل حال.
[ صفحه 199]
فاذا دلت الرواية بظاهرها علي مثل هذا الشکل الباطل من المعجزات... احتجنا الي تاويلها و حملها علي الکناية أو الرمز، لو امکن. فان ذلک اولي من طرحها و تکذيبها جملة و تفصيلا.
علي أن بعض اساليب هذه الروايات، لايفهم منها المعجزة بشکل مباشر، و ان دل ظاهرها علي ذلک. و لا يخطر في ذهن السامع الاخذ بالظهور راسا. فمثلا: ان الخبر الدال علي ظهور نار من اليمن او من قعر عدن تضي ء لها اعناق الابل في بصري - و هي بلد في سوريا - فانه من اول الامر لا يفهم منها السامع وجود نار حقيقية وجدت علي شکل اعجازي. و انا يفهم منها الرمز الي شي ء وراء ذلک مثل کونها حرکة اجتماعية او دعوة مذهبية واسعة، او هي الاشعاع الذري المنتشر في الفضاء، او غير ذلک.
النقطة الخامسة:
اننا سنبحث في القسم الثالث من هذا التاريخ معني شرائط الظهور، و نري بوضوح الفرق بينها و بين علائم الظهور. و سنعرف هناک أن کل ذلک يخطط الله تعالي لايجاده بشکل طبيعي بدون أن يکون لها سببية زائدة علي ما هو المعروف من تسلسل الأسباب في الکون، خلافا لما أدعيناه في الأطروحة الأولي السابقة
و سنعرف طبقا للتعريف الذي سوف نعطيه للشرائط و العلامات، ان الجو العام الذي نتکلم عنه في هذا الفصل من انحراف البشرية و بعدها عن طاعة الله خلال عصر الغيبة الکبري، يمکن أن يندرج في شرائط الظهور باعتباره سببا لايجاد النخبة المختارة الرائدة للفتح العالمي بين يدي المهدي عليه السلام علي ما سنعرف. کما يمکن أن يندرج في علامات الظهور بصفتها امورا مربوطة بوجود الظهور في معطيات الروايات بشکل و آخر، علي ما سنعرف تفصيله.
و علي اي حال، فقد عرفنا بعد هذه الجولة، کيفية فهم الروايات و الجمع بين مضامينها و توحيد اتجاهاتها طبقا للقواعد العامة العقلية و النقلية. و الحمد الله رب العالمين.
[ صفحه 201]
پاورقي
[1] يقصد بالاسباب ما يشمل الاسباب المادية و الروحية، و اسباب المعجزات، من القسم الثاني، کما برهنا عليه في محله.