في أقسام روايات التنبؤ بالمستقبل بشکل عام
في أقسام روايات التنبؤ بالمستقبل بشکل عام، و تحديد ما يدل منها في محل البحث من هذا القسم الثاني من هذا التاريخ.
تنقسم هذه الروايات من نواح ثلاث، تختلف باختلاف الاعتبارات الملحوظة فيها:
[ صفحه 190]
الناحية الأولي:
انقسامها من حيث توزيعها علي الزمن، باعتبار ماضينا و حاضرنا و مستقبلنا.. الي ثلاثة أقسام:
القسم الأول:
ما دل علي التنبو بوقوع الحوادث قبل وقوعها، ولکن قد حصل وقتها وجاء زمانها خلال الأجيال الاسلامية. کالتنبو من قبل النبي (ص) و بعض الأئمة الأوائل، بقيام دولة الأمويين أو العباسيين و انقراضهما، أو خروج صاحب الزنج أو وقوع الحروب الصليبية، و غيرها مما ورد التنبو به، و حدث بالفعل خلال التاريخ الاسلامي.
القسم الثاني:
ما دل علي التنبو بحوادث نجدها معاصرة لنا في جيلنا الحاضر. و هي تلک الروايات التي دلت علي فساد الزمان و انحراف الاتجاهات العامد السائدة فيه، من وجهة نظر الاسلام الواقعي... و ما يتبع ذلک و يتسبب عنه من النقاط التفصيلية و الحوادث المعينة، علي ما سنسمع.
القسم الثالث:
التنبو بحوادث لم تقع بعد، او لم يدل الدليل علي وقوعها، علي اقل تقدير. کقتل النفس الزکية و خروج السفياني و الدجال و الصيحة و الخسف بالجيش في البيداء... الي غير ذلک.
وما هو داخل في هذا القسم الثاني من هذا التاريخ هو القسم الثاني من هذه الأقسام الثلاثة، بصفته دالا علي مقدار تمسک الناس بالدين و تعاليم الاسلام في الغيبة الکبري، بما يشمل العصر الحاضر و غيره من العصور. و اما القسمين الأول و الثالث فمجال الاطلاع عليهما سيکون هو القسم الثالث من هذا التاريخ ان شاء الله تعالي، بصفته مسوقا بشکل رئيسي لبيان علائم الظهور، علي ما سنسمع.
الناحية الثانية:
انقسام هذه الأخبار من حيث الرواة الناقلين لهذه الأخبار بما يعتقدون من
[ صفحه 191]
مذاهب اسلامية. و تشکل مجموع هذه الأخبار مسارا خاصا للعرض التاريخي لعصر الغيبة الکبري، نستطيع أن نسميه بالتاريخ الخاص لهذه الفترة.
وينقسم الرواة من هذه الناحية الي قسمين رئيسيين، لابد من التعرف عليهما مع الالماع الي بعض الفروق الأساسية بينهما:
القسم الأول:
ما رواه المحدثون العامة من أخبار التنبؤ بالمستقبل، فانهم نقلوا القسط الأوفي و القسم الأکبر منها. و شاعت في اخبارهم نصوص و حوادث معينة، لاتکاد توجد فيما رواه الرواة الامامية من هذه الأخبار.
و قد وردت هذه الأخبار في مصادرهم بعنوان الملاحم و الفتن أو اشراط الساعة، و لم تربط مداليلها، في الأعم الأغلب، بغيبد الامام المهدي (ع) أو ظهوره، الا ما کان من القسم الثالث من الناحية السابقة و هو تلک الحوادث القريبة من الظهور و أمارة مباشرة عليه، کوجود السفياني و الخسف. و أما القسمين الأول و الثاني منها، فقد ذکرت اخبارها مستقلة عن مسألة المهدي (ع) تماما. و من هنا ذکرنا في المقدمة، ان الاشارة الي تاريخ الامام المهدي (ع) فيما يخص الفترد التي تعرض لها، قليل جدا في اخبار العامة. ولکننا سنري فيما بعد امتناع الفصل بين الفرکتين بسب فلسفة الغيبة و الربط الفکري العام علي الحوادث. و سنبرهن في القسم الثالث من هذا التاريخ، علي أن کل أخبار التنبؤ بکل اقسامها، دالة علي وجود المهدي (ع) بطريق مباشر و ان ما يقع من حوادثها قبل ظهوره، هي من علامات الظهور.
القسم الثاني:
ما رواه محدثوا الامامية من هذه الاخبار، و هو علي کثرته و ضخامة عدده، لا يکاد يصل الي المقدارالذي رواه العامة من ذلک.
و قد وردت هذه الاخبار في مصادرهم - عل الأعم الأغلب -، مربوطة بغيبة المهدي (ع) و ظهوره،و سميت بعلائم الظهور، بمعني کونها حوادث لابد أن تحدث قبل الظهور، و من ثم يکون حدوثها دالا علي حدوثه و مويدا لتوقع وجوده
[ صفحه 192]
بشکل و آخر، و سنذکر فلسفة ذلک وارتباطه الفکري العام، في القسم الثالث من هذاالتاريخ.
و لم يشذ عن الربط بالمهدي (ع)، الا بعض ما يندرج في القسم الأول من الناحية السابقة، کالتحذير من قبل النبي (ص) من دولة الأمويين أو العباسيين. فانه ذکر مستقلا عن مسألة المهدي (ع) علي الاغلب. ولکنه - علي اي حال - مشمول لما قلناه من ارتباط کل التنبوات بتلک المسألة و لو بشکل غيسر مباشر.
الناحية الثالثة:
انقسام هذه الأخبار من ناحية دلالتها علي سوءالزمان تارة و حسنه تارة اخري.
فان الأعم الأغلب من روايات التنبو بالمستقبل، و خاصة فيما يدخل في محل الکلام من هذا القسم من التاريخ.. تدل علي سوء الزمان و تدهوره من الناحية العقائدية و الاقتصادية و السلوکية و انحرافة عن الاسلام. و تتضمن هذه الاخبار في حقيقتها تحذيرا للمسلم عن أن ينحرف مع المنحرفين، و اعطائه الأساس العام للموقف تجاه الانحراف و ما يحدث من الفتن و المصاعب، بالنحو الذي سنضح فلسفته في الفصل الاتي.
وهناک عدد مهم من الروايات، يدل علي حسن الأفراد أو المجتمع من الناحية الاقتصادية أو العقائدية أو السلوکية. و يمکن الرجوع بهذه الروايات الي عدة أقسام:
القسم الأول:
ما دل من الأخبار علي حسن المجتمع بعد ظهور الامام المهدي (ع) و هي روايات عديدة جدا يشترک في نقلها الفريقان، و هذا ما يخص تاريخ ما بعد الظهور، و هو الکتاب الثالث من هذه الموسوعة.
القسم الثاني:
ما دل من الروايات علي کثرة المال و الطعام مع الدجال الأعور. و هي أخبار کثيرة وردت، في الأعم الأغلب، في مصادر الحديث العامة. و لم يخرجها من
[ صفحه 193]
الاماميه الا القليل. و هي تخص القسم الثالث من هذا التاريخ و سنعرض لتمحيصها هناک ان شاء الله تعالي.
القسم الثالث:
ما دل علي تحقق نخبة مخلصة واعية قوية الارادة، خلال الغيبة الکبري. و هي أخبار غير قليلة وردت في مصادر الفريقين. و سياتي التعرض الي فلسفتها في الفصل الاتي حين نعرض الي التخطيط الالهي لليوم الموعود.
القسم الرابع:
ما دل من الاخبار علي تحسن المجتمع أو الأفراد بشکل عام، مهمل عن ذکر التاريخ، و تحديد الزمان و المکان علي الاطلاق. و قد وردت جملة من ذلک في مصادر الحديث العامة.
و هذا مما لابد من ربطه باحد الاقسام السابقة، و خاصة بعهد ما بعد الظهور حين تمتلي ء الأرض قسطا و عدلا، کما ملئت ظلما و جورا، و لا يمکن أن نفهم حدوثه خلال عهد الغيبة الکبري بعد قيام الدليل القطعي علي فساد الزمان و تدهوره، بحسب الاخبار الواردة الفائقة عن حد التواتر، علي ما سنسمع.
فهذه جملة الاقسام العامد للاخبار الواردة للتنبؤ باحوال الزمان، ذکرناها لتکون علي احاطة بها الي حين تمحيطها.