بازگشت

في شرح المفاهيم و التنبؤات الرئيسية التي وردت في هذا الخطاب


في شرح المفاهيم و التنبؤات الرئيسية التي وردت في هذا الخطاب. و يمکن اعطاء تفاصيل ذلک، ضمن عدة نقاط:

النقطة الأولي:

قوله (ع): قد أذن لنا في تشريفک بالمکاتبة.

فان المهدي (ع) لا يقوم بالعمل الا باذن الله تعالي، و حيث صدر الاذن بارسال هذا الکتاب، فقد تصدي المهدي لارساله.

و لفهم هذا الاذن أطروحتان:

الأولي: صدر الاذن المباشر من قبل الله عزوجل في کل واقعة واقعة. ذلک الاذن المستفاد بالالهام و نحوه من مراتب العلوم التي يختص بها الامام المعصوم (ع) کما دلت عليه بعض الاخبار.

الثانية: الاذن الالهي المستفاد من بعض القواعد العامة التي يعرفها المهدي عليه السلام، و يستطيع تطبيقها في کل مورد. تلک القواعد التي نعبر عنها باقتضاء المصلحة الاسلامية لشي ء من الأشياء. فاذا أحرز المهدي (ع)، وجود المصلحة في المراسلة مثلا، فقد أحرز وجود الاذن الالهي بالعمل علي طبق تلک المصلحة. و معه يکون سبب الاذن، هو وجود المصلحة ليس الا، من دون اذن مباشر، کما قالت الأطروحة الأولي.

و ترجيح احدي الأطروحتين علي الأخري موکول الي القاري ء.

النقطة الثانية:

قوله عليه السلام: اعزهم الله بطاعته.

و هو تنبيه الي استلزم الخروج عن طاعة الله تعالي للذل و الصغار، و استلزام الالتزام بها للعز و الشرف. فيجب الخروج من ذل معصية الله و الدخول في عز طاعة الله تعالي.

و ذلک واضح جدا بحسب مفاهيم الاسلام، فان العزة لله و لرسولة و للمومنين. و الخضوع لله تعالي هو الخضوع للحق من ناحية، و خضوع مجانس لما



[ صفحه 148]



خضع له الکون کله و هو القدرة الأزلية و الحکمة اللانهائية، و کلا الأمرين عدل و حق، بمنطق العقل الصحيح.

علي أن الخضوع لله عزوجل، بمعني الالتزام باوامره و نواهيه و قصر السلوک عليها، يغني الفرد عن اتباع سائر مصادر التشريع البشرية المنحرفة التي علي الانزلاق الي مهاوي الباطل، و علي راسها المصال الشخصية و القوانين الوضعية... فيکون الفرد متعاليا عنها عزيزا منيعا من جهتها.

علي حين ان البع9د عن الالتزام بتعاليم الله العادلة، يستلزم - لا محالة - وجود فراغ في السلوک، يملوه الفرد باساليب الانحراف، فيکون خاضعا لمقتضياته، و ذليلا امامها. و هو معني ذلة معصية الله عزوجل.

و هناک اکثر من معني آخر، لمعني العزة في طاعة الله عزوجل، لاحاجة الي الاطالة، بسبب بيانه.

و علي اي حال، فهذا هو المراد بقوله: اعزهم الله بطاعته. و بقوله: و معرفتنا بالذل الذي اصابکم منذ جنح کثير منکم الي ما کان السلف الصالح عنه شاسعا، و نبذوا العهد الماخوذ وراء ظهورهم کانهم لايعلمون.

فان السلف الصالح کان عزيرا بطاعة الله تعالي و الالتزام بتعاليمه، و کان شاسعا - اي بعيدا - عن معصية الله عزوجل. و کان ملتزما بالعهد الذي قطعوه امام ربهم بالطاعة، بصفتهم مسلمين اليه عارفين باهمية تعاليمه.

فلما اتجه الخلف الي ما کان السلف مبتعدا عنه، و هو المعصية و مخالفة التعاليم الاسلامية، اصبحوا اذلاء امام مقتضيات الانراف و المصالح الخاصة، و بالتالي امام اعداء الحق و الاسلام. فاصبحوا مقصرين تجاه دينهم و عهد ربهم و امتهم و انفسهم.

و من هنا نشعر - من وراء التعبير - بالمرارة و الاسف الذي يعتلج في نفس الامام المهدي (ع) من هذا الانحراف.

النقطة الثالثة:

قوله: نحن و ان کنا ناوين بمکاننا النائي عن مساکن الظالمين، حسب الذي



[ صفحه 149]



ارانا الله تعالي لنا من الصلاح ولشيعتنا المومنين في ذلک، ما دامت دولة الدنيا للفاسقين.

و هذا البعد عن مساکن الظالمين، لا ينافي أيا من الأطروحتين الرئيسيتين، و کان في هذا امتثالا للأمر الذي ذکره المهدي لعلي بن مهزيار عن والده عليه السلام في انه يسکن اقاصي الأرض وقفارها. و هو في ذلک المکان النائي يمکن ان يکون مختفي الشخص طبقا لاطروحة خفاء الشخص، أو ظاهر الشخص، طبقا لاطروحة خفاء العنوان.

و اذا کان منسابا مع کلا الاطروحتين لم يکن نافيا لاي منهما، و لا معينا لا حداهما. و ان کان لايخلو - علي کلا الأطروحتين - من بعض المناقشات، التي لا مجال للدخول في تفاصيلها.

و هذا الصلاح الذي يشيراليه في هذه العبارة، يمت في الحقيقة الي أصل الغيبة بصلة، لا الي مجرد الناي في المکان، و انما أخذ ذلک في السياق استطراقا الي الاشارة الي مفهوم الغيبة نفسه. و معه فالصلاح الذي راه الله تعالي للمهدي و للمومنين به، انما هو في الغيبة نفسها. و هذا ما سيأتي تفصيله في القسم الثاني من هذا التاريخ.

النقطة الرابعة:

بيانه عليهم السلام انه يعيش علي مستوي الاحداث، يحيط علما بکل الانباء و تصله جميع الاخبار. حين قال: فانا نحيط علما بانبائکم، و لا يعزب عنا شي ء من اخبارکم.

و هناک لامکان اطلاعه علي الأخبار، عدة اطروحات:

الأطروحة الأولي:

أنه عليه السلام يعلم الاخبار و يطلع علي افعال الناس، عن طريق الالهام الالهي، أو الطريق الاعجازي الميتا فيزيقي. و يويد ذلک ما دل علي ان اعمال البشر اجمعين برها و فاجرها تعرض علي الامام في کل يوم و ليلة، ليري فيها رايه. و هو قوله تعلاي: (فسيري الله عملکم و رسوله و المومنون)، و هم الائمة عليهم



[ صفحه 150]



السلام، علي ما نطقت به هذه الروايات [1] .

ويمکن أن يويد ذلک بمفهوم اجتماعي اسلامي، و حاصله: ضرورة کون الامام مويدا بالالهام الالهي، و ذلک انطلاقا من ثلاث مقدمات:

المقدمة الاولي:

ان الله تعالي حين ينيط مهمة معينة بشخص، لابد ان يجعل فيه القابلية الشخصية لتنفيرها و القيام بمتطلباتها. و من الواضح عدم امکان ايکال المهمة الي شخص قاصر عنها او عاجز عن تنفيذها.

المقدمة الثانية:

ان الله تعالي او کل الي النبي (ص) اولا و الي خلفائه المعصومين ثانيا: قيادة العالم، بحيث لو سنحت الظروف لاي واحد منهم ان يقوم بالفتح العالمي الکامل لوجب عليه ذلک، و لباشر القيادة العالمية بنفسه.

اذن، فکل واحد من المعصومين قائد عالمي معد - من الناحية النظرية علي الاقل - للقيام بمهمته الکبري. و معه لابد - طبقا للمقدمة الأولي - أن يکون لکل واحد منهم القابليات الکافية للقيادة العالمية، و القيام بمثل هذه المهمة العظيمة.

المقدمة الثالثة:

ان القيادة العالمية تتوقف علي الالهام، لامحالة. فان قيادة العالم شي ء في غاية الدقة و العمق و التعقيد. و نحن نري ان الول لا زالت تحکم جزءا من العالم بهئيات کبيرة و افراد کثيرة، و تنظيمات دقيقة و قوانين صارمة، و مع ذلک فهي کثيرة الفشل في اعمالها و اقوالها. فکيف من يحاول قيادة العالم بمجموعه، بحيث ترجع المقاليد العامة للحکم الي شخصه فقط، من الناحية الفکرية و العملية معا.

و معه، فهذه المهمة لايمکن تنفيذها، الا بوجود الالهام للقائد العالمي. و حيث ان المهدي (ع) هو احد الأئمة المعصومين، طبقا للمذهب الامامي، و قد ثبت بالضرورة کونه هو القائد العالمي في يوم العدل الموعود طبقا لضرورد الدين



[ صفحه 151]



الاسلامي، بل کل الاديان السماوية... اذن فيتعين کونه مويدا بالالهام من قبل الله عزوجل. و اذا کان مويدا بالالهام، فلا غرابة من اطلاعه علي اعمال العباد و کونه علي مستوي الاحداث.

و هذه الاطروحة، منسجمة مع کلتا الاطروحتين الرئيسيتين السابقتين.

الأطروحة الثانية:

أننا اذا غضضنا النظطر علي الأطروحة الأولي، و قلنا ان الامام موهل طبيعيا لقيادة العالم من دون اي عنصر ميتافيزيقي. و کنا ملتزمين - کما هو الحق - بالاطروحة الرئيسية الثانية: اطروحة خفاء العنوان...

اذن يثبت ان المهدي (ع) يعيش في المجتمع بشخصيته الثانية، يتصل بالناس و يتکلم معهم و يفحص عن اخبارهم. من دون ان يخطر في بال أحد أنه هو المهدي المنتظر (ع). بل قد يستطيع ان يخطط لاستقصاء تفاصيل الأخبار من سائر بلدان العالم و زواياه!.

الأطروحة الثالثة:

اذا غضضنا النظر عما في الأطروحة الأولي من ثبوت الالهام للامام، و عما في الأطروحة الثانية من معيشته و سکناه في صميم المجتمع. و أخذنا بما دل عليه هذا الخطاب، و دلت عليه رواية ابن مهزيار، من بع المهدي (ع)، عن المجتمعا ت،: و انفراده في السکني بعيدا عن الناس.

اذن، فمن الممکن للمهدي (ع) ان يعرف اخبار الناس عن طريق خاصته الذين يرونه و يعرفونه، و هم في کل جيل، ثلاثون او اکثر، فيخطط عن طريقهم للاطلاع علي اخبار اي مجتمع في العالم شاء.

و هذه الاطروحة تناسب مع کلا الأطروحتين الرئيسيتين. أما مناسبتها مع أطروحة خفاء العنوان فواضحة، اذ يفترض - بعد کل ما سلف - أن المهدي (ع) ظاهر بالشخص ولکنه غير معروف الحقيقة، و هو منعزل عن المجتمعات و الجماعات، لايعرفه و لا يتصل به الا خاصته. و معه فيمکن للمهدي (ع) الحصول علي الاخبار عن طريق هولاء الخاصة، او عن طريق وروده المجتمعات



[ صفحه 152]



احيانا بدون ان يکون ملفتا للنظر او مثيرا للانتباه، ليستطلع من الأخبار ما يشاء أو يحادث من يريد کما يريد، ثم يرجع الي مسکنه متي أراد.

و أما مناسبة هذه الأطروحة، مع أطروحة خفاء الشخص، فلعدم اختفائه الشخصي عن خاصته، و ان کان مختفيا عن سائر الناس. و من الواضح أن خاصته غير مختفين عن الناس، فيکونون هم همزة الوصل بين الناس و بينه، في نقل اخبارهم اليه، و نقل أخباره اليهم اذا لزم الأمر.

و علي أي حال، فکل واحدة من هذه الأطروحات الثلاث، تبرهن امکان أن يکون المهدي (ع) حال غيبته علي مستوي الأحداث الاجتماعية و مواکبتها خبرا خبرا. و للقاري ء أن يختار أيا من هذه الأطروحات شاء، و ان کنت أعتقد بصعوبة التصديق بالأطروحة الثالثة باستقلالها، لابتنائها علي تنازلات غير صحيحة، و غض النظر عن امور واقعية.

النقطة الخامسة:

ان المهدي عليه السلام، لمدي لطفه بنا، و شعوره بالمسؤولية تجاهنا، هو غير مهمل لمراعاتنا و لا ناس لذکرنا، و لولا ذلک لنزل بناء اللأواء - و هو الشر - و اصطلمنا الأعداء اي استأصلونا و أبادونا. فجزاه الله عنا خير جزاء المحسنين.

فمن هنا يظهر بوضوح، ما للمهدي عليه السلام من تأثير کبير في صلاح حال قواعده الشعبية وراحتهم و امانهم، بالمقدار الممکن له في غيبته. بل أنهم لمدينون له بالحياة، اذ لولا أياديه الفاضلة و مساعيه الکاملة، لما بقي لقواعده الشعبية وجود، و لأبيدوا عن آخرهم تحت ضربات الأعداء المهاجمين، وما أکثرهم في کل جيل.

و هذا التأثير من قبل المهدي (ع) يعتبر من أهم مسؤولياته الاسلامية حال غيبته، کما عرفنا.

و هذا التأثير يکون واضحا جدا بناء علي الأخذ باطروحة خفاء العنوان، سواء قلنا بان المهدي (ع) يعيش في المجتمعات او قلنا انه يعيش خارجا عنها... اذ علي اي حال يستطيع القيام بالعمل المناسب عند الحاجة، اما بنفسه او بواسطة خاصته، بالشکل الذي يستطيع به ان يحول بين الشر و بين وقوعه.



[ صفحه 153]



و اما لو اخذنا باطروحة خفاء الشخص، فيکون تاثيره في خير المجتمع المسلم - مع غض النظر عن الافتراضات الفلسفية او العرفانية - محتاجا الي تفسير لمنافقاة خفاء الشخص مع الاختلاط بين الناس، کما هو واضح، و يمکن الانطلاق الي ذلک من احد طرق:

الطريق الال:

الدعاء. فان الدعاء المستجاب عمل اجتماعي صحيح، کما سبق ان عرفنا.

الطريق الثاني:

العمل بواسطة خاصته الذين يرونه و يعرفونه، و يراهم الناس و يعرفونهم، و ان جهلوا حقيقة وساطتهم للمهدي (ع).

الطريق الثالث:

عمله شخصيا بين الناس، مع افتراض ارتفاع خفاء الشخص عند الحاجة الي العمل. فيعود خفي العنوان، الي حين انتفاء العمل.

النقطة السادسة:

قوله: فاتقوا الله جل جلاله، و ظاهرونا علي انتياشکم من فتنة قد انافت عليکم، يهلک فيها من حم اجله و يحمي عنها من ادرک امله.

امرهم بتقوي الله سبحانه، و مظاهرته - اي المهدي النفسه - بمعني معاونته علي انتياشهم اي اخراجهم و انقاذهم من فتنة قد انافت اي اشرفت عليهم. يهلک فيها من حم اجله، يعني حل قوت موته، و يحمي فيها من ادرک امله، و هو البقاء في الحياة.

و ليست هذه الفتنة التي توجب الهلاک، الا ما کان يقع من حوادث دامية موسفة بين اهل المذاهب الاسلامية.

و ان من أهم المهام التي يستهدفها المهدي (ع) الحيلولة دون وقوع هذا الشر و دفع هذا العداء، و لذا نسمعه يامر قواعده الشعبية بان يعينوه في انجاز عمله و ايصاله الي نتيجته و اخذهم بزمام المبادرة الي القيام بما توجبه عليهم مسووليتهم



[ صفحه 154]



من سلوک وما تقتضيه التعاليم من أعمال، حتي ينجوا من الهلکة و من الدخول في هذه الفتنة.

النقطة السابعة:

قوله: اعتصوا بالتقية. من شب نار الجاهلية، يحششها عصب أموية، يهول بها فرقة مهدية [2] .

و هذا هو المنهج الذي يخططه المهدي (ع) للتخلص من هذه الفتنة، و هو مکون من فقرتين:

الفقرة الأولي:

الالتزام بالتقية، بمعني الاحتياط للأمر و اتقاء وقوع الفتن و الشر. و من اهم اساليبه عدم مجابهة أهل المذاهب الاسلامية الأخري بما يغيضهم و يثير حفيظتهم، حرصا عل جمع کلمة المسلمين، و سيادة الامن في ربوع مجتمعهم.

و ليس الامر بالتقية جديدا او مستحدثا منه عليه السلام، بعد ان کان قد ورد عن آبائه المعصومين عليهم السلام التأکيد عليه. کقولهم (ع): التقية ديني و دين آبائي... و من لاتقية له لا دين له... و غير ذلک. [3] فمخالفة هذا الأمر بشکل يوجب الضرر، مع عدم وجود مصلحة اسلامية مهمة في احداثه، يعتبر من أشد المحرمات في الاسلام.

و من ثم نري المهدي (ع) يعبر عن هذه الفتن بنار الجاهلية، بمعني أنها تمثل انحرافا اساسيا عن الاسلام. و يکون من يثيرها من قواعده الشعبيد، مساعدا علي هلاک اخوانه من المومنين.

الفقرة الثانية:

الالتزام بالهدوء، و الخلود الي السکينة و ضبط الأعصاب، و عدم التعرض



[ صفحه 155]



المباشر الي القلاقل الحادثة. طبقا لقوله تعالي:(و اذا مروا باللغو مروا کراما). [4] .

و لذا نراه يقول: انا زعيم - اي کفيل و ضامن - بنجاة من لم يرم فيها المواطن، يعني مواطن الهلاک، و تجنب الاشتراک الفعلي في القلاقل. و سلک في الطعن منها، يعني الفتن، و الاحتجاج علي وقوعها، السبل المرضية في الاسلام بالاعتراض الهادي ء و ابداء الرأي الموضوعي الصحيح.

و من هاتين الفقرتين، نفهم راي الامام عليه السلام، في هذه الفتن، و مرارته و اسفه منها، واعتراضه علي مسببيها من اهل الاسلام، بما فيهم بعض قواعده الشعبية.

النقطة الثامنة:

قوله عن هذه الفتن: و هي امارة لأزوف حرکتنا، و مباثتکم بأمرنا و نهينا. و الله متم نوره و لو کره المشرکون.

و لا نستطيع ان نفهم من ذلک، بطبيعة الحال، انه عليه السلام سوف يظهر بعد هذه الفتن فيملا الارض قسطا و عدلا، کما ملئت ظلما و جورا. لان ذلک لم يحدث، فلا يمکن ان يکون الاعراب عن حدوثه مقصودا للمهدي (ع). علي ان مقتضي القواعد العامة التي عرفناها، عدم امکان الظهور في ذلک العصر لعدم توفر شرائطه و من اهمها کون الامة علي مستوي التضحية الحقيقية في سبيل الاسلام و قيادة العالم کله بالعدل الکامل.... و هو ما لمخ يکن متوفرا يومئذ بکل وضوح. و سياتي في القسم الثاني من هذا التاريخ مزيد توضيح لذلک.

و من هنا احتاجت هذه العبارة من الرسالة الي تفسير.

و ما يمکن ان يکون فهما کافيا لها، طبقا لاطروحة خفاء العنوان، احد تفسيرين 6

التفسير الأول:

ان يکون المراد من الحرکة، انتقاله من العزلة الي المجتمعات، و من البراري و الجبال الي المدن. باعتبار ما دلت عليه الرسالة نفسها من الاعتزال، و ما قلناه من



[ صفحه 156]



ان ذلک - لو صح - فهو خاص ببعض الفترات الأولي من الغيبة دون الفترات المتاخرة. و معه يکون من المحتمل ان يکون المهدي (ع) عازما علي رفع اليد عن الاعتزال في ذلک العصر.

و اذا ورد المجتمعات، عاش فيها بشخصيته الثانية لا محالة. و علي اي حال، تکون فرص العمل بالنسبة اليه اوسع و أثر أعماله أعمق. و لعل هذا هو المراد من قوله: و مبائتکم بأمرنا و نهينا... يعني اعطاوه التوجيهات، لکن لابصفته الحقيقية، بل بشخصيته الثانية.

و هذا التفسير محتمل علي اي حال، لولا ما قديوجد في التفسير الاتي من مرجحات.

التفسير الثاني:

ان يکون المراد من الحرکة ظهوره و قيامه في اليوم الموعود. لکن بشکل لايراد ظهوره في عصر ارسال هذا الکتاب، ليکون اخبارا غير مطابق للواقع.

بل يکون المراد ظهوره عليه السلام بعد تلک الفتن و لو بزمان طويل. و هو معني جعل تلک الفتن من علامات الظهور، و سنعرف في القسم الثالث من هذا التاريخ، انه لا ضرورة لافتراض ان تکون العلامة قبل الظهور مباشرة، بل من العلامات ما يکون سابقا علي الظهور بکثير. و يکون هذا من ذاک.

و قد يرد الي الذهن في مناقشة ذلک: ان هذا مخالف لظاهر عبارة الرسالة، فانه يقول: و هي امارد لأزوف حرکتنا، و لا يقال: ازف الشي ء الا قرب زمان حدوثه. فکيف يمکن افتراض زمان طويل.

والجواب علي ذلک: اننا يمکن ان نفهم من الفتن المشار اليها کامارة علي ازوف الحرکة، مفهوما عاما تشمل کل الانحرافات و المظالم في عصر الغيبة الکبري، و من المعلوم ان هذه المظالم لا تنتهي الا عند الظهور، اذن فيکون انتهاوها امارة مباشرة للظهور. و الله العالم بحقائق الامور.

النقطة التاسعة:

قوله: اذا حل جمادي الاولي من سنتکم هذه، فاعتبروا بما يحدث فيه، و استيقظوا من رقدتکم لما يکون في الذي يليه.



[ صفحه 157]



و هو شي ء لم نستطع ان نتبينه من التاريخ، و هو لم يحص من الحوادث الا القليل. نعم، سوي بعض الحوادث «الطبيعية» التي سنشير اليها في النقطة القادمة.

النقطة العاشرة:

قوله: ستظهر لکم في السماء آية جليد، و من الأرض مثلها بالسوية.

و ظاهر سياق التعبير، کون هذه الايات تظهر في جمادي الاولي ايضا من نفس العام، و هو سنة 401 للهجرة.

اما ما حدث في الأرض، فقد حدثنا التاريخ انه في النصف من جمادي الاولي من هذاالعام فاض البحر المالح و تداني الي الايلة و دخل البصرة بعد يومين. [5] .

و اما ما حدث في السماء، فهو ما سمعناه من تتابع سقوط النيازک الضخمة، المعبر عنها في لغة المورخين بالکواکب... و يحدث عند سقوطها صوت شديد وضوء کثير، کالذي حدث عام 417، کما سمعنا فيما سبق.

و هو و ان لم يکن في نفس عام ارسال الخطاب، الا اننا قلنا بان هذا الخطاب، حيث انه موجه لمجموع القواعد الشعبية المهدوية، اذن فمن الممکن أن يتأخر الحادث الموعود عدة سنوات لکونها قليلة بالنسبة الي عمر الأمة الطويل.

فان قال قائل: ان هذا مخالف لظهور العبارة الذ فهمناه من السياق و هو حدوث الايات السماوية و الأرضية في جمادي الأولي من نفس العام، و هو عام 410.

يکون الجواب عليه: اننا بين أحد أمرين: الأول: رفع اليد عن هذا الظهور، في حدود الاية السماوية، فانه يکفي في صدق السياق کون الاية الارضية واقعة في نفس الموعد. والثاني: ان نفترض ان جمادي الاول في نفس العام وقعت فيه آية سماوية غير منقولة في التاريخ.



[ صفحه 158]



النقطة الحادية عشر:

قوله: و يحدث في أرض المشرق ما يحزن و يقلق.

و لسنا نعاني کثيرا في فهم ذلک، اذا عرفنا ان هذا الکتاب ورد العراق، الي الشيخ المفيد قدس الله روحه، فالمراد بالمشرق - اذن - ما کان في شرق العراق، و هو ايران نفسها... دولة البويهيين و مرکز ثقلهم يومئذ. و کانت تعاني منذ زمن الحروب و الحوادث الکثيرة المتکررة التي اوجبت شيئا فشيئا تفکک الدولة البويهية، وضعفها و سيطرة السلاجفة عليها في نهاية المطاف.

علي أننا لو راقبناالتاريخ القريب من صدور هذا الکتاب، لرأينا أن همدان تعاني من الحروب عام 411 [6] و عام 414. [7] و من المعلوم أن الحروب علي الدوام مصدر للقلق و الحزن، لأنها تکون علي طول الخط علي حساب الشعب البائس. فاذا لم تکن الحرب عادلة و لم يکن للشعب فيها نصيب حقيقي، کان ذلک ظلما کبيرا و جورا عظيما.

النقطة الثانية عشرة:

قوله: و يغلب من بعد علي العراق طوائف عن الاسلام مراق، تضيق بسوء فعالهم علي أهله الأرزاق. ثم تنفرج الغمة ببوار طاغوت من الأشرار، ثم يستر بهلاکه المتقون الأخيار.

يعني يسيطر بعد الحوادث السابقة من قلاقل طائفية و آيات سماوية و أرضية، يسيطر علي العراق اقوام خارجين عن تعاليم الاسلام. و في ذلک تعريض واضح بالسلطان طغرل بک أول ملوک السلاجقة 7 و تابعيه، فانه بعد ان انتهي من تقويض دولة البويهيين في ايران بعد حروب مدمرة، قصد العراق فدخل بغداد عام 447. [8] و ترتب علي دخوله فيها قلاقل و حروب موسفة و عم الخلق ضرر عسکره



[ صفحه 159]



وضاقت عليهم مساکنهم، فان العساکر نزلوا فيها، و غلبوهم علي أقواتهم و ارتکبوا فيها کل محذور [9] .

و اما قلة الأرزاق و غلاء الأسعار، فحدث عنها و لا حرج... اذ نسمع التاريخ يخبرنا انه قد کثر الغلاء و تعذرت الاقوات و غيرها من کل شي ء، و اکل الناس الميتة، ولحقهم وباء عظيم، فکثر الموتي بغير غسل و لا تکفين، فبيع رطل اللحم بقيراط و اربع دجاجات بدينار. و سفرجلة بدينار و رمانة بدينار، و کل شي ء کذلک. [10] .

و بقي هذا الغلاء عدة سنوات، بل استمر في التصاعد... ففي عام 449 زاد الغلاء ببغداد والعراق.... و اکل الناس الميتة و الکلاب و غيرها، و کثر الوباء حتي عجزالناس عن دفن الموتي، فکانوا يجعلون الجماعة في الحفيرة. [11] .

اما الخليفة في بغداد، فکان يعيش جوا آخر بعيدا عن الغلاء و الوباء. فقد اکرم طغرل بک اکراما عظيما و مکنه من بلاده تمکينا اسبغ عليه صفة الشرعية، حين قال له: ان أميرالمومنين شاکر لسعيک حامد لفعلک مستأنس بقربک. وقد ولاک جميع ما ولاه الله من بلاده ورد عليک مراعاة عباده، فاتق الله فيما ولاک و اعرف نعمته عليک في ذلک واجتهد في نشر العدل و کف الظلم و اصلاح الرعية.

فقبل الأرض، بين يدي الخليفة. و امر الخليفة بافاضة الخلع عليه. فقام الي موضع لبسها فيه و عاد و قبل يد الخليفة و وضعها علي عينيه و خاطبه الخليفة بملک المشرق و المغرب، و اعطي العهد و خرج.

و ارسل الي الخليفة خدمة کثيرة منها خمسين ألف دينار و خمسين مملوکا أتراک من أجود ما يکون و معهم خيولهم و سلاحهم الي غير ذلک من الثياب و غيرها [12] فانظر الي ترف الحکام و بؤس المحکومين، و تسامح الخليفة بدماء المسلمين و أموالهم حين ولي عليهم هذا الظالم العنيد.



[ صفحه 160]



فقد کان طغرل بک - بحسب ما وصفه التاريخ -: ظلوما غشوما قاسيا، و کان عسکره يغصبون الناس اموالهم و ايديهم مطلقة في ذلک نهارا و ليلا [13] حتي توفي عام 455. [14] .

فمن هنا نري بوضوح، انطباق الأوصاف علي طغرل بک و عسکره و ذويه. فانهم «طوائف عن الاسلام مراق» باعتبار ما ارتکبوه من المحرمات الصريحة الموجبة للخزي و الفضيحة. و قد ضاقت «بسوء فعالهم علي أهله الأرزاق» کما سمعنا. اذ من المعلوم کيف تنحدر البلاد الي وضع اقتصادي ردي ء، تحت ظل الحروب و القلاقل.

و قد انکشفت الغمة من بعد، ببوار - يعني بموت - «طاغوت من الأشرار» و هو طغرل بک نفسه. و قد أدخل هلاکه السرور علي قلوب المتقين الاخيار.

و نفهم معني انکشاف الغمة بموته، اذا التفتنا الي التاريخ و علمنا انه لم يحدث مثل هذا الغلاء و الوباة بعد طغرل بک طيلة حکم الدولة السلجوقية.

النقطة الثالثة عشرة:

قوله: و يتفق لمريدي الحج من الافاق ما ياملونه منه علي توفير عليه منهم و اتفاق. و لنا في تيسير حجهم علي الاختيار منهم والوفاق، شان يظهر علي نظام و اتساق.

و هذه نبوءة صادقة بتسهيل الحج بعد صعوباته التي سمعناها، و انحلال مشاکله. فيتحقق للحجاج من کل البلاد ما ياملونه من الامن و السهولة.

و تصديق هذه النبوءة واضح جدا في التاريخ. فانه بالرغم من أنه استمر منع الحج حقبة من السنين، الا انه لم ينقل بعد عام 419 اي منع للحج، مما يدل علي ان الطرق قد توفرت للحجاج. فقد تحققت النبوءة بعد عشرة اعوام من صدورها.

و أما حدوث ذلک بمساعي المهدي (ع) وجهوده، فهو بمکان من الامکان،



[ صفحه 161]



طبقا لما عرفناه من مسؤولية العمل الاسلامي للامام المهدي خلال غيبته، بناء علي أطروحة خفاء العنوان. فاذا دل الکتاب علي تأثير عمل الامام في سهولة الحج، فلا بد من تسجيل ذلک تاريخيا، لو صلح هذا الکتبا للاثبات التاريخي. و دلالة الکتاب علي هذا واضحة حين يقول: ولنا في تيسير حجهم... شأن يظهر علي نظام واتساق.

النقطة الرابعة عشرة:

قوله: فليعمل کل امري ء منکم بما يقرب به من محبتنا، و يتجنب ما يدنيه من کراهتنا و سخطنا، فان أمرنا بغتة فجأة، حين لاتنفعه توبة و لا ينجيه من عقابه ندم علي حوبة.

أمر عليه السلام کل فرد من قواعده الشعبية، بان يفعل ما يقربه من محبة امامه و رضاه، و يترک ما يقربه من کراهته و سخطه. و هذامعني واضح و لطيف، فان رضي المهدي (ع) رضا الله تعالي، و کلما يقرب للمهدي (ع) فهو يقرب الي الله... و ذلک بالشعور بالمسوولية تجاه احکام الاسلام، و الاستجابات الصالحة تجاه الأحداث... کما أن سخط المهيد سخط الله تعالي، و کلما يبعد عنه يبعد عن الله تعالي.

و يعطي المهدي (ع) لذلک تعليلا مهما حين يقول: فان امرنا بغتة فجاة، حين لا تنفعه توبد الخ.

و المضمون العام لذلک، هو: أن الفرد المؤمن بظهور المهدي (ع) المتوقع له في کل حين، بغتة و فجأة، يجب أن ينزه نفسه عن المعاصي و يقصر سلوکه علي طاعة الله عزوجل، ليکون علي المستوي المطلوب عندالظهور. و حيث کان الظهور محتملا دائما، فيجب ان يکون الفرد علي هذه الصفة دائما.

و اما اذا بقي الفرد عاصيا منحرفا سلوکيا او عقائديا، و لم ينزه نفسه في اثناء الغيبد، و لم يتب الي الله تعالي... فسوف لن تنفعه توبته او ندمه بعد ذلک. و سيعاقبه الامام المهدي (ع) بعد ظهوره علي ما اقترفه من ذنوب، علي کل حال، و سيکون عقابه في ذلک المجتمع الاسلامي العظيم خزيا ابديا له. و بما ان الظهر محتمل علي الدوام، اذن فالبدء بعقاب المذنبين محتمل علي الدوام، فاذا أراد الفرد



[ صفحه 162]



ان يحول دون هذا الاحتمال، فما عليه الا أن يرتدع عن الذنوب، و يکمل نفسه من العيوب.


پاورقي

[1] انظر هذه الاخبار في الکافي لثقة الاسلام الکليني، باب: عرض الاعمال علي النبي (ص) و الائمة عليهم السلام..

[2] الظاهر ان قوله: من شب نار الجاهلية، مبتدا محذوف الخبر، او شرط محذوف الجزاء لوضوحه، تقديره. فهو عاص او معاند و نحوهما.

[3] انظر اخبار التقية في وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي، ج 2، ص 545 و ما بعدها.

[4] سورة الفرقان 72:25.

[5] هامش الکامل، ج 7، ص 303.

[6] الکامل، ج 7، ص 307.

[7] المصدر، ص 313.

[8] الکامل، ج 8، ص 70.

[9] المصدر، ص 77.

[10] المصدر، ص 79.

[11] المصدر، ص 81.

[12] المصدر، ص 80.

[13] المصدر، ص 95.

[14] المصدر، ص 94.