بازگشت

فيما ينبغي ان نعامل به هاتين الرسالتين بحسب القواعد العامة م


فيما ينبغي ان نعامل به هاتين الرسالتين، بحسب القواعد العامة، من حيث سندهما تارة و من حيث مداليلهما اخري. و من هنا يقع الکلام في امرين:

الأمر الأول:

في سند هاتين الرسالتين.

و الملاحظ في هذا الصدد ان الطبرسي ذکرهما بدون سند، و لم نجدهما في المصادر المتاخرة عنه فضلا عن المتقدمة عليه. فهما روايتان مرسلتان و غير قابلتين للاثبات التاريخي من هذه الناحية.

الا أن الذي يرجح الاخذ بهما عدة اسباب:

السبب الأول:

ارسال الطبرسي لهما ارسال المسلمات، مما يدل انه کان معتقدا بصحة سندهما، و ربما يکون قد حذفه لمدي شهرته و وضوحه، کما فعل في کثير من روايات کتابه، و ان کانت مصادر هذه الاسناد قد تلفت في العصور المتاخرة عنه.



[ صفحه 138]



و هذا السبب يعطي ظنا کافيا بصحة السند، و ان کان لايبلغ حد الاثبات التاريخي.

السبب الثاني:

تضمن الروايتين، علي ما سنسمع لتوجيهات عالية و تنبؤات صادقة. بحيث لو کنا علمنا بها قبل وقوع الحوادث المذکورة فيها، لجزمنا بعدم امکان صدورها الا عن المهدي (ع).

السبب الثالث:

ان المصلحة العامد تقتضي صدور هذه الرسائل، في أول زمان الغيبة الکبري، و ذلک لاحراز مصلحتين:

المصلحة الاولي:

اعطاء المهدي (ع) لقواعده الشعبية القواعد العامة و المفاهيم الاساسية التي ينبغي ان يعرفها الناس و تکون سارية المفعول خلال عصر الغيبة الکبري. بحيث لولاها لکان من المحتمل ان يساء التصرف في الدين، و ينغلق باب الوصول الي الاهداف المطلوبة في الاسلام.

و من الطبيعي ان يکون ابلاغ هذه القواعد و المفاهيم، موقوتا في اول الغيبة الکبري، لئلا يمر زمان کبير و الناس غافلون عن مثل هذه التوجيهات.

المصلحة الثانية:

اعطاء المهدي (ع) القيادة الرئيسية من الناحية الاسلامية بيد العلماء الصالحين، بعد ان انسحب هو منها من الناحية العملية، و انتهي السفراء الخاصون ايضا. فکان اهم العلماء الصالحين في ذلک العصر، هو الشيخ المفيد، و من هنا وجه الرسالة اليه، ليکون هو - بصفته عالما صالحا - المنطق الاول لانتشار التعاليم العليا و التوجيهات الرئيسية.

و هذا خط کان قد بداه الامام العسکري (ع) حين ارسل لابن بابويه رسالة



[ صفحه 139]



يعبر عنه بقوله: يا شيخي يا اباالحسن. کما سبق ان سمعنا في تاريخ الغيبة الصغري. [1] .

و حيث نعلم ان الاسلوب الطبيعي لايجاد هاتين المصلحتين، منحصر بطريق المراسلة، کما کان عليه الحال خلال الغيبة الصغري، يکون الظن عندئذ بصدرو هاتين الرسالتين کبيرا، و خاصة بعد ضم السببين الاولين، الي ذلک. و معه فاکبر الظن أن هاتين الروايتين يصلحان للاثبات التاريخي، بالرغم من الارسال الذي يتصفان به.

الامر الثاني: في مداليل هاتين الرسالتين:

ينقسم مدلولهما - بشکل رئيسي - الي قسمين:

القسم الاول:

التوجيهات العامة التي يذکرها الامام لقواعده الشعبية، و کلها صحيحة ومتينة، ما عدا امور قليلة لا تخلو من المناقشة، علي ما سوف نشير. و لا يضرنا ذلک حتي لو انکرنا صحة هذه الامور، فان انکار البعض لا يقتضي انکار الکل، کما سبق ان أکدنا عليه.

القسم الثاني:

التنبؤات بوقوع حوادث قريبة او بعيدة بالنسبة الي زمن صدور الرسالة.

و يغلب علي عبارات هذه التنبوات، شکل الرمزية و الغموض و الکلية في المدلول، بحيث يصعب تشخيصها علينا، و نحن بهذا البعد التاريخي الکبير، و قد يتعذر ذلک احيانا. فما نستطيع ان نجده في التاريخ العام، فهو المطلوب، و ما لم نجده فالواقع الذي نحسه هو ان من قراء في ذلک الزمن فهمه حق فهمه، و خاصة و هو يعيش الحوادث، التي أشار اليها المهدي في کتابه.

و الرسالتان، کما عرفنا، غير خاصة بالشيخ المفيد، و ان کان هو المرسل اليه، و انما هي عامة لکل الخواص من المومنين بالمهدي (ع). و معه لا تکون



[ صفحه 140]



الحوادث المذکورة في الخطاب خاصة بالسنين التي عاشها الشيخ المفيد، بل لعل عددا من الحوادث کانت سوف تحصل بعد وفاته، و بذلک ينفتح لنا مجال واسع للتعيين التاريخي للحوادث.


پاورقي

[1] انظر: ص 196 منه.