بازگشت

في الاخبار الخاصة الدالة علي مشاهدة الامام المهدي في غيبته ا


و هي عدد ضخم يفوقحد التواتر بکثير، بحيث نعلم، لدي مراجعتها و استقرائها، بعدم الکذب و الوهم و الخطا فيها في الجملة. و ان کانت کل رواية لو روعيت وحدها لکانت قابلة لبعض المناقشات علي ما سوف ياتي.

والحاصل منها في اليد، ما يفوق المئة، يذکر منها الشيخ المجلسي في البحار [1] عددا منها، و يذکر منها الحدث النوري في النجم الثاقب مئة کاملة.



[ صفحه 96]



و قد کتب ايضا رسالة خاصة في ذلک سماها «جنة الماوي» الحقت بالجزء الثالث عشر من البحار، يذکر فيها تسعا و خمسين حادثة.

و هناک علي الالسن و المصادر الاخري ما يزيد علي ذلک بکثير.

علي اننا سبق ان ذکرنا في تاريخ الغيبة الصغري [2] انه يحتمل - ان لم يکن يطمئن او يجزم - بان هناک مقابلات غير مروية اساسا، و ان المهدي عليه السلام يتصل بعدد من المومنين في العالم في کل جيل، مع حرصهم علي عدم التفوه بذلک و کتمه الي الابد، تحت عوامل نفسية مختلفة شرحناها هناک. بل من الممکن القول بان المقابلات غير المروية اکثر بکثير من المقابلات المروية.

و علي اي حال، فينبغي ان نتکلم في ماوردنا من الاخبار، من حيث تحميص اقسامها، و من حيث معطيات مدلولها، في ضمن عدة امور:

الأمر الاول:

في تمحيص هذه الروايات، و معرفة اقسامها، فانها ليست علي نسق واحد و اسلوب مطرد في مقابلة المهدي عليه السلام، بل يختلف الحال فيها اختلافا کبيرا. و مرد هذا الاختلاف الي الاختلاف في ظروف الشخص الرائي و مقدار و ثاقته و ضعفه وسنح الهدف الذي يستهدفه الامام من وراء المقابلة، و طريقة التخطيط الذي يضمن به سلامته و اخفاء نفسه. و بذلک تکاد تختلف کل رواية عن الاخري... و ما يمکن ان يعنون من الاختلافات هو ما نذکره في الاقسام التالية، نذکره بنحو قابل للتداخل و امکان اندراج رواية واحدة في اکثر من قسم واحد:

القسم الاول:

ما کان منها متضمنا لاسناد اکثر من معجزة واحدة للامام المهدي عليه السلام: اثنتين او ثلاث... و قد تصل الي اربع.

و قد سبق ان ذکرنا انه لاحاجة الي المعجزة الا بمقدار اقامة الحجة، و يکون



[ صفحه 97]



الزائد امرا مستانفا لايصدر عن الخالق الحکيم. و معه لابد من اسقاط المعجزات الزائدة عن ذلک عن نظر الاعتبار، ما لم نجد لها وجوها للتصحيح.... و ان کان ذلک لايسقط مجموع الرواية و لا الدلالة علي مقابلة الامام المهدي، لما ذکرناه من ان سقوط بعض مدلول الرواية لا يقتضي سقوط الجميع.

الا اننا لانعدم وجوها للتصحيح:

الوجه الاول:

اننا و ان قلنا ان المعجزة منحصرة بمورد اقامة الحجة، الا ان ذلک کما يقتضي عدم زيادتها علي ذلک يقتضي عدم نقصها عن هذا الحد ايضا. فلا بد من اقامة المعجزة بنحو يقنع الفرد العادي، و ينتفي بهااحتمال الصدفة و التزوير، و لا تکون قاصرة عن ذلک. و اما لو کانت المعجزة مختصرة و غير ملفتة للنظر، فقد لا تحمل الفرد الاعتيادي علي الاقتناع.

و معه فقد تمس الحاجة - احيانا - الي ضم اکثر من معجزة واحدة الي بعضها البعض، لکي تحصل القناعة. و هذا هو الذي وقع في عدد من اخبار المشاهدة التي نحن بصدد الحديث عنها. و قد سبق ان سمعنا في تاريخ الغيبة الصغري کيف کان يقيم المهدي (ع) دلالتين منضمتين، حيث يقول بعض المومنين لاخيه المومن: لا تغتم فان لک في التوقيع اليک دلالتين: احداهما: اعلانه اياک ان المال الف دينار. و الثانية: امره اياک بمعاملة ابي الحسين الاسدي لعلمه بموت حاجز.

الوجه الثاني:

ان نفهم - ولو احتمالا -: ان الامام المهدي (ع) له اهتمام خاص بالشخص الذي يقابله، بحيث يريد ان يقيم له حجة واضحة جدا. فيضم معجزة الي معجزة، حتي يتحقق ذلک. و يکون ذلک واقعا في طريق اقامة الحجة عليه، فينسجم مع قانون المعجزات.

الوجه الثالث:

اننا ذکرنا انه قد يحتاج المهدي (ع) احيانا الي أکثر من معجزة واحدة، لکي تکون احداها للدلالة علي حقيقته و تکون الاخري للاختفاء الاعجازي لدي الحاجة.



[ صفحه 98]



و هذا صحيح، لولا ما قلناه من ان الاختفاء يکون طبيعيا و غير ملفت للنظر علي الاغلب، و ما سوف نقوله من ان معجزة واحدة کافية لاياد کلا الاثرين: اعني الدلالة علي حقيقته و الاختفاء.

و علي اي حال، فلا باس من تعدد المعجزة في الحادثة الواحدة، ولکن ان ثبت انها مما لا مبرر لها بحسب القواعد العامة... فلا بد من طرحها عن مدلول الرواية، و ان لم يکن طرحها ملازما لطرح کل المدلول.

القسم الثاني:

ما کان منها مکرسا علي قضاء الحاجات الشخصية، و هو الاعم الاغلب من اخبار المشاهدة. و اما ما کان منها لقضاء حاجة عامة او هداية مجتمع کامل او انقاذه من الظلم و نحو ذلک... فهو قليل الوجود في هذه الروايات، علي ما سوف نشير اليه.

و نحن في فسحة واسعة - بعد کل الذي عرفناه - من حيث امکان ذلک، و تعقل صحته و مطابقته مع القواعد العامة. و ذلک من اجل عدة وجوه:

الوجه الأولي:

ان المهدي (ع) يکرس عمله الاجتماعي المثمر العام، بصفته مختفيا، او بشخصيته الثانية. و قد سبق ان حملنا فکرة کافية عن اسلوبه في ذلک. لأنه عليه السلام يري ان ذلک اضمن لسلامته، و من ثم يکون افسح فرصة لتعدده و کثرته و عمق تاثيره، بدون ان يعرف احد ان التاثير وارد من قبل المهدي (ع) ليکون منقولا عنه في اي رواية من الروايات.

الوجه الثاني:

ان نحتمل - و الاحتمال کافي في امثال هذه الموارد، کما برهنا عليه في المقدمة -: ان الامام المهدي (ع) عمل اعمالا عامة عديدة في خلال العصور بصفته الحقيقية. ولکنه لم ينقل خبره الينا الا بهذا المقدار القليل. و ذلک: لاحد مانعين:

الأول: ان الامام بنفسه يامر الاخرين بالکتمان، اما لتوقف غيبته علي ذلک،



[ صفحه 99]



او لتوقف نفس المخطط الاصلاحي عليه احيانا. کما لو کان يتوقف علي اقناع اشخاص من غير قواعده الشعبية.

الثاني: ان العمل الشخصي بطبيعته اکثر الفاتا للنظر و اجدر بالنقل و الرواية من العمل الاجتماعي العام، في نظر اولئک الرواة غير ارواعين الذين ينظرونالي الکون والحياة من زواياهم الخاصة و مصالحهم الضيقة. و قد کان البشر و لا يزالون محافظين علي هذا المستوي الواطي ء، و سيبقون کذلک الي يوم ظهور المهدي (ع) و قيامه بالعدل التام.

و من ثم کان العمل الاجتماعي مهملا في نظر الرواة، و کان العمل الشخصي موکدا عليه عندهم و منقولا باسهاب في رواياتهم. و من هنا لا نجد من الروايات الدالة علي عمل المهدي (ع) في الحقل العام الا القليل.

الوجه الثالث:

ان نفهم - کما فهمنا فيما سبق - ان عددا من المظالم العامة و الخاصة الموجودة في العالم علي مر العصور، لا يتوفر فيها الشرط الأول من الشرطين اللذين ذکرناهما لعمل المهدي (ع). و هو ان عمله فيها يستوجب انکشاف امره و تعرضه للخطر. و قلنا ان کل شي ء يکون علي هذا المستوي يجب اهماله تنفيذا للمخطط الالهي في حفظ المهدي (ع) ليوم الظهور الموعود.

الوجه الرابع:

ان نفهم - کما فهمنا فيما سبق ايضا -: ان عددا من انحاء الظلم العام الساري في المجتمع علي مر التاريخ، لايتوفر فيه الشرط الثاني من الشرطين السالفين... بمعني کونه دخيلا في تحقيق وعي الامة و ادراکها لمسوولياتها الاسلامية تجاه واقعها و تجاه نفسها و ربها و مستقبلها. و هذا هو احد الشروط الاساسية في تحقق ظهور المهدي عليه السلام علي ما سنعرف. اذن فالمهدي، حرصا علي تحقق شرط الظهور، لا يعمل علي ازالة هذا الظلم العام.

و هذا بخلاف الحال في المظالم الخاصة، فأنها لو لوحظت منفرة لاتکاد توثر في وعي الامة.

و علي اي حال، فيما لايکون دخيلا في وعي الامة او الفرد، يمکن ان يسعي



[ صفحه 100]



المهدي (ع) الي ازالته مع توفر سائر الشرائط فيه. و حيث کان عدم التاثير متوفرا في الظلم الشخصي، و غير متوفر في الظلم العام، کان عمل المهدي (ع) في ازالة الظلم الشخصي اکثر منه في ازالة الظلم العام.

اذن، فمن المنطقي جدا، علي اساس هذه الوجوه الاربعة، المتوفر واحدا منها او اکثر في کل مقابلة، ان يصبح العمل العام للامام المهدي (ع) اقل من العمل الخاص، او ان تکون روايته اقل علي اقل تقدير.

القسم الثالث:

من روايات المشاهدة، ما لا يظهر فيه الامام المهدي (ع) علي مسرح الحوادث بوضوح، و ذلک بالنسبد الي الراوي - علي اقل تقدير -. بل يقوم الدليل القطعي عند الراوي المتحدث ان شخصا آخر راه و عرفه او راه و لم يعرفه الا بعد ذهابه.

و هذا القسم يمثل بعض ما ذکره الحاج النوري من الاخبار المئة في؛ النجم الثاقب». و هو غير مضر بکونه من اخبار المشاهدة. فاننا لانعني من المشاهدة: مشاهدة المتحدث عن نفسه و الراوي عن رويته فقط... بل مشاهدة اي انسان للمهدي (ع). و هذا ما تضمن هذه الروايات الاعراب عنه.

القسم الرابع:

الروايات التي تدل علي وجود المهدي (ع) من دون ان يراه احد، لابمعني اختفائه اختفاء شخصيا، بل بمعني ان الناس قد يتوسلون الي المهدي (ع) بالنداء والدعاء بان يقضي حاجتهم و يتوسط الي الله عز و جل في تذليل مشکلاتهم، فتقضي حاجتهم و تحل مشاکلهم، اما بشکل طبيعي اعتيادي، و اما بشکل لم يکن متوقعا لصاحب المشکلة اساسا، بحيث يضطر الي الاذعان و الجزم بکونه حاصلا نتيجة لدعاء المهدي (ع). و بذلک يثبت وجوده عليه السلام، و عنايته بمن يتوسل الي الله عزوجل في حل مشکلته.

و هذا القسم يمثل بعض اخبار المشاهدة، و هو موجود علي مر التاريخ بالنسبة الي الکثير من المضطرين و المحتاجين. فان الامام بقربه الي الله تعالي و کماله لديه يکون مستجاب الدعوة، فيمکنه ان يستعمل دعاءه في قضاء حوائج الاخرين، حين يري المصلحة في ذلک. و هذا هو ابعد طريق عن الشبهة و الخطر بالنسبة اليه،



[ صفحه 101]



کما هو واضح. کما انه يکون عملا من الأعمال المنتجة، بصفته ذو تأثير حقيقي في الخارج. و انما يسقط الدعاء من کونه عملا منتجا فيما اذا کان بعيدا عن الاخلاص و عن ادراک حقيقة المسوولية، و من ثم يکون بعيدا عن الاجابد فلا يکون منتجا.

القسم الخامس:

الأخبار التي تدل علي أنه شارک في اقامة الحجة علي الفرد، بعض ما رآه في المنام ايضا، مضافا الي الحوادث التي عاشها في اليقظة.

و هذا الامر ليس بالبعيد مع اقتران خصيصيتين:

الاولي: اذا کانت اقامة الحجة علي مستوي المعجزة.

الثانية: ان يکون لبعض ما راه اثر في عالم اليقظة، و لم تکن الحادثة مقتصرد علي المنام وحده.

و کلا الخصيصتين مجتمعتان في الاخبار المندرجة في هذا القسم مما سطر في المصادر او شوهد بالوجدان او سمع بالنقل. و معه تندرج هذه الاخبار فيما يدل بالدلالة القطعية علي وجود المهدي (ع)، و ان لم تندرج في اخبار المشاهدة.

و اود ان اشير في المقام الي انه ليس هناک اي دليل عقلا و لا شرعا علي بطلان کل الاحلام جملة و تفصيلا. نعم، لا شک في ان اکثرها زائف و لا حقيقة له، و انما هو ناشي ء عن نوازع نفسية لا شعورية لدي الفرد. ولکن مما لا شک فيه وجود الاحلام المطابقة للواقع، و التي يجد الفرد تطبيقها في عالم اليقظة بنحو او بآخر، و انکار ذلک مکابرة واضحة علي الوجدان، و انت حر باعطاء اي تفسير لذلک عدا الصدفة المحضة التي يقطع بعدمها نتيجة للکثرة الکاثرة من الاحلام الصادقة علي مر التاريخ.

فاذا اقترن الحلم بامر زائد علي مجرد المطابقة للواقع، کان - و لا شک - من قبيل المعجزات، کما لو دعا لک شخص في المنام فشفيت في اليقظة او وعدک بتحقق امر فتحقق، او اخبرک بشي ء لم تکن تعلمه، و کان حاصلا حقيقة.

و مع ذلک لا نريد ان نثمن تلک الروايات التي تقتصر علي مجرد المنام، فان مثل ذلک غير موجود في اخبار المشاهدة علي الاطلاق. و انما يوجد قسم منها تشارک



[ صفحه 102]



اليقظة و النوم في ايجاد المعجزة للدلالة علي حقيقة المهدي. و هو من اوضح الدلائل علي صدق المنام.

و علي اي حال، فهذا القسم قليل العدد في روايات المشاهدة. و لو قدر لنا اسقاط المنام عن نظر الاعتبار، لکان لنا في ما حدث في اليقظة حجة و کفاية. القسم السادس:

الاخبار الدالة علي ان المهدي (ع) يراه الرائي کشخص معين معروف النسب.

و قد روي الحاج النوري في ذلک روايتين، کان المهدي (ع) في احداهما بصورة «سيد» يعرفه الراوي و يعرف کونه جاهلا واطي ء الفهم و الثقافة. و قد فهم کونه هو المهدي (ع) لما ذکر من امور علمية مع انکار ذلک الشخص انه کان هو القائل لذلک [3] و کان المهدي (ع) في الثانية في صورة «شيخ» يعرفه الراوي. [4] .

و هاتان الروايتان، و نحوهما ما يثبت تشکل الامام المهدي (ع) في سحنته و جسمه اشکالا مختلفة، بحيث من الممکمن انطباقها علي اشخاص بعينهم... يختلف حسابهما بالنسبة الي الاطروحتين الرئيسيتين السابقتين:

اما اطروحة خفاء الشخص، فهي و ان لم تقتض ذلک علي وجه التعيين، لامکان غان يراه الرائي عند ارتفاع خفائه بشکل موحد في کل المرات. ولکن قد يتخيل من يقول بهذه الاطروحة: بان حال المهدي (ع) و غيبته، لما کانت مبتنية علي المعجزات، کما هو مفروض هذه الاطروحة، فمن الممکن ان تتوسع في المعجزات الي کثير من خصوصيات الامام (ع) و اموره، حتي فيما يرتبط بشکله و سحنته... ما دام الله تعالي قادرا علي کل شي ء.

ولکن الواقع، اننا اذا سرنا في هذاالتصور عدة خطوات، لواجهنا انحرافا خطيرا و فهما خاصا باطلا للتصورات القواعد الاسلامية، لسنا بصدد تفصيله.



[ صفحه 103]



والصحيح هو ما قلناه في تاسيس الاطروحة الثانية، من قانون المعجزات، و ان کون الله تعالي قادرا علي کل شي ء، لا يقتضي ايقاعه للمعجزات بعدد کبير و يدون مبرر واضح. بل لابد من اقتصاره علي مورد اقامة الحجة، و تربية البشر.

فاذا تم ذلک، عرفنا اننا نعترف بامکان ما قيل من تغير شکل الامام - موقتا - عند انحصار اقامة الحجة علي ذلک او توقف مستقبله الموعود عليه. الا ان ذلک مما لايکاد يوجد له مصداق او تطبيق في اي مورد، لما سبق ان عرفناه من امکان ايجاد المقابلة و انهائها بشکل طبيعي، او بايجاد معجزة واحدة هي الاختفاء عند الضرورة، مع الحفاظ علي شکله الذي هو قوام شخصيته بين الناس. و اذا امکن ذلک، انتفت الحاجة الي تغير الشکل بالمعجزة، و اذا انتفت اليها الحاجة لم يکن لوجودها سبيل، بحسب قانون المعجزات و

و ينفي هذا المضمون ايضا، ما سبق ان سمعناه من ان عددا من الافراد يعرفون الامام المهدي (ع) في غيبته الصغري و في غيبته الکبري، بشکل وسحنة موحدة، بالرغم مما قد يتغير من زيه و ملبوسه.

القسم السابع:

من اخبارالمشاهدة مادل علي مشاهدة المهدي (ع) في العراق او وسطه وجنوبه علي وجه خاص. و هذا يشمل الاعم الاغلب من أخبار المشاهدة.

و معه، فقد يخطر في الذهن: أن هذا الاختصاص بمنطقة معينة من العالم مما لايناسب الوظيفة الاسلامية التي عرفناها للمهدي طبقا للاطروحة الرئيسية الثانية... من تنفيذ عدد من مصالح المسلمين و حل مشاکلهم، مما هو مستجمع للشرائط السابقة،و خاصة مما يمت الي قواعدة الشعبية و مواليه بصلة. و من المعلوم ان عمله في خصوص العراق، يجعل هناک ضيقا في نشاطه لا عن المسلمين فقط، بال عن قواعده الشعبية في غير العراق ايضا، فکيف نستطيع ان نفسر هذه الاخبار.

و الجواب عن ذلک يکون من عدة وجوه:

الوجه الاول: ان الاخبار المثبتة لمشاهدته عليه السلام في غير العراق، لا قصور فيها من



[ صفحه 104]



حيث الدلالة علي قيام المهدي بوظيفته الاسلامية في تلک البلاد. علي ما سنسمع فيما يلي من البحث مفصلا.

الوجه الثاني:

اننا ينبغي ان نلتفت الي ما قلناه من ان هناک عددا ضخما من المشاهدات غير المروية، قد يفوق العدد المروي منها.

اذن، فمن المحتمل ان يکون عدد مهم من المشاهدات واقع في خارج العراق، و لم تسنح الظروف - التي اشرنا الي بعضها - بنقل اخبارها الينا.

کما ينبغي ان لا ننسي ما قلناه من ان المهدي عليه السلام يعمل الاغلب من اعماله بشخصيته الثانية و بصفته فردا عاديا في المجتمع، و مثل هذه الاعمال تحصل و لا يردنا خبرها بطبيعة الحال. او قد يصلنا الخبر و لا نعرف انتسابها الي المهدي (ع) بحقيقته.

و معه فالمهدي يمکنه ان يعمل في سائر البلاد التي يصل اليها، سکنا او سفرا، من دون ان يثير حوله اي استفهام او ان يصل الي الاخرين عنه اي خبر.

الوجه الثالث:

ان غاية ما تدل عليه هذه الاخبار، هو ان غالب سکني المهدي (ع) هو في العراق. و من المعلوم ان عمل الفرد يکثر في محل سکناه عنه في المناطق الاخري. و خاصة فيما اذا کان يجد من بعض الاسفار صعوبة و خطرا علي نفسه او اثارة للاستفهام عن حقيقته.

و اختياره عليه السلام العراق للسکني، ممکن و قريب، و لا ينافي ايا من الاطروحتين الرئيسيتين. و خاصه بعد ان کان هو بلد سکناه غالبا في غيبته الصغري - کما عرفنا -. و فيه مساکن و مدافن جملة من آبائه الطاهرين عليهم السلام. شو کان مرکزا لعدد مهم من الاعمال الاسلامية الکبري في صدر الاسلام کواقعة کربلاء و غيرها. و سنعرف ايضا في الکتاب الثالث من هذه الموسوعة أن العراق و الکوفة علي الخصوص، ستکون هي المنطلق الاساسي، بعد ظهور المهدي (ع) لفتح العالم کله و العاصمة الرئيسية للدولة الاسلامية العالمية المهدوية.



[ صفحه 105]



و هنا يمکن ان يخطر في الذهن سؤالان، لابد من عرضهما مع محاولة الجواب عليهما:

السؤال الأول:

انه لماذا کان العراق هو مرکز الثقل في کل هذه الاعمال الکبري، و لم يکن غيره بهذه الصفة. مع العلم اننا نومن بتساوي البشر عامة و المسلمين خاصة و بتساوي المناطق و اللغات تجاه التشريع الاسلامي و العدالة الالهية. فما هو الوجه في ذلک؟.

و الجواب عن ذلک: ان العراق لم يختل هذا المرکز المهم، من اجل عنصرية معينة، و انما له من الصفات الواقعية التي تجعله المنطلق الوحيد في العالم لکل تلک الاعمال الکبري.

و يمکن تلخيص خصائصه الرئيسية بما يلي:

الخصيصة الأولي:

ان العراق من الناحية الجغرافية، يعتبر في وسط البلاد الاسلامية في عصر الغيبة، ابتداء بالهند و اندونيسيا و انتهاء بمراکش و غرب افريقيا عموما.

الخصيصة الثانية:

ان العراق مسکن للقواعد الشعبية التي تومن بوجود المهدي (ع) و غيبته.

الخصيصة الثالثة:

ان العراق سيصبح الارض التي تتمخض عن عدد غير قليل من القواد الرئيسيين للمهدي (ع) بعد ظهوره، کما سيتضح من الکتاب الثالث من هذه الموسوعة، بخلاف البلاد الاسلامية الاخري، فانها تتمخض عن عدد قليل.

و السر في ذلک: ليس هو افضلية العراق ککل علي غيره، و انما ذلک باعتبار ما يمر به الشعب هناک من ماس و مظالم اکثر من غيره من الشعوب المسلمة، و سنعرف في ما يلي من هذا التاريخ ان زيادة الظلم يتمخض عن کثرة الاخلاص و المخلصين.

و بهذه الخصائص الثلاث، يکون العراق ذا موقع اهم من الناحية الاسلامية



[ صفحه 106]



من کثير من البلاد الاسلامية الاخري. نعم، ينبغي ان لا تنسي الجزء الاکبر من بلاد فارس فانها ايضا تتصف بنفس الخصائص. و حيث کانت مجاورة للعراق امکن تعميم المنطقة بخضائصها اليها.

السؤال الثاني:

ان روايات المشاهدة و ان دلت علي سکني المهدي (ع) في العراق، الا ان هناک امورا اخري تدل علي خلاف ذلک، تکون معارضة مع هذه الروايات. فکيف نجمع بينهما.

الأمر الأول:

ما سبق ان ذکرناه طبقا للأطروحة الرئيسية الثانية، من أن خير وجه متصور يخططه المهدي (ع) لکي يبعد الانظار عن نفسه و الالتفات الي حقيقته، هو ان يسکن في کل جيل مدينة اسلامية غير التي کان يسکنها و قلنا انه لعله يسکن في کل خمسين سنة في مدينة من العالم الاسلامي.

ولکن الواقع ان هذا لا يعارض سکناه الغالبة في العراق خلال التاريخ، و سکناه في عدد من مدن العراق ايضا. فلايکون معارضا مع ما دلتعليه روايات المشاهدة.

الأمر الثاني:

الرواية السابقة التي دلت علي اختياره المدينة المنورة للسکني.

الأمر الثالث:

ما سمعناه من اختياره البراري و القفار و شعاب الجبال محلا للسکن، کما دلت عليه رواية علي بن مهزيار.

و الجواب علي کلا هذين الامرين، من وجهين:

الوجه الاول:

اننا سبق ان وجدنا المبررات الکافية لرفض الاخذ بکلا هاتين الروايتين، و معه، فلا تکون معارضة ما دلت عليه روايات المشاهدة.



[ صفحه 107]



الوجه الثاني:

ان ما يدل عليه غالب روايات المشاهدة هو سکني المهدي في غالب العصور المتاخرة في العراق، و معه ففي الامکان افتراض سکناه في البراري و القفار. و خاصة بعد ان علمنا ان الحاجة الي الانعزال والحماية قد ارتفعت بالمرة عن شخص المهدي عليه السلام، في العصور المتاخرة.

فهذه هي جملة الاقسام في اخبار المشاهدة، مع تمحيصها. و نکرره تارة اخري ان کل رواية بمفردها، قد تکون قابلة للمناقشة الا ان العلم الحاصل من المجموع غير قابل للمناقشد، و يکون نافيا للکذاب و الخطاو الوهم... و لو في بعضها علي اقل تقدير.

الأمر الثاني

من الکلام عن أخبار المشاهدة.

ان هناک ايرادا عاما يمکن أن يرد علي هذه الأخبار لو لوحظت النظرة الاسلامية العامة الي المجتمع.

و حاصل هذا الايراد: اننا لانکاد نجد في اخبار المشاهدة، في الغيبة الکبري، توجيها عاما واعيا يقوله الامام عليه السلام لاحد ممن يقابله، سواء کان الغرض قضاء حاجة عامة او قضاء حاجة خاصة.

مع انه يتبادر الي التصور ان ما يفعله الامام (ع) في اثناء المقابلة، هو ان يربي من يقابله و يثقفه بالثقافة العامة الاسلامية الصحيحة، و يلخص له في عدة کلمات القضايا الاسلامية المهمة التي تنير له الطريق و تحثه علي السير القويم. و المشارکة في بناء المجتمع المسلم بناء صالحا واسع الاثر بعيد النتيجة.

مع ان هذا لم يحدث، اذ لو کان قد حدث لنقل في الاخبار، مع انها تکاد ان تکون خالية عنه، و لو کان قد حدث لاصبح الفرد من افضل الصالحين،و اوسع العاملين، و لراينا آثارا اجتماعية مهمة مترتبة علي اعمال الذين شاهدوا المهدي (ع)، و تابعيهم باحسان، مع ان ذلک لم يحدث!.=



[ صفحه 108]



فلماذا لم يقل المهدي (ع) مثل هذه التوجيهات، و اذاکان قاله، فلماذا لم ينقل الينا، أو لم يظهر اثره في المجتمع المسلم.

و نحن اذا استطعنا الجواب علي ذلک،فقد سرنا قدما جديدة في تحديد سياسة الامام المهدي (ع) تجاه الاخرين ممن قابلوه، و ممن لم يقابلوه ايضا.

و يتم الجواب علي ذلک ضمن عدة نقاط:

النقطة الاولي:

اننا عرفنا ان المهدي (ع) يعمل - مع اجتماع الشرائط - العملالنافع بصفته فردا اعتياديا في المجتمع. و في مثل ذلک يکون له ان يقول ما يشاء و يفعل ما يريد و يمهد لتکميل الافراد و المجتمعات، من دون ان تعرف هويته الحقيقية. و ربما کان الکثير ممن برزوا في العالم الاسلامي علما وعملا، کانوا قد سمعوا التوجية من المهدي (ع) بدون ان يعرفواه علي الاطلاق.

النقطة الثانية:

ان المهدي (ع) قد يجتمع بالخاص ء من المومنين به، و هو ما سبق أن تصورناه بصفته اطروحة محتملة، و تدل عليه بعض الأخبار أيضا، علي ما سنسمع، و باجتماعه معهم، بالشکل الذي يعرفوه بحقيقته، ينفتح لهم المجال الواسع لتلقي التعليمات منه عليه السلام،و الخوض في مناقشة المسائل الاجتماعية و الاسلامية علي صعيد واسع و واع. ثم هم يطبقونه في حياتهم العملية، من دون ان ينقلوا شيئا من اخبار المقابلة و المناقشة.

و لعل عددا ممن برزوا في العالم الاسلامي في العلم و العمل، کانوا اشخاصا من هذا القبيل.

فان کفي ذلک في قناعتنا في کفاية هذه التوجيهات، عما نتوقعه من اخبار المشاهدة، فهو المطلوب. و ان تنزلنا عن هذه النقطة، امکننا الانتقال الي ما يلي: النقطة الثالثة:

ان المعهود من ديدن النبي (ص)، و الائمة عليهم السلام، هو اعطاء کل مقام مقاله، وعدم المبادرة الي البيان من دون سوال. و اذا سالهم سائل عن بعض



[ صفحه 109]



الحقائق العبادية او الاجتماعية او الکونية، نظروا الي مقدار مستوي السائل من حيث الثقافة، و اعطوه من الجواب بمقدار ما يفهمه و يستطيع هضمه و تمثيله نفسيا و عقليا. و لم يکونوا يحملونه جوابا يحوي من الحقائق ما لا يطيقه کاهله او لا يسيغه عقله.

بل ان هذا الدين غير خاص بقادة الاسلام، بل عام لکل عالم عندما يساله جاهل، و کل اختصاصي عند ما يساله عامي. فليس من المحتمل ان يجيب انشتاين بکل تفاصيل نظريته النسبية، او ببعض دقائقها، لو ساله عنها شخص، و انما يکتفي في الاعراب عنها، باعطاء بعض العموميات.

و هذا هو المراد الجواهري، مما ورد شرعا و عرفا، من قولهم: خاطب الناس علي قدر عقولهم. و هو امر واضح في الاذهان في غاية الوضوح.

و معه، فلا ينبغي ان نتوقع من المهدي (ع) ان يسير بغير هذا الديدن الذي سار عليه آباوه عليهم السلام. فهو لا محالة يقدر المستوي العقلي و الثقافي للفرد قبل ان يوجه توجيهه او يذکر کلامه.

فاذا علمنا انه عليه السلام کان يواجه الناس لاغراض حل مشاکلهم العامة و الخاصة، بغض عن مستوياتهم الثقافية، و علمنا ان کثيرا من کان يواجههم ذو مستوي في الوعي و الثقافة الاسلامية العامة واطي ء الي حد کبير... لم نکن نتوقع مع هذا - ان يذکر المهدي توجيها او ارشادا خارجا عن حدود قضا ء الحاجة و تذليل المشکلة، مما يکون له آثار اخري في المجتمع و الحياة.

و هذه هي القاعدة الاساسية التي تفسر هذا الجانب من سياسة الامام عليه السلام، تجاه الاخرين.

النقطة الرابعة:

اننا لو غضضنا النظر عما قلناه في النقطة الثالثة، و فرضنا ان المهدي (ع) يوجه البيانات الي من يراه بشکل واسع، بقطع النظر عن مستواه الثقافي و الفکري... فنحن - مع ذلک - لا ينبغي ان نتوقع من هذه التوجيهات ان تصنع لنا الابطال و المشاهير في العلم و العمل... کما تخيل السائل الذي نناقشه الان.

فاننا نعرف سلفا ان المقابلة تکون قصيرة دائما، و غير مکررة علي الاغلب،



[ صفحه 110]



و مکرسة - بطبيعة الحال - لأجل حل مشکلة معينة. اذن، فماذا يبقي للتوجيهات العامة المتصورة للامام المهدي (ع) من الزمان، الا اقل القليل. فلو فرض أن الامام عليه السلام اغتنم هذه الفرصة، و تکلم مع الفرد مقدار ربع ساعة او نصف ساعة علي اکبر التقادير، فان هذا الکلام مهما کان مرکزا و کاملا و عميقا، لا يمکن ان يصنع من الفرد العادي بطلا من الابطال، او شهيرا من المشاهير، من الزاوية الاسلامية الحقة. فان الامر لايخلو من احد فرضين لا ثالث لهما. و هما: أن المهدي (ع) اما أن يريد تربية من يقابله و تثقيفه بشکل المعجزة، و اما ان يريد ذلک بنحو طبيعي.

اما طريق المعجزة فهو منسد اساسا، لعدم کون هذه المعجزة واقعة في طريق اقامة الحجة، بعد فرض ايمان الفرد بالاسلام، فلا يقتضي قانون المعجزات وجودها. علي انها لو وجدت للزم منها الجبر الباطل علي ما هو يبرهن عليه في محله من بحوث العقائد في الاسلام.

و اما تربيته و تثقيفه بالطريق الطبيعي، فمثل هذه التربية مما لايمکن وجوده في زمان يسير، و انما يجتاج الانسان في تکامله الي زمان طويل و تجربة واسعة و تربية بطيئة حتي يتکامل و ينضج نضجا واقعيا. و لا يمکن ان يکون کلام الامام (ع)- حتي لو فهمه و استوعب حقائقه - الا خطوة واحدة في طريق تکامل الانسان. و يبقي بينه و بين رفعته الحقيقية خطوات و خطوات.

علي ان الکلام المرکز القصير الذي فرضناه في السوال، مما يتعذر علي الفرد العادي فهمه و يحول ترکيزه و عمقه دون استيعابه. و اما اذا لم يکن مرکزا و عميقا لم يکن منتجا للنتائج المتوقعة في السوال.

اذن، فيتعين علي المهدي (ع) - في حدود هذه النقطة الرابعة - ان يعرض عن التوجيهات صفحا، لعدم جدواها الا بطريق اعجازي، لايمکن تحققه طبقا لقانون المعجزات.

النقطة الخامسة:

اننا نحتمل - علي الاقل - ان هذه التوجيهات العامة لو تکررت و اثرت لکان لها ابلغ الاثر في تغيير التاريخ الاسلامي بل التاريخ البشري، وفاقا لما قاله السائل، بعد التنزل عن النقاط السابقة.



[ صفحه 111]



و هذا التغيير المتوقع، مما لايحتوي علي مصلحة، لانه يوخر يوم الظهور و يفوت شرطه الاساسي، و هو مرور الامة بازمنة الظلم و الجور، حتي تتکامل عن تجربة و حنکة و قوة ارادة، لا عن استخذال و تکاسل. ومعه فلا يمکن ان يقوم المهدي (ع) بذلک، و انما يقتصر علي التوجيهات الصغيرة التي لا تبلغ هذا المستوي.

اذن، فبلحاظ اي واحدة من هذه النقاط، فضلا عن مجموعها، يکون من المنطقي ان نتصور خلو اخبار المشاهدة من التوجيهات العامة الواعية، و اقتصارها علي ما هو المقصود من المقابلة، ليس الا.

مضافا الي اننا نعرف ان الرواة اذا کانوا من الخاصة المخلصين المتقبلين لتوجيهات المهدي (ع)، فانه يحذفونها عند نقل الواقعة احتراما لها وصونا لمدلولها عن الانتشار... کما يظهر من بعض روايات المشاهدة. و اذا لم يکونوا من اولئک الخاصة، فانهم اما ان يحذفوا التوجيهات لعدم الاهتمام بها، و اما انهم ينقلونها بالمعني الذي فهموه، فتبدو لنا بشکل ممسوخ ذو طابع شخصي ضيق، و لا تکاد تکون من التوجيهات العامة، اذا عرضت بهذا الشکل.

هذا، فيما اذا سلمنا، ما افترضناه في السؤال من ان التوجيهات العامة لم ترد في روايات المشاهدة... هذا و ان کان صحيحا بشکل عام. و لکننا لا نعدم سماع ذلک احيانا، حين يجد المهدي (ع) مصلحة في التوجيه، في الحدود الممکنة. و قد نستطيع ان نحمل فکرة عن ذلک فيما يلي من هذا الفصل.

الأمر الثالث:

هل أن مشاهدات المهدي عليه السلام علي حقيقته، في غيبته الکبري، يحتاج الي درجة عالية من الايمان والوثاقة، کما يميل اليه بعض الباحثين، او لا يحتاج.

لا شک أن تلک الدرجة العليا، کانت شرطا في مشاهدة صاحب الأمر المهدي (ع) في غيبته الصغري... کما عرفنا في تاريخها، حيث لم يکن ابوه الامام



[ صفحه 112]



العسکري (ع) يطلع احدا عليه الا من الموثوقين الخاصين، و کذلک کان يديدن المهدي (ع) بعد وفاة ابيه. ما عدا حوادث قليلة جدا ظهر عليه السلام للمنحرفين من اصحابه لمصالح معينة، و يشکل مامون النتيجة [5] .

و اما في عصر الغيبة الکبري... فلا شک ان الاغلب هو اختصاص المقابلة بالخاصة الموثوقين. کما لا شک في أن الامام المهدي (ع) قد يخص بعض الموثوقين، بأکثر من مقابلة واحدة، و لعلها تصل الي عدد مهم من المقابلات لدي عدد منهم.

کما لا شک في أن المصالح الاسلامية، قد تقتضي ظهورا للمنحرفين، اذا کان بنحو مأمون النتيجة.

و معه، فينبغي أن يقال: أن نفس النسبة التي رأيناها في الغيبة الصغري، تتکرر بشکل أو آخر، في الغيبة الکبري أيضا، بين الموثوقين و المنحرفين. و هذا کله واضح لا غبار عليه... لا بحسب القواعد العامة، و لا بحسب اخبار المشاهدة، اذ ان المنقلو من المقابلات مع غير الموثوقين، مشابه لهذه النسبة تقريبا.

ولکن الذي ينبغي ان نلتفت اليه، هو وجود فرق اساسي ما بين حال المهدي (ع) في غيبته الصغري و حاله في غيبته الکبري، فهو في الکبري أکثر أمنا وأبعد عن التفات الأذهان اليه، فتفتح له فرصة أکبر في مقابلات الناس، بما فيهم غير الموثوقين و المنحرفون أيضا. مع الالتزام بتخطيط معين يضمن عدم الاطلاع علي حقيقته الا بعد الفراق.

و هذا واضح، بعد أن عرفنا من مطاردة السلطات له في الغيبة الصغري، و هناک قسم من الناس يعرفونه و يعرفون والده، و خاصة في القسم الأول من تلک الفترة. و أما في الغيبة الکبري، فقد ابتعدت الأنظار عنه، و خفي شکله بالمرة عن سائر البشر، و أيست السلطات عن مطاردته، بل أنکرت وجوده تماما. وکل ذلک يکون في مصلحة حرية تنقلاته و مقابلاته، کما هو واضح.

و من هنا نکاد نشخص بوضوح، ان نسبة مقابلاته مع غير الموثوقين، أکثر الي حد واضح من نسبتها في الغيبة الصغري. و أما المنحرفون، فالمقابلة معهم أقل من



[ صفحه 113]



ذلک العدد بکثير، و لا تکون الا فيما اذا توقف عليه غرض کبير، و لم يمکن تنفيذه عن طريق المقابلة مع أحد الموثوقين أو غير المنحرفين.

الأمر الرابع:

في التخطيطات التي يضعها المهدي (ع) لاجل ضمان عدم التفات الرائي الي حقيقته في اثناء المقابلة.

فان المقابلة، قد تقتضي، بحسب المصلحة، أن يکشف المهدي عن حقيقته في أثنائها. و قد يکون الرائي عارفا له من مقابلة سابقة، کما قد يحصل للموثوقين الخاصين. و قد تقتضي المقابلة أن لا يعرفه الرائي الا بعد المفارقة، فيما اذا لم يکن بتلک الدرجة العليا من الوثاقة، فضلا عما اذا لم يکن موثوقا أو کان منحرفا.

ففي مثل ذلک يحتاج المهدي (ع) الي التخطيط بنحو يدع الرائي غافلا عن حقيقته الي حين الفراق، علي ان يفهم بعد ذلک أن الذي کان قد رآه... هو المهدي (ع).

و أساليب التخطيط الذي کان يضعها المهدي (ع) في سبيل ذلک، بحسب ما ورد في أخبرا المشاهدة، عديدة، يمکن تلخيصها فيما يلي:

الأسلوب الأول: ابداله لزيه و واسطة نقله:

فنراه کثيرا ما يکون مرتديا العقال العربي، علي اختلاف الأشکال، فتارة نراه بزي البدو [6] و ثانية بزي مهيب لطيف [7] و ثالثة بزي فلاح يحمل مسحاته [8] و رابعة بزي سيد جليل من رجال الدين. [9] .

کما ان واسطة نقله قد تکون هلي الجمل في عدد من المرات [10] کما قد تکون



[ صفحه 114]



هي الفرس [11] و قد يکون هو الحمار، [12] کما قد يواکب الرائي ماشيا [13] و قد لا تحتاج المقابلة الي سير و انتقال. [14] .

کما قد ياتي الي المقابلة، فارسا حاملا رمحا عند الحاجة، [15] کما قد يبدو متکلما بلهجد البدو مستعملا نفس کلماتهم. [16] و ثالثة يبدو متکلما بلهجة اللبنانيين [17] و رابعة باللغة الفارسية. [18] .

و قد نعرف، سيرا مع الاطروحة الثانية: أطروحة خفاء العنوان: ان الأزياء و الهيئدت لتي يقابل بها المهدي (ع) من يريد اخفاء حقيقته عليه أثناء المقابلة... ليس شي ء منها هو الذي يکون عليه في حياته الاعتيادية بشخصيته الثانية. لوضوح وجود احتمال کبير في انکشاف حقيقته، لو ظهر لاحدهم في نفس المجتمع الذي يعيش فيه. اذن قلا بد للمهدي (ع) ان يخطط للمقابلد بابدال زيه لا محالة، قبلها، ضمنا علي الحفاظ علي سره و خفاء عنوانه.

الأسلوب الثاني:

اقامته للمعجزة التي تکون دالة علي حقيقته، بنحو لا تکاد تکون ملفتة للنظر في اثناء المقابلة، بل لايکاد يعرف الرائي انها معجزة اصلا الا بعد الفراق... حين يستذکرها و يحسب حسابها فيعرف أن ذلک العمل لا يمکن أن يقام به الا بنحو اعجازي.

و يتجلي ذلک بوضوح في عدد من الروايات، بقطع المسافة الطويلة بزمان قصير، المسمي بطي الارض برا احيانا و بحرا اخري. و من المعلوم ان حساب طول المسافة انما يکون بعد قطعها. و لعل اوضح الروايات في ذلک، ما فهمه



[ صفحه 115]



الراوي بعد فراق المهدي (ع) من أن الطريق الذي مشي فيه في زمان قصير نسبيا، لا يمکن لأحد أن يسير فيه الا بأضعاف تلک المدة، و من المتعذر أن ينجو أحد من السباع و الوحوش في ذلک الطريق، ولکنه نجا منها و وصل في زمان قليل. [19] .

الأسلوب الثالث:

ابتعاده عن الرائي في أثناء الحادثه، و قبل انتهاء حاجته، و ايکال انهائها الي غيره... هو أما نفس صاحب الحاجة کما في بعض المقابلات [20] و قد يکون هو خادم الامام عليه السلام، [21] و قد يکون هو شخص آخر عابر للطريق. [22] .

الأسلوب الرابع:

تجنب کل ما من شأنه الفات النظر الي حقيقته، کالاشارة الي عنوانه صراحة او کناية، او اقامته لمعجزة کبرة واضحة ملفتة للنظر، کما هو واضح من عدد من روايات المقابلات. بل قد يتجنب الجواب لو سئل عن اسمه و مکانه، و لا يجيب بما يدل علي حقيقته.

الأسلوب الخامس:

وقوع الرائي و الراثين أو ايقاعهم، في ظروف وقتية خاصة، بحيث يرتج عليهم باب السؤال عن حقيقة المهدي واسمه و بلدته. و هذا واضح من عدد من الروايات، فان الرائي قد يکون مهتما بحاجته جدا [23] او مذهولا نتيجة لالتفاته الي معجزة واضحة اوجدها المهدي (ع)، [24] او مشغولا بنفسه کالصلاة أو المرض أو ضيق البال و نحو ذلک.

و لا يخفي ان نفس تلک الغفلة التامة التي يکون بها النسا تجاه روية المهدي (ع)، تلک الغفلة التي لا يمکن ارتفاعها الا تحت تأثير قوي... هي من



[ صفحه 116]



اکبر الظروف، بل أکبرها علي الاطلاق، مما يقتضي عدم معرفة الرائي بالمهدي (ع) في اثناء المقابلة... الا بعد أن يحسب حسابه بعد الفراق.

فهذه هي الأسالبيب العامة للتخطيط الذي يتخذ المهدي (ع) بعضها. حينما لا يحد من المصلحة معرفته في أثناء مقابلته. و هناک بعض الأسالي الخاصة المبعثرد في الروايات، مما لايمکن أدراجه تحت ضابط عام، و يطول بنا المقام في تعدادها.

الأمر الخامس:

في الاغراض و المقاصد العامة التي يقصدها المهدي (ع) من عمله خلال المقابلة. و توجل التعرض للمقاصد الخاصة الي الأمر السادس الأتي.

و المقصود من الاغراض العامة، ما يکون مستهدفا لاثر اسلامي اجتماعي أکبر من الأفراد و أوسع. و هو الذي قلنا أنه قليل التحقق بالنسبة الي العمل الفردي الخاص، و ذکرنا السبب في ذلک.

و ستکون الفرصة خلال هذا الامر الخامس و ما بعده مفتوحة للاطلاع المختصر علي تفاصيل بعض المقابلات، بالشکل الذي يناسب المقام. و لانکون مسؤؤلين عن سر القصص بتفاصيلها فليرجع فيها القاري ء الي مصادرها.

و تنقسم الأغراض و الأهداف العامة في أعمال الامام المهدي (ع) في غيبته الکبري، الي عدة أقسام:

الهدف الأول:

انقاذ الشعب المسلم من براثن تعسف و ظلم بعض حکامه المنحرفين، و خاصة فيما يعود الي قواعده الشعبية من الخير و السلامة.ج

فمن ذلک ما قام به الامام المهدي من انقاذ شعبه في البحرين، من تعسف حاکميه الذين تنص الرواية علي کونهم من عملاء الاستعمار و من المنصوبين من قبل المستعمرين. [25] .



[ صفحه 117]



حيث کان للوزير في تلک البلاد، و هو بمنزلة رئيس الوزراء في عالم اليوم... مکيدة کبيرة کادت أن تودي الي ارهاب القواعد الشعبية للامام المهدي (ع) ارهابا غريبا بمعاملتهم معاملة الکفار الحربيين من اهل الکتاب... اما بان يدفعوا الجزية عن يد و هم صاغرون، أو أن تقتل رجالهم و تسبي نساؤهم و أطفالهم. و قد کمان للامام المهدي (ع) اليد الطولي في کشف هذه المکيدة و دفع هذا الشر المستطير.

الهدف الثاني:

انقاذ الشعب المسلم من براثن الاشقياء و المعتدين، و عصابات اللصوص المانعين عن الأعمال الاسلامية الخيرة.

فمن ذلک: [26] العمل الکبير الذي قام به المهدي عليه السلام من فتح الطريق الي کربلاء المقدسة، ؤمام زوار جده الامام الحسين عليه السلام، في النصف من شعبان.

و کانت عشيرة «عنيزه» تترصد لکل داخل الي کربلاء و خارج منها، و تتعهده بالسلب و النهب، فکان الطريق اليها موصدا يخافه الناس. فلولا قيادد المهدي (ع) للزائرين في الطريق الي کربلاء و تهديده لعشيرة عنيزة بالموت و الدمار اذا حاولت الاعتداء،لامتنع الناس من الذهاب الي زيارة الامام سيد شباب أهل الجنة عليه السلام، و لتعطل هذا الشعار الاسلامي الکبير. فمرحي للالطاف الکبري التي يسبغها المهدي (ع) علي امته.

و کان ذلک خلال حکم الدولة العثمانية للعراق. و کان من قوادهم يومئذ: کنج محمد آغا و صفر آغا... کما تنص الرواية علي ذلک، ولکنها - مع الأسف - تهمل التعرض الي التاريخ المحدد للحوادث.

الهدف الثالث:

الفات نظر الاخرين الي عدم تحقق شرط الظهور الموعود. و التاکيد علي ان الأمة لم تبلغ الي المستوي المطلوب من الوعي و الشعور بالمسوولية الذي تستطيع معه ان تحمل عاتقها الاثار الکبري في اليوم الموعود. و معه فلا بد من أن يتأجل الظهور



[ صفحه 118]



الي اليوم الذي يتحقق فيه هذا الشرط مهما تمادي الزمن و طالت المدة. و ليس لاحد ان يقترح تقديمه او يعين تاريخه، سوي الله عزوجل.

و قد حصل التاکيد علي هذا المفهوم الصحيح الواعي من قبل المهدي (ع)، علي ملا من الناس في رواية ارويها عن ابي دام ظله، لم اجدها في المصادر المتوفرة. و من هنا اجد من الضروري ان اروي تفاصيلها باختصار، لکي يتضح تماما المعني المقصود من هذه الرواية.

و ذلک: ان الناس في البحرين، في بعض الازمنة، لمقدار احساسهم بالظلم و تعسف الظالمين... تمنوا ظهور امامهم المهدي (ع) بالسيف ظهورا عالميا عاما، لکي يجتث اساس الظلم لا من بلادهم فحسب بل من العالم کله.

فاتفقوا علي اختيار جماعة من اعاظمهم زهدا و ورعا و علما و وثاقة، فاجتمع هولاء واختاروا ثلاثة منهم، واجتمع هولاء و اختاروا واحدا هو افضلهم علي الاطلاق، ليکون هو واسطتهم في الطلب الي المهدي بالظهور.

فخرج هذا الشخص المختار، الي الضواحي و الصحراء، و اخذ بالتعبد و التوسل الي الله تعالي و الي المهدي (ع) بان يقوم بالسيف و يظهر فيملاء الارض قسطا وعدلا، کما ملئت ظلما و جورا. وقضي في ذلک ثلاثة ايام بلياليها.

فلما کانت الليلة الاخيرة، اقبل شخص و عرفه بنفسه انه هو المهدي المنتظر، و قد جاء اجابة لطلبه. و ساله عن حاجته، فاخبره الرجل بان قواعده الشعبية و مواليه في اشد التلهف و الانتظار الي ظهوره و قيام نوره. فاوعز اليه المهدي (ع) ان يبکر في غد الي مکان عام عينه له، و ياخذ معه عددا من الغنم في الطابق الثاني علي السطح، و يعلن في الناس ان المهدي (ع) سياتي في ساعة معينة، عليهم ان يجتمعوا في ارض ذلک المکان. و قال له المهدي (ع) ايضا: انني ساکون علي السطح في ذلک الحين.

وامتثل الرجل هذا الامر، و حلت الساعة الموعودة، و کان الناس متجمهرين في المکان المعين علي الارض، و کان المهدي (ع) مع هذا الرجل و غنمه علي السطح.

و هنا ذکر المهدي (ع) اسم شخص و طلب من الرجل ان يطل علي الجماهير



[ صفحه 119]



و يامره بالحضور. فامتثل الامر و اطل علي الجمع و نادي باسم ذلک الرجل... فسمع الناس و صعد الرجل علي السطح. و بمجرد وصوله امر المهدي (ع) صاحبنا ان يذبح واحدا من غنمه قرب الميزاب، فما راي الناس الا الدم ينزل من المياب بغزارة. فاعتقدوا جازمين بأن المهدي (ع) أمر بذبح هذا الرجل الذي ناداه.

ثم نادي المهدي (ع) بنفس الطريقة رجلا آخر، و کان ايضا من الاخيار الورعين. فصعد مضحيا بنفسه واضعا في ذهنه الذبح امام الميزاب، و بعد ان وصل الي السطح نزل الدم من الميزاب. ثم نايد شخصا ثالثا و رابعا. و هنا اصبح الناس يرفضون الصعود، بعد ان تاکدوا ان کل من يصعد سيراق دمه من الميزاب. و اصبحوا يفضلون حياتهم علي امر امامهم.

و هنا التفت المهدي (ع) الي صاحبنا و افهمه بانه معذور في عدم الظهور ما دام الناس علي هذا الحال.

فمن هنا نفهم بوضوح، کيف ان المهدي (ع) استهدف افهام الامة بشکل عملي غير قابل للشک، بانها ليس علي المستوي المطلوب من التضحية و الشعور بالمسؤولية الاسلامية. و کشف أمامها واقعها بنحو احسه کل فرد في نفسه و انه علي غير استعداد لاطاعة أمر امامه (ع) اذا کان مستلزما لاراقة دمه. و اذا کانت الأمة علي هذا المستوي الوضيع لم يمکنها بحال أن تتکفل القيام بمهام اليوم الموعود بقيادة المهدي (ع).

و ستاتي البرهنة التامة علي صحة هذا الشرط، من شرائط الظهور، في القسمخ الثالث من هذا الکتاب.

الهدف الرابع:

ارجاعه عليه السلام للحجر الأسود الي مکانه من الکعبة.

فان القرامطة بعد أن قلعوه أثناء هجومهم علي مکة المکرمة عام 317 للهجرة، [27] و نقلوه الي هجر. و کان ذلک ابان الغيبة الصغري، کما عرفنا من



[ صفحه 120]



تاريخها [28] بقي الحجر لديهم ثلاثين عاما [29] أو يزيد. و أرجعوه الي مکة عام 339، [30] أو عام 337. [31] فکان المهدي (ع) هو الذي وضعه في مکانه و اقره علي وضعه السابق، کما ورد في أخبارنا. [32] .

قال الراوي: لما وصلت الي بغداد في سنة سبع و ثلاثين و ثلاثمائة عزمت علي الحج وهي السنة التي رد القرامطة فيها الحجر في مکانه الي البيت. کان أکثر همي الظفر بمن ينصب الحجر، لانه يمضي في انباء الکتب قصة أخذه، فأنه لايضعه في مکانه الا الحجة في الزمان. کما في زمان الحجاج وضعه زين العابدين عليه السلام في مکانه. [33] .

و اوضح الراوي بأن الناس فشلوا في وضعه في محله، و کلما وضعه انسان اضطرب الحجر و لم يستقم. فاقبل غلام اسمر اللون سن الوجه فتناوله فوضعه في مکانه فاستقام کانه لم يزل عنه، و علت لذلک الاصوات.

ثم ان المهدي عليه السلام، خرج من المسجد و لاحقه الراوي طالبا منه حاجة، فقضاها له، و اقام الدلالة ساعتئذل علي حقيقته.

و هذه حقيقة تمثل فجوة تاريخية، سکت عنها التاريخ العام، و قد ملاتها اخبارنا الخاصة بکل وضوح. و هو أمر لايمکن نفيه الا بنفي فکرة غيبة المهدي عليه السلام من اصلها. و هو خلاف ما هو المفروض في هذا التاريخ.

نعم، يبقي في الذهن سؤالان حول ذلک لا بد من عرضهما و محاولة الجواب عليهما:

السؤال الأول:

أنه من أين ثبت أن الحجر الأسود لايضعه في محله الا الحجة في الزمان، کما



[ صفحه 121]



ادعاء الراوي؟.

و الواقع أننا لم نجد رواية تتکفل هذا المدلول الواسع. ولکننا اذا استعرضنا التاريخ المعروف، لم نجد واضعا للحجر الا من الانبياء و الأولياء. فابراهيم عليه السلام هو الذي وضع الحجرحين بني الکعبة و وضع أسس البيت العتيق. و رسول الله صلي الله عليه و آله هو الذي وضع الحجر قبل نبوته حين بنيت الکعبة في الجاهلية و اختلفت القبال فيمن يضع الحجر و الحادثة معروفة، و مروية في التاريخ. [34] و حين أخرب الحجاج بن يوسف الکعبة المقدسة في صراعه مع عبد الله بن الزبير.. أعادوا بناءها من جديد، و کان واضع الحجر هو الامام زين العابدين. [35] .

و هذا الراوي في الرواية التي نناقشها، ينسب وجود مثل هذه القاعدة العامة، أعني أن الحجر الأسود لايضعه الا الحجة في الزمان... ينسبها الي الکتب، و ظاهره کونها مسلمة الصحة، فلعله کانت هناک أدلة أکثر و أوثق قد بادت خلال التاريخ والله العالم بحقائق الأمور.

السؤال الثاني:

لو ثبتت هذه الفکرة کقاعدة عامة، و صادف أن زال الحجر الأسود من مکانه في بعض عصور الغيبة الکبري، فکيف يتسني للمهدي (ع) ارجاعه، هو حجة الزمان، الا بانکشاف امره و ارتفاع غيبته و اطلاع الناس علي شخصه.

و الجواب علي ذلک: أن أهم ما يمکن أن يکون ساترا لشانه و صائنا لسره حين وضعه الحجر،هو عدم معروفية هذه الفکرة لدي الناس و عدم اشتهارها بينهم، بل و عدم قيام دليل واضح عليها، کما سمعنا. و لعله من اجل ذلک لم يصدر في الشريعة الاسلامية مثل هذا الدليل الواضح علي ذلک. و لعلک لاحظت من خلال هذه الرواية التي نناقشها أن الذي عرف هذه الفکرة هو واحد من الالاف المحتشدة بما فيهم العلماء و الکبراء. و من هنا استطاع أن يشخص في واضع الحجر



[ صفحه 122]



کونه هو المهدي (ع).

و معه، فانطلاقا مع خط الاطروحة الثانية: أطروحة خفاء العنوان، يمکن أن نفترض أن الامام عليه السلام في عصر غيبته، يضع الحجر الاسود مع عمال البناء، و يکون آخر من يثبته، و يبقي مجهول الحقيقة علي طول الخط، بل قد يکون معروفا بشخصيته الثانية باسم آخر کفرد عادي في المجتمع. فيري الرائي أن هذه الفکرة العامة قد انخرمت، في حين أنه ليس واضع الحجر الا (المهدي) لو انکشف الستر و ظهرت الحقيقة.

الأمر السادس:

في الأهداف و المقاصد الخاصد، التي يقصدها الامام (ع) خلال مقابلاته. مما يمت بالنفع - بشکل رئيس و مباشر - الي شخص معين او اشخاص قلائل. سواء کان له - بشکل غير مباشر - نفع اجتماعي ملحوظ او لم يکن.

و الأهداف المندرجة تحت هذا العنوان متعددة و أمثلتها کثيرة، نکتفي لکل منها بمثال واحد.

الهدف الأول:

هداية الشخص و تقويمه، و ضمه في النتيجة الي الشعب المسلم الذي يومن بالمهدي (ع)... بعد احراز نيته و العزم علي اتباع الهدي ان ظهر لديه.

مثاله: ذلک الشخص الذي ذهب لشراء السمن من الاعراب في اطراف الحلة، فتخلف عن القافله وتاه في الصحراء. فکان مما قال في نفسه: انني کنت اسمع من أمي أنها تقول: ان لنا اماما حيا يکني بأبي صالح يرشد التائهين و يغيث الملهوفين و يعين الضعفاء.

ثم انه عاهد الله تعالي انه ان استغاث به و انجاه، ان يتبع دين امه. قال الرواي: ثم انني ناديته و استغثت به. و فجاة رايت شخصا يسير معي و علي راسه عمامة خضراء لونها کلون هذا- و اشار الي الحشيش المزروع علي النهر -... و اشار لي الي الطريق. و قال لي: انک ستصل بسرعة الي قرية کل اهلها من الشيعة. فقلت له: يا سيدي الا تاتي معي الي هذه القرية. فقال: لا، لأن ألف



[ صفحه 123]



شخص في اطراف البلاد يستغيثون بي، و لا بد ان انجيهم. [36] .

الهدف الثاني:

انتصاره لأحد طرفي الجدل عند وقوع الجدل بين اثنين، واقتضاء المصحلة الانتصار لأحد الطرفين.

مثاله: أن صديقين مسلمين مختلفين في المذهب، وقع بينهما جدل مذهبي طويل 7 في أحد المساجد بهمدان. و لم يستطع احدهما ان يقنع الاخر بمدعاه. فاقترح احدهما ان يجعلا بينهما اول رجل يدخل المسجد حکما. و خاف الاخر من هذا الاقتراح، لان اهل همدان کانوا علي مذهب صاحبه،لکنه قبل بالشرط تحت ضغط المجادلة و المباحثة.

و بمجرد أن قررا هذا الشرط، دخل المسجد شاب تظهر علي سيماه آثار الجلالد و النجابة، و تظهر عليه معالم السفر. فتقدم اليه صاحب الاقتراح و اظهر له مذهبه، و استدل عليه بعدة ادلة. و اقسم عليه بقسم موکد ان يظهر عقيدته بالنحو الذي عليه الواقع. فقرا هذا الشاب بيتين من الشعر اظهر فيهما عقيدته بنحو لا يقبل الشک، ثم غاب عن الانظار. و کانت هذه هي المعجزة التي تثبت حقيقته و صحة مذهبه ايضا. فاندهش الاخر من فصاحته و بلاغته، و اعتنق المذهب الذي انتصر له المهدي (ع). [37] .

الهدف الثالث:

حله لبعض السائل المعضلة التي قد يشکل حلها علي فطاحل العلماء.

مثاله: أن المحقق الأردبيلي، و هو من اعظم العلماء تحقيقا و ورعا حتي لقب بالمقدس الاردبيلي ايضا... اشکلت عليه مسائل، فخرج في جوف الليل سائرا من النجف الي مسجد الکوفة حيث لاقي المهدي (ع) في محراب أميرالمومنين عليه السلام هناک، و سأله عن مسائلة و عرف جوابها، و عاد. [38] .



[ صفحه 124]



الهدف الرابع:

اخباره ببعض الأخبار السياسية المهمة في زمانها، قبل ان يعرفها الناس، نتيجة لضعف وسال الاعلام في ذلک العصر.

مثاله: ان المهدي (ع) دخل في مجلس درس السيد مهدي القزوييني في الحلة،فلم يعرفوه، بالطبع، و استمع الي درسه. وحين انتهي الردس، سأله السيد المشار اليه: من اين جئت الي الحلة. فقال: من بلد السليمانية. فقال السيد: منذکم خرجت منها.فقال: في اليوم السابق. و لم اخرج منها حتي دخل فيها نجيب باشا فاتحا، و قد اخذها بقوة السيف. و ازال عنها احمد باشا الباباني الذي کان متمردا. و اجلس محله اخاه عبدالله باشا. و کان احمد باشاالمذکور قد خرج علي طاعة الدولة العثمانية، و ادعي السلطنة لنفسه.

قال السيد: و کان والدي في السليمانية، فبقيت متفکرا. و لم يکن قد وصل خبر هذا الفت الي حکام الحلة. و لم يحل في خاطري ان أسأله أنک کيف قلت: أني وصلت الي الحلة و خرجت بالامس من السليمانية. علي حين ان بين السليمانية و الحلة، اکثر من عشرة ايام للراکب المجد.

قال: ثم ضبطنا تاريخ ذلک اليوم الذي أخبر فيه بفتح السليمانية، ثم وصلت أنباء هذه البشارة الي الحلة بعد عشرة ايام من ذلک اليوم و اعلنها حکام الحلة، و حيوا الخبر بضربات المدفع، کما کانوا يعملون عادة في أخبار الفتوحات. [39] .

أقول: من هنا نفهم أهمية هذا الخبر لدي سلطات العثمانيين في الحلة. ونعرف المصلحة المهمة التي تترتب علي ايصال المهدي (ع) لهذا الخبر خلال مدة کانت في ذلک العصر اعجازية.

الهدف الخامس:

نصحه للاخرين و رفعه لمعنوياتهم،و توجيههم التوجيه الصالح، بعد أن کانوا قد مروا في بعض الحالات الصعبة و المشکلات المحزنة بالنسبة اليهم.



[ صفحه 125]



مثاله: ما قاله بعض الرواة من مقابلته للمهدي (ع) في بعض طرقات الحلة - و قد عرف حقيقته بعد ذلک -، فسلم عليه فرد عليه السلام، و قال له فيما قال: لا تغتم بما ورد عليک من الخسران و ذهاب المال في هذا العام. لانک شخص يريد ان يمتحنک الله تعالي بالمال، فرآک تؤدي الحق، و ما هو الواجب عليک من الحج. و اما المال هو عرض زائل ياتي و يذهب.

قال الراوي: و کنت قد خسرت في هذا العام خسرانا لم يطلع عليه احد، و سترته خوفا من شهرة الانکسار الموجبة لتلف التجارة. فاغتممت في نفسي، و قلت: سبحان الله، شاع خبر انکساري بين الناس حتي وصل الي الغرباء. ولکنني قلت في جوابه: الحمد لله علي کل حال.

فقال: ان ما فاتک من المال سوف يعود عليک بسرعة بعد مدة، و تعود الي حالک الاول، و ستودي ديونک. قال الرواي: فسکت مفکرا في کلامه.... [40] الي آخر الحديث.

الهدف السادس:

مساعدته المالية للاخرين:

مثاله: ان جماعة من اهل البحرين عزموا علي ضيافة جماعة من المومنين، بشکل متسلسل في کل مرة عند واحد منهم. و ساروا في الضيافة، حتي وصلت النوبة علي أحدهم، و لم يکن لديه شي ء. فرکبه من ذلک حزن و غم شديد، فخرج من أحزانه الي الصحراء في بعض الليالي، فراي شخصا... حتي ما اذا وصل اليه قال له: اذهب الي التاجر الفلاني - و سماه -، و قل له: يقول لک محمد بن الحسن: ادفع لي الاثنا عشر اشرفيا التي کنت نذرتها لنا. ثم أقبض المال منه و أصرفه في ضيافتک.

فذهب ذلک الرجل الي ذلک التاجر، و بلغ الرسالة عن ذلک الشخص. فقال له التاجر: اقال لک محمد بن الحسن، بنفسه: فقال البحراني: نعم. فقال التاجر: و هل عرفته؟ قال: لا. فقال: ذاک صاحب الزمان عليه السلام، و کنت



[ صفحه 126]



نذرت هذا المال له. ثم انه اکرم هذا البحراني و اعطاه المبلغ و طلب منه الدعاء [41] الخ الحديث.

الهدف السابع:

شفاوه لأمراض مزمنة بعد أن عجز عنها الأطباء، و أخذت من صاحبها مأخذها العظيم.

مثاله: ما روي [42] عن السيد باقي بن عطوة العلوي الحسني: ان اباه عطوة کان لا يعترف بوجود الامام المهدي (ع)، و يقول: اذا جاء الامام و أبرأني من هذا المرض أصدق قولکم. و يکرر هذا القول. فبينما نحن مجتمون في وقت العشاء الاخيرة صالح ابونا فأتيناه سراعا. فقال: الحقوا الامام، في هذه الساعة خرج من عندي. فخرجنا فلم نر احدا.

فجئنا اليه، و قال: انه دخل الي شخص، و قال: يا عطوة! فقلت:لبيک، من انت؟ قال: انا المهدي قد جئت اليک أن أشفي مرضک. ثم مد يده المبارکة و عصر ورکي وراح. فصار مثل الغزال. قال علي بن عيسي: سالت عن هذه القصة غير ابنه فاقر بها.

فانظر الي المهدي (ع) کيف يقرن شفاءه للمرضي باقامة الحجة علي وجوده وامامته، بحيث لم يبق لمنکرها اي شک او جدال.

الهدف الثامن:

هدايته للتائهين في الصحراء و المتخلفين عن الرکب الي مکان استقرارهم و امنهم. و قد يقرن ذلک باقامة الحجة علي الرائي للتوصل الي هدايته، کما سمعنا في الهدف الأول. و أمثلته کثيرة، نذکر الان واحدا منها:

و هو ان شخصا ذهب الي الحج مع جماعة قليلة عن طريق الاحساء. و عند الرجوع کان يقضي بعض الطريق راکبا و بعضه ماشيا. فاتفق في بعض المنازل أن



[ صفحه 127]



طال سيره ولم يجد مرکوبا. فلما نزلوا للراحة و النوم، نام ذلک الرجل و طال به لامنام من شدة التعب، حتي ارتحلت القافلة بدون أن تفحص عنه.

فلما لذعته حرارة الشمس استيقظ، فلم ير أحدا، فسار راجلا، و کان علي يقين من الهلاک، فاستغاث بالامام المهدي عليه السلام، فرأاي في ذلک الحال رجلا علي هيئة أهل البادية راکبا جملا. و قال له: يا فلان، افترقت عن القافلة؟ فقال: نعم. فقال: هل تحب أن أوصلک برفاقک؟ قال فقلت: نعم، و الله. هذا مطلوبي و ليس هناک شي ء سواه. فاقترب مني و اناخ راحلته، و جعلني رديفا له، و سار. فلم نسر الا قليلا حتي وصلنا الي القافلة.

فلما اقتربنا منها، قال: هولاء رفقاوک. و وضعني، وذهب. [43] .

الهدف التاسع:

تعليمه الأدعية و الاذکار ذات المضامين العالية الصحيحة، لعدد من الناس. بصفتهغ تمتمات لا تسمن و لا تغني من جوع، بل بصفتها نصوصا ذات معان توجيهية تربوية، و مسائل صالحة واعية، سائرة في طريق الله تعالي.

و من المعلوم أن أسلوب الدعاء أقرب الي جوالتکتم و الحذر، من أي شي ء آخر، باعتبارها الوسيلة المعترف بمشروعيتها عموما، في الاتصال بالله عزوجل، و لا يمکن لاي سلطة من السلطات المحاسبة علي ذلک. و من هنا رأينا الامام زين العابدين عليه السلام قد اتخذ في تربية الأمة أسلوب الدعاء، و ضمن ادعيته اعلي المفاهيم و اجل الأساليب.

و کذلک سار الامام المهدي (ع) في هذا الطريق، و انتهج نفس المنهج فيما انتهجه من أعمال. فکان أن علم عددا من الأفراد عددا من الادعية. من اهمها «دعاء الفرج» الذي يطلع الفرد علي واقعه السيي ء في عصور الفتن و الانحراف، و يفهمه امله المنشود و يربطه بالله تعالي ارتباطا عاطفيا ايمانيا وثيقا، اذ يقول: اللهم عظم البلاء و برح الخفاء و انقطع الرجاء و انکشف الغطاء و ضاقت الارض و منعت



[ صفحه 128]



السماء. واليک يا رب المشتکي و عليک المعول في الشدة و الرخاء. اللهم فصل علي محمد و آل محمد، و اولي الامر الذين فرضت علينا طاعتهم فعرفتنا بذلک منزلتهم. ففرج عنا بحقهم فرجا عاجلا قريبا کلمح البصر، أو هو أقرب... الخ الدعاء. [44] .

الهدف العاشر:

حثه علي تلاوة الأدعية الواردة عن آبائه المعصومين عليهم السلام، بما فيها من مضامين عالية و حقائق واعية تربوية و فکرية.

و أوضح أمثلته: ذلک الرجل الذي انقطع عن رکبه في ليل عاصف و ما طر بالثلج، اذ راي امامه بستانا و فيه فلاح بيده «مسحاة» يضرب بها الأشجار ليسقط عنها الثلج.

قال الراوي: فجاء نحوي و وقف قريبا مني، و قال: من أنت؟ فقلت: ذهب رفاقي و بقيت لا اعلم الطريق، و قد تهت فيه. فقال لي بالفارسية: صل النافلة حتي تجد الطريق. قال: فاشتغلت بالنافلة. و بعد ان فرغت من التهجد، جاء و قال: الم تذهب؟ فقلت: و الله لا اعرف الطريق. فقال: اقرأ الجامعة. [45] و أنا لم أکن حافظا للجامعة، و الي الان لست حافظا لها بالرغم من زياراتي المکررة للعتبات المشرفة. ولکنني قمت من مکاني و قرأت الجامعة بتمامها عن ظهر قلب.

ثم ظهر تارة اخري، و قال: الم تذهب، الا زلت موجودا. فلم اتمالک عن البکاء، و قلت: نعم... لا اعرف الطريق. فقال: اقرأ عاشورا. [46] قال الراوي: و انا غير حافظ لعاشورا، و الي الان لست حافظا لها. ولکنني وقفت و اشتغلت بالزيارة، فقرأتها بتمامها عن حفظ.

قال: فجاء مرة اخري، و قال: ألم تذهب؟ فقلت: کلا... لا زلت موجودا



[ صفحه 129]



هنا الي الصباح. فقال: انا الان أوصلک بالقافلة. ثم ذهب و رکب حمارا و حمل مسحاته علي کتفه و جاء فأردفني به. قال الراوي: فوضع يده علي رکبتي و قال: انتم لماذا لاتصلون النافلة؟ النافلة، النافلة، النافلة... کررها ثلاث مرات. ثمخ قال: انتم لماذا لا تقرأون عاشورا؟... عاشورا، عاشورا، عاشورا... کررها ثلاث مرات. ثم قال: انتم لماذا لا تقرأون الجامعة؟ الجامعة، الجامعة، الجامعة، ثلاث مرات. و کان يدور في مسلکه.. و اذا به يلتفت الي الوراء و يقول: اولئک اصحابک. الي آخر الخبر. [47] .

اقول: المراد من النافلة، صلاة الليل، کما فهم الحاج النوري [48] فان الراوي اتي بها في الليل. و هذه الصلاة من أفضل المستحبات في الشريعة. و کل ما أمر به في هذه الرواية فهو من أفضل المستحبات... علي أن يفهم فهما حقيقيا واعيا، بصفته کجزء من کل، مرتبط بالکيان العام للعمل الاسلامي في سبيل الله تعالي و اعلاء کلمنه. و لهذا امر المهدي (ع) بالالتزام بها امرا موکدا، بعد أن رأي الناس قد تسامحوا بها و تهاونوا في امتثالها.

و قوله له بعد کل عمل يقوم به الراوي: ألم تذهب؟ انما هو لاحتمال أن يکون الراوي التائه في خلال العمل يکون قد خطرت له فکرة للخلاص، و خاصة بعد ان يکون قد توجه الي الله تعالي و توسل اليه. و لما راي المهدي (ع) ان طرق النجاء مسدودة امام هذا الرجل، و انه لايفکر في اصابة الطريق... اوصله بنفسه الي قافلته. و استطاع المهدي (ع) أن يثبت حقيقته بعدة معجزات «مخففُ» غير ملفتة للنظر، ذکرنا بعضها وأحلنا الباقي علي المصدر الذي اعتمدناه.

فهذه عشرة أهداف، مما يتوخاه الامام المهدي (ع) في عمله من مقابلة الأفراد... مما قد يکون له - في المدي البعيد - أعمق الأثر علي صعيد اجتماعي عام و عدد من الأفراد کبير. و للمهدي (ع) أهداف أخري، تظهر لمن يراجع أخبار المشاهدة، نعرض عنها آسفين، توخيا للاختصار.



[ صفحه 130]



و باستعراض هذه الأهداف، نفهم بوضوح، مطابقتها لما ينبغي أن يکون هدفه طبقا للقواعد العامة. حيث ذکرنا أن مقتضاها هو عمله في تطبيق جملة من التعاليم الاسلامية مما يمکنه تطبيقه في أثناء الغيبة، و کل هذه الأهداف التي استعرضناها ل اشک کونها تطبيقات امينة للتکاليف التي يمکنه تطبيقها في هذه الفترة... و قد عرفنا اقسامها في بحث سابق.

الأمر السابع:

في أنه هل هناک أشخاص يرون الامام المهدي (ع) و يعرفونه علي حقيقته، علي مر الزمان، او ما داموا في الحياة، أو ليس هناک أحد من هذا القبيل.

و يمکن ان نتحدث عن ذلک علي ثلاثة مستويات:

المستوي الأول:

فيما هو مقتضي القواعد العامة من ذلک.

و في هذا الصدد، يکون بالامکان ان يقال: انه بعد ان علمنا ان احد الاسباب الرئيسية لاحتجاب المهدي (ع) هو الخوف علي نفسه من القتل، بمعني ضرورة بقائه الي اليوم الموعود، فلو کان مکشوفا معروفا، لقتله الأعداء، کما قتلوا آباءه عليهم السلام، و لتعذر تنفيذ اليوم الموعود بنص القرآن الکريم، و قد دلت علي ذلک بعض الروايات.

فمن ذلک ما رواه الصدوق في اکمال الدين [49] بسنده الي زرارة بن اعين قال سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهماالسلام يقول: ان للقائم غيبة قبل أن يقوم. قلت: و لم ذلک. دخلت فداک؟ قال: يخاف.. و أشار بيده الي بطنه و عنقه.

و ما رواه أيضا بسنده الي محمد بن مسلم الثقفي «الطحان» قال دخلت علي اي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام و أنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد صلوات الله عليه و آله. فقال لي مبتدئا: يا محمد بن مسلم أن في القائم من آل محمد شبها من خمسة من الرسل... الي أن قال: و أما شبهه من موسي فدوام



[ صفحه 131]



خوفه و طول غيبت الخ الحديث. [50] .

و قال الشيخ الطوسي قدس سره: مما يقطع علي أنه سبب لغيبة الامام هو خوفه علي نفسه من القتل باخافة الظالمين اياه، و منعهم اياه من التصرف فيما جعل اليه التدبير و التصرف فيه. [51] .

اذا عرفنا ذلک، أمکن القول أن الغيبة و الاحتجاب تدور مدار الخوف، علي الدوام. فمتي مان الخوف موجودا کانت الغيبة سارية المفعول، و متي ارتفع الخوف، لم يکمن ثمة موجب للغيبة.

و ارتفاع الخوف أما أن يکون ارتفاعا کاملا مطلقا، عند توفر العدة و العدد للمهدي عليه السلام، فيوجب ارتفاع الغيبة و الظهور الکامل حين يملأ الأرض قسطا و عدلا. و أما أن يکون ارتفاعه بالنسبة الي شخص او الي جماعة فيوجب ارتفاع الغيبة عنهم خاصة، و من هنا يمکن للواد منهم أن يري المهدي (ع) و يعرفه بحقيقته علي طول الخط.

و هذا ما يحدث للخاصة من الموثوقين الکاملين الناجحين في التمحيص الالهي بالمعني الذي سنسمعه في مستقبل هذا التاريخ. حيث لا يکون هناک احتمال القتل أو الوشاية أو التصريح أو التلميح علي کل حال.

و قد يکون ارتفاع الخوف، منحصرا في ساعة من الزمن، فترتفع الغيبة خلال هذه الساعة، و هذا ما يحدث في المقابلات التي سمعناها. ولکن قد يکون ارتفاع الغيبة مشروطا بعدم اطلاع الرائي علي الحقيقة الا بعد الفراق، کما رأينا في أغلب المقابلات.

و معه فمن الممکن القول أن أي فرد يبلغ مرتبة الکمال المطلوب في التمحيص الالهي، فانه يري المهدي (ع) و يعرفه بحقيقته، کما يري اي شخص آخر. و ان کان هذامما لا يمکن الاطلاع عليه من قبل الاخرين، لمدي التزام هولاء الناس بالکتم المطلق و السرية التامة.



[ صفحه 132]



و يمکن الاستدلال في هذا الصدد، بما دل من الروايات بان المهدي (ع) في تقية حتي ياذن الله تعالي له بالظهور التام. کالذي أخرجه الشيخ [52] بسنده عن علي بن ابراهيم بن مهزيار في مقابلته للمهدي (ع) أنه قال له فيما قال: والله مولاکم أظهر التقية فوکلها بي، فأنا في التقية الي يوم يوذن لي، فأخرج، الخبر.

فان التقية معناها اتقاء الضرر، و هذا انما يکون فيما اذا کان هناک خوف الضرر او احتماله،و أما في الاشخاص الموثوقين الکاملين، فلا يوجد هذا الاحتمال،فيرتفع سبب التقية و يکون الاحتجاب بلا موجب.

کما يمکن الاستدلال في هذا الصدد بما دل علي أن المهدي (ع) بعيد خلال غيبته عن دار الظالمين و مجاورة المنحرفين،کالذي ورد في نفس خبر علي بن ابراهيم ابن مهزيار السابق من قول الامامالمهدي (ع): يا ابن المازيار، أبي أبو محمد عهد الي أن لا أجاور قوما غضب الله عليهم و لعنهم و لهم الخزي في الدنيا و الاخرة، و لهم عذاب اليم. الخبر.

حيث عرفنا فيما سبق ان مجاورة المنحرفين بالشخصية الثانية لا محذور فيها و لا خطر منها، و انما تکون المجاورة معهم خطرا، فيما اذا کانوا عارفين بحقيقة المهدي (ع) مطلعين علي صفته الواقعية، لانهم حينئذ لا محالة يقتلونه علي أي حال. اذن، فمن لا يوجد في حقه هذا الاحتمال، لاموجب للبعد عنه و ترک مجاورته مع المعرفة بالحقيقة، فانه اذا ارتفع السبب ارتفع موجبه لامحالة. و ذلک لا يکون الا في الخاصة الکاملين في الوثاقة و الايمان.

و هناک اشکال اخري من الروايات، يمکن الاستدلال بها في هذا الصدد،نعرض عنها توخيا للاختصار.

و اذا تم لدينا ان مقتضي القاعدة هو عدم احتجاب المهدي (ع) عن خاصته، امکن لنا ان نفهم المستويين الاتيين علي هذا الضوء.

المستوي الثاني:

ما دل من أخبار المشاهدة خلال الغيبة الکبري، علي وجود مرافق أو عدد من



[ صفحه 133]



المرافقين مع المهدي عليه السلام، کالقصة الثامنة و الثلاثين [53] و القصة الثالثة و الثمانين، [54] مما ذکره الحاج النوري في نجمه الثاقب، و رواية اسماعيل بن الحسن الهرقلي [55] التي دلت علي أنه رأي ثلاثة فرسان کان أحدهم المهدي عليه السلام بدلالة أقامها له، و فيها دلالة علي أن الفارسين الأخرين کانا يعرفان حقيقته بکل وضوح.

و من ذلک ما دل علي أن بعض الخاصة الموثوقين، کانوا يرون المهدي (ع)و يعرفونه أينما صادفوه، کالسيد مهدي بحر العلوم، کما يظهر من الحکاية الثالثة و السبعين [56] من النجم الثاقب، و القصتين اللتين يليانها.

و من ذلک ما دل علي ان المهدي (ع) يستصحب معه خاصته في أسفاره و يشرکهم في أعماله. کالخبر الذي أرويه عن سيدنا الأستاذ آية الله السيد محمد باقر الصدر عن أستاذه و أستاذنا آية الله العظمي السيد أبو القاسم الخوئي، و هما من أعاظم علماء العصر و محققيهم ادام الله ظلهما عن احد المومنين يسميه السيد الخوئي و يوثقه و يصفه بانه من الايمان و الورع علي حد عظيم و هو صاحب القصة، و حيث انها غير موجودة في المصادر فيحسن في هذا الصدد اعطاء نبذة کافية عنها.

کان هذا الرجل في أحد الأيام عصرا في مسجد الکوفة، و بينما هو يمشي محاذيا لغرفه المنتشرة في حائط سوره، راي في ايوان کائن امام احد الغرف فراشا مفروشا و قد استلقي عليه شخص مهيب جليل، و جلس بازائه رجل آخر. قال: فتعجبت من وجودهما و سألت الرجل الجالس عن هذاالمستلقي فاجاب: سيد العالم. قال: فاستهونت بجوابه و حسبت انه يريد کونه سيدا عالما، لأن العامة هناک ينطقون العالم بفتح الالم.

ثم ان هذا الرجل مضي للوضوء و الاشتغال بصلاة المغرب و العشاء و التهجد في محراب اميرالمومنين عليه السلام، حتي اجهده التعب و النعس، فاستلقي



[ صفحه 134]



و نام. و حينما استيقظ وجد المسجد مضيئا يقول: حتي اني استطيع ان اقرا الکتابة القرآنية المنقوشة في الطرف الاخر من المسجد. فظننت ان الفجر قد بزغ، بل مضي بعد الفجر زمان غير قليل، و اني تأخرت في النوم زائدا عن المعتاد.

فخرجت الي الوضوء فوجدت في الدکة التي في وسط المسجد جماعة مقامة للصلاة، يومها «سيد العالم» و ياتم به اناس کثيرون بازياء مختلفة و جنسيات متعددة، بما فيهم ذاک الرجل الذي رايته جالسا الي جنبه في عصر اليوم الماضي. فعجبت من وجود هولاء في المسجد علي خلاف العادة.

ثم اني اسبغت الوضوءة و التحقت بالجماعة، وصليت الصبح معهم رکعتين، و حي انتهت الصلاة، قام ذلک الرجل المشار اليه و تقدم الي امام الجماعة: سيد العالم، و سأله عني قائلا: هل نأخذ هذا الرجل معنا؟ فاجاب سيد العالم: کلا، فان عليه تمحيصصين لابد ان يمر بهما.

و فجاة، اختفي هذاالجمع، و ساد المسجد ظلام الليل، و اذا بالفجرلم يبزغ بعد، بل بقي اليه زمان ليس بالقليل.

و هذه القصة تدلنا علي امور عديدة، يهمنا فعلا منها ان هؤلاء الخاصة الذين جمعهم المهدي (ع) من مختلف انحاء المعمورة، استطاع أن يشرکهم في اعماله و أسفاره، بعد أن نجح کل فرد منهم في التمحيص الالهي نجاحا کاملا. و أما صاهحبنا راوي القصة، فهو بالرغم من سمو کعبه في التقوي، فانه لم يبلغ تلک المنزلة الرفيعة، التي بلغها هولاء، و من ثم رفض المهدي (ع) اشراکه في اعماله، بل لعل الرجل لم يعرف حقيقة الأمر الا بعد انتهائه.

و هذا مطابق لما قلناه علي المستوي الاول، من ان الموثوق الکامل، لا يکون المهدي (ع) محتجبا عنه،و لا غائبا بالنسبة اليه، و ان کان لايمکن أن نلم بذلک الماما.

المستوي الثالث:

ما دل من الروايات علي ان مع المهدي (ص) حال غيبته فردا أو أکثر، ممن يقوم بخدمته و يودي بعض مهماته، ويندرج في ذلک عدة روايات سبق ان سمعنا بعضها: منها: رواية المفضل بن عمر السابقة عن ابي عبدالله (ع) حيث يقول



[ صفحه 135]



عن المهدي (ع) فيما يقول: لايطلع علي موضعه احد من ولد و لا غيره الا المولي الذي يلي أمره. [57] .

و هذا واضح جدا في وجود خادم له يرعي شوونه الخاصة، و يعرفه علي حقيقته. و يمکننا ان نفهم، انطلاقا من طروحة خفاء العنوان، ان المهدي (ع) يعيش بشخصيته الثانية في المجتمع، و بشخصيته الحقيقية مع خادمه. فقوله: لا يطلع علي موضعه يراد به موضعه بصفته الحقيقية. و لا بد ان نفترض حتما ان هذا الخادم من الموثوقين الکاملين، الذين لا يمکن ان يصرحوا بذات نفوسهم مهما کلفهم الامر.

و منها: رواية أبي بصير السابقة عن أبي جعفر (ع) قال: لا بد لصاحب هذا الامر من عزلة و لا بد من عزلته في قوة، و ما بثلاثين من وحشة، و نعم المنزل طيبة [58] .

فان ظاهرها کون هولاء الثلاثين من الخاصة المطلعين علي حقيقته. و ان کانت مخالفة لاطروحة خفاء العنوان، من حيث دلالتها علي عزلة المهدي (ع) عن المجتمع، بحيث لولا هولاء الثلاثين نفرا لکان ينبغي ان يستوحش من الانفراد. علي حين تقول هذه الاطروحة أن المهدي (ع) يعيش في المجتمع کفرد عادي غير منعزل، و لا موجب للوحشة سواء عرفه البعض أو جهلوه. و ليس هذا مهما، بعد ان استدللنا علي هذه الاطروحة بما فيه الکفاية بحيث لا يقوم ضدها مثل هذا الخبر.

هذا هو الکلام في الجهة الثانية من الفصل الرابع. و هي في الحديث عن الاخبار الخاصة الدالة علي مشاهدة المهدي (ع) في غيبته الکبري.

و بهذا ينتهي هذا الفصل الرابع، من هذا القسم من التاريخ.



[ صفحه 137]




پاورقي

[1] الجزء الثالث عشر، ص 143 و ما بعدها.

[2] انظر ص 647 و ما بعدها.

[3] النجم الثاقب، ص 368 و ما بعدها.

[4] المصدر ص 373. هذا و يراد بالسيد و الشيخ من کان بزي رجال العلم الديني الاسلامي. غير ان السيد من کان من العلويين منهم و الشيخ من لم يکن کذلک.

[5] انظر تاريخ الغيبة الصغري، ص 469 و ص 506 و ما بعدها.

[6] النجم الثاقب، ص 241.

[7] المصدر نفسه، ص 359.

[8] المصدر نفسه، 343.

[9] المصدر نفسه، ص 273.

[10] انظر - مثلا - المصدر السابق، ص 342.

[11] المصدر نفسه، ص 357.

[12] المصدر نفسه، ص 343.

[13] المصدر نفسه، ص 280.

[14] المصدر نفسه، ص 228.

[15] المصدر، ص 370.

[16] المصدر، ص 358.

[17] المصدر،ص 235.

[18] المصدر، ص 344.

[19] المصدر، ص 239.

[20] المصدر، ص 238.

[21] المصدر، ص 306.

[22] المصدر، ص 241.

[23] المصدر، ص 242.

[24] المصدر، ص 282.

[25] انظر تفاصيل هذه الحادثة في النجم الثاقب، ص 314 و ما بعدها. و في البحار، ج 13، و ص 149. و في منتهي الامال، ح 2، ص 316 و ما بعدها.

[26] راجع تفصيل ذلک في النجم الثاقب، ص 370 و منتي الأمال، ج 2، ص 326.

[27] الکامل، ج 6،ص 204.

[28] تاريخ الغيبة الصغري، ص 356.

[29] تاريخ الشعوب الاسلامية، ج 2، ص 75.

[30] الکامل، ج 6، ص 335.

[31] الخرايج و الجرايح، ص 72.

[32] المصدر و الصفحة و انظر منتخب الاثر، ص 406.

[33] انظر قصة وضعه (ع) للحجر الاسود في الخرايج و الجرايح، ص 29.

[34] انظر - مثلا - الکامل، ج 2، ص 29.

[35] انظر الخرايج و الجرايح، ص 29.

[36] انظر النجم الثاقب، ص 346.

[37] المصدر، ص 331.

[38] المصدر، ص 334 و منتهي الامال، ج 2، ص 319.

[39] النجم الثاقب، ص 367 و ما بعدها.

[40] المصدر نفسه، ص 366 و ما بعدها.

[41] المصدر، ص 306 و ما بعدها.

[42] انظر ينابيع المودة، ط النجف، ص 548 و کشف الغمة، ج 3، ص 287، و کتاب المهدي، ص 145، و منتهي الامال ج 2، ص 310.

[43] انظر النجم الثاقب، ص 241.

[44] المصدر السابق، ص 263.

[45] و هو الدعاء الذي يبدا بقوله: السلام عليکم يا اهل بيت النبوة. يزار به الامام الحسين بن علي عليه السلام. انظر مفاتيح الجنان، ص 544 و ما بعدها.

[46] و و هو الدعاء الذي يبدا بقوله: السلام عليک يا ابا عبدالله... يزار به الامام الحسين بن علي عليه السلام. انظر مفاتيح الجنان، ص 456.

[47] انظر النجم الثاقب، ص 343، و مفاتيح الجنان، ص 551.

[48] انظر النجم الثاقب، ص 344.

[49] انظر اکمال الدين المخطوط.

[50] المصدر نفسه.

[51] الغيبة: للشيخ الطوسي، ص 61.

[52] الغيبة، ص 161.

[53] ص 305.

[54] ص 354.

[55] انظر کشف الغمة، ص 283 و ما بعدها. و ينابيع المودة، ط النجف، ص 546. و کتاب المهدي، ص 143.

[56] ص 348.

[57] الغيبة للشيخ الطوسي، ص 102.

[58] نفس المصدر و الصفحه.