بازگشت

في محاولة فهم العلامات فهما عاما منظما


في محاولة اعطاء المفهوم العام المنظم عن مجموع العلامات جهد الامکان، بنحو يرتبط بالقواعد العامة التي عرفناها من قانون المعجزات و قانون التمحيص و شرائط الظهور،و نحوها.

و يمکن التعرض الي العلاقات علي مستويات ثلاثه:

المستوي الأول:

ما يکون مندرجا في ظواهر الانحراف العام، النائج عن تمحيص عصر الغيبة الکبري. سواء ما وقع منه کدولة العباسيين و الحروب الصليبية، و ما لم يقع کظهور الدجال و السفياني.

المستوي الثاني:

ما يکون مندرجا في ظواهر الانحراف العام، الناتج عن تمحيص عصر تقويمه قبل عصر الظهور. سواء ما وقع منها کثورات الحسنيين في عصر الخلافة، أو مما لم يقع کحرکة اليماني و النفس الزکية، لو ثبت وجودها.

المستوي الثالث:

ما يکون علي مستوي التنبيه الالهي الاعجازي علي خطورة الانحراف و قرب الظهور، کالصيحة و الخسوف في آخر الشهر و الکسوف في وسطه.

فلا بد من التکلم علي کل هذه المستويات.

المستوي الأول:

ما يکون علي مستوي الانحراف العام السائد في عصر الغيبة أسبابا له أو مسببات:

و يندرج في ذلک أکثر العلامات الواردة في الأخبار، سواء ما حدث منها أو ما



[ صفحه 532]



لم يحدث. فانها جميعا تعبر عن أشکال السلوک المنحرفة في المجتمع المنحرف. سواء حملنا هذه العلامات علي وجهها الصريح أو علي وجهها الرمزي.

أما اذا حملناها علي صراحتها، فالأمر واضح، و لا يحتاج الي مزيد کلام. سواء في ذلک انحراف القيادة الاسلامية، بعد النبي (ص) أو حدوث دولد بني العباس أو خروج الرايات السود بقيادة أبي مسلم الخراساني. أو اختلاف أهل المشرق و المغرب أو ثورة صاحب الزنج أو الحروب الصليبية أو مقاتلة الترک أو نزول الترک بالجزيرة أو نزول الروم الرملة أو قتل النفس الزکية أو ظهور الدجال و السفياني، طبقا للفهم الکلاسيکي لهما.. الي اخر ما عددناه من أمثال هذه العلامات.

و أما اذا حملناها علي أنها مسوقة مساق الرمز، فهو المهم الذي نستطيع به أن نقدم فهما متکاملا لمجموع العلامات. و ان کان سيکلفنا هذا الفهم الاستغناء عن بعض التفاصيل الواردة في الأحاديث. و قد سبق أن قلنا أن شيئا من التفاصيل لم يثبت بعد التشدد السندي، ولکنه بعد الحمل الرمزي ستکون أکثر التفاصيل قد تحققت في الخارج في التاريخ البشري. و کل ما تحقق في التاريخ فالأخبار عنه صادق کما سبق أن ذکرنا. و کل شي ء من التفاصيل لا يدخل في هذا الفهم الرمزي العام، يبقي لا دليل علي ثبوته و صدقه، و من ثم يقتضي التشدد السندي نفيه.

و ان أهم و أعم ما يواجهنا في هذا الصدد، مفهوم الدجال، الذي يمثل الحرکة أو الحرکات المعادية للاسلام في عصر الغيبة عصر الفتن و الانحراف... بادئا بالأسباب الرئيسية و هي الحضارة الأوربية بما فيها من بهارج و هيبة و هيمنة علي الرأي العام العالمي، و مخططات واسعة... و منتهيا الي النتائج و هو خروج عدد من المسلمين عن الاسلام و اعتناقهم المذاهب المنحرفة، و ما يعم الأفراد و المجتمعات من ظلم و فساد.

فليس هناک ما بين خلق آدم الي يوم القيامة خلق منحرف أکبر من الدجال. باعتبار هيبة الحضارة الأوربية و عظمتها المادية و مخترعاتها و أسلحتها الفتاکة، و تطرفها الکبير نحو سيطرة الانسان و الالحاد بالقدرة الالهية... بشکل لم يعهد له



[ صفحه 533]



مثيل في التاريخ، ولن يکون له مثيل في المستقبل أيضا. لأن المستقبل سيکون في مصلحة نصرة الحق و العدل.

و يويد هذا الفهم قوله في الخبر الاخر: «ليس ما بين خلق آدم الي يوم القيامة أمر أکبر من الدجال». والتعبير بالأمر واضح في أن الدجال ليس رجلا بعينه و انما هو اتجاه حضاري معاد للاسلام.

«و ان من فتنته أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر، و أن يأمر الأرض أن تنبت فتنبت». و کل هذا و غيره مما هو أهم منه من أنحاء السيطرة علي المرافق الطبيعية مما أنتجته الحضارة اللأوربية.

و لا يخفي ما في ذلک من الفتنة، فان أعدادا مهمة من أبناء الاسلام حين يجدون جمال المدنية الأوربية، فانهم سوف يتخيلون صدق عقائدها و أفکارها و تکوينها الحضاري بشکل عام. و هذا من أعظم الفتن و الأوهام التي يعيشها الأفراد في العصور الحاضرة. و هي غير قائمة علي أساس صحيح. اذ لا ملازمة بين التقدم التکنيکي المدني و التقدم العقائدي و الفکري و الأخلاقي... يعني لاملازمة بين الجانب الحضاري و الجانب المدني في المجتمع. فقد يکون المجتمع متقدما الي درجة کبيرة في الجانب المدني في المجتمع. فقد يکون المجتمع متقدما الي درجة کبيرة في الجانب المدني و متأخرا الي درجة کبيرة في الجانب الحضاري... کما عليه المجتمع الأوربي. کما قد يکون العکس موجودا أحيانا في مجتمع آخر.

«و ان من فتنته أن يمر بالحي فيکذبونه، فلا تبقي لهم سائمة الا هلکت، و ان من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه فيأمر السماء أن تمطر فتمطر، و يأمر الأرض أن تنبت فتنبت، حتي تروح مواشيهم من يومهم ذلک أسمن ما کانت و أعظمه، و أمده خواصرا وأدره ضروعا».

و هذا يعني علي وجه التعيين: أن المکذب للمد المادي الأوربي و الواقف أمام تياره يمني بمصاعب و عقبات و يکون المال و القوة الي جانب السائرين في رکابها المتملقين لها المتعاونين معها. و التعبير بالحي يعني النظر الي المجتمع علي العموم. و هذا هو الصحيح بالنسبة الي المجتمع المومن في التيار المادي، اذ لو نظرنا الي المستوي الفردي، فقد يکون في امکان الفرد المعارض أن ينال تحت ظروف معينة قسطا من القوة و المال.



[ صفحه 534]



والدجال أيضا يدعي الربوبية اذ ينادي بأعلي صوته يسمع ما بين الخافقين... يقول: «الي اوليايئي، أنا الذي خلق فسوي و قدر فهدي أنا ربکم الأعلي».

و کل ذلک واضح جدا من سير الحضارة الأوربية و أسلوبها. فانها ملأت الخافقين بوسائل الاعلام الحديثة بماديتها، و عزلت البشر عن المصدر الالهي و العالم العلوي الميتافيزيقي، فخسرت بذلک العدل و الأخلاق و الفکر الذي يتکلفه هذا المصدر. و أعلنت عوضا عن ذلک ولايتها علي البشرية و فرضت ايديولوجيتها علي الأفکار و قوانينها علي المجتمعات، بدلا عن ولاية الله و قوانينه. و هذا يعني ادعاءها الربوبية علي البشر أي أنها المالکة لشوونهم من دون الله تعالي.

و من الملحوظ في هذا الصدد، أن الوارد في الخبر ان الدجال يدعي الربوبية، لا أنه يدعي الالوهية... و الربوبية لا تحمل الا المعني الذي أشرنا اليه.

و أما دعوتها، لأوليائها من أطراف الأرض، ليتم تثقيفهم الفکري و تربيتهم الأخلاقية و السلوکيد تحت اشرافها، و لترتبط مصالحهم الاجتماعية و الاقتصادية بها... فهذا أوضح من أن يذکر أو يسطر.

«و لا يبقي شي ء من الأرض الا وطئه و ظهر عليه» و هو ما حدث فعلا بالنسبة الي شمل التفکير الأوري في کل البسيطة. فليس هناک دولة في العالم اليوم لا تعترف بالاتجاهات العامة للفکر و القانون الأوربي. و نريد بأوربا کلي قسميها الرأسمالي و الشيوعي. فان کليهما معاد للاسلام، و ممثل للدجال بأوضح صوره.

و أما استثناء مکة و المدينة من ذلک، فقد يکون محملوا علي الصراحة، و قد يکون محمولا علي الرمز. أما حملها علي الصراحة، فيعني أن سکان هاتين المدينتين المقدستين سوف لن يعمها الفکر الأوري والمد الحضاري المادي. بل يبقي سکانها متمسکين بالاسلام، بمقدار ما يفهمونه، صامدين تجاه الاغراء الأوربي الي حين ظهور المهدي عليه السلام.

و أما حملها علي الرمزية، فهو يعني أن الفکرة الالهية المتمثلة بمکة، و الفکرة. الاسلامية المتمثلة بالمدينة المنورة، لا تنحرف بتأثير المد الأوربي، بل تبقي صامدة، محفوظة في أذهان أهلها و ايمانهم. و هذا يدل علي انحفاظ الحق في الجملة بين



[ صفحه 535]



البشر، و ان الانحراف لا يشمل البشر أجمعين، و ان کانت نسبة أهل الحق الي غيرهم، کنسبة مکة و المدينة الي سائر مدن العالم کله.

و هذا مطابق لما عرفناه من نتائج التخطيط الالهي، ببقاء قلة من المخلصين الممحصين المندفعين في طريق الحق. و أکثرية من المنحرفين و الکافرين. و يکون لأولئک القلد المناعة الکافية ضد التأثر بالأفکار المادية و الشبهات المنحرفة. بل أن هذه الشبهات لنزيدهم وعيا و ايمانا و اخلاصا.

و هذا هو معني ما ورد في بعض أخبرا الدجال من منعه عن مکة و المدينة بواسطة ملک بيده سبف مصلت يصده عنها، و ان علي کل نصب ملائکة يحرسونها. فان تشبيه العقيدة الاسلامية بالملک و مناعتها بالسيف مما لا يخفي لطفه. و أما کون الملائکة علي کل نقب، فهو يعني الادراک الواعي للمومن بأن للاسلام حلا لکل مشکلة و جوابا علي کل شبهة. فلا يمکن لشبهات الأخرين أن تغزو فکره أو توثر علي ذهنه.

و الدجال طويل العمر، باق من زمن النبي (ص) حين لم يومن برسالته من ذلک الحين بل ادعي الرسالة دونه،و لا زال علي هذه الحالة الي الان.

فان الدجال أو المادية، تبدا أسسها الأولي من زمن النبي (ص) حيث کان للمنافقين أثرهم الکبير في ادکاء أوارها و رفع شأنها. فکانوا النواة الأولي التي حددت تدريجا سير التاريخ علي شکله الحاضر، بانحسار الاسلام عن وجه المجتمع في العالم و سيطرة المادية و المصلحية عليه.

اذن فالمنافقون الذين لم يومنوا برسالة النبي (ص)، أولئک الذين کان مسلک الدجل و الخداع مسلکهم اذ يظهرون غير ما يبطنون، هم النواة الأولي للمادية المخادعة التي تظهر غير ما تبطن، و تبرقع قضايا بمفاهيم العدل و المساواة. فهذا هو الدجال، بوجوده الطويل.

و من هنا نفهم معني ادعائه للرسالة، فان المادية کانت و لا زالت تومن بفرض ولايتها علي البشر، غير أنها کانت في المجتمع النبوي ضعيفة التأثير جدا، لا تستطيع الارتباط بأي انسان. ولکن حين أذن للدجال المادي بالخروج، في عصر النهضة الأوربية، استطاعت المادية أن تفرض ولايتها وسلطتها علي العالم.



[ صفحه 536]



و من هذا المنطلق نفهم بکل وضوح معني أن عند الدجال ماء ونار، وماوه في الحقيقة هو النار، و ناره هي الماء الزلال. و قال النبي (ص) - في الحديث -: «فمن أدرک ذلک فليقع في الذي يراه نارا فانه ماء عذب طيب».

فان ماء الدجال هو المغريات و المصالح الشخصية التي تتضمنها الحضارة المادية لمن تابعها و تعاون معها. و ناره عبارة عن المصاعب و المتاعب و التضحيات الجسام التي يعانيها الفرد المومن الواقف بوجه تيار المادية الجارف. و تلک المصالح هي النار أو الظلم الحقيقي، و هذه المصاعب هي الماء العذب أو العدل الحقيقي. و من الطبيعي أن النبي (ص) بصفته الداعية الأکبر للايمان الالهي، ينصح المسلم بأن لا ينخدع بماء الدجال و بهارج الحضارة و مزالق المادية، و أن يلقي بنفسه فيما يراه نارا و مصاعب، فانه ينال بذلک طريق الحق و العدل.

و نستطيع في هذا الصدد أن نفهم: أن نفس سياق الحديث و لهجته دال علي ذلک. فان قوله:«فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق، و أما الذي يراه الناس نارا فماء بارد عذب». يکاد يکون أيضا واضحا في أنه ليس المراد به الماء و النار علي وجه الحقيقة، بل هو ماء و نار علي وجه الرمز. والا لزم نسبة المعجزات الي المبطلين، و قد برهنا علي فساده.

و من طريف ما نستطيع أن نلاحظه في المقام: أن النبي (ص) لم يقل في الخبر: أن الناس جميعا حين يقعون في الماء فأنهم يجدونه نارا أو حين يقعون في النار، يجدونها ماء. بل يمکن أن نفهم أن بعض الناس و هم المومنون خاصة هم الذين يجدون ذلک. و الا فان أکثر الناس حين يقعون في ماء الدجال أو بهارج المادية لا يجدون الا اللذة و توفير المصلحة، کما أنهم حين يقعون في المصاعب و المتاعب لا يجدون الا الضيق و الکمد و

و الدجال أعور، نعم بکل تأکيد، من حيث أن الحضارة المادية تنظر الي الکون بعين واحدة، تنظر الي مادته دون الروح و الخلق الرفيع و المثل العليا. و من يکون الأعور الا غير المدرک للحقائق ربا صالحا للولاية علي البشرية /// و انما تکون الولاية خاصة بمن ينظر الي الکون بعينين سليمتين، بما فيه من مادة و روح و يعطي لکل زاوية حقها الأصيل «وان ربکم ليس بأعور».

و الدجال کافر، لأنه مادي و من أعداء الاسلام و أبعدهم عن الحق



[ صفحه 537]



والصواب. «مکتوب بين عينيه کافر يقروه کل مومن کاتب و غير کاتب» فان هذه الکتابة ليست من جنس الکتابة! و انما هي تعبر عن معرفة المومنين بکفر المنحرفين و نفاقهم، و هذا لا يتوقف علي کون الانسان قارئا و کاتبا أو لم يکن. و من المعلوم اختصاص هذه المعرفة بالمومنين «يقروه کل مومن» لأنهم يعرفون الميزان الحقيقي العادل لتقييم الناس. و أما المنحرفون، فهم لا يقرأون هذه الکتابة، و ان کانوا علي درجة کبيرة من الثقافة. لأنهم مماثلون لغيرهم في الکفر و الانحراف. و من الطبيعي أن لا يري الفرد أخاه في العقيدة کافرا.

و من أجل هذا کله حذر النبي (ص) منه أمته و استعاذ من فتنته، لأجل أن يأخذ المسلمون حذرهم علي مدي التاريخ من النفاق و الانحراف و المادية. بل قد حذر کل الأنبياء أممهم من فتنة الدجال. لما سبق أن فهمنا أن المادية السابقة علي الظهور هي من أعقد و أعمق الماديات علي مدي التاريخ البشري «ما بين خلق آدم الي يوم القيامة» و تشکل خطرا حقيقيا علي کل الدعوات المخلصة للأنبياء أجمعين.

و هو بالرغم من ذلک کله - «أهون علي الله من ذلک» باعتباره حقيرا أمام الحق و العدل. مهما کانت هيمنته الدنيوية وسعة سلطته. و ليس وجوده قدرا قهريا أو أثرا تکوينيا اضطراريا، و انما وجد من أجل التمحيص و الاختبار، بالتخطيط الالهي العام، و سوف يزول، عندما يقتضي هذا التخطيط زواله، عند الظهور، و تطبيق يوم العدل الموعود.

و من هنا نفهم أنه لاتعارض بين الخبر الدال علي أن معه جبل خبر و نهر ماء، و الخبر الدال علي أنه أهون علي الله من ذلک. فان هو أنه عند الله لاينافي حصوله علي السلطة و الاغراء، أخذا بقانون التمحيص و الامهال الالهي طبقا لقوله تعالي: (حتي اذا أخذت الأرض زخرفها و أزينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها، اتاها أمرنا ليلا أو نهارا؛ فجعلناها حصيدا کان لم تغن بالأمس. کذلک نفصل الايات لقوم يتفکرون). [1] فهذه هي الفکرة العامة الرمزية عن الدجال.

و أما السفياني، فهو يمثل خط الانحراف في داخل المعسکر الاسلامي، أو الفکرة الاسلامية العامة، يندرج في ذلک کل الحرکات و العقائد الخاطئة التي تدعي الانتساب الي الاسلام، مما کان أو يکون الي يوم الظهور الموعود.



[ صفحه 538]



و من هنا اعتبر أبو طاهر القرمطي، في بعض الروايات: السفياني الأول، و السفياني الموعود هو الثاني. مع أن هذا القرمطي لا ينتسب الي أبي سفيان بحال. و انما صفته الأساسية هو أنه قائد لحرکة کبيرة من حرکات الانحراف في المجتمع الاسلامي. اذن فهو ينتسب الي أبي سفيان عقيدة و ان لم ينتسب نسبا.

و في الامکان معرفة اتجاهه الفکري و العسکري، مستنتجا مما نسب اليه في الأخبار من الأفعال و المشاغبات في المجتمع المسلم. يکون آخرها ارساله الجيش ضد الجماعة الممثلن للحق المستجيرين بالبيت الحرام في مکة. و حينما يصل جيشه الي البيداء يخسف بهم أجمعين، لا ينجو منهم الا المخبر... حفظا لحرمة البيت الحرام من ناحية، و حفظا للجماعة الممحصين الذين يجب أن يقوموا بمهام اليوم الموعود. و لعل المهدي (ع) نفسه يکون من بينهم يومئذ.

و هذه الحرکة بالذات تقوم بها بعض السلطات المنحرفة في المجتمع المسلم، فهي أوضح أشکال الفکرة العامة للسفياني، بالشکل الذي فهمناها.

و خروج السفياني من الوادي اليابس، محمول علي المستوي الفکري الذي يتصف به، فانه ينطلق فکريا عن ايديولوجية ممحلة و ضحلة و جافة. بمعني أنها تتجافي الحق و تقوم علي الفهم الخاطي ء.

و علي أي حال، فکل من الدجال و السفياني، طبقا لهذا الفهم، مما قد حدث في التاريخ فعلا، و ليس أمرا منتظرا. نعم، لم تصل حرکة السفياني الي نتائجه النهائية التي هي الخسف.

بقي علينا الحديث عن الفهم الرمزي ليأجوج و مأجوج. و هذا ما أجلناه، کما قلنا، الي التاريخ القادم، لابتنائه علي مقدمات لم تتوفر علي عرضها في هذا التاريخ.

المستوي الثاني:

ما يکون علي مستوي مکافحة الانحراف و جهاده و محاولة تقويمه.

يندرج في ذلک ما حدث في التاريخ، کالثورات التي کانت تحصل في زمن



[ صفحه 539]



الأمويين و العباسيين. و هي تعرف بمراجعة التاريخ العام و السنا الان بصدد تحليلها.

و انما المهم محاولة فهم ما لم يحدث من ذلک. و هو أمران، بحسب ما حددته الروايات:

الأمر الأول:

خروج اليماني الذي رايته و دعوته قائمة علي الحق، ان ثبت ذلک بالتشدد السندي الذي تسير عليه.

و حينئذ: فاما أن نحمله علي المعني النوعي الرمزي أو نحمله علي المعني الشخصي الصريح.

فان حملناه علي المعني الشخصي، بمعني وجود شخص معين مناصر للحق متصف بهذه الصفات... فهو مما لم يعهد حدوثه في التاريخ، فيکون منتظرا. و هذا هو الأقرب الي ظاهر التعبير، و خاصة مع اتصافه بکونه يمنيا.

و ان حملناه علي المعني النوعي الرمزي الدال علي وجود حرکات و ثورات محقة في عصر الفتن و الانحراف، تدعو الي الحق و تلتزم به، و هذا مما حدث في التاريخ بکثرة... منها الثورات الداعية الي الرضا من آل محمد (ص) في عصر الخلافة. و لعله يوجد في مستقبل الزمان حرکات أخري بشکل و آخر، تحدث فتزعزع الانحراف، و نثبت معني البطولة و الصمود في سبيل الحق.

و هذا يندرج في الحقيقة، تحت معني التمحيص الاختياري الذي سبق أن عرفناه، و هو المتضمن للاعلاء الارادي الي درجة الاخلاص و الصبر في نفس الفرد و المجتمع. و الثأر للحق دائما يکون علي هذا المستوي الرفيع.

الأمر الثاني:

مقتل النفس الزکية، فانه أحد الثائرين في درجه الظلم و الانحراف و الطغيان... و لا تکون ثورته ناجحة، بل يکون ذلک سببا لمقتله. و قد جعل مقتله علامة للظهور باعتبار أهميته و عمق فکرته.ج

سواء کان مما حدث فعلا، کما رجحناه، أو مما لم يحدث، کما هو مقتضي الفهم الکلاسيکي الذي تعضده بعض الروايات التي أخرجها في البحار، کما سمعنا.



[ صفحه 540]



فان کان مما حدث فيما سبق، فقد عرفنا أنه هو محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب. و أنه أحد الثائرين بوجه الدولة العباسية في عصورها الأولي.

و ان کان مما لم يحدث، فيکفينا مجرد التنبوة بمقتله و اهميته لنعرف أنه مقتول بين الظالمين المنحرفين لا محالة.علي أن مکان مقتله، و هو ما بين الرکن و المقام بيدلنا علي أهمية مقتله و خطورته بنظر قاتليه و المعتدين عليه، حيث لا يکون بامکانهم القبض عليه أو تأجيله أو اخراجه من المسجد الحرام، بل يکون من مصلحتهم استعجال قتله هناک، و هتک الحرمة الاسلامية الکبري لذلک المسجد المقدس. و ما ذلک الا لعمق دعوته و صراحتها في الحق، و مجافاتها لمسالک الظلم و الانحراف.

و سوف نفصل الکلام، طبقا لهذا الفهم، في التاريخ القادم، و سنعرف أنه يصبح رسول المهدي (ع) الي المسلمين، و أنه يقتل قبل ظهوره بقليل.

المستوي الثالث:

ما کان علي مستوي التنبيه الالهي الاعجازي علي خطورة الانحراف و قرب الظهور.

و أهم ما يندرج في ذلک: الصيحة و النداء باسم المهدي (ع) و کسوف الشمس في وسط الشهر و خسوف القمر في آخره. و هي و ان کان بالامکمان حملها علي الرمز، الا أنه بعيد. و المعتقد أن الدلالة عليها صريحة غير رمزية. و قد سبق أن عرفنا مالها من التأثير في تنبيه المومنين الممحصين علي قرب الظهور، و لزوم المبادرة الي نصرة الامام المهدي عليه السلام.

و أما المعجزات الأخري المروية، فليست علي هذا المستوي الثالث: أما النار التي تخرج من الحجاز تضي ء لها أعناق الابل في بصري، فقد حملناها علي ظهور المهدي (ع) نفسه. و معه لا معني لادراجها في العلامات.

و أما النار التي تخرج من قعر عدن أو من اليمن، تسوق الناس الي المحشر، فهي علي تقدير ثبوتها بعد التشدد السندي، من علامات القيامة المتأخرة عن الظهور، لا من علامات الظهور نفسه. و کذلک خروج الشمس من مغربها، الا اذا حملنا ذلک علي الرمز الي ظهور المهدي (ع) نفسه، کما سبق أن حاولنا أن نفهمه. و علي کلا التقديرين، فهو ليس من علامات الظهور.



[ صفحه 541]



و أما انحصار الفرات عن کنز من ذهب، فقد تکلمنا عنه، و عرفنا کونه أمرا طبيعيا غير اعجازي.

و أما رجوع الأموات الي الدنيا، و وقوع المسخ، و ظهور وجه و صدر في الشمس [2] و غيرها مما ذکرناه أو مما لم نذکره، فلم يثبت شي ء منها بالتشدد السندي، و معه لا حاجة الي محاولة حملها علي المعني الرمزي، و ان کان ذلک في بعضها ممکنا.

فهذا هو الکلام، في الناحية الثانية، في تأسيس الفهم العام لعلامات الظهور. و قد علمنا بکل تفصيل و وضوح مقدار ارتباطها بعصر الفتن و الانحراف، و بالتالي بقانون التمحيص الالهي.

و بهذا ينتهي الکلام في الجهة الخامسة في تعداد مقررات العلامات، و محاولة فهمها فهما منظما شاملا.

و به ينتهي الکلام في الفصل الثاني في علامات الظهور.

و هو نهاية الحديث في القسم الثالث من هذا التاريخ.

و هذا غاية مقصودنا من بيان تاريخ الغيبة الکبري. تم علي يد مولفه المحتاج الي رحمة ربه الکريم محمد بن محمد صادق بن محمد مهدي بن اسماعيل الصدر الموسوي.

و الحمد لله أولا و آخرا و صلي الله علي سيدنا و مولانا سيد الأنبياء و المرسلين و خاتم النبيين و آله الطيبين الطاهرين. و عجل الله فرج مهديهم بقية الله في أرضه أمل المظلومين و نقمة الله علي الظالمين و المطبق لشريعة سيد المرسلين. وجعلنا من المخلصين المعدين لنصرته في اليوم الموعود. و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

8 رمضان 1390

9 تشرين الأول 1970

محمد الصدر


پاورقي

[1] يونس 24:10.

[2] الارشاد، ص 337.