بازگشت

خروج يأجوج و مأجوج


أخرج مسلم و ابن ماجة [1] عن النواس بن سمعان عن رسول الله (ص) حديثا مطولا يذکر في أوله الدجال و بعض صفاته و أفعاله. ثم يذکر نزول عيسي بن مريم عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق.



[ صفحه 527]



ثم يقول: - واللفظ برواية مسلم -: «فبينما هو کذلک اذ أوحي الله الي عيسي أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحدان بقتالهم،فحرز عبادي الي الطور. و يبعث الله يأجوج و ماجوج، و هم من کل حدب ينسلون. فيمر أوائلهم علي بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ثم يمر آخرهم، فيقولون: لقد کان في هذا ماء مرة.

«و يحضر نبي الله عيسي و أصحابه حتي يکون رأس الثور لأحدهم خيرا من مئة دينار لأحدکم اليوم. فيرغب نبي الله عيسي و أصحابه، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسي کموت نفس واحدة.

ثم يهبط نبي الله عيسي و أصحابه الي الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر، الا ملأه زهمهم و نتنهم. فيرغب نبي الله عيسي و أصحابه الي الله، فيرسل الله طيرا کأعناق البخث، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله.

«ثم يرسل الله مطرا لا يکن منه بيت مدر و لا بر، فيغسل الأرض حتي يترکها کالزلقة. ثم يقال للأرض: انبتي ثمرتک وردي برکتک. فيومئذ تأکل العصابة من الرماهنة و يستظلون بقحفها. و يبارک الله في الرسل حتي أن اللقحة من الابل لتکفي ألفا من الناس. و اللقحة من البقر لتکفي القبيلة، و اللقحة من الغنم لتکفي الفخذ».

و أخرج مسلم بسند آخر [2] عن يزيد بن جابر نحو ما ذکرناه، و زاد بعد قوله: «لقد کان بهذه مرة ماء. ثم يسيرون حتي ينتهوا الي جبل الخمر و هو جبل بيت المقدس، فيقولون: لقد قتلنا أهل الأرض، هلم فلنقتل من في السماء. فيرمون بنشابهم الي السماء، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دماء».

فهذه هي أفعال يأجوج و مأجوج بعد فتح ردمهم. و هي هي نهايتهم، لو صح هذا الخبر. و حيث نعلم أن نزول عيسي عليه السلام، يکون قريبا أو مقارنا لظهور المهدي.@ عليه السلام، فيکون خروج يأجوج و مأجوج و هلاکهم بدعوات المسيح عليه السلام، سابقا علي الظهور، أي في عهد الغيبة الکبري.

و اذا غضضنا النظر عن التشدد السندي، کان المضمون العام هذا الحديث



[ صفحه 528]



أمرا محتملا، و قابلا لتفسير قوله تعالي:(حتي اذا فتحت يأجوج و مأجوج، و هم من کل حدب ينسلون. و اقترب الوعد الحق، فاذا هي شاخصة أبصار الذين کفروا. يا ويلنا قد کنا في غفلة من هذا، بل کنا ظالمين).... [3] اذا أمکن تفسير الوعد الحق بظهور المهدي (ع) باعتبار ما قلناه من أن الغرض الأساسي لله تعالي من ايجاد خلقه، متمثل بتحققه.

و واضح من الاية: أن فتح يأجوج و مأجوج سابق علي الوعد الحق...

فيکون سابقا علي الظهور. تماما کما فهمناه من الحديث. فيکون الحديث و الاية متصادقان علي معني واحد مشترک، مع غض النظر عن تفاصيل الحوادث التي أوردها الحديث.

و نحن لا نريد أن ندخل في تفاصيل المراد من يأجوج و مأجوج و اثبات حقيقتهم و کيفية بناء السد ضدهم و فتحه. فان لذلک مجال آخر و يکفينا بهذا الصدد ظاهر القرآن الکريم. و هو خال من العجائب التي نسبت في عدد من المصادر اليهم.

فان ما يدل عليه ظاهر الکتاب الکريم، هو انهم قوم بدائيون متوحشون کانوا يعيثون في الأرض الفساد، افکانالسد الذي بناه ذو القرنين سببا لنجاة الناس منهم. و بقي هولاء وراء السد، حتي اذا بلغوا من الکثرة في المستوي العقلي و الحضاري، ما يستطيعون به السيطرة علي هذا السدد، فانهم يخرجون الي العالم مرة أخري و يتجدد فسادهم، و يذوق البشر منهم الأمرين. کيف و هم أصبحوا حاقدين علي البشر الأخرين من بناء السد ضدهم.

و سوف يصادف خروجهم من وراء السد، الزمان السابق علي يوم الظهور بقليل، بمقتضي ما فهمناه من الاية الکريمة، و الحديث. و سوف نعرض أطروحة متکاملة عن فهم هولاء الناس في التاريخ القادم ان شاء الله تعالي.

و الاشکال المهم الذي يحول دون هذا الفهم هو احتمال أن يراد بالوعد الحق يوم القيامة. و لعمري أنه أمر محتمل و ان کان سياق الاية مناسب تماما مع افتراض کون المراد به يوم الظهور.



[ صفحه 529]



فان الاحتمالات الأولية في الوعد الحق في الاية ثلاثه:

الأول: أن يکون المراد به الوعد الالهي بفتح يأجوج و مأجوج، من ردمها. کما قد يفهم من قوله تعالي قال: (هذا رحمة من ربي، فاذا جاء وعد ربي جعله دکاء و کان وعد ربي حقا).

الثاني: أن يکون المراد به يوم القيامة.

الثالث: أن يراد به الوعد بظهور المهدي (ع) في اليوم الموعود.

أما الاحتمال الأول، فهو بعيد عن ظهور الاية التي نتکلم عنها، فان ظاهرها تأخر الوعد الحق عن فتح يأجوج و مأجوج، و ان فتحهم يکون عند اقتراب الوعد الحق، لا عند نجازه. و من المعلوم أنه کان المراد بالوعد الحق: الوعد بفتحهم، لکان فتحهم تحقيقا لذلک الوعد، لا أنه يکون مقتربا.

اذن فالوعد بفتح يأجوج و مأجوج لو کان مرادا من قوله تعالي: (فاذا جاء وعد ربي جعله دکاء)... فهو غير مراد من قوله تعالي: (و اقترب الوعد الحق). بل المراد به وعد آخر متأخر زمانا عن الفتح.

و معه يبقي هذا الوعد الحق، مرددا بين الاحتمالين الاخرين.

و قد يمکن أن يستدل للاحتمال الثاني، و هو أن يکون المراد من الوعد الحق: الوعد بيوم القيامة... يستدل عليه من سياق الايات التي وردت هذه الاية في ضمنها. و حيث يکون السياق متعرضا الي حوادث القيامة، فيعرف أن الوعد الحق يراد به الوعد بالقيامة أيضا.

قال الله تعالي: (و اقترب الوعد الحق، فاذا هي شاخصة أبصار الذين کفروا. يا ويلنا قد کنا في غفلة من هذا بل کنا ظالمين. أنکم و ما تعبدون من دون الله، حصب جهنم أنتم لها واردون). و کل ذلک يحدث في يوم القيامة، فيکون دالا علي أن المراد من الوعد الحق هو ذلک.

الا أنه يمکن هذا المستدل أن يتنازل عن هذا الفهم، اذا علم امکان حمل الوعد الحق علي ظهور المهدي (ع) بالرغم من هذا السياق. فان تطبيق الأطروحة العادلة الکاملة بعد الظهور، يصوغ المجتمع البشري بشکل جديد وقويم لا قبل للکافرين والمنحرفين به، و معه يکون من الطبيعي أن تکون «شاخصة أبصار الذين



[ صفحه 530]



کفروا». و من الطبيعي أيضا أن يقولوا في ذلک المجتمع الکريم: «يا ويلنا قد کنا» في عصر الغيبة الکبري: عصر الفتن و الانحراف: «في غفلة من هذا، بل کنا ظالمين» فاشلين في التمحيص الالهي.

و التوبة لا تکون مقبولة من المنحرفين الراسبين في التمحيص، بل سيبادر الامام المهدي ع لقتلهم و استثصالهم جملة و تفصيلا علي ما سيأتي في التاريخ القادم. و من هنا يذهبون بسرعة الي جهنم. طبقا لقوله تعالي: «أنکم و ما تعبدون» من أشخاص و مصالح، کانت مقدسة من عهد الفتن و الانحراف، «و من دون الله، حصب جهنم أنتم لها واردون».

ليس هذا فقط، بل يمکن أن يکون قوله تعالي: (فاذا جاء وعد ربي جعله دکاء و کان وعد ربي حقا)... لا يراد به الوعد بفتح يأجوج و مأجوج، بل الوعد بالظهور أيضا. طبقا لما فهمناه من الاية والحديث من أن فتح يأجوج و مأجوج يکون قبيل الظهور. و يکون المراد من مجيئه في الاية الکريمة، المشارفة علي المجي ء، و لو بقرينة الاية الأخري.

هذا الذي قلناه کله، بحسب الامکان و الاحتمال. و أما صعود هذه الفکرة الي مرتبة الاثبات التاريخي، فهو متوقف علي استظهارها جليا من الاية، و لا يکفي کونها مناسبة معها. فان تساوي الاحتمالين في معني الوعد الحق، لا يعني امکان استدلال علي المطلوب. و معه يکون تأييد الاي للحديث الشريف غير متحقق. فيبقي الحديث بدون قرينة. و معه لا يمکن.ن يصمد أمام التشدد السندي و يسقط عن امکان الاثبات التاريخي. و معه نبقي جاهلين بتقدم خروج يأجوج و مأجوج علي عهد الظهور.

يبقي التساول عن مدي صحة التفاصيل الموجودة في الحديث، و مدي امکان الاخذ بها. و الصحيح أنها لا تکاد تصلح للاثبات التاريخي. و هذا واضح ان أسقطنا الحديث تماما. و أما اذا غضضنا النظر عن ذلک واعتبرنا الاية قرينة عليه، و أخذنا به. فاننا انما نأخذ بالحديث بمقدار مطابقته للاية، و هو دلالته علي فکرة تقدم خروج يأجوج و مأجوج علي الظهور. و أما التفاصيل، فتبقي غير ثابتة طبقا للتشدد السندي، و معه لا يکون من المهم أن ننظر في تمحيص هذه التفاصيل.



[ صفحه 531]



فهذه جملة مهمة من علائم الظهور، کما وردت في نصوص الأخبار.

تبقي بعض العلامات الأخري، التي يفه ممن النصوص قربها الشديد للظهور، کالنداء باسم المهدي (ع) و نزول عيسي بن مريم عليه السلام و غيره... فهذا ما ينبغي تأجيله الي التاريخ القادم، تاريخ ما بعد الظهور.


پاورقي

[1] ج 2، ص 1356.

[2] ج 8، ص 199.

[3] 97:21.