ظهور السفياني
و قد اختصت به المصادر الامامية، و ليس له في المصادر الأولي للعامة أي أثر... ولعل فيه تعويضا عن فکرة الدجال الذي اختص به العامة أو کادوا، لمبررات معينة ستأتي الاشارة اليها.
و الأخبار عنه في المصادر الامامية، و ان کانت کثيرة، الا أنها لا تبلغ بأي حال مقدار أخبار الدجال التي حفلت بها المصادر العامة. کما أنها خالية عن نسبة الأمور الاعجازية الي السفياني، علي ما سنعرف. و بذلک يندفع الاعتراض المهم الذي
[ صفحه 518]
کان واردا علي أخبار الدجال، من حيث عدم امکان صدور المعجزة من أصحاب الفعالة و المنحرفين.
و تتم ايضاح فکرة السفياني ضمن أمور:
الأمر الأول: في الأخبار الدالة علي وجوده و صفاته.
أولا: في تسميته و اثبات أصل وجوده:
أخرج الشيخ في غيبته [1] عن أبي عبدالله الصادق (ع)، ان أبا جعفر الباقر (ع) کان يقول:«خروج السفياني من المحتوم». و في خبر آخر [2] عن أميرالمومنين (ع) قال: «قال رسول الله (ص): عشر قبل الساعة لا بد منها: السفياني...» الحديث.
و أخرج الصدوق في الاکمال نحا من هذا الأخير. [3] و في خبر آخر عن أبي عبدالله (ع) قال: «ان أمر السفياني من المحتوئم». و في خبر اخر عنه (ع): «قبل قيام القائم خمس علامات محتومات: اليماني و السفياني...» الحديث.
و أخرج النعماني في غيبته [4] عن أبي عبدالله (ع) أنه قال: «للقائم خمس علامات: السفياني...» الحديث.
و أخرج [5] أيضا عنه عليه السلام، قال الراوي: قلت له: ما من علامة بين يدي هذا الأمر. فقال: بلي. قلت: و ما هي؟ قال: هلاک العباسي و خروج السفياني...» الحديث.
و في خبر آخر [6] عنه عليه السلام في تعداد علائم الظهور، قال: «اذا اختلف ولد العباس... و ظهر السفياني...» الحديث.
و في البيان الذي ختمت به الغيبة الصغري، و هو ما أخرجه السمري عن
[ صفحه 519]
الامام المهدي (ع) يقول فيه. [7] «فمن ادعي المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة، فهو کذاب مفتر».
الي غير ذلک من الأخبار... و هي بمقدار تکفي للاثبات التاريخي، و معه لا بد من الالتزام بوجود السفياني في الجملة.
ثانيا: اسمه و نسبه:
في خبر [8] عن أميرالمومنين (ع) أنه قال: «يخرج ابن آکلة الأکباد عن الوادي اليابس. الي أن قال: اسمه عثمان و أبوه عنبسة و هو من ولد أبي سفيان».
و أخرج الشيخ [9] عن علي بن الحسين عليه السلام في حديث. قال: «ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس، و هو من ولد عنبسة بن أبي سفيان».
ثالثا: زمان خروجه علي وجه الاجمال:
أخرج الشيخ [10] عن أبي عبدالله (ع) قال: «خروج الثلاثة: الخراساني و السفياني و اليماني، في سنة واحدة في شهر واحد،في يوم واحد...» الحديث.
و أخرج الصدوق [11] في اکمال الدين عنه عليه السلام، قال: «ان أمر السفياني من المحتوئم و خروجه في رجب».
رابعا: مکان خروجه:
أخرج الصدوق [12] عن أبي منصور البجلي، قال: «سألت أبا عبدالله (ع) عن اسم السفياني، فقال: و ما تصنع باسمه، اذا ملک کور الشام الخمس: دمشق و حمص و فلسطين و الأردن و قنسرين، فتوقعوا الفرج. قلت: يملک تسعة أشهر؟ قال: لا. ولکن يملک ثمانية أشهر لايزيد يوما».
[ صفحه 520]
و أخرج النعماني [13] عن أبي جعفر محمد بن علي (ع) في حديث طويل يقول فيه: «لا بد لبني فلان [14] من أن يملکوا، فاذا ملکوا ثم اختلفوا تفرق ملکهم و تشتت أمرهم، حتي يخرج عليهم الخراساني و السفياني، هذا من المشرق و هذا من المغرب، يستبقان الي الکوفة کفرسي رهان هذا من هنا، و هذا من هنا،حتي يکون هلاک بني فلان علي أيديهما. أما أنهم لا يبقون منهم أحدا».
ثم قال: «خروج السفياني و اليماني و الخراساني في سنة واحدة. في شهر واحد، نظام کنظام الخرز، يتبع بعضه بعضا... الخ». الحديث.
و أخرج أيضا [15] عن أبي جعفر الباقر (ع) أنه قال: «لا بد أن يملک بنو العباس. فاذا ملکوا و اختلفوا و تشتت أمرهم، خرج عليهم الخراساني و السفياني، هذا من المشرق و هذا من المغرب يستبقان الي الکوفة کفرسي رهان، هذا من ههنا و هذا من ههنا، حتي يکون هلاکهم علي أيديهما. أما أنهما لا يبقون منهم أحدا أبدا».
خامسا: عقيدته:
يظهر من بعض الأخبار أنه مسيحي، أو من صنائع المسيحيين. کالخبر الذي أخرجه الشيخ في الغيبة. [16] قال: «يقبل السفياين من بلاد الروم منتصرا في عنقه صليب، و هو صاحب القوم».
و يظهر من بعض الأخبار أنه من المسلمين المنحرفين المبغضين لأميرالمومنين علي بن ابي طالب عليه السلام. کالذي أمرجه الشيخ [17] عن أبي عبدالله (ع) قال: «کاني بالسفياني - أو لصاحب السفياني - قد طرح رحله في رحبتکم بالکوفة، فنادي مناديه: من جاء برأس شيعة علي فله ألف درهم. فيشب الجار علي جاره
[ صفحه 521]
و يقول هذا منهم. فيضرب عنقه و يأخذ ألف درهم. أما أن امارتکم يومئذ لا تکون الا لأولاد البغايا...» الحديث.
سادسا: ان الجيش الذي يخسف به في البيداء هو جيش السفياني نفسه:
فمن ذلک ما أخرجه النعماني [18] بسنده الي الامام أبي جعفر الباقر عليه السلام، أنه قال في حديث ذکر فيه السفياني: «و يبعث السفياني بعثا الي المدينة فينفي المهدي منها الي مکة. فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج الي مکة، فيبعث جيشا علي أثره، فلا يدرکه حتي يدخل مکة خائفا يترقب علي سنة موسي بن عمران. قال: و ينزل أمير جيش السفياني البيداء، فينادي مناد من السماء: يا بيداء أبيدي القوم، فيخسف بهم. فلا يفلت منهم الا ثلاثة...» الحديث.
و من ذلک: ما رواه في منتخب الأثر [19] عن ينابيع المودة مرويا عن علي کرم الله وجهه في قوله تعالي: (و لو تري اذ فزعوا أفلا فوت). قال:«قبيل قائمنا المهدي يخرج السفياني فيملک قدر حمل امرأة تسعة أشهر. و يأتي المدينة جيشه حتي اذا انتهي الي البيداء خسف الله به».
و ما رواه أيضا [20] عن البرهان في علامات مهدي آخر الزمان مرويا عن أميرالمومنين علي بن ابي طالب (ع) قال: «السفياني من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان... الي أن قال: و يخرج رجل من أهل بيتي في الحرم فيبلغ السفياني، فيبعث اليه جندا من جنده، فيهزمهم. فيسير اليه السفياني بمن معه. حتي اذا جاوزوا ببيداء من الأرض خسف بهم، فلا ينجو منهم الا المخبر عنهم».
الي غير ذلک من الأخبار.
فان صحت هذه الأخبار، کانت کل الأخبار التي تتحدث عن الجيش الذي يخسف به في البيداء، و التي هي مستفيضة بين الفريقين، کانت دالة علي بعض أعمال السفياني. و بخاصة و قد سمعنا من الأخبار التي أخرجتها صحاح العامة من
[ صفحه 522]
ذلک: ان الخسف يکون بسبب تهديد الجيش لعائذ يعوذ بالبيت الحرام أو قوم لا عدة لهم يعوذون به. و ها نحن نسمع هذه الأخبار تفسر هذا العائذ و هولاء القوم بالمهدي (ع) و أصحابه. و هو مطلب واضح لا غبار عليه، اذ من يمکن أن يستحق هذا الدفاع الالهي عنه غيره عليه السلام.
الا أن صعوبة واحدة تبقي، و هي أن هذه الأخبار الأخيرة، هل هي قابلة للثبات التاريخي مع التشدد السندي أو لا. و مهما کان الجواب، فالأمر موافق مع الاعتبار کما رأينا.
فهذه هي أهم الأوصاف التي ذکرت للسفياني في المصادر الامامية. و لا شک أن أکثرها لا يمکن اثباته تاريخيا بعد التشدد السندي.
نعم، بعد حمل جملة منها علي الرمزية، من أجل أن تربط بالمضمون العام لعصر التمحيص و الامتحان.. يکون مضمون أکثرها صحيحا علي ما سنري.
الأمر الثاني:
في تمحيص دلالة هذه الأخبار بوجه عام، مع غض النظر عن التشدد السندي و الحمل الرمزي.
فان في هذه الأخبار عدة نقاط ضعف، مما يضعف احتمال صدورها عن المعصومين عليهم السلام، و من ثم امکان الأخذ بها بصفتها صالحة للاثبات التاريخي.
النقطة الأولي:
التهافت من ناحية مدة ملک السفياني. اذ نسمع من أحد الأخبار أنه بمقدار حمل امرأة تسعة أشهر و من خبر آخر نفي ذلک صراحة، و انه لا يملک أکثر من ثمانية أشهر.
النقطة الثانية:
ان من هذه الأخبار ما يدل علي أن حرکة السفياني مشارکة في زوال ملک بني العباس، مع حرکة الخراساني. و هذا يعني أنها قد حدثت و انتهت. لأن ملک العباسيين قد زال منذ أمد بعيد.
[ صفحه 523]
و لکن ينافي ذلک دلالة الأخري علي ارتباط حرکة السفياني بالخسف، فان الخسف مما لم يحدث بعد قطعا الي حد الان، و معه يکون السفياني متأخرا عن دولة العباسيين بدهر طويل، بحيث لا يمکن الارتباط بهم باي شکل من الأشکال.
النقطة الثالثة:
أنه دلت بعض هذه الأخبار علي أن زوال ملک بني العباس نتيجة لحرکتين مضادتين متعاصرتين هما حرکة الخراساني و حرکة السفياني. و لم يعرف شي ة من ذلک في التاريخ. و انما الغزو المغولي هو الذي استأصلهم و أزال دولتهم، و بقي بعدهم منفردا بالحکم مدة من الزمن، ولا يعرف له قرين آخر في المنطقة.
النقطة الرابعة:
التهافت في تعيين عقيدته کما سمعنا. و أنه هل هو من المسيحيين أو من المسلمين المنحرفين.
و قد يخطر في الذهن: أن الخبر الثاني الذي رويناه في عقيدته، لم يدل علي أنه من المسلمين و انما دل علي مطاردته لشيعة علي عليه السلام فلعله مسيحي يعمل ذلک اذن فلاتنافي بين الخبرين.
الا أن هذا لا يصح، لأکثر من جواب. أولا: أن المسيحي مهما کان شديدا ضد المسلمين، من البعيد جدا أن يخصص عداوته بشيعة علي دون غيرهم. و انما هذا من عمل المسلمين المنحرفين عادة. و ثانيا: ان الخبر الأول الدال علي کونه مسيحيا، غير قابل للاثبات التاريخي، علي کل تقدير، لأنه ليس مرويا عن معصوم، فان الشيخ أخرجه بسنده عن بشر بن غالب قال: «يقبل السفياني...» الخ. و ليس فيه دلالة علي أنه مروي عن أحد المعصومين عليهم السلام.
الأمر الثالث:
و قد يخطر في الذهن اتحاد شخصيتي الدجال و السفياني في رجل واحد. و خاصة بعد التشدد السندي الذي اتخذناه، و اسقاط تفاصيل أوصافهما عن الاعتبار. و لا يبقي من المتيقن الا أن کلا الاسمين عنوان لرجل منحرف خارج علي تعاليم الاسلام و مفسد في مجتمع المسلمين، ففي الامکان انطباقهما علي رجل واحد وحرکة واحدة.
[ صفحه 524]
و مما يويد ذلک ما عرفناه، من أن التعبير بالدجال هو المتخذ في المصادر العامة عادة، و التعبير بالسفياني هوالمتخذ في مصادر الامامية، ففي الامکان افتراض أن يکون التعبيران معا عن رجل واحد، نظر اليه أصحاب کل مذهب من زاويتهم المذهبية الخاصة.
الا أن هذا لا يکاد يصح، لا علي المستوي الرمزي و لا علي المستوي الظاهر.
أما علي المستوي الرمزي، فالأمر واضح، لأن الدجال يمثل حرکة الانحراف عن الاسلام أساسا أو الکفر الصريح، بسبب الشهوات و اتباع المصالح الخاصة. والسفياني يمثل حرکة القلاقل والشبهات في داخل نطاق المجتمع المسلم. علي ما سنوضح فيما ياتي. و من المعلوم أن هاتين الحرکتين مستقلتان لا اتحاد بينهما علي المستوي العام، و ان اتفقتا في بعض النتائج ضد الاسلام.
و أما علي مستوي الأخذ بالظاهر، فواضح أيضا علي مستويين:
المستوي الأول:
فيما اذا أخذنا بالتشدد السندي و رفضنا الأخذ بالصفات المنسوبة الي هذين الشخصين، فانه يکفينا ظهور الاسمين في تعدد المسمين، و ان جهلنا بصفاتهما. اذ لو کانا شخصا واحدا لعبر عنه في الأخبار بتعبير واحد.
المستوي الثاني:
فيما اذا لم نأخذ بالتشدد السندي و رفضنا الأخذ بالصفات المنسوبة الي هذين الشخصين، فانه يکفينا ظهرو الاسمين في تعدد المسمين، و ان جهلنا بصفاتهما. اذ لو کانا شخصا واحدا لعبر عنه في الأخبار بتعبير واحد.
المستوي الثاني:
فيما اذا لم نأخذ بالتشدد السندي، وأخذنا بالصفات المنسوبة اليهما، فيکون الفرق بينهما أوضح و أصرح، و التعدد أبين.
و أهم الفروق بينهما في حدود ما أعطته الأخبار التي سمعناها، ما يلي:
أولا: ان الدجال يفترض فيه طول العمر، دون السفياني.
ثانيا: ان الدجال يدعي بابن صائد، و السفياني يدعي بعثمان بن عنبسة.
ثالثا: ان السفياني من أولاد أبي سفيان، دون الدجال.
رابعا: ان الدجال يدعي الربوبية، دون السفياني.
خامسا: ان الدجال کافر. و أما السفياني فلا نص في الأخبار يدل علي ذلک، ان لم يکن الظاهر کونه مسلما.
[ صفحه 525]
سادسا: ان الدجال يملک کل قرية و يهبط کل وادي، ما عدا مکة و المدينة. و ظاهر ذلک أن حرکته أوسع من حرکة السفياني علي سعتها.
سابعا: ان الدجال أعور العينين. و أما السفياني فهو ذو عينين سليمتين.
و هذه الفروق، يمکن أن تکون في غالبها فرقا بين الحرکتين علي المستوي الرمزي الذي أشرنا اليه.
پاورقي
[1] المصدر والصفحة.
[2] انظر المصدر المخطوط.
[3] المصدر، ص 267.
[4] انظر ص 133.
[5] المصدر، ص 139.
[6] المصدر و الصفحة.
[7] الاحتجاج، ج 2، ص 7.
[8] انظر منتخب الاثر، ص 457 عن اکمال الدين.
[9] انظر غيبة الشيخ، ص 270.
[10] المصدر، ص 271.
[11] انظر المصدر المخطوط.
[12] المصدر المخطوط.
[13] انظر غيبة النعماني، ص 135.
[14] يعني بني العباس.
[15] المصدر السابق،ص 137.
[16] ص 278.
[17] نفس المصدر، ص 273.
[18] انظر الغيبة، ص 149 و ما بعدها.
[19] ص 454.
[20] نفس المصدر، ص 458.