بازگشت

ظهور الدجال


و قد اختصت به المصادر العامة تقريبا، و ليس في المصادر الامامية الا النزر القليل. و أما في مصادر العامة فالأخبار عنه و عن صفاته أکثر من أن تحصي، و قد نسبت اليه کثيرا من الضرائب، لا بد من تمحيصها بغض النظر عن حملها علي الرمز - و هو ما سنتکلم عنه فيما بعد - لنري ما يتم منها، و ما لا يتم، و نتکلم عن ذلک ضمن أمور:

الأمر الأول:

مقتضي القواعد العامة التي عرفناها، لزوم الاعتراف بخروج الدجال، اجمالا. لأن الأخبار الدالة علي وجوده بالغة حد التواتر القطعي بلا شک. لکن صفاته و تفاصيل خصائصه لا تثبت، لأنها واردة - في الأغلب - في أخبار آحاد لا



[ صفحه 512]



يمکن بالتشديد السندي الأخذ بها. و معه يکون هناک مجال کبير في حمله و حمل عدد من صفاته علي الرمز، علي ما سوف يأتي.

الأمر الثاني:

فيما أخرجته المصادرالعامة من صفاته.

و نحن نکتفي بما أخرجه الصحيحان توخيا للاختصار، ما لم تدع حاجة خاصة الي التوسع.

أولا: أن النبي (ص)حذر أمته منه.

أخرج البخاري [1] عن أنس قال: «قال (ص): ما بعث نبي الا أنذر أمته الأعور و الکذاب. الا أنه أعور و ان ربکم ليس بأعور». و أخرج مسلم [2] نحوه.

ثانيا: أن النبي (ص) استعاذ من فتنته:

أخرج البخاري [3] عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «سمعت رسول الله (ص) يستعيذ في صلاته من فتنة الدجال».

ثالثا: أنه کافر.

أخرج البخاري [4] في الحديث السابق عن أنس:«و أن بين عينيه مکتوب: کافر» و أخرج مسلم [5] في حديث: «مکتوب بين عينيه: کافر. يقرؤه کل مؤمن کاتب و غير کاتب».

رابعا: أنه يدعي الربوبية.

أخرج ابن ماجة [6] عن رسول الله (ص) في صفة الدجال. و فيه يقول: «انه يقول: أنا ربکم».



[ صفحه 513]



و فيما أخرجه الصدوق من خبر الدجال [7] ما يدل علي ذلک.

اذ يقول عن الدجال انه: «ينادي باعلي صوته يسمع ما بين الخافقين من الجن و الانس و الشياطين. يقول: «الي أوليائي، أنا الذي خلق فسوي و قدر فهدي، أنا ربکم الأعلي».

و قد نوقشت دعواه هذه في الأخبار بعدة وجوه:

الوجه الأول:

قول النبي (ص) - فيما روي ابن ماجة:«ولا ترون ربکم حتي تموتوا». والمراد الاستدلال برويته في الحياة علي عدم کونه الها، لان الله تعالي لا يري.

الوجه الثاني:

قول النبي (ص) فيما سمعناه: «أنه مکتوب بين عينيه کافر يقروه کاتب و غير کاتب».

الوجه الثالث:

«أنه يطعم الطعام و يمشي في الاسواق. و ان ربکم لا يطعم الطعام و لا يمشي في الأسواق ولا يزول تعالي الله عن ذلک علوا کبيرا». [8] .

الوجه الرابع:

«أنه أعور. و أن الله ليس بأعور».

و قد أخرج الشيخان ذلک، و هو مما يويد فکرة دعواه للربوبية، بالرغم من أنهما لم يخرجا ما يدل عليها صريحا... اذ لا تصلح هذه الأخبار الا لمناقشة هذه الدعوي، و الا کان التأکيد علي کونه أعور، أمرا مستانفا.

أخرج البخاري [9] عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قال: «قام رسول الله (ص) في الناس فأثني علي الله بما هو أهله، ثم ذکر الدجال، فقال: اني



[ صفحه 514]



لأنذرکموه. و ما من نبي الا و قد أنذر قومه. ولکني سأقول لکم فيه قولا لم يقله نبي لقومه. انه أعور، و ان الله ليس بأعور».

و أخرج في حديث آخر [10] عن صفته أنه:«رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين کأن عينه عتبة طافية».

و أخرج مسلم [11] في حديث: الا أنه أعور و ان ربکم ليس بأعور». و في حديث آخر: «الدجال أعورالعين اليسري». و في حديثين آخرين: «أنه ممسوح العين».

و تجد هذا المضمون في سائر الصحاح و في مسند أحمد و مستدرک الحاکم و غيرها،بشکل مستفيض.

خامسا: طول عمره.

و هو مما لم ينص عليه الشيخان في صحيحيهما صراحة. وقد أخرج مسلم ما يدل علي ذلک بغير الصراحة. و هو أمران:

الأمر الأول:

حديث الجساسة [12] الذي يقول فيه الدجال عن نفسه: «أنا المسيخ و اني أوشک أن يوذن لي في الخروج، فاخرج فاسير في الأرض فلا أدع قرية الا هبطتها... الخ». و حيث نعلم أن الدجال لم يوذن له بالخروج الي حد الان، اذن فهو لا زال باقيا الي حد الان، و سيبقي الي حين يوذن له بالخروج.

الأمر الثاني:

أخبار ابن صياد التي تدل جملة منها أنه کان معاصرا للنبي (ص) و لم يومن به.

کالخبر الذي أخرجه مسلم [13] عن عبدالله قال: «کنا مع رسول الله (ص) فمررنا بصبيان فيهم ابن صياد، ففر الصبيان و جلس ابن صياد. فکان رسول



[ صفحه 515]



الله (ص) کره ذلک. فقال له النبي (ص): تربت يداک. أتشهد أني رسول الله؟ فقال: لا بل تشهد أني رسول الله. فقال عمر بن الخطاب: ذرني يا رسول الله حتي أقتله. فقال رسول الله (ص): ان يکن الذي تري فلن تستطيع قتله». و في حديث آخر: [14] «ان رسول الله (ص) قال: أن يکنه فلن تسلط عليه و ان لم يکنه، فلا خير لک في قتله».

و من الواضح دلالة مثل هذا القول علي وجود غرض الهي في حفظ حياته، و المنع عن قتله، ليکون هو دجال المستقبل!!.

و بعض الأخبار التي أخرجها مسلم [15] تدل علي تکذيب ابن صياد نفسه للشائعة التي تقول أنه الدجال... و قد سبق أن روينا بعضها.

سادسا: قتله للمومن و احياوه له.. قد خرج الشيطان ذلک، و قد سبق أن نقلناه و ناقشناه.

سابعا: «ان معه ماء و نارا».

فمن ذلک ما أخرجه البخاري [16] عن النبي (ص) أنه قال في الدجال: «أن معه ماء و نارا، فناره ماء بارد و ماؤه نار».

و أخرج مسلم: [17] «ان الدجال يخرج و ان معه ماء و نارا. فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق، و أماالذي يراه الناس نارا فماء بارد عذب. فمن أدرک ذلک منکم فليقع في الذي يراه نارا،فأنه ماء عذب طيب».

و أخرج في حديث آخر: «أنه يجي ء معه مثل الجنة و النار، فالتي يقول أنها الجنة هي النار».

ثامنا:«اختلاف نظام الزمان في عهده». و قد سبق أن رويناه و ناقشناه.

و تاسعا: «أنه أهون علي الله من ذلک».



[ صفحه 516]



و ظاهره نفي أن يکون معه جبل خبز و نهر ماء. و قد سبق أن رويناه عن کلا الصحيحين.

عاشرا: ما رواه ابن ماجة: [18] «ان من فتنته أن يامر السماء أن تمطر فتمطر، و يأمر الأرض أن تنبت فتنبت. و ان من فتنته أن يمر بالحي فيکذبونه، فلا تبقي لهم سائمة الا هلکت. و ان من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه، فيأمر السماء أن تمطر فتمطر و يأمر الأرض أن تنبت فتنبت، حتي تروح مواشيهم من يومهم ذلک أسمن ما کانت و أعظمه و أمده خواصرا و أدره ضروعا. و أنه لا يبقي شي ء من الأرض الا وطئه و ظهر عليه، الا مکة و المدينة...» الحديث.

حادي عشر: «أنه ما بين خلق آةم الي قيام الساعة خلق أکبر من الدجال». أخرجه مسلم. و في حديث آخر أئه قال: «أمر أکبر من الدجال». [19] .

ثاني عشر: «أنه يقتله المسيح عيسي بن مريم عند نزوله».

و قد أخرج مسلم أکثر من حديث دال علي ذلک. فمن ذلک [20] قوله (ص) عن الدجال: «فبينما هو کذلک، اذ بعث الله المسيح بن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، بين مهرودتين... فيطلبه حتي يدرکه بباب لد فيقتله».

و في حديث آخر قال رسول الله (ص): «يخرج الدجال في أمتي أربعين... فيبعث الله عيسي بن مريم،کأنه عروة بن مسعود، فيطلبه، فيهلکه».

فهذه هي المهم من صفات الدجال في المصادر العامة الأساسية.

الأمر الثالث: في تمحيص هذه الصفات:

لا شک أنه بغض النظر عن فهم رمزي شامل لهذه الأخبار، لا يصح شي ء من هذه الصفات تقريبا.

فاننا اذا أخذنا بالتشديد السندي، فالأمر واضح، لأن هذه الأخبار - في غالبها - آحاد لا يمکن الاعتماد عليها.



[ صفحه 517]



و ان غضضنا النظر عن التشدد، نري أن هذه المضامين اعجازية المحتوي منسوبة الي الدجال و هو من أشد الناس کفرا و طغيانا. و قد سبق أن بينا عدم امکان ذلک.

و لعمري، أن کلتا نقطتي الضعف هاتين: ضعف السند و ايجاد المعجزات المنحرفة، مستوعبتان للأعم الأغلب من هذه الصفات، ما عدا صفات طفيفة ککونه أعور العينين!! فأنه مستفيض النقل في الأخبار.

و معه بدور الأمر بين شيئين لا ثالث لهما، فاما أن نرفض هذه الأخبار تماما. و أما أن نحملها علي معني رمزي مخالف لظاهرها. و من الواضح رجحان الحمل علي المعني الرمزي علي الرفض التام. و بخاصة و ان مجموع هذه الأخبار متواتر عن النبي (ص)، و لا نحتمل فيه - و هو القائد الرائد للأمة الاسلامية - أن يربي الأمة علي مثل هذه العجائب و السفاسف. فيتعين أن يکون المراد الحقيقي معان اجتماعية حقيقية واسعة، عبر عنها النبي (ص) بمثل هذه التعابير طبقا لقانون: حدث الناس علي قدر عقولهم. آخذا المستوي الفکري و الثقافي لعصره بنظر الاعتبار. و من هنا ينفتح باب الأطروحة الثانية لفهم الدجال. و هي التي سنتعرض لها في الناحية الثانية الاتية.

و علي کل حال، سواء رفضنا هذه الأخبار، أو حملناها علي غير ظاهرها، فان المفهوم - علي کلا التقديرين - ان وجود الدجال أمر محق، ولکنه ليس رجلا معينا متصفا بهذه الصفات التي يدل عليها ظاهر هذه الأخبار. و لم يتحقق ذلک فيما سبق، و لن يتحقق في المستقبل. و انما هو عبارة عن ظواهر اجتماعية عالمية کافرة، سيأتي التعرض لها ان شاء الله تعالي.


پاورقي

[1] ج 9، ص 76 - 75.

[2] ج 8، ص 195.

[3] ج 9، ص 75.

[4] المصدر، ص 76.

[5] ج 8، ص 195.

[6] ج 2، ص 1360.

[7] انظر المصدر المخطوط.

[8] انظر اکمال الدين المخطوط.

[9] ج 9، ص 75.

[10] المصدر و الصفحة.

[11] ج 8، ص 195 و کذلک ما بعده من الاخبار.

[12] المصدر، ص 205.

[13] نفس المصدر،ص 189.

[14] المصدر و الصفحة.

[15] المصدر، ص 191 - 190.

[16] ج 9، ص 75.

[17] ج 8، ص 196، و کذلک الحديث الذي بعده.

[18] ج 2، ص 1360؛ و ما بعدها.

[19] کلاهما في ج 8، ص 207.

[20] انظر ج 8، ص 198.