بازگشت

في مکان المهدي في غيبته الکبري


في مکان المهدي (ع) في غيبته الکبري.

سبق ان سمعنا في تاريخ الغيبة الصغري، [1] ان المهدي (ع) قال لمحمد بن ابراهيم بن مهزيار حين قابله: يا ابن المازيار! ابي ابو محمد عهد الي ان لا اجاور قوما غضب الله عليهم و لعنهم و لهم الخزي في الدنيا و الاخرة و لهم عذاب اليم. و امرني ان لا اسکن من الجبال الا و عرها، و من البلاد الا عفرها... الخ کلامه.



[ صفحه 67]



و هو دال علي تعيين مکان المهدي (ع) في البراري و القفار النائية.. سواء في ذلک عصر غيبته الصغري، و عصر غيبته الکبري. و سواء اخذنا باطروحة خفاء الشخص او اطروحة خفاء العنوان. فانه منسجم مع کلتا الاطروحتين.

الا اننا ذکرنا ان هذا و ان کان محتملا في نفسه، الا انه مناف مع اعداد من الروايات الدالة علي وجوده بکثرة في اماکن اخري. اهمها روايات المشاهدة في الغيبة الصغري و اخبار المشاهدة الکبري... الا علي بعض الفروض النادرة او الاعجازية التي نحن في غني عن افتراضها، و المهدي (ع) في غني عن اتخاذها، فان المعجزة لا تقع الا عند توقف اقامة الحجة عليها، کما سبق.

فاذا تجاوزنا هذه الرواية يبقي الکلام في تشخيص مکان المهدي (ع) تارة بحسب القواعد العامة التي تقتضيها الاطروحتان الرئيسيتان،و اخري بحسب الاخبار الخاصة التي يمکن الاستدلال بها في هذا الصدد.

اما الاطروحة الاولي: اطروحة خفاء الشخص.. فهي تقتضي الجهل المطبق بمکانه عليه السلام، الا ما يکون عند مشاهدته حين تقتضي المصلحة ذلک.

و اما الاطروحة الاولي: اطروحة خفاء الشخص... فهي تقتضي الجهل المطبق بمکانه عليه السلام، الا ما يکون عند مشاهدته حين تقتضي المصلحة ذلک.

و اما الاطروحة الثانية: اطروحة خفاء العنوان، فقد سبق ان اوضحنا امکان ان يعيش الامام المهدي (ع) في اي مکان شاء و يذهب الي اي مکان يريد، من الحواضر او البوادي من البر او البحر او الجو،من دون ان يلفت الي نفسه نظرا او يکشف سرا. کما اوضحنا انه لاينبغي ان نتصور له مکانا واحدا مستمرا او غالبا طيلة غيبته، لان ذلک ملازم عادة لالتفات الناس الي حقيقته و انتفاء غيبته... بل هو - لا محالة - يوزع سکناه بين البلدان، لکي يبعد عن نفسه الشکوک.

و اما بحسب الروايات الخاصة،فنواجه منها عدة اخبار:

الاول: خبر المفضل بن عمر، السابق الذي يقول فيه: لايطلع علي موضعه احد من ولده و لا غيره الا المولي الذي يلي امره.

الثاني: رواية کمال الدين الانباري، التي اشرنا اليها.

الثالث: رواية زين الدين المازندراني، السابقة.

و تشترک هاتان الروايتان في بيان ان المهدي (ع) يسکن في بعض الجزر المجهولة في البحر الابيض المتوسط. و کان في هذا تطبيقا لما ورد في رواية ابن



[ صفحه 68]



مهزيار من انه لايسکن في الجبال الا و عرها و من البلاد الا عفرها، و ان لا يجاور قوما غضب الله عليهم و لعنهم!

و قد سبق ان ذکرنا، و سياتي ايضا، بان هاتين الروايتين مبتنيتان علي الاساس الذي تبتني علي الاطروحة الاولي، و معه تکون باطلة و غير معتبرة جملة و تفصيلا.

الرابع: ما ورد عن ابي بصير عن الامام الباقر (ع) انه قال: لابد لصاحب هذا الامر من عزلة، و لا بد في عزلته من قوة. و ما بثلاثين من وحشة. و نعم المنزل طيبة [2] .

و يشترک هذا الخبر مع الخبر الاول في الدلالة علي انعزال الامام المهدي (ع) و بعده عن الناس، و يتعارضان من حيث ان الاخير يثبت ان جماعة من الناس في کل جيل يعرفون المهدي و يتصلون به و يرفعون عنه الوحشة، و هذا ما ينفيه الخبر الاول بوضوح حيث يقرر عدم اطلاع احد علي موضعه حتي ولده، الا المولي الذي يلي امره. و يستقل الخبر الاخير علي تعيين مکان المهدي (ع) في طيبة، و هي مدينة الرسول الاعظم صلي الله عليه و آله.

فهذه نقاط ثلاث، ينبغي ان يقع الکلام عنها، و يحسن من اجل ضبط السياق، ان نبدا بالاخيره.

النقطة الاولي:

حول ما دل عليه خبر ابي بصير من سکني المهدي في مدينة الرسول (ص).

و هذا امر ينافيه ما ورد في خبر ابن مهزيار من اختصاص مکان المهدي (ع) في البرري و القفار. کما ينافي ما ورد في اخبار المقابلات في الغيبتين الصغري و الکبري، کما ذکرنا، من وجود المهدي (ع) في اماکن اخري من العالم. و مع هذه المنافاة لا تکاد تکون رواية ابي بصير قابلة للاثبات او الاستدلال.



[ صفحه 69]



ولو غضضنا النظر عن ذلک، لم نجد ان سکناه المدينة مناف للقواعد العامة التي عرفناها.. سواء اخذنا باطروحة خفاء الشمس او باطروحة خفاء العنوان. اما علي اطروحة خفاء الشخص، فمن الممکن ان نفترض سکناه حال خفائه في المدينة نفسها، بدون لزوم اي اشکال او صعوبة.

و اما علي اطروحة خفاء العنوان، فينبغي ان نخص هذه السکني بما اذا لم تستلزم انکشاف امره او التفات الناس الي سره. لما سبق ان عرفناه من ان سکناه المتطاولة في البلد الواحد يکون مظنة لذلک. فلا بد ان نفترض انه يعود الي سکناها بين جيل و جيل او نحو ذلک، بحيث لو راجعنا المعدل العام لزمان الغيبة الکبري، راينا مکانه الاغلب هو المدينة المنورة. و قد سبق ان عرفنا ان مثل هذا الاسلوب في سکني المدن لا يکون مظنة للانکشاف.

و لعل هذا الانسب بحال المهدي (ع) واتجاهه، من حيث انه يود مجاورة قبر جده الاعظم رسول الانساينة (ص)، و القرب الي مکان الحج ليتسني له القيام به کل عام. و بخاصة و ان اغلب سکان المدينة المنورة في اغلب اجيال التاريخ الاسلامي، ان لم يکن کلها، من المنکرين لوجوده اصلا... و هو مما يسهل له الحفاظ علي خفاء عنوانه و دوام غيبته.

النقطة الثانية:

فيما تختلف فيه الروايتان من المضمون، حول ان المهدي (ع) هل يعاشر بعض الناس اولا.

و عند الموازنة بين الامرين، لابد من عرضهما علي القواعد العامة التي عرفناها. و سوف تختلف نتيجة الموازنة طبقا للاطروحتين الرئيستين السابقتين: اما لو اخذنا باطروحة خفاء الشخص، فسوف يرجح الاخذ برواية المفضل بن عمر. و ان لم تکن مطابقة لها تماما لدلالة الرواية علي انکشاف المهدي (ع) للمولي الذي يلي امره، و هو ينافي الالتزام الکامل بهذه الاطروحة. و اما لو اخذنا باطروحة خفاء العنوان، فسوف يرجح الاخذ برواية ابي بصير، و ان لم تکن مطابقة لها تماما لدلالة الرواية علي انحصار العارفين بالمهدي (ع) و المعاشرين له بثلاثين، في کل جيل، بحيث لولاهم لکان في وحدة موحشة.



[ صفحه 70]



وهذا ما يستغني عن افتراضه بناء علي هذه الاطروحة. اذ يمکن للمهدي (ع) ان يعاشر اي شخص کما عرفنا. نعم، يمکن ان يکون للثلاثين خصيصة الاطلاع علي حقيقته، و هو امر لطيف، الا انه لا يستلزم عدمهم وجود الوحدة الموحشة علي اي حال.

النقطة الثالثة:

فيما تشترک فيه الروايتان من النص علي اعتزال المهدي (ع) عن الناس.

و هذا يمکن حمله علي احد وجهين:

الوجه الاول: ان يفسر بالاعتزال النسبي، يعني اعتزاله بصفته الحقيقية، و ان کان مرتبطا بالناس بصفته فردا عاديا في المجتمع. و هذا الوجه قريب من اطروحة خفاء العنوان. الا انه مخالف لکلتا الروايتين في ظاهرهما، کما يتضح لمن قرأهما.

الوجه الثاني:

ان يعترف بعزلته عليه السلام، بشکل مطلق.و و هذا اقرب الي اطروحة خفاء الشخص، فانها تستلزم العزلة المطلقة. و لکنه لاينافي الاطروحة الاخري لامکان ان يري المهدي (ع) حال انعزاله من دون ان تعرف حقيقته.

الا اننا عرنفا انه لاحاجة الي افتراض مثل هذه العزلة مع خفاء العنوان. ان لم تکن بنفسها ملفتة للنظر و التساول عن حقيقة هذا الفر المنعزل و عن سبب انعزاله، مما يثير حوله الانتباه.

فاذا لم يصح الوجه الاول، کما لم يصح الوجه الثاني انطلاقا من اطروحة خفاء العنوان، الصحيحة، لم يمکن القول بصحة المضمون المشترک بين الروايتين، و ان کان مدعما برواية ابن مهزيار ايضا.


پاورقي

[1] انظر ص 582 و غيرها.

[2] غيبة الشيخ الطوسي،ص 102.