بازگشت

اقامة الحدود في الغيبة


فإن قيل: فالحدود في حال الغَيْبة ما حکمها؟

فإن سقطت عن فاعلي ما يوجبها فهذا اعتراف بنسخ الشريعة!

وإن کانت ثابتة فمن يقيمها مع الغيبة؟!

قلنا: الحدود المستحقّة ثابتة في جنوب الجناة بما يوجبها من الأفعال، فإن ظهر الإمامُ والمستحقُّ لهذه الحدود باقٍ أقامها عليه بالبيّنة أو الإقرار، وإنْ فات ذلک بموته کان الإثم في تفويت إقامتها علي من أخاف الإمام وألجأه إلي الغيبة.

وليس هذا بنسخ لإقامة الحدود؛ لأنّ الحدّ إنّما تجب إقامته مع التمکّن وزوال الموانع، ويسقط مع الحيلولة.

وإنّما يکون ذلک نسخاً لو سقط فرض إقامة الحدّ مع التمکّن وزوال الأسباب المانعة من إقامته.

ثمّ يُقلب هذا عليهم فيقال لهم: کيف قولکم في الحدود التي



[ صفحه 59]



تستحقّها الجناة في الأحوال التي لا يتمکّن فيها أهل الحلّ والعقد من اختيار الإمام ونصبه؟! فأيّ شيء قالوه في ذلک قيل لهم مثله.

فإن قيل: کيف السبيل مع غَيْبة الإمام إلي إصابة الحقّ؟!

فإن قلتم: لاسبيل إليه، فقد جعلتم الناس في حيرة وضلالة وريب في سائَر أُمورهم.

وإنْ قلتم: يصاب الحقّ بأدلّته (قيل لکم: هذا تصريح بالاستغناء عن الإمام بهذه الأدلّة) ورجوع إلي الحقّ؟! [1] .

قلنا: الحقُّ علي ضربين: عقليّ وسمعيّ:

فالعقليّ يصاب بأدلّته ويدرک بالنظر فيها.

والسمعيّ (عليه أدلّة منصوبة من أقوال النبيّ عيله السلام ونصوصه) [2] وأقوال الأئمة من ولده (عليهم السلام)، وقد بيّنوا ذلک وأوضحوه، ولم يترکوا منه شيئاً لا دليل عليه.

غير إنّ هذا، وإن کان علي ما قلناه، فالحاجة إلي الإمام ثابتة لازمة؛ لأنّ جهة الحاجة إليه - المستمرّة في کلّ زمان وعلي کلّ وجه - هي کونه لطفاً لنا في فعل الواجب وتجنّب القبيح، وهذا ممّا لا يغني عنه شيء، ولا يقوم مقامه فيه غيرُه.

فأمّا الحاجة إليه المتعلّقة بالسمع والشرع فهي أيضاً ظاهرة:

لأنّ النقل، وإنْ کان وارداً عن الرسول صليّ الله عليه وآله وعن آباء



[ صفحه 60]



الإمام (عليهم السلام) بجميع ما يحتاج إليه في الشريعة، فجائزٌ علي الناقلين أن يعدلوا عن النقل، إمّا اعتماداً [3] أو اشتباهاً، فينقطع النقل أو يبقي فيمن ليس نقله حجّة، فيحتاج حينئذٍ إلي الإمام ليکشف ذلک ويوضّحه ويبيّن موضع التقصير فيه.

فقد بان: أنّ الحاجة ثابتة علي کلّ حال، وإنْ أمکنت إصابة الحقّ بأدلّته.


پاورقي

[1] إلي هنا ينتهي تفريع الإشکال، وما بين القوسين سقط من «أ».

[2] ما بين القوسين سقط من «ج».

[3] في «الغَيْبة» للطوسي - ص 96 -: تعمّداً.