الفرق بين الغيبة و عدم الوجود
فأن قيل: أيّ فرق بين وجوده غائباً لا يصل إليه أحدٌ ولا ينتنفع به بشر، وبين عدمه؟!
وألا جاز أن يعدمه الله تعالي، حتي إذا علم أنّ الرعيّة تمکّنه وتسلّم له أوْجده، کما جاز أن يبيحه الاستتار حتي يعلم منهم التمکين له فيظهره؟!
وإذا [1] جاز أن يکون الاستتار سببه إخافة الظالمين، فألا جاز أن يکون الإعدام سببه ذلک بعينه؟!
قيل [2] : ما يقطع - قبل أن نجيب عن سؤالک - علي أنّ الإمام لا يصل إليه أحد ولا يلقاه؛ لأن هذا الأمرمغيب عنّا، وهو موقوف علي
[ صفحه 56]
الشکّ والتجويز.
والفرق بعد هذا - بين وجوده غائباً من أجل التقيّة، وخوف الضرر من أعدائه، وهو في أثناء ذلک متوقِّع أن يُمکّنوه ويزيلوا خيفته فيظهر ويقوم بما فوّض إليه من أُمورهم؛ وبين أن يعدمه الله تعالي - جليُّ واضح:
لأنّه إذا کان معدوماً، کان ما يفوت العباد من مصالحهم، ويعدمونه من مراشدهم، ويحرمونه من لطفهم وانتفاعهم به منسوباً إليه تعالي، ومعضوباً [3] لا حجّة فيه علي العباد، ولا لوم يلزمهم ولا ذمّ.
وإذا کان موجوداً مستتراً بإخافتهم له، کان ما يفوت من المصالح ويرتفع من المنافع منسوباً إلي العباد، وهم الملومون عليه المؤآخذون به.
فأمّا الإعدام فلا يجوز أن يکون سببه إخافة الظالمين؛ لأنّ العباد قد يٌلجئ بعضُهم بعضاً إلي أفعاله.
پاورقي
[1] في «ب»: فإذا.
[2] في «أ» و«ب»: فإن قيل. غلط.
[3] کان في «ب»: ومعصوماً. وفي «ج»: ومعضوباً به.
والمعضوب من الرجال: الضعيف، والعضب: القطع، ورجل معضوب اللسان إذا کان مقطوعاً، عييّاً، فَدْماً.
أُنظر: الصحاح 1 / 184، لسان العرب 1 / 609 - عضب.
والظاهر أنّ جملة «ومعضوباً...» جواب ثانٍ لـ «إذا...» المتقدّمة.