بازگشت

تمهيد


من المعروف أن العلوم الشرعية نشأت من الحاجة التي حدت بالمسلمين إلي إنشائها، ثم تکاملت وصارت لها أصولها وقواعدها وعلماؤها وکتبها الخاصة بها.

فعلوم اللغة نشأت من الحاجة إلي فهم القرآن الکريم والحديث الشريف، وهما بلسان عربي مبين، فتدرجت هذه العلوم في الظهور: اللغة ثم النحو ثم الصرف فالبلاغة...

وعلوم الفقه وأصوله نشأت من الحاجة إلي معرفة الأحکام الشرعية بعد



[ صفحه 10]



غَيْبة المبين للشرع الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله وسلم) وبعد أن اختلفت الأقول في مسائل العبادات والمعاملات.

وهکذا قل في جميع العلوم الشرعية.

ومنها علم يسمي بـ (علم الکلام) نشأ بعد تفرق المسلمين في الآراء والأهواء والمسائل الاعتقادية، کالجبر والتفويض والاختيار والعدل والإرجاء... وغيرها.

وقد عرّفوا علم الکلام بأنه «علم يقتدر معه علي إثبات الحقائق الدينية بإيراد الحجج عليها ودفع الشبه عنها» [1] .

وکانت مسألة الإمامة والخلافة أساس ذلک الخلاف، فکان محور علم الکلام الأساسي مذيوم السقيفة الي يومنا هذا وسيبقي حتي ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، هو الإمامة وما يرتبط بها و يترتب عليها.

کما اشتمل عل الکلام علي بحوث عقائدية أخري کانت نتيجة لتفرق الناس عن المعين الطيب لعلوم أهل بيت النبوة سلام الله عليهم، فلو استقام الناس علي إمامة أمير المومنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) والائمة من ولده (عليهم السلام)، لکفينا مهمة تلک البحوث التي أخذت جهداً جهيداً من العلماء، ولما بقي منها إلاّ ما يختص بالأديان والملل غير المسلمة.

و کانت غيبة الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر (عليه السلام)، من أهم المحاور التي دارت عليها البحوث الکلامية منذ بداية عصرالغيبة الکبري سنة 329هـ وحتي يومنا هذا، فکانت تأخذ أبعاداً مختلفة حسب ما تقتضيه الحاجة والظروف المحيطة خلال الفترات الزمينة المختلفة.



[ صفحه 11]



يظهرذلک بوضوح من خلال کتاب «الغيبة» للشيخ النعماني، المتوفي حدود سنة 342 هـ، وکتاب «إکمال الدين وإتمام النعمة» للشيخ الصدوق المتوفي سنة 381 هـ، و إن کانا - أساساً - من المحدثين.

ثم کان لبروز متکلمي الإمامية کمعلّم الأمة الشيخ المفيد (336 - 413 هـ) والشريف المرتضي (355-436هـ) وشيخ الطائفة الطوسي (385- 460 هـ) أثراً متميزاً في بلورة علم الکلام بشکل جديد.

و نحن نقف اليوم أمام طود شامخ من أعلام الإمامية، ألا وهو:

علم الهدي أبوالقاسم علي بن الحسين الموسوي، الشريف المرتضي، قدّس سرّه:

نقف أمامه بکل تجلّة وإکبار لما بذله في الذبّ عن العقيدة بکتبه الکلامية العديدة کالشافي، والذخيرة، وتنزيه الأنبياء والأئمة، وجمل العلم والعمل، والمقنع في الغيبة، وغيرها کثير...

ويکفيه فخراً أن يکون تلميذاً للشيخ المفيد، ويکفيه عزاً أن يکون شيخ الطائفة الطوسي وسلار الديلمي وأبو الصلاح الحلبي والکراجکي وغيرهم من الجهابذة من المتخرّجين علي يديه.

وهو - قدّس سرّه - أشهر من أن يعرّف، إذ لا تکاد تجد مصدراً من مصادر التاريخ والتراجم خالياً من ترجمته، وقد کفانا أصحابها ذلک، فتفصيلها مرهون بمظانّها.


پاورقي

[1] مفتاح السعادة و مصباح السيادة ‍‌132/2.